الشاعر الفلسطيني سعد الدين شاهين: الشعراء كالنبلاء الفقراء تحسبهم أغنياء من التعفف!
[wpcc-script type=”3f8600f9be0f22fdcbc3fa56-text/javascript”]
سعد الدين شاهين شاعر من الأردن رسم لنفسه أسلوباَ مستقلاَ بذاته ميزه عن الآخرين، حتى أصبح الكثيرون يسيرون على هدي شعره واقتراحاته الجمالية… شعره يجيء من إحساس عميق بالغربة والتشظي والخسارة، وهو يمتلك موهبة عالية، وفي شعره غنائية رقراقة متدفقة نابضة بالحنين الجارح وولاء نادر لأصول الشعر العربي ليس في شكل القصيدة فحسب بل في الرؤية التخييلية والقوالب الموسيقية.
ولد الشاعر في بيت جالا/ القدس عام 1950م، وقضى طفولته هناك، وأكمل دراسته متخرجاً في معهد المعلمين للآداب عام 1970م. شغل مناصب عديدة، فقد كان مدرساَ ومديراً في مدارس الإمارات العربية المتحدة من 1971 1985، ومسؤولاً للخدمة الاجتماعية والنفسية في المنطقة التعليمية الوسطى في الشارقة، ومسؤول شؤون الطلبة والامتحانات في المنطقة التعليمية الوسطى في الشارقة من 1979 1981، وعضو رابطة الكتاب الأردنيين وعضو الهيئة الإدارية الحالية وعدة دورات سابقة وأمين السر لدورتين متتاليتين من 2000 2004 وعضو اتحاد الكتاب العرب، وعضو هيئة تحرير مجلة أوراق لعدة دورات.
نشر أولى قصائده عام 1976م، وأصدر مجموعته الشعرية الأولى عام 1990م. صدر له حتى الآن ثلاثة عشر كتاباً، منها عشر مجموعات شعرية للكبار ومجموعتان شعريتان للأطفال، ومسرحية شعرية. وفي عام 2002 وبمناسبة إعلان عمان عاصمة للثقافة العربية صدرت له بدعم من الدائرة الثقافية لأمانة عمان رواية بعنوان (التعفير).
كتبَ عن أعماله الشعرية عدد من النقاد العرب المتخصصين في مجلات وملاحق أدبية في دول الخليج العربي والأردن.
حول تجربته الشعرية والإبداعية كان لنا معه هذا الحوار.
* من هو سعد الدين شاهين؟ هل لكم أن تعرفوا القراء الكرام بالبدايات والمؤثرات التي أثرت في نشأتكم شاعراً ؟
*من الصعب أن يحدد شاعر ما نفسه بنفسه مقولباً ذاته لأنه بذلك يكون قد حددَّ ملامح نهاياته.. إذا اعتبرت أن الشعر الذي هو منتج الشاعر وانعكاس حالاته كلها، فالشاعر كائن غير محدد الملامح، يبدأ ولا ينتهي، يحيا ولا يموت، ينمو ويتفرع، لا يحب الجدران السميكة وينتمي للرحابة الفطرية التي لا تدنسها حدود ولا تكممها ظلال، وهذا أنا كما أحب أن أظل الصرخة المدوية التي شقت ثياب الخيمة على مشارف أسوار القدس من جهة الشرق بمجرد ولادتي، رؤيتي للفضاء الرحب بعد نكبة فلسطين الأولى لاجئاً من قريتي (عرتوف) في الجهة الغربية من أسوار القدس أيضاً التي تقاسم أهلها مع اليهود اللاجئين القادمين هرباً من الاضطهاد النازي ومن نواحي أوروبا كلها لقمة العيش فأسكنوهم وآووهم كلاجئين لتتكشف أطماع اليهود ونواياهم الخبيثة بمؤامرات متعددة الأطراف ويساعدونهم على تشكيل عصابات إجرامية أكثر نازية من النازيين وليطردوا اهل فلسطين أصحاب البلاد المضيفين لهم بعد التنكيل بهم .. ماذا تشكل لديك الان مني ؟! وفي أي هواء ستترعرع هذه الصرخة لتخترق حاجز التخاذل والصمت، وفي أي مدى سترتد ليكون الصدى موغلاً في كيان الشاعر ووجدانه .. بعد ان يظل حالما بالغد مثلي، متفائلا بما سيأتي، متمتعاً بدرجة عالية من القلق المشروع على مصير هذه الامة.
* بعد عشر مجموعاتٍ شعرية، حين تعيد قراءة ما كتبت، ماذا تكتشف؟
*لا أكون مبالغاً اذا قلت أنني كلما كتبت كلما احتجت الى نفسي أكثر ومجددا لأحتشد وتكون لدي الجرأة للقول أنني كشاعر أشعر بأنني اتحمل كل مآسي الإنسانية وحدي، وأن حل كل أزماتها منوط بي من بداية نكبة فلسطين حتى بساتين ما يسمى الربيع العربي الحديث، لعدم الوصول الى قاسم مشترك بيني أنا سعد الدين شاهين الشاعر المطرود من تربته الاولى الخصبة والباحث دائماً عن زهرة اللوتس التي أعادت لأوليس ذاكرته ليعود الى أوديسا بعد سنوات من الغربة علني أجد اقحوانة فلسطين بالمثل لتعيدني الى ذاكرة الاجداد في فلسطين وبين سعد الدين شاهين التي تحمله الصرخة المدوية التي تحتاج الى مجلدات بحجم القارات من أجل فك طلاسم هذا العبث المستشري في عالمنا الكبير الان على شكل قضايا من الظلم والاضطهاد وتغول رأس المال وانتهاك الحرمات واستشراء الفقر والجوع والبطالة وهيمنة الاقوياء واندحار الوئام والسلم الاجتماعي… كل ذلك وتريدني أن أكون راضياً مرضياً عما انتجت ؟؟ بالتأكيد سأقول لك إنني ما زلتُ اجرِّبُ وأحاولْ.
*إضافة الى الدواوين والمسرحيات والروايات التي صدرت لك، هناك ديوان صدر مؤخراً بعنوان (وحيداً سوى من قميص الأغاني)، ماذا عنه، وما هي مشاريعك القادمة ؟
*(وحيداً سوى من قميص الاغاني) مجموعتي الشعرية الاخيرة. هي عبارة عن ارتدادات لصدى الصرخات المتوالية بصوت الشاعر في وديان عبقر السندبادية حملت اسم القصيدة التي كتبتها في مدينة شنغهاي الصينية في إحدى زياراتي الى الصين في العام 2007م، هذا البلد العظيم بمنجزه العلمي والحضاري واستذكاري لدور العرب من ايام درب الحرير ووقوفي مضطرباً بين ناطحات السحاب كنملة في وادٍ سحيق، فكانت عبارة عن صرخة استنجد فيها بأجدادنا العرب الذين طرزوا درب الحرير بأغانيهم وأهازيجهم، وها أنا الان بين هذه الناطحات تجدني أقفُ وحيداً سوى من قميص الاغاني، أُنادي على مخلفات أجدادي العرب … واعربا دون سامع أو مجيب ولكن لا شيء يبعث فيّ الطربا، والديوان في معظمه صرخات متوالية في وديان عبقر العربية التي يصبح فيها المواطن عبارة عن موسم ليقدم له الفتات وليتغنى به الرؤساء وأصحاب السعادة والحصافة والولاية.
أما بالنسبة لمشاريعي القادمة فلن أُعيد تصفيف النجوم لكنني عاهدت نفسي أن أظلَّ على ذمة التنفس، أحلِّقُ فوق وديان عبقر الموزعة على طول وعرض خارطتنا العربية بدءاً بفلسطين حتى تتحرر وتعود لأهلها وأعود للشجرة التي دفنت تحتها مشيمة ولادتي، وسأكتب ما طاب لي في مواجهة آفات العصر وآفات غلاة الظلم والاضطهاد وسلب الحقوق ليظل المستقبل لوحة ارشادية نزوِّقها كما نريد لتدلنا الى غايتنا التي ننشد مدشَّنة بحلمٍ كبيرٍ بحجم المعاناة التي حاقت وما زالت بنا.
* ماذا يعني لك الشعرُ في اللحظة الراهنة ؟ وكيف تنظرون إلى الشعر الأردني الحديث ؟
*الشعر بالنسبة لي هو دعائي المستجاب الذي أزورُ به بلدي السليب فلسطين ولا تستطيع قوة في الارض أن تمنعني من المبيت فيه متى أشاء وكيف أشاء وأطلُّ منه على عروبتي، هذه الحقيقة التي لا تخونها الشعارات، وهو أيضاً ترويدة أمي وهي تهدهدنا قبل النوم على حسرة خساراتنا العربية المتتالية .. الشعر نبوءتي التي لا تخيب بمستقبل الانسان العربي وإن طال به الأسى.
أما بالنسبة للشعر الاردني الحديث فأنا لا أبالغ اذا قلت لك من واقع اطلاعي على التجارب الشعرية العربية في الوطن العربي الكبير وبعد مشاركتي في مؤتمرات أدبية ومهرجانات شعرية عربية عديدة في الوطن العربي، أستطيع القول أن لدينا أصواتاً شعرية وهي كثيرة لو جُمعت لشكلَّت حالة فريدة في تاريخ الأدب العربي عموماً.
ولكن ربما أُريدَ لها بقصد أو بدون قصد، وربما بقصد أن تظل مبعثرةً تنمو على الحواف ولكنها تهيمن بظلالها على المشهد حيث انتقلت من حيث العمق والتنوع والكم، وأنا أقول دائماً أن النجم يصنع ذاته بذاته ولكن يحتاج لمن يرفعه في سماء الوطن ويصبح إرثاً وطنياً كما يجب .. فالشعراء كالفقراء النبلاء تحسبهم أغنياء من التعفف…. ولكنهم بحاجة مؤسسات الوطن الرسمية والقائمين عليه سواء بقصد أو بالصدف أن يؤسطروا شعراءهم ومبدعيهم ومثقفيهم بشكل عام، وأقول أن البلاد التي لا تستطيع أن تجعل من نجومها في الأدب والفن والثقافة مجرة تزين بها سماءها .. ستظل بلاداً مظلمة في نظر الرحالة العابرين صحاريها وتلالها ويستهزئون بها عند اجتياز اول مفرزة لحدودها.
*ما هي القضية الرئيسية عند سعد الدين شاهين ؟
*قضيتي الرئيسية الحلم .. أصنعه أولاً لأحلم به ثم أعيد تفسيره مرات ومرات حتى يتحقق، وحلمي الأول والأخير أن أعود الى قريتي (عرتوف) في فلسطين التاريخية، لذلك لا تستغرب أنني اتخذت مزرعة صغيرة اسميتها (المطلّة) بنيت فيها بيتاً صغيراً، أزورها باستمرار، وهي فعلاً في مرتفعات ناعور القريبة من عمان حيث أسكن وأُقيم، تطلُّ على القدس ورام الله واريحا وبيت لحم والبحر الميت .. أتناغم معها ليلاً وأنا اعدُّ اضواء القدس ضوء ً..ضوءً، ألوذ بنفسي وأدخل نوباتها وأنا أشعر أنني أتمشى في شوارعها وأدلُّ أبنائي وأصدقائي عليها ….الحلم بأمة عربية موحدة ومحررة تعود لأمجادها التي علمت بها سائر الامم.
*برأيك هل الشعر العربي في أزمة ؟ وهل نحن في مأزق ثقافي حقيقي، وما هو المطلوب منا للخروج من المأزق؟
*الشعر ليس في مأزق منعزل عن مآزق الأمة العديدة وخيباتها المتنوعة، الشعر بذاته ليس في مأزق … ما دام الشعر هو موسيقى الروح المترددة في الوجدان كما أدعي، وهو ذاكرة الأمة، فهل تستطيع أمة ان تتخلى عن وجدانها وذاكرتها ؟؟ المأزق الحقيقي في نظري مأزق مفاهيم، مأزق ساسة ومصالح، مأزق مادة، مأزق أوقات مهدورة وأوقات مسروقة، مأزق اكتظاظ الفضاء بالغث ولهاثه خلف جني الربح، مأزق حاكم ومحكوم، ظالم ومظلوم … بهذه النظرة البانورامية يجوز لنا أن نقول أن الشعر يصبح نخبوياً كما يُراد له، وهنا تكمن الأزمة الحقيقية من حيث عسر وصوله للمتلقي، أو حجبه عنه تماما.
ولا يمكن الخروج من هكذا مأزق إلا اذا تدخلّت وزارات الثقافة بالإضافة الى المؤسسات كالروابط والاتحادات وأسست قنواتها الثقافية الخاصة وفرضت ضريبة وقت مستقطع من بث الفضائيات التي تعمل في الوطن وتخصيصه للفعل الثقافي الابداعي بكافة انواعه عربياً وعالمياً وتخصيص لو فلس واحد على كل مستورد لدعم هذه الثقافة التنموية الفكرية الجمالية.
*كيف يمكن إعادة تأويل التراث في النص الشعري بقراءات معاصرة ؟
*أنا لا أدعو الى استنساخ التراث بالشعر فالموروث الديني والشعبي والتاريخي له مكانته ولا يُستبدل ولكن يتم الاستناد إليه شعراً وربط حلقات الزمان المتماثلة ببعضها واحياناً يكون الاسقاط على شكل تخصيب معكوس من حالة الى أخرى، فالتاريخ كما نعلم يعيد نفسه بين حقبة وأخرى، فما كان معاصراً في زمن بعيد أصبح موروثاً الآن وما هو معاصر الان سيصبح موروثاً بعدنا وما بين الحالتين وبين الزمنين قراءة نبغي بها انتاج المعنى بالصورة المعاصرة، نخصب الرمز والدلالة أما إيجابياً أو تخصيباً معكوساً ونقيم حلبة للمقارنة والمقاربة بين حالتين، خاصة ونحن نعيش حالة من المتواليات الإنهيارية عبر آلة الزمن العربي الذي يحتاج الى بث إشارات وتحذيرات يمكن أن تعدل من إحداثيات هذه الانهيارات أو تتحاشاها.
* ما هي حدود الايديولوجية والإبداع.. وأين تكمن الخيوط الفارقة بين جمالية النص الشعري وأخلاقياته، بمعنى آخر ما هو الالتزام عند سعد الدين شاهين ؟
*هذا السؤال يقودنا لا شعورياً لإشكالية السياسي والمثقف، أيهما يقود ؟ وأقول إذا اتفقنا أن المبدع حزب بذاته ولا يكون مبدعاً إلا إذا كان مثقفاً وإن المثقف بالضرورة سياسي شمولي ويحمل ايديولوجية مجتمعه التي يكتفي بعرضها ولا يفرضها على أحد ويترك الخيار للمتلقي لقبولها أو رفضها، بينما السياسي صاحب الايديولوجية المنضبطة في جماعة لا يكتفي بعرضها بل يحاول فرضها، وهنا يكمن الفرق بين قصدية الايديولوجية في النص وتأبطه لها وبين تماهيه في داخله تلقائياً ليبدو متظافراً في تعضيد موضوع القصيدة الكلي وهذا ما أسعى له شخصياً.
واذا جاء السؤال أين الشعر وحدوده بينهما فكما ذكرت، أنا مع القصيدة الحامل بانتظار المخاض وهذه في العادة تكون محملة بأيديولوجية المجتمع المضيئة غير المفروضة والتي تتماهى فيه وتذوب الايدولوجية والفكر داخل محاليل وجزئيات القصيدة بما لا يؤثر على جماليات النص وأخلاقياته.
الالتزام الذي افهمه هو الذي يلامس تطلعات الانسان حيثما وجد والوقوف مع قضايا عامة الناس وتناولها بعمقها في كافة صنوف الإبداع.
* تشغلنا في الفترة الأخيرة الثورات العربية .. تلك الثورات التي غيرَّت من خريطة الأنظمة العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج وأخرجت الشعوب العربية من صمتها.. كيف تراقب الوضع العربي الراهن؟ وما هو دور المثقف العربيّ في التغيرات الجذريّة الحاليّة ؟ وكيف تقيمون الواقع السياسي العربي الراهن؟
*ابتداءً رأيي الشخصي أنها ثورات جاءت في وقتها وضرورتها من حيث أنها حركّت الساكن الراكد في حياتنا وفتحت أفواهنا التي كنا لا نستطيع فتحها إلا عند حكيم الأسنان كما يقول غوار على لسان الشاعر الكبير الماغوط. نعم وجدت الشعوب نفسها، وجد الكادحون أنفسهم، ومع ذلك وجد الثوار أنفسهم دون رموز تقودهم، دون خطة متقنة لإدارة الحركة، فأصبحت هذه الثورات نهباً للهوامير من رموز العائلات المهيمنة على المشهد، ومن رموز المال والنخب مرة أُخرى، في كل الاقطار التي طالتها، وتوارى الثوار الحقيقيون واقتنصت الثورة مرة تلو مرة وحرفت إبرة بوصلتها للأسف الشديد…لتدور في اتجاهات متضادة .. وتحظرني هنا مقولة للأمام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه إذ يقول، تحريك الساكن أهون من تسكين المتحرك، وهذا ما يخيف ويجعل كل مكونات الجمال عاجزة أن تصنع مشهداً موازياً، لذلك لا أعتقد امام هذه الحركة السريعة المتلاطمة أنه سيكون للجمال والشعر دوراً رئيسياً فاعلاً لأن سرعة تلاطم الحركة لا يتفق وايقاع الشعر مهما كان غرضه ونوعه .. نحن الان نقف على حافة زلزال فأي الكلمات سيكون لها وقع اكبر من القرآن الكريم .. الذي يتم الان تجاهل محكماته في ظل هذه الحركة المتلاطمة السريعة.