الشاعرة ماريا يوركوفا… عن الحب والجمال والشعر في روسيا
[wpcc-script type=”3d30ac18da0c4495be384cff-text/javascript”]

طرح رئيس تحرير موقع «الرؤية الاستراتيجية روسيا ـ العالم الإسلامي» سهيل فرح على الشاعرة الروسية ماريا يوركوفا عدة أسئلة، تناولت طبيعة الإبداع الشعري وأسراره، ومصادره وأغراضه الرئيسية، فضلا عن الحالة الأدبية، لاسيما الشعرية في روسيا بعد رحيل أسماء ورموز كبيرة في فضاء الإبداع الأدبي.
■ أنت شاعرة روسية تعكسين بصورة جميلة مشاعر الحب، وتطلعات وأفراح وأحزان جيل القرن الواحد والعشرين الروسي. ماذا يعني بالنسبة لك الحب الأرضي والحب الإلهي، وكيف يتجلى الحب في شعرك؟
□ الحب محرك كل شيء في الدنيا، بما في ذلك الشعر! هذا الشعور لا يعرف حدوداً ولا أطراً، فاذا ما فتح الإنسان قلبه لحب العالم والقريب والذات السامية، ستنفتح أمامه قدرة هائلة، ويُمنح قوة لا تصدق، وبصيرة إبداعية، وكذلك إمكانية للتغلب على الكثير من مصاعب الحياة، وقهر أي قمة. الحب يلهمني، والحب الإلهي والحب الأرضي كلاهما شعور واحد متكامل، يوقظ في الإنسان كل ما هو أجمل. وكما تعرف، لغة الشعر رائعة وغنية بشكل لا يصدق، تم ابتكارها للتعبير عن تلك المشاعر التي لا يمكن التعبير عنها باللغة اليومية العادية. الشعر لا يأتي من الدماغ وإنما من القلب والروح، لذلك فإنه يجذب الجمهور إليه، فالإنسان يطمح دائما إلى النور. في قصائدي كلمات تكتسب شكلها ومعناها في آن، لذلك أضع فيها مشاعر حقيقية نابعة من الروح: الحب والحزن والسعادة والشوق، وينبغي معايشة كل كلمة من هذه الكلمات، والصبر عليها والشعور بها، حينها يمكنني أن أنقل للقراء بصدق، انفعالاتي في شكل شعري، وأن أمنحهم الفرصة ليشعروا بذلك بأنفسهم ويتأملوا ويتغيروا نحو الأفضل.
■ بماذا تتميز برأيك روحية الشعر الروسي في بداية هذا القرن، وشعر تسعينيات القرن الماضي، وكذلك السنوات الأخيرة من روسيا السوفييتية؟
□ كنت أشرت سابقا إلى أن الشعر يعبر عن ما لا يمكن التعبير عنه باللغة اليومية العادية. الشعر يعكس دائما الوضع في المجتمع، وهذا أحد مكوناته الروحية، حتى بمقدوري أن أقول الآن ـ إنه صوت الروح عند الشعب. ولا شك في أن لكل عصر خصوصيته، وقلقه، ومشاكله، وأسئلته التي غالبا ما نجد أجوبة عليها في مؤلفات الشعراء والكتاب. هذه الفترات مختلفة تماما، ولكن ما يوحدها هو: الروح الروسية التي لم تتغير قوتها أبداً.
الجمال هو شيء ما في كل مكان، يمكن أن يظهر على الصعيدين الخارجي والداخلي، ويمكن أن نشعر بالجمال، ونسمعه ونراقبه وأن نحس به.
والشاعر يتحدث بصوت عال عما يخالج قلب شعبه. فما الذي يمكن أن يكون أكثر جمالا مما جرى التعبير عنه بلغة متاحة؟ وفي الوقت نفسه ينطوي الشعر الروسي على لغز ما. ملايين الأعمال الأدبية والقصائد مترجمة إلى مختلف لغات العالم. ولدى الناس تصور عن حياة الشعب الروسي وهذا شرف عظيم لكل مَن يُقَيّم الفن الأصيل. فشعراء مِثل الكسندر بلوك وسيرغي يسينين وفلاديمير مايكوفسكي وكذلك ماريا تسفيتايفا وآنا أخماتوفا وبوريس باسترناك وأوسيب ماندلشتام والعديد غيرهم، يساعدوننا على فهم من نحن، وبالاستناد إلى التجربة الموصوفة، نتبنى القرار الصحيح. إن فرصة توسيع رؤيتك هي أفضل مكافأة تتلقاها من التعرف على الشعر الروسي.
■ مرّ أكثر من نصف قرن على رحيل شعراء عظام أمثال آنا أخمادولينا وماريا تسفيتايفا وآنا اخماتوفا، بيد أن روسيا لم تستطع أن تقدم بنفسها للعالم مثل هؤلاء العظام. ما هو سر هذه الظاهرة الإبداعية؟
□ روسيا هي الدولة التي وهبت العالم أعاظم الكتاب والشعراء، وأعتقد أن أعمال النوابغ من نثر وشعر ليست ثروة قومية، بل هي ثروة عالمية، تتجاوز الحدود والسياسة. أما بالنسبة لشعر العصر الفضي، وألمع ممثلاته: آنا اخماتوفا وماريا تسفيتافا وكذلك العديد من الشاعرات الأقل شهرة، فقد أثر الكثير من التغيرات السياسية منذ عام 1900 في تقدم الشعر النسائي، من بينها طموح النساء إلى المساواة، وهو ما أثر أيضا في ازدهار الشعر بين النساء. إن بيلا أخمادولينا تنتسب إلى ما يسمى بـ»جماعة الستينيات» مثلها مثل فوزنيسينسكي ورجديستفينسكي وأكودجافا ويفتوشنكو. إن هؤلاء الشعراء الروس العظام جمعوا حينها جمهورا يستمع إليهم، ملء ملاعب بأكملها. كان شعرهم مترعا بصدق خارق، وبمشاعر جيل الستينيات الحرة والجديدة في ذلك الزمن. ولكن للأسف مضى في روسيا ذلك الزمن الذي يستطيع فيه الشعراء جمع مستمعين تغص بهم الملاعب، ربما الذنب في ذلك يقع على استبدال مفهوم الجمال والثقافة في جميع أنحاء العالم بمفاهيم جديدة. صدقني أن في روسيا الآن ما يكفي من العباقرة، وكل شيء يعتمد على رغبة المجتمع في أن يرتفع ثقافيا إلى أعلى مما هو عليه. ثمة لدى الإنسان دائما خيار، إما أن يتطــور أو أن ينحط، كل شيء في أيدينا، وإنني على ثقة بأن شعب روسيا سيوصَّف مرة أخـــــرى بأنه «الأمة الأكثر قراءة في العالم» وأن الشباب سيختار نهج التطور الثقافي والروحي، وأنا على ثقة بأن بلدنا سيهب العالم الشعراء العظام. ولو كان بمقدوري التأثير في هذا، فإنني ومن أجل وطني مستعدة لأصبح نجمة هادية في القبة السماوية لثروة بلادنا العظمى، الأدب الروسي.
■ ما هو تفسيرك لعبارة دوستويفسكي التاريخية «الجمال يُخَلص العالم».
□ في سياق «أبله دوستويفسكي» من المعتاد أن نتحدث في المقام الأول عن قوة الجمال الداخلي ـ وبالذات هكذا اقترح الكاتب بنفسه تفسير هذه العبارة. ومن وجهة نظري، الجمال هو شيء ما في كل مكان، يمكن أن يظهر على الصعيدين الخارجي والداخلي، ويمكن أن نشعر بالجمال، ونسمعه ونراقبه وأن نحس به. وكذلك أود أن أساوي كلمة «الجمال» بكلمة «الخير»، وبما أن الجمال، وبفضل الخالق، أكثر بكثير من السلبية، فهناك أمل بأن يخلص الخير العالم! على الأقل أود أن أؤمن بذلك.
٭ كاتب ومترجم من العراق يقيم في موسكو