الروائي العراقي علي حسين عبيد: لا إبداع دون رسالة ولا يوجد واقع ثقافي مثالي
[wpcc-script type=”97e05da9f696e09bee5d1da6-text/javascript”]

علي حسين عبيد روائي وقاص وناقد وصحافي. عضو جمعية العلوم السياسية في العراق، وعضو اتحاد أدباء العراق والعرب. نشر أول نصوصه عام 1982 لتحفل تلك المسيرة بالإنتاجات الأدبية المختلفة، حيث أصدر مجموعتين قصصيتين هما «كائن الفردوس» و«الأقبية السرية». ورواية «طقوس التسامي» وله كتاب في الشأن الثقافي بعنوان «ثقافة الجدران». فاز مؤخرا بجائزة الطيب صالح في فئة القصة القصيرة عن مجموعته «لغة الأرض» ويكتب عمودا صحافيا بشكل أسبوعي في عدد من الصحف والمواقع الثقافية والإعلامية. عن الرجل ومسيرته الإبداعية كان هذا الحوار…
■ ما الذي جاء بك إلى حقل الإبداع؟
□ أظن أن هناك سببا أساسيا قادني إلى الكتابة الإبداعية، إنّهُ (القصَّخون أو الحكّاء) العجيب الذي ملأ طفولتي ومراهقتي بالأجواء الساحرة، والمغامرات، والبطولة، وأعني به أبي الفلاح، الذي كان يُسحر الجميع بحكاياته، التي تتميز بعنصر التشويق إلى أقصى حدوده، وبالمتعة التي كانت تدمج كياني كلّهُ بالروي العجيب وتفصلني عن واقعي، لم تكن الحكاية وحدها تُسحرني، بل الأجواء التي تحيط بي، فالقصَّخون يبدأ حكاياته ليلا، في أجواء ومؤثرات تشبه ما يحدث في صالة المسرح، في ذلك الوقت قريتنا لم تكن تعرف الكهرباء، وعلى ضوء الفانوس الخافت يبدأ سرد الأب يتجلى ويتألق ليزرع الأحلام العظيمة في مخيلتي الغرّة.
■ وهل الإبداع رسالة أم موهبة فقط؟
□ لا يمكن أن أتخيّل غياب الرسالة عن الإبداع عموما، والسرد على وجه الخصوص، ليس بالمعنى الوعظي الذي يسيء للنصوص الإبداعية، ولكن كل تجربة نقدّمها في نص سردي، سوف تقدّم درسا ما للقراء، وقد أسهمت كتابات روائية في تغيير الإنسان، فكرا وثورة وإنتاجا، أما الموهبة فربما تحرجنا في البدايات وتضغط علينا، كي نعبر عنها في وعاء سردي إبداعي، لكن بعد الرسوخ وإثبات الذات، لا يٌسحَب البساط من تحت الموهبة، والدليل ما قاله غارسيا ماركيز في مذكراته، بأنه كان يكتب كأنه (عامل) ويستمر في الكتابة نصف نهار، وهذا نظام عمل بالنسبة له، أما الذين ينتظرون الموهبة كي تدفعهم وتحثّهم على الكتابة، فهؤلاء إما مبتدئون أو كسالى.
■ فزت مؤخرا بجائزة الطيب صالح في مجال القصة، ماذا تشكل لك الجائزة وكيف ترى الجوائز بصورة عامة في مسيرة المبدع؟
□ تعلم أننا بدأنا طريق الإبداع منذ عقود، وتعرف أيضا المصاعب التي مرّت بحياتنا (الكتابية) وأنت على علم بالعقبات التي كانت توضَع أمامنا كي نُهزَم ونتوقف عن الكتابة، كما أنك على علم والوسط الثقافي كله، بأنني هجرت النشر وتوقفت عن الكتابة، وقاطعت النشاطات الثقافية خمس سنوات متوالية، بسبب الظلم والإجحاف الذي تعرضت لهما، لذلك بعد سنوات الكدح الطويلة، أنظر إلى جائزة الطيب صالح التي فازت فيها مجموعتي القصصية «لغة الأرض» بالمركز الأول، أنظر إليها على أنها نوع من الإنصاف والمكافأة العادلة التي خفَّفت من وطأة الشعور بالغبن عندي، وبخصوص موضوع الجوائز وتأثيرها في المبدع، فأقول إن الجوائز تحفّز على الإبداع، وتترك فسحة أمل لإثبات الذات عند الأدباء، كما أنها تجعل الكاتب مقروءاً ومعروفا ومتصالحا مع نفسه والآخرين.
■ متى تبدأ عندك لحظة الكتابة؟ هل هناك زمن محدد، طقوس محددة أم هي تنبع حيث تنبع الفكرة؟
□ أنا أكتب يوميا بسبب طبيعة عملي وتأمين مصدر رزق عائلتي، فالكتابة أصبحت تعيش معي في كل لحظة، لكن الكتابة الإبداعية، محكومة بشروط عديدة، تبدأ بالتخطيط وجمع المعلومات، وتوفير الوقت اللازم، وأجواء الكتابة، ثم لابد أن تحين لحظة الشروع، أو ساعة الصفر كما يسميها بعضنا، فالكتابة أشبه بخوض معركة، فيها تضحيات وخسائر وأرباح، فيها بطولة وإحباط، فيها متعة هائلة أو انتكاسة شديدة عندما لا تجد ما تكتبه متشابها مع ما خططت له، فكرة الرواية لا يمكن أن تكون آنية، إنها تجربة متشعبة تعيشها وتتغلغل في أحداثها وتفهم شخوصها، ربما مع القصة تفرض عليك فكرة معالجتها بشكل آني.
■ في كتاباتك الأدبية ثمة جنوح نحو الألم، أو جلد الذات، أو حتى الموت.. هل هذه نابعة من البيئة أم هي بتأثير الواقع؟
□ أتذكّر موقفا حدث مع أنطوان تشيخوف في تجريبه المسرحي، فقد لاقت مسرحيته الأولى فشلا ذريعا، بسبب عدم إقبال الجمهور عليها، وحدث ذلك مع المسرحية الثانية، لكن مسرحية «الخال فانيا» لاقت إقبالا جماهيريا لافتا، وحين سُئلَ تشيخوف عن السبب، فقال (إن الناس يريدون أن يروا حياتهم فوق المسرح) بمعنى يحبون ويتفاعلون ويحضرون الأعمال التي تقدم لهم أجوبة عن تساؤلاتهم، وتحل بعض مشاكلهم. وينطبق هذا على السرد أيضا، يجب أن تقدم الرواية حياة الناس، وتعالج تساؤلاتهم، وتقدم القصة تجربة تفيد القارئ وتُمْتِعهُ في آن، ولا تنسَ أننا غالبا ما نكتب عمّا يؤلمنا أو يجرحنا، وعمّا ينقصنا أيضا، فما لم تستطع الحصول عليه في الواقع، تصنعه وتحصل عليه في نصّك السردي قصة بقالب روائي أو قصصي.
■ هل تؤمن بنظرية النص المحلي، أم أن صار لزاما أن يكون الأديب متوافقا مع العالم أجمع؟
□ أنا لم أفكر بالكتابة لوسط إنساني محدَّد، لم يخطر في بالي أن أكتب للعراقيين فقط أو للعرب وحدهم، الكتابة هي التي تفرض على الكاتب صورتها، والأحداث والتجربة هي التي تصنع أو تفرض أسلوب كتابتها، بالطبع نحن حين كتبنا تأثرنا بالبيئة المحلية، وهكذا جميع الكتّاب، فالرواية الشهيرة «موسم الهجرة إلى الشمال» التي كتبها الطيب صالح، غارقة في المحلية السودانية، مع أنها طرحت إشكالية العلاقة بين الشرق والغرب، لكن بيئة هذه الرواية محلية، واشتهرت عالميا، وكذا الأمر مع رواية «منتجع الساحرات» لأمير تاج السر، فهي رواية سودانية قحّ، لكنها قدّمت نماذج إنسانية مسحوقة تعاطف معها القارئ السوداني والعربي والأجنبي أيضا.
■ تواجه عملية التلقي اليوم تحديات التقنيات الحديثة كيف يمكن تجاوزها؟
□ أرى أن التلقي في أفضل حالاته، إذا كنت تقصد عملية توصيل المطبوع وتوزيعه على القراء، فاليوم يستطيع القارئ أن يحصل على روايته المفضلة بيسرٍ كبير، عبر خطوات إلكترونية سهلة وسريعة يحمّل الكتاب الذي يرغب به، بينما في السابق كانت عملية الحصول على الكتاب معقدة، إما بسبب حجبها ومصادرتها، أو بسبب ارتفاع أسعارها، وقد عاصرت بعض الكتّاب الذين كانوا يسرقون الكتب التي يحبونها من معارض الكتب أو المكتبات بسبب فقرهم، لذلك فعملية توصيل الإبداع متاحة، أما إذا كان القصد مستوى الإقبال على القراءة والتلقي، فربما يكون الأمر معكوسا، فقد كنا نبحث عن الكتاب والمطبوع الأدبي والثقافي، ونقرأ بنهم ونباهي بقراءتنا ونستعرض ثقافتنا بمناسبة أو من دونها.
■ وكيف ترى الواقع الثقافي؟
□ لا يوجد واقع ثقافي مثالي لا في العراق ولا على المستوى الوطن العربي أو حتى العالمي، توجد في العراق أنشطة ثقافية أدبية كثيرة، ونسبة جيدة منها تدخل في إطار التميّز، وقد أعطتها وسائل التواصل الإلكترونية زخما كبيرا، جعلها متاحة حتى للمبتدئ، على عكس ما كنّا نعانيه في بداياتنا، حين كنا نقف عند أبواب المنظمات والاتحادات الثقافية بارتباك ولهفة، كي نجد لنا مكانا صغيرا للظهور أو التفاعل، الفارق كبير بين الأمس الفقير، واليوم الغني، بفرص الظهور والتوصيل.
■ بعد تجربتك الطويلة مع الكتابة قصة ورواية وشعراً، بل ونقداً أيضا.. أين ترى نفسك على خريطة الإبداع؟
□ شخصيا لا أنظر إلى نشاطي الكتابي الإبداعي بدافع الصراع مع أحد، كما أنني لم أعبأ كثيرا بتسمية الأجيال، ولا أستطيع أن أتقبّل فكرة الصراع مع مبدع سبقني أو بدأ بعدي، إذا أردت أن أضع نفسي في خريطة الأدب العراقي، فإنني أجد نفسي حاضرا في المشهد الثقافي الآن، آخذ المكان الذي أستحقه، على عكس ما كان يحدث قبل عقد وأكثر، ما عانيته من مشكلات وعزلة وشبه حرب، لم يعد لها وجود الآن، وهذا ما يجعلني مندفعا للكتابة الإبداعية أكثر من أي وقت مضى. كما أجد نفسي واحدا من كتاب السرد، له تجربة تسمح له بأن يُذكَر في المحافل والفعاليات الأدبية والثقافية، ولا أطمح إلى أكثر من هذا، يكفي أن يعدّني الوسط الثقافي العراقي أحد الكتّاب، أما المكانة والمستوى والدرجة، سوف تكفلها النصوص الإبداعية التي نقدمها، سواء حدث ذلك في حياتي، أم بعد رحيلي إلى العالم الآخر.
كاتب عراقي
