السيرة الذاتية لرجل الأعمال السعودي سليمان عبد العزيز الراجحي

"أدخِلوا فرحةً، وفرِّجوا كُربةً، وانتظروا الجزاء من الكريم". قائل هذه العبارة هو "سليمان عبد العزيز الراجحي"، وهو صاحب أكبر أرض وقفٍ على وجه الكرة الأرضية بأجمعها، وهو صاحب مصرف الراجحي، وأكثر رجال الأعمال العرب سخاءً وكرماً، وقد احتلَّ المركز 169 في قائمة أغنياء العالم. ولكن، كيف كانت حياة الراجحي؟ وكيف استطاع أن يبدأ من الصفر؟ وكيف تمكّن من أن يجعل اسم عائلته مُنافساً لأسماء العائلات الثرية في السعودية وباقي أرجاء الوطن العربي؟ سنقدِّم إليكم كلَّ ذلك في السطور القليلة القادمة.

Share your love

ولكن، كيف كانت حياة الراجحي؟ وكيف استطاع أن يبدأ من الصفر؟ وكيف تمكّن من أن يجعل اسم عائلته مُنافساً لأسماء العائلات الثرية في السعودية وباقي أرجاء الوطن العربي؟

سنقدِّم إليكم كلَّ ذلك في السطور القليلة القادمة، فتابعوا معنا.

ولادة ونشأة سليمان عبد العزيز الراجحي:

سليمان عبد العزيز الراجحي

وُلِد ونشأ سليمان عبد العزيز الراجحي في البكيرية في منطقة القصيم في المملكة العربية السعودية، وذلك في تاريخ 30 نوفمبر 1928 ميلادية، وقد تزوَّج في عمرٍ صغير، وله الكثير من الأولاد.

نشأ سليمان الراجحي في كنف عائلةٍ فقيرة، وله ثلاثُ إخوةٍ هم: صالح، وعبد الله، ومحمد؛ وكان والده محبَّاً للعلم وطالباً له، لذلك انتقل الأب مع أخوي سليمان الكبيرين صالح وعبد الله إلى الرياض، وفتح محلاً صغيراً هناك، في حين بقي سليمان في البكيرية حتَّى عام 1937، حيث عاد والده ليأخذ بقية العائلة، وكان عمر سليمان آنذاك تسع سنوات.

كان يميل منذ صِغر سنّهِ إلى العمل والتجارة، وقد دخل الكُتَّاب في الرياض، حيث كان الطلاب في ذلك الحين يدخلون الكتاتيب لحفظ القرآن، وكان هدف الراجحي في تلك الأيام هو أن يحقِّق دخلاً مادياً لعائلته؛ لذا قرَّر أن يعمل في أوقات الفراغ في مُختلف المجالات لمُساعدة عائلته، حيثُ كان يعمل في مساء كلِّ خميس بالإضافة إلى يوم الجمعة، وقد عمل كحارسٍ لبضاعة البائعين، وعمل حمَّالاً أيضاً، وكان يصل مجموع ما يُحصِّله في أوقات عمله إلى قرشٍ ونصف، فكان يشتري به أحياناً صاعاً من الطحين لأهله. كما عمل طبَّاخاً واستطاع أن يجمع ما يُقارِب الـ 30 ريالاً، وعندما توقَّف عمله كطباخٍ ولم يستطع أن يجد عملاً آخر، قرَّر أن يبيع الكيروسين، حيثُ كان يشتري صفيحةً منه ويبيعها باستخدام قارورةٍ سِعتها لترٌ واحدٌ كمعيارٍ عند البيع؛ كما أنَّه عمل في البناء لفترةٍ من الزمن، واكتسب خلال تلك الفترة خبرةً بمُختلف الأعمال التجارية وطريقة التعامل مع كافة العقليَّات التجارية.

بدايات سليمان الراجحي:

عندما أصبح في الـ 15 من عمره، استطاع أن يفتح دكَّاناً صغيراً، وذلك في عام 1943 ميلادية، في حيِّ المربع على الطريق الرئيس، وكان يبيع مُنتجاتٍ مُختلفةً فيه، منها: الشاي، والسكر، والهيل، وغيرها من المواد والمُستلزمات، بالإضافة إلى الحلويات التي كان يأتي بها من البحرين، وبعض المُنتجات الأخرى التي لا تُبَاع إلَّا هناك. واستمرَّ في العمل في هذا الدكَّان لمدة سنتين، ومن أرباح المحل الصغير استطاع أن يسدِّد تكاليف زواجه، وبعدها انتقل هو وعائلته إلى جدة ليبدأ العمل هناك مع أخيه صالح، وذلك عام 1945 ميلادية/ 1365 هجرية، حيثُ وكَّله أخوه بأعمال الصرافة في جدة ومكة المُكرمة.

عمل بجدٍّ ونشاطٍ كبيرٍ لدرجة أنَّهُ كان يقطع أحياناً ما يزيد عن أكثر من عشرة كيلو متراتٍ مشياً على الأقدام، حاملاً الأمانات والطرود على ظهره ليوصلها إلى المطار، ليوفِّر بذلك أجرة العاملين؛ كما عمل في تجارة مواد البناء والأقفال والأقمشة، واستمرَّ في العمل لدى أخيه صالح لمدة عشرة أعوام، أي حتَّى عام 1955 ميلادية/ 1375 هجرية، وفي مطلع عام 1976 هجرية فتح محل صرافةٍ في مدينة جدة تحت مسجد عكاش، وظلَّ الأخوان سليمان وصالح شركاء لغاية عام 1389 هجرية، وبعدها بدأ سليمان العمل بمفرده، وكان له آنذاك عدة فروعٍ في المملكة ما عدا الرياض، حرصاً على ألَّا يتضارب عمله مع عمل أخيه صالح؛ وكانت جميع فروعه تعمل تحت اسم “مؤسسة سليمان عبد العزيز الراجحي”.

تأسيس بنك الراجحي:

تأسيس بنك الراجحي

بعد أن عمل سليمان الراجحي بشكلٍ مُنفصلٍ عن شقيقه الأكبر صالح، وتحديداً في عام 1398 هجرية، كان سليمان يمتلك 116 فرعاً في مختلف مناطق المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى بعض البلدان العربية؛ بينما كان صالح الراجحي يملك آنذاك 6 فروعٍ مصرفية، وطلب حينها من سليمان أن يدمجا عملهما معاً لتعود الشراكة بينهما. في بداية الأمر، رفض سليمان؛ ولكن تحت إصرار شقيقه الأكبر صالح، وافق على أن يجتمع الإخوة جميعاً ويعملوا بشكلٍ موحَّد.

جاءت فكرة المصرف الإسلامي -مصرفٌ تكون مُعاملاته المالية بقوانين وأحكام الشريعة الإسلامية- بعد أن تعامل مع مُختلف المصارف العالمية، إذ كان لديه خوفٌ من الوقوع في المحظورات الشرعية، أو دخول شيءٍ من أموال الفائدة إلى حسابه؛ ولكنَّ هذا ما حدث فعلاً، لهذا بدء بطلب ترخيصٍ لفتح مكتب خدماتٍ استشارية، وتقدَّم إلى المسؤولين في البنك المركزي البريطاني في لندن؛ ولكن للأسف لم يُوافَق على طلبه، إلَّا أنَّه لم يتوقَّف عند الرفض، وطلب مُقابلتهم، واستطاع إقناعهم بوجهة نظره وأفكاره، وحصل على الموافقة، وجرى الافتتاح عام 1402 هجرية.

بعد ذلك، تجوَّل سليمان الراجحي في بعض الدول من أجل أن يُعرِّف بالمكتب الاستشاري وفوائده وخدماته التي يُقدِّمها إلى العملاء، وكان يستعين بعبد العزيز ابن باز وعبد الله بن حميد من أجل الاستشارات والفتاوي الشريعة، حيثُ لم يكن يوجد في ذلك الوقت هيئة رقابةٍ شرعيةٍ مُتخصصة. وفي العام نفسه، جرى طرح فكرة البنك الإسلامي بشكلٍ جدي، وتقدَّم الإخوة الأربعة بالطلب لحكومة المملكة العربية السعودية للحصول على الموافقة لافتتاحه، وفي عام 1408 هجرية -أي بعد ست سنواتٍ بالضبط- جرت الموافقة وأُقِرَّ النظام الخاص بالبنك، وفعلاً أُسِّس البنك باسم شركة الراجحي المصرفية للاستثمار، ليكون أول بنكٍ إسلامي في المملكة العربية السعودية، وكان عدد المؤسسين الأوائل 132 مؤسس، يدفع كلُّ واحدٍ منهم 300 ألف ريالٍ سعودي.

بعد ذلك، توسَّعت نشاطات المصرف ليُصبح له فروعٌ خارج المملكة العربية السعودية مثل: الكويت والأردن وداخل المملكة، ويمتلك مصرف الراجحي حالياً شبكة واسعةً تضم أكثر من 570 فرعاً، وأكثر من 152 فرعاً مخصصاً للسيدات، وأكثر من 4794 جهاز صراف آلي، و74612 محطة طرفية للنقاط الطرفية مثبتة مع التجار، وأكبر قاعدة عملاء في المملكة العربية السعودية.

عمل الراجحي في القطَّاع الغذائي والصناعي والنقل:

دخل سليمان الراجحي في القطاع الغذائي من خلال مشروعه “شركة الدواجن الوطنية”، وقد تحمَّلت هذه الشركة خسائر فادحة في البداية، والتي وصلت إلى مليون ريالٍ سعودي، ولم تكن هذه الخسائر في حُسبانه، ولكنَّه أصرَّ على استمرار الشركة، وكان واثقاً من أنَّها ستُحقِّق النجاح المطلوب، فأعاد بنفسه هيكلة الشركة من خلال تنظيم الأجهزة المُختلفة والموارد البشرية الموجودة فيها، واستخدم حظائر محلية الصُنع ذات كلفةٍ قليلة، إلى أن أصبح الإنتاج في الشركة يفوق مليون بيضةٍ ونصف مليون دجاجةٍ في اليوم الواحد، وأنشأ شركاتٍ مُماثلةً في مصر، وأصبحت دواجن الشركة الوطنية توزَّع في العديد من البلدان.

كما أنشأ أيضاً الشركة الوطنية الزراعية في القصيم والبُسيطاء، وتعتمد هذه الشركة بشكلٍ أساسيٍّ على الأسمدة الطبيعية، دون استخدام أي مواد كيميائية؛ حيث تستفيد الشركة من كلِّ المُخرجات، ويُعاد استخدامها من جديد؛ ممَّا أدَّى إلى زيادة جودة الإنتاج والحفاظ على البيئة.

وأنشأ أيضاً الشركة الوطنية الصناعية، والتي تضمُّ العديد من المصانع، ومنها: مصنع الرياض للكرتون، ومصنع البلاستيك، ومصنع الأدوية، ومصنع البلك الأحمر، ومصنع المُنتجات الورقية.

كما أنشأ الشركة الوطنية للنقل، والتي تساهم في دعم حركة النقل والشحن في مُختلف مناطق المملكة، وتُساهم أيضاً في دعم جميع الشركات الآنفة الذكر.

أعمال سليمان الراجحي الخيرية:

مؤسسة سليمان عبد العزيز الراجحي الخيرية:

مؤسسة سليمان عبد العزيز الراجحي الخيرية

في عام 2001 ميلادية، أنشأ الراجحي مؤسسةً خيرية تحت اسم “مؤسسة سليمان عبد العزيز الراجحي الخيرية”، وهي تقدِّم الدعم المادي للجمعيات الخيرية غير الربحية في المملكة العربية السعودية، والتي تعمل في المجالات الدعوية والإعلامية والتعليمية والصحية والاجتماعية وبناء المساجد، وافتتح لهذه المؤسسة أكثر من 13 فرعاً في مُختلف أنحاء المملكة العربية السعودية، وأسَّس أيضاً كليات سليمان الراجحي غير الربحية، والتي تقدِّم برنامجاً تعليميَّاً لدراسة الطب في 6 سنوات، كما أنَّها تُساهم في تقديم الخدمات الطبية الصحية مجاناً لجميع المواطنين.

كما أنَّ سليمان الراجحي وَقَفَ ثلثي ثروته التي تبلغ 7 مليارات دولارٍ أمريكي، ووزَّع الثلث الباقي على أولاده حسب الشريعة الإسلامية.

من ذكريات الراجحي، قصة سليمان الراجحي مع مُدَرّسه الفلسطيني:

يروي سليمان الراجحي قصته مع مدرسه الفلسطيني:

كنت فقيراً لدرجة أنَّني كنت عاجزاً عن المُشاركة في رحلةٍ للمدرسة كانت قيمة المُشاركة فيها ريالاً سعوديَّاً واحداً، ورغم بكائي الشديد لأسرتي التي لم تكن تملك هذا الريال، وقبل يومٍ واحدٍ فقط من الرحلة، وفي أثناء وجودي في المدرسة؛ أجبتُ إجابةً صحيحة، فما كان من معلِّم الفصل الفلسطيني الجنسية إلَّا أن أعطاني ريالاً مُكافأةً لي على إجابتي. ومع تصفيق الطلبة عندها، لم أفكِّر في أيِّ شيء، وذهبتُ مباشرةً واشتركتُ في الرحلة، وتحوَّل بُكائي الشديد إلى سعادةٍ غامرةٍ استمرَّت أشهراً عديدة.

كبرتُ وغادرت المدرسة إلى الحياة العملية؛ وبعد سنواتٍ من العمل، وبفضلٍ من الله عزَّ وجل، عرفت العمل الخيري، وتذكَّرت ذلك المدرِّس الذي أعطاني الريال، وبدأتُ أسأل نفسي لماذا أعطاني الريال آنذاك، أكان صدقةً أم مُكافأةً فعلاً؛ لكنَّي لم أصل إلى إجابة، وقلت أنَّه أيَّاً كانت النية فقد حلَّ لي مُشكلةً كبيرةً وقتها، ودون أن أشعر أنا أو غيري بأيّ شيء.

دفعني هذا الأمر لكي أعود إلى المدرسة، وأبحث عن هذا المُدرِّس حتَّى عرفت طريقه، فخططتُ للقائه والتعرُّف على أحواله، وفعلاً التقيتُه، ووجدته في حالةٍ صعبةٍ جداً. لقد كان بلا عملٍ ويستعدُّ للرحيل، فلم يكن منِّي إلَّا أن قلت له: “يا أستاذي الفاضل، لك في ذمتي دينٌ كبيرٌ جداً منذُ سنوات”، فقال باستغراب: “ألي دينٌ على أحد؟”، وهنا سألته: “هل تذكر طالباً أعطيته ريالاً لأنَّه أجاب كذا وكذا؟”، وبعد تذكُّرٍ وتأمُّلٍ قال ضاحكاً: “نعم نعم، وهل تبحث عني لترُدَّ لي ريالاً؟”، فأجبته: “نعم”. وبعد نقاشٍ بيننا، ركبنا السيارة، وذهبنا ووقفنا أمام فيلا جديدة، ونزلنا، وقلت له: “يا أستاذي الفاضل، هذا هو سدادُ دينك، مع سيارةٍ وراتبٍ مدى الحياة”، فذُهِل المُدرِّس وقال: “لكنَّ هذا كثيرٌ جداً”، فقلت له: “صدِّقني كانت فرحتي بريالك وقتها أكبر من فرحتك بالفيلا والسيارة، وما زلت لا أنسى تلك الفرحة”.

في الختام:

من النصائح التي كان يوجِّهها الراجحي إلى التُجار، قوله: “أيُّها التاجر، قم على عملك بنفسك”؛ وكانت هذه النصيحة وتقوى الله عزَّ وجلَّ من أهمِّ أسباب نجاح وتميُّز الشيخ سليمان عبد العزيز الراجحي.

 

المصادر: 1، 2

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!