الرهط المفسدون

أنا لا أعلم لماذا أتذكر رهط العلمانيين كلما أقرأ هذه الآيات، ربما لأن الشبه بين الرهطين يتلاقى في نقاط معينة، أو لأن الهدف يكاد يكون واحدا من التهميش لدين الله ومن ثَم إقصاءه من واقع الحياة...

“وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ {48} قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ {49} وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ {50} فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ {51} فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ {52} وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُون” {53} )

أنا لا أعلم لماذا أتذكر رهط العلمانيين كلما أقرأ هذه الآيات، ربما لأن الشبه بين الرهطين يتلاقى في نقاط معينة، أو لأن الهدف يكاد يكون واحداً من التهميش لدين الله ومن ثَم إقصائه من واقع الحياة، حتى يكون وجوده بحكم العدم.

و لذلك فإني سأقف بعض الوقفات مع هذه الآيات، لنرى الأولويات عند هذين الرهطين، و نستبصر بالقرآن لفضح هذه الطائفة المسخ، التي هي كالسرطان ينتظر الفرصة لهدم دين الله في الأرض.
قال _تعالى_:” وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ 48″

عجيب تحديد هذا الرهط بنفر يسير، فعددهم قليل جداً، و مع هذه القلة فإنهم لا يُفسدون في المدينة فقط، بل إنهم ” يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ”، فسبحان الله ! هل تأملت تعظيم القرآن للإفساد في الأرض؟ حيث جعل الإفساد في منطقة معينة هو في حقيقته إفساد في جميع أرجاء الأرض .

فماذا نقول لمن يريد أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ؟ ممن يُريدون للمرأة أن تُسفر عن وجهها، و يسعون من أجل ذلك سعياً حثيثاً، و يصبرون في هذا الطريق ثم يصبرون .

قل مثل هذا في تهميش الشريعة و سيادة القانون، و موالاة الكفار .و…و.، و القائمة طويلة جداً، و الأمثلة كثيرة و لكن هدفهم معروف و جهودهم لها مصب واحد .
ثم لو تأملنا في أهل هذه الدعوة للفساد لوجدنا عددهم قليل جداً، فهم رهط قليل قد لا يتجاوزون العدد في رهط ثمود ! و تبقى النسبة الكبيرة و المساحة المتبقية لأهل هذه الأمة المباركة، نعم قد يكون لهم أتباع و أذناب، و لكن الشأن كل الشأن عند ذلك الرهط الذين يصح أن نقول عنهم بأنهم ” يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ” .

“قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ” و لي مع هذه الآية وقفات :

أ – أن بينهم اتفاقات سرية، و عندهم اجتماعات يُعدون فيها و يخططون، ليتم الإفساد إلى غاية ما يستطيعون .

ب – ” قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ ” إذا هم من بني جلدتنا و يتكلمون بألسنتنا، بل و ربما يستدلون على مآربهم بآياتنا و أحاديثنا، فلا تعجب حين ترى الآيات يُستشهد بها، و الأحاديث يُعتضد بها، فلا تظن بأن ذلك مكارم فاضت، و لكنها محاسن غاضت .

ج – قولهم فيما حكى الله عنهم ( لَنُبَيِّتَنَّهُ ) و البيات لا يكون إلا بالليل، عجيب علاقة هذا الرهط بالظلام !! و رهطنا اليوم أشد حباً و شغفاً، فالليالي الحمراء – كما يسمونها – ربيع قلوبهم، و مجمع أفئدتهم، فإن لم يكن ثَم، فالأخرى من كيد الإسلام و أهله، يقضون الليل في نقاش و حوار، و تخطيط و إصرار، لتبييت الإسلام و أهله، لتنقرض آثاره، و تُهد أركانه، فإن لم يستطيعوا القضاء عليه بالضربة القاضية، فلا بأس بالتعامل الحضاري بما يُسمى عند أسيادهم بالموت الرحيم، فينظرون أيها أشد فتكا، و أعظم هتكا، فيلزمون الباب، و يجثون على الأعتاب، فيلقطون ما تحمله الرياح عبر الأثير، و ما يتنهد به كل مهموم و أسير، أو ما يتوجع به أي محروم كسير، فيجعلون من هذه الواقعة و تلك، السندان الذي يطرقون به الباب، و يحتجون به على أولي الألباب، فليس عندهم مانع من ليّ الأعناق، أو تقييد المطلق وجعل المقيد على الإطلاق، يُقدسون القاعدة المكافيلية بأن الوسيلة تُبررها الغاية، و إن كان رهط ثمود أرادوا أن يقتلعوا الإسلام من جذوره بقتل نبي الله صالح، فهاهم أتباعهم اليوم قد استوعبوا الدرس، و أدركوا بأن جذوره متأصلة متينة، فتبقى لهم و سيلة أخرى من هدم الدين بتهميشه و تنحيته، فيكون بمنزلة الصفر على اليسار لا قيمة له، أو بمنزلة الدولة الفلسطينية حين تكون جنباً إلى جنب مع دولة يهود !! زعموا !!

د – و أما قوله _تعالى_: ” وَأَهْلَه” فعجيب هذا القول ! فإذا كان المقصود نبي الله صالح فما علاقة أهله إذا ؟! إن في هذا فضح لهم و لمقالاتهم و أعمالهم و هنا و قفتان :
أ – الوقفة الأولى : سقوط الأقنعة و بيان الكذب و التناقض الشديد بين ما يدّعون و بين ما يعملون، فبينا هم أهل الحصافة و الرأي، و أصحاب الفكر المستنير الذين يحترمون الرأي الآخر و يتعاملون بمرونة معه، فهاهم الذين يظنون أنفسهم بأنهم العقلاء يُنكرون على نبي الله فيقولون كما في غير هذه السورة” قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـذَا”، فما بالهم الآن يُبيتون أهله و هم العقلاء !! عاشت العقول التي لا تعي ما تقول !!

و رهط اليوم ليسوا بأحسن حالا بل أسوأ، و مقال واحد فيه مخالفة لهم فإنهم يتلقونه بالرحب و السعة و المناقشة الهادئة !!

ألا بُعدا لهذا الفكر المتطرف المنحرف الذي تشرب التدليس و الكذب كما بعدت ثمود !

ب – الوقفة الثانية : مع قوله _تعالى_: ” وَأَهْلَه” عجيب أمر هؤلاء الذين اتفقوا من فجر التاريخ على إيذاء المؤمنين في أهليهم، إذا ما نسمعه اليوم – من دعوة لخروج المرأة – ما هو إلا صدى لما تعرض له الأنبياء و الصالحون في أهليهم، فقصة إبراهيم _عليه السلام_ و زوجه مع الجبار معلومة، و لوط و بناته، و موسى و أمه و أخته، و عيسى ووالدته، و كلنا يتذكر حادثة الإفك و ما فيها من إيذاء، و هذا رهط ثمود يخططون لقتل أهله معه و لا ذنب لهم !

حتى جاء هذا الزمان الذي يريدون فيه أن يقتلوا المرأة بنحر عفافها، و قتل حيائها،بدعوى التحرير … ألا شاهت تلك الوجوه و خابت كما خاب من قبلها .

فسبحان الله !! كم اختزلت هذه الكلمة من كتاب الله، من معاناة تجرع مرارتها الأنبياء و أتباعهم، كما أنها تحمل في طياتها أطنانا من دروس الصبر و التثبيت و اليقين .

” ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ” نعم أهؤلاء هم أهل العقل و الموضوعية ! كذب مع سبق الإصرار، استخفاف للعقول، و استغفال للمجتمعات، و استغلال للمناصب و المكانة الاجتماعية لحجب المعلومات، و التلبيس على المجتمع، ثم يتشدقون بعد ذلك بمصلحة المجتمع، و تخليصه من المفسدين ! أهؤلاء هم الذين يُنظرون لسعادة الشعوب و المجتمعات !! إنهم يتشدقون بالتعامل مع الحقائق و المعلومات و يستنطقون الأرقام و الإحصائيات ! هاهم يُلبسون الحقائق بل يُخفونها حتى من أنفسهم، ثم يشهدون بعد هذا الكذب و التدليس لأنفسهم” وَإِنَّا لَصَادِقُونَ”!!

ثم بعد هذا يقول _سبحانه و تعالى_: “وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ” إنه التهديد الأكيد، من العزيز الحميد، يحكي سنة إلهية، دوت على مدار التاريخ، لتُسمع من كان حيا فيرتدع، و تُذكر من كان غافلا فيرجع، إنه التهديد المبطن بالرحمة ليكفوا عن هذا المكر، و يدخلوا تحت لواء المسلمين، و إلا فإنهم “هُمُ الْمَكِيدُونَ” .

فهذه رسالة إلى من بات يُخطط و يُحلل، و يُفكر و يُعلل، و يمكر و يتحيّل، لتحريف آية قرآنية، أو طمس سنة نبوية، ليحجب الناس عن دينهم، أن المكر السيئ لا يحيق إلا بأهله، فما عاقبة مكرهم ؟

” فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ” ياللـــه !! إنها مسألة حسابية واضحة ” تِسْعَةُ رَهْطٍ ” فقط في مجتمع، قادوا المجتمع إلى الهاوية “أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ”

فيا أهل العلم ! و يا أهل الأقلام و الفكر و العقول ! إن هذا الرهط من العلمانيين يقودون المجتمع نحو الهاوية، إنهم يحملون معاول الهدم لإغراق السفينة، أنتم المعنيون بجهادهم؛ لأنهم قد اندسوا خلف الصفوف، فلا يُخلّص المجتمع من شرهم – بعد الله – إلا أنتم، و لنتأمل ما خُتمت به هذه الآية ” إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ”

أما الكفار فقد استنفر الله لقتالهم جميع المؤمنين ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ” .

نسأل الله أن يُخلص هذا المجتمع المسلم من هذا الرهط الذين يُفسدون فيه و لا يُصلحون .. آمين … آميـــــــن .

Source: www.almoslim.net

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *