الروائي الأردني مجدي دعيبس: متفائل بالمستقبل ما دامت الكتابة شغفا وليست نزوة عابرة

من بين التجارب الجديدة في الرواية العربية، تأتي تجربة القاص والروائي الأردني مجدي دعيبس، التي اعتمدت الخروج على الأشكال الثابتة للتأليف الروائي، بدون استعراضات الحداثة، فقد قدّم هذا الروائي الشاب اجتراحاً في الكتابة السردية يخصه وحده، وبمناسبة حصول روايته الأولى «الوزر المالح» على جائزة (كتارا) لهذا العام.. كان لـ«القدس العربي» معه هذا الحوار.. ■ بداية […]

الروائي الأردني مجدي دعيبس: متفائل بالمستقبل ما دامت الكتابة شغفا وليست نزوة عابرة

[wpcc-script type=”04459ec2d109b5d13511aab7-text/javascript”]

من بين التجارب الجديدة في الرواية العربية، تأتي تجربة القاص والروائي الأردني مجدي دعيبس، التي اعتمدت الخروج على الأشكال الثابتة للتأليف الروائي، بدون استعراضات الحداثة، فقد قدّم هذا الروائي الشاب اجتراحاً في الكتابة السردية يخصه وحده، وبمناسبة حصول روايته الأولى «الوزر المالح» على جائزة (كتارا) لهذا العام.. كان لـ«القدس العربي» معه هذا الحوار..

■ بداية .. ماذا نقرأ في هويّة مجدي دعيبس؟
□ أنا مهندس اتصالات وعميد متقاعد في سلاح الجو الملكي، وأعكف حاليا على تحصيل درجة الماجستير بتخصص (علوم وهندسة النانوتكنولوجي) من جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية. صدرت لي روايتان: «الوزر المالح» عام 2018 و«حكايات الدرج» عام 2019 بالإضافة إلى مجموعة قصصية بعنوان بيادق الضالين.
■ كيف بدأ مشوارك مع الرواية، وماذا يعني لك فعل الكتابة؟
□ أعتقد أن القصة تتكرر مع معظم الكتّاب وهي الانجذاب نحو القراءة في المراحل العمرية المبكرة فتتشكل اللغة وتتراكم المعرفة والخبرات الحياتية مع تقدم العمر. تشعر في مرحلة معينة بأنه لديك ما تقوله وأن الخيال الروائي والبناء الفني وحركة الشخصيات أمور يمكن تشكيلها وبلورتها بالاتجاه الذي تريد، ثم يتحول الأمر إلى هاجس وثقل متعب يسعى الكاتب من خلال الكتابة إلى إزاحته عن ظهره. الكتابة شغف والرواية رحلة لاكتشاف الذات والغوص في النفس البشرية.
■ وكيف تتجسد التجربة الإبداعية في ذهنك أولاً صورة المكان؟ أم صورة الشخصية أم الأحداث؟
□ لست متأكدا من الترتيب الذي يتم به الأمر، لكن تتوالى الصور والأحداث والشخصيات، وتتطور خلال عملية الكتابة، وعند مراجعة النص تظهر لديك ثغرات ونواقص وأحيانا زوائد، تشكل عبئا على العمل، فتتخلص منها حتى يستقيم ولا يشعر بأنه قد أجبر على التمدد باتجاه عشوائي.
■ لقرية الحصن مكانة في نفسك وفي رواياتك، فما السر؟
□ محل ولادة الإنسان له وقع خاص في وجدانه وذكريات طفولته وصباه، ويبقى الحنين إلى تلك الأيام مثار شجن وعاطفة، يحاول الزمن أن يمحو منها بعض الشيء بفعل التقادم، الذي ينال من الذاكرة، لكن المكان يعاند هذا الفعل ويظل يشدك إلى أحداث ومشاهد مرتبطة به ارتباطا وثيقا. تسلسل الأحداث كان أنني قد عقدت العزم على كتابة عمل تكون الحصن جزءًا منه مكانا وبيئة وناسا، ثم اهتديت إلى فكرة الرواية التي يمكن أن تندرج تحت النوستالجيا. الحصن حاضرة في الماضي والحاضر والمستقبل وستبقى الفضاء الحميم الذي ينبش اللاوعي ويبحث عمّا يُقال أو عمّا يُكتب.
■ من يقرأ رواية «الوزر المالح» يشعر بوجود ثقل للتاريخ والماضي على مجمل الشخصيات والأحداث، فما هو الدافع الذي يجعلك أو يجعل الشخصيات تستدير إلى الماضي؟
□ التاريخ مادة غنية وحية ومغرية أيضا، وأستمتع جدا بقراءة الكتب التاريخية، حتى نفهم ونهضم ما يحدث علينا أن نفهم ما حدث أولا. الكثير من الكتّاب يستخدمون التاريخ لإسقاطه على الحاضر والواقع السياسي والاجتماعي في المنطقة العربية، وهي أعمال ناجحة وجميلة.
■ في كتابتك وكأنك كنت تؤرخ مكاناً وزماناً، هل يستطيع الباحثون الاستعانة برواياتك كمرجعية تاريخية؟
□ التاريخ والخيال يتوازيان ويتقاطعان في الرواية التاريخية فأحيانا تتوقف الجغرافيا ويصمت السارد التاريخي، ويبدأ الخيال بتأثيث المكان وإدارة المونولوج الذي يبرز الشخصية وهواجسها ودوافعها. يمكن أن تكون الرواية من التأريخ الاجتماعي، ولكن ليس كمصدر من المصادر التاريخية المتخصصة.
■ تستخدم مفردات لافتة في السرد، من أين استقيت هذه اللغة ؟

□ اللغة هي الحاضنة التي تحمل الأفكار والرؤى، لكنها ليست الهاجس الذي يسيطر على العمل الأدبي. تنوع مصادر القراءة من الكتب الكلاسيكية إلى الإصدارات الحديثة يحسّن قدرة التركيب على مستوى الجملة، وهذا أمر بالغ الأهمية.

تطرح مجموعة «بيادق الضالين» مواضيع اجتماعية مختلفة من فقر وبطالة ومخدرات وفساد، وفيها أيضا من القلق الوجودي. تعتمد غالبية القصص على أسلوب المفارقة التي تأتي بنهاية مباغتة.

■ يحتل الحوار في رواياتك حيزاً كبيراً، لماذا التركيز على عنصر الحوار، وماذا يضيف الحوار للنص الإبداعي؟
□ الحوار الجيد من مقومات العمل المتماسك على أن لا يكون هناك إسفاف أو حشو لا لزوم له. الحوار والمونولوج والوصف عناصر تكمّل بعضها وتكشف خبايا الشخصية ودوافعها والنموذج الذي تمثله وتدفع بالأحداث إلى البؤر الساخنة.
■ هل ثمة رقيب داخلي بينك وبين ما كنت تطمح إلى قوله في روايتك الثانية «حكايات الدرج»؟
□ الرقيب الداخلي موجود وربما أكون بحاجة لوقت أطول حتى أتخلص منه نهائيا لكنه لغاية اليوم لم يقم بعمليات كبرى، وإنما هي مجرد جراحة بسيطة لم تشوه المعنى ولا الشكل، وما كنت أنوي قوله، قلته وربما هناك أعمال لاحقة تبرز الموضوع الذي تتحدث عنه هنا.
■ هل هناك ثوابت في العمل الإبداعي الأدبي؟ أم أن الحرية هي الثابت الوحيد؟
□ الحرية محفّز أساسي لإطلاق العمل الأدبي ولكن يجب أن يشتمل الفعل الإبداعي على الأصالة، التي لا تتعارض مع الحرية، وليس لها ضوابط مكتوبة، ولكن هي مزيج من عناصر مختلفة يدرك الكاتب مداها ومقاديرها فيستخدمها بالقدر المطلوب.
■ وكيف ترى سقف الحرية لدى المبدع في العالم العربي؟
□ اختلفت الصورة النمطية لسقف الحريات عما كانت عليه في العقود السابقة، وربما كان لوسائل التواصل الاجتماعي والأدوات الجديدة الدور الأكبر في هذا التحول، فالفضاء مفتوح وقادر على استيعاب كل ما يُنشر.
■ برأيك، إلى أي حد يرصد الكاتب حركة المجتمع؟ وإلى أي مدى يمكن أن يحدث تغييراً في مجتمعه؟
□ الرواية في عصر التحولات أصبحت الشاهد على ما يحدث ويمور في الفضاء العربي من آمال وطموحات وثورات، وربما تصبح بعض الروايات من المراجع التي يوستئنس بها لرصد نبض المجتمع وتوجهاته. في رأيي التغيير بطيء، لأن الفئة التي تقرأ محدودة، وربما هنا يبرز دور السينما والتلفزيون، وتحويل بعض الأعمال إلى دراما، التي لديها جمهور أوسع وبالتالي هناك قدرة ملموسة على الوصول والتأثير.
■ ماذا بين رواياتك وسيرتك الذاتية؟ وما هي الرواية التي أثرّت فيك؟
□ في ما أظن، لم تظهر سيرتي الذاتية في الروايتين الصادرتين، ولكن ربما بدرت جزئيات بسيطة هنا أو هناك. في مراحل الوعي الأولى حزنت جدا لمصير كوازيمودو في «أحدب نوتردام» وأظن أنها دفعتني للقراءة والبحث عن نماذج إنسانية مؤثرة.
■ ما هي الصعوبات التي تواجهك كمبدع، وتواجه جيل الشباب من المبدعين حسب رأيك؟
□ قلة الوقت المتوفر للقراءة والكتابة معضلة مؤرقة بالنسبة لي، ما بين العائلة والدراسة والانشغالات الأخرى، لا يبقى من ساعات النهار أو الليل ما يصلح للتأمل أو مراجعة النصوص المكتوبة على الأقل.
■ ماذا يعني لك حصولك على جائزة (كتارا) عن روايتك الأولى «الوزر المالح»؟
□ جائزة كتارا حلم تحقق بأسرع مما توقعت وسعدت بها كثيرا، لأنها تعني الوصول إلى شريحة أكبر من القرّاء وتناولها بالنقد والتحليل من قبل المختصين، الأمر الذي يحمل في طياته الفائدة القصوى للرواية، من حيث التأشير إلى نجاحاتها وإخفاقاتها. كما أن ترجمتها إلى اللغة الإنكليزية يعني أن ثقافة مختلفة أصبح بإمكانها الاطلاع على الرواية والتفاعل معها.
■ ما هي القضية الرئيسية عند مجدي دعيبس؟ وكيف ترى مسؤولية المبدع في صنع المستقبل العربي؟
□ قبول الآخر والانفتاح على الثقافات الأخرى ومحاولة تفهم وجهة النظر المقابلة. التشدد والتمترس خلف آراء جامدة لا تتفاعل مع المدخلات الجديدة وروح العصر لا تخدم المجتمع والثقافة. مسؤولية المبدع تعرية المظاهر السلبية وتعظيم قيم التسامح والحرية والتعايش والانتصار للحق.
■ وماذا عن مجموعتك القصصية الجديدة؟
□ تطرح مجموعة «بيادق الضالين» مواضيع اجتماعية مختلفة من فقر وبطالة ومخدرات وفساد، وفيها أيضا من القلق الوجودي. تعتمد غالبية القصص على أسلوب المفارقة التي تأتي بنهاية مباغتة.
■ كيف تحولت من الكتابة الروائية إلى الكتابة القصصية؟ وكيف تقيم مساهمتك في فنّي الرواية والقصة القصيرة؟
□ من يمتلك أدوات السرد اللازمة يستطيع التنقل بين الرواية والقصة، وربما المسرح أيضا وقد يكتشف أنه يجيد القصة أكثر من الرواية. على الكاتب أن يجرب ويطور أدواته باستمرار من خلال القراءة والاطلاع على تجارب الآخرين. ما زلت في بداية الطريق والوقت لم يحن بعد للحديث عن مساهمة فعلية وإضافة نوعية في الرواية والقصة القصيرة.
■ هل أنت من المتفائلين بمستقبل الرواية في الأردن والوطن العربي؟
□ هناك حراك روائي متصاعد في الأردن، بحيث لم يعد فعل القراءة قادرا على مواكبة كل هذه الإصدارات، ولكن في المقابل تظهر روايات مدهشة ومشغولة بإحكام من قبل روائيين محترفين. متفائل بالمستقبل ما دامت الكتابة هاجس وشغف وليست نزوة عابرة.

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *