الروائية اللبنانية ضحى عبد الرؤوف المُّل… «زَنْد الحَجَر» ذاكرة روح لمدينةٍ خالدة

ضحى عبد الرؤوف المل أديبة وصحافية لبنانية، من مدينة طرابلس، هذه المدينة التي أصبحت محور أعمالها الأدبية، نذكر منها.. «الوردة العاشقة» 2007، «آماسي الغرام» 2009، «رسائل من بحور الشوق» 2012، «أسرار القلوب» 2015، «هي في قبضة الريح» 2016، ورواية «زند الحجر» 2019، ثم «الواعظ» بداية هذا العام. عن الكاتبة وعالمها كان لـ«القدس العربي» معها الحوار […]

الروائية اللبنانية ضحى عبد الرؤوف المُّل… «زَنْد الحَجَر» ذاكرة روح لمدينةٍ خالدة

[wpcc-script type=”b9b968856fef90fb0859f39b-text/javascript”]

ضحى عبد الرؤوف المل أديبة وصحافية لبنانية، من مدينة طرابلس، هذه المدينة التي أصبحت محور أعمالها الأدبية، نذكر منها.. «الوردة العاشقة» 2007، «آماسي الغرام» 2009، «رسائل من بحور الشوق» 2012، «أسرار القلوب» 2015، «هي في قبضة الريح» 2016، ورواية «زند الحجر» 2019، ثم «الواعظ» بداية هذا العام. عن الكاتبة وعالمها كان لـ«القدس العربي» معها الحوار التالي..

■ من أين أتيتِ إلى الرواية؟
□ أتيتُ إلى الرواية من حارة البَّقار نفسها، منَ الملجأ الذي كنا نعيش فيه أثناء اندلاع الاشتباكات المشؤومة بين أحياء المدينة الواحدة، من زوايا الحارة وبؤسها واحتياجاتها، من إِهمالها حتى الآن، من دماء أصدقائي الذين ماتوا فيها، وما زلتُ أرى وجوههم كلما مررتُ بها. أتيتُ من البؤس الاجتماعي الذي يطالنا في كل زوايا الحياة من مدينة طرابلس وشوارعها وأزقتها، منْ عكّار وبيوتها الحجرية، ومِنْ قلبِ «رؤوف» ومِنْ روحِ «عفاف». ومن قصّة الحبّ التي لم تكتمل.
■ نشعرُ بأنَّ شخصياتك تنفلت وتخرجُ عن سيطرة السرد في مرحلة ما من حوادث «زند الحجر»، فما السبب؟
□ لا تثير الرواية الاهتمام إلا عندما تبدأ بمواجهة المواقف الصعبة، ولا بد من الاحتكام للمنطق الروائي، أو لتحقيق المعادلة الروائية في إظهار الواقع الحياتي للأبطال، وكيفية تحويل المصائر حين تتخطى الشخصيات العقبات الناتجة عن العقدة الروائية الأساسية. في النهاية الكاتب يحاول إظهار الصورة الدقيقة للواقع في المجتمعات عامة. ويواجه من خلال ذلك الكثير من التجارب التي يتصيدها، أو تلتقطها راداراته، فيدرك كيفية تحويلها إلى حدَثٍ حَيّ في فضاء روائي مُشبَع بالمعاناة والمؤثرات، التي لم تكن فعلاً في الحسبان، ولكنها لا تنفلت من البناء السردي الروائي، لأنها تصاب بفقدان التوازن، فيقع الخلل بينما يحاول إعادة إنتاج الحياة لأشخاص قد نجدهم في الحياة.
■ رؤوف هو الزوج الخائن، فيما خَدّوج هي الزوجة المخلصة، لماذا جعلته إنسانياً ووجدانياً بما يستدرُّ عطْف وشفقةَ القارئ؟
□ أظهرتُ حاجة الرجل للحنان وللحب، في ظل التوترات الكثيرة التي يتعرض لها في الحياة، كما أظهرت خيانة المرأة المبطنة، وما أقصده تلك التي لا تحتاج لرجل، بل إلى مال وأولاد وبيت فقط. وإنما تحتفظ به كما تحتفظ بلوحة جميلة على جدار لفنان مشهور، وتنسى أنَّ لهُ قلباً ينبض بالحب، وجسداً يحتاج للمسة حنان من امرأة يحبها. أما الإخلاص والخيانة فوجوههما متعددة، وفي كلِّ منها يبقى سرُّ الدافع الأساسي له، بما لا يسمح باستكناه طبيعته وخلايا نشأته. فهل الحب خيانة؟ وهل منح احتياجات الآخر من مال واهتمام هو خيانة؟
■ ولماذا ركنتِ إلى سُلْطة «هدى» كراوٍ علِيم في تقييم سلوك جدها وأبيها؟
□ هدى هي المستقبل. هي الجيل الجديد وهي الميزان الحقيقي للأزمنة التي تتوالى وفق سلطة المجتمعات وتغيراتها، كما أنّنا نتأثّر بسلوكيات كثيرة تعشّشُ في ذاكرتنا أو في محيطنا الذي نحيا فيه، شئنا أم رفضنا ذلك، وبالتالي ما بين الجَد والحفيد يقع الحاضر، الذي يرافق الأبناء ويحفِّزُهم على تتبع الخطى، أو اكتشاف الأخطاء، التي وقعت في الماضي والحاضر. وعليه كانَ التمسُّك بهذه الشخصية التي تُؤمِّنُ مشروعيةً فنّية للخطاب السّردي على امتداد الحكاية.

التجريب مفهوم حمّال أوجه، فهو في الأصل مُعطى ثوري غربي النّشأة كان متوازياً مع التطور الكبير صناعياً، فضلاً عن انعتاق المجتمع وقتذاك من قيود المعتقدات الدينية

■ ألا تعتقدين أن رواية كـ»زند الحجر» تؤرِّخ وتؤسّس لذاكرة أدبية شعبية تنطلق من اقتتال مذهبيّ دمويّ حريٌّ بنا نسيانه بدون كتابته؟
□ هل يمكن تدمير ذاكرة ماض جمع في جعبته الأموات في حارة، تهجَّرَ أهلُها بدون معرفة الأسباب، وهل يمكن معرفة لماذا اختفى يهود طرابلس ويهود لبنان من لبنان؟ وهل تُبْنى المجتمعات بلونٍ أحاديّ لا يبهجُ النَّفْس، ولا يثير التفاعلات الاجتماعية بين سلبي وإيجابي؟ «زند الحجر» هي ذاكرة حارة البّقار الطرابلسية، تلك التي بقيت مهملة لما بعد إعادة إعمار بيروت. تلك الحارة التي عاشت فيها قصة الحبّ بين رؤوف وعفاف. لهذا ما كتبته في «زند الحجر» هو لإبقاء روحها الخالدة في المستقبل الذي نجهله، وندرك انه بدأ من معاناة أهلنا في كل مكان من العالم.
■ يُحسبُ لك الاعتراف ومواجهة أمكنة المَعيش في روايتك، فهل هي أمكنة سيرة ذاتية؟
□ هي أمكنة البيئة التي عشت فيها وما زلت أعيش فيها. فأنا ابنة طرابلس وأزقتها وبؤرها الاجتماعية، كما أنها الفيحاء المُمسكة بكل ما ذكرت، أمّا الاعتراف والمواجهة فأنا أعتبرهما من هويتي أو وجودي إن شئت، فلا يخرج الكاتب من ذاته أبداً إلا ليظهر ما يقبع داخله، أو بالأحرى ليكسر قوقعته ويخرج منها إلى الحياة بكل ما فيها من خيرٍ وشرّ.
■ وما رأيك في مقولة القارئ الشّريك في النّص؟
□ الروائي إمّا يجيبُ عما يمور في جوّانية القارئ من أسئلة فيُريحُهُ ويربَحهُ كمتابعٍ مُهتم، ولو كانت بعض تلك الإجابات سلبيّة أحياناً، ولكنها عزاء وجداني وإنساني. وإمّا أن يُضيف أسئلة جديدة إلى مساحة توتّر ذلك القارئ وقلقه الوجودي العام. في كلتا الحالتين القارئ شريك استراتيجي في ابتداع السّرد، وهنا بالتحديد تتحدّد موهبة الكاتب. لذا لا أخشى خذلان القارى لنصّي الجديد، إنّما أنتظر بشغفٍ تفاعلَه، وأخافُ فعلاً من نبذِهِ لشخصيات، وحبّ شخصيات أُخرى. كما أنتظر الآراء النقدية على اختلافها، لأفهم الحالات النفسية الناتجة عن المؤثرات السلوكية في الرواية المرتبطة بحياة شخوصها ومصائرهم.
■ وكيفَ ترينَ التجريب والتجديد في الرواية العربية اليوم؟
□ التجريب مفهوم حمّال أوجه، فهو في الأصل مُعطى ثوري غربي النّشأة كان متوازياً مع التطور الكبير صناعياً، فضلاً عن انعتاق المجتمع وقتذاك من قيود المعتقدات الدينية، أي باختصار هو ثورة على السائد بكافة وجوهه. وبالطبع ولأننا تأثرنا بالوافد الغربي، فقد تلقينا التجريب ومارسناه روائياً باعتماد تقنيات جديدة في السّرد. هنا برأيي تداخل المفهومان: التجريب والتجديد في ذهنيتنا وبشكل كبير وأصبحا حاجةً أبستمولوجية مُلحّة تُوظّف الرواية كرافعة نهضوية للمجتمع العربي، ولو انطلاقاً من تنظير غربي حتى هذه اللحظة على الأقل.
■ هل هذا زمنُ الرّواية؟
□ الرواية لا زمن لها! تُروى دائماً حتى على ألسن الصّغار، وإنما النشر الروائي المزدهر حالياً سببه دور النشر، التي تهتم بالإصدارات الجديدة، خاصة تلك التي تتناول بعض المواضيع المؤثّرة والقادرة على منح القارئ الجرأة لفتح الأبواب على مصارعيها. هذا الانتشار فكرياً وتقنياً هو الذي يوحي بسيطرة الرواية في زمن ما.

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *