الشاعر والمترجم المصري عاطف عبد المجيد: أكتب كهاوٍ بدون أن يشغلني الجنس الأدبي
[wpcc-script type=”c204d0bdaf16af86005ae759-text/javascript”]

حينما تقرأ شعره لا تشك لحظة في أن هذا الشعر نابع من أديم الأرض في صعيد مصر، معجون بعرق الكادحين، ومكتوب بمداد من نهر النيل الخالد، فصوره منتزعة من الأرض انتزاعاً، يحرص على تفجير اللغة، وتأطير الجملة الشعرية بأُطُرٍ إنسانية تتماس مع اليومي والراهن، بدون أن تفقد هذه اللغة طزاجتها وقدرتها على الإدهاش، وكذا في ترجمته عن الفرنسية يحرص على انتقاء ما يقدمه للقارئ بلغة سلسة معبرة. هكذا تأتي كتابات الشاعر والمترجم عاطف عبد المجيد. حول مسيرته الإبداعية كان هذا الحوار:
■ من أسيوط إلى القاهرة، ومن الشعر إلى الترجمة والنقد والمحاولات القصصية، كيف تكوّن هذا الخليط المتجانس وكيف بدأت الرحلة؟
□ أولاً من فضلك لا تقل: من أسيوط إلى القاهرة، بل قل: من حيث عالم محيط يحثّك ويدفعك للكتابة، باتساعه وخضرته وجماله الطبيعي، إلى مكان أينما وَلّيْتَ وجهك اصطدمت ببناء خرساني، قل من مكان كله مشاعر إلى مكان آخر حَوّلكَ إلى آلة لا تشعر ولا تحس، وكأنك تحَوّلْتَ إلى إنسان بلا قلب لا أحـــد يشعر بك ولا تشعر أنت بأحد.
ثانيًا، منذ أن بدأت «أشخبط» كتاباتي الأولى، وكان ذلك في نهاية المرحلة الإعدادية، وأنا أنظر إلى الكتابة كما لو كانت لُعبة تُحقق لي المتعة فقط، ودائمًا ما أراني هاويًا في نادي الكتابة حتى الآن، أكتب وقتما يحلو لي، وأمتنع عن الكتابة حين لا أجد دافعًا قويًّا للإمساك بالقلم. هذا إلى جانب أنني لم أكن أنتظر عائدًا من وراء الكتابة، سوى أن أحقق متعة كبيرة لمن يقرأون لي. أما هذا الخليط المتجانس فقد تكوّن، حسبما أرى، لحبي في اللغة العربية صغيرًا، ما مكنني كبيرًا منها وجعلني أطوّعها حسبما أريد، بعيدًا عن جنس الكتابة أو نوعها. أما البداية فكانت شعرًا، وكانت عبر كتابة القصيدة العمودية، وحمل أول دواويني الذي صدر أيام الجامعة معظم قصائدي العمودية التي كتبتها وقتذاك، وبعده توالت دواويني التي حملت بين أغلفتها قصائد التفعيلة التي انتقلت إليها بدون أن أتعمد هذا، لكنه كما يبدو أن القصيدة هي التي تختار الثوب الذي ستنكشف به على عين القارئ. ولفترات طويلة لم يكن في مخيلتي أن أكتب نصًّا نثريًّا مكتفيًا بالقصيدة التفعيلية، رغم افتتاني بكثير من النصوص النثرية لبعض الشعراء، غير أن الأمر اختلف، ولا أدري لماذا أيضًا، وكتبتُ نصوصًا نثرية، وبدون افتعال أو قصد أو تقليد لأحد. وعلى التوازي كتبت نصوصًا قصصية ضمها كتابي «كأشياء عادية أكتب قصيدتي» الذي صدر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 برفقة مجلة «الرافد» الإماراتية، وضم بين غلافيه عددًا من نصوصي النثرية وقصصي القصيرة جدًّا. هذه الانتقالة بين الشعر والنثر لم تكن بناءً على تخطيط مسبق، لكنها حدثت هكذا، أما دخولي إلى دنيا النقد فكان بقصد الاحتفاء بالنصوص التي يتجاهلها نقاد كثيرون، منشغلين بالكتابة عن إصدارات أصدقائهم ومعارفهم، مع التأكيد على أنني أعبّر عن تلقّي ذائقتي للنص، ولا أظنني أليق بلقب ناقد. وفي نهاية المطاف جاءت الترجمة التي دفعني إليها بعض الأصدقاء، رغم أنني ظللت خائفًا لسنين من دخول هذا المجال المرهق، الذي يحتاج إلى مجهود مضاعف لإيصال نص مترجم جيد للقارئ العربي.
واقع الترجمة محزن إذ تراجعت معظم المؤسسات التي تعنى بالترجمة، وقلصت عدد إصداراتها بحجة نقص الميزانيات، بل هناك هيئات أوقفت تقريبًا السلاسل الخاصة بنشر المترجمات.
■ بدءًا من القصيدة العمودية مرورًا بقصيدة التفعيلة وصولًا إلى قصيدة النثر، هل كان ذلك نوعًا من التجريب؟
□ قلتُ إنني أكتب، بدءًا ونهايةً، كهاوٍ يريد أن يشعر بمتعة تليق به وبقارئه، ولهذا لم يشغلني قط الجنس الذي سأكتب فيه، وسيكون جسرًا يحمل ما أريد إيصاله إلى القارئ. لقد بدأت بالشعر الخليلي، وأعود إليه من حين لآخر، ودائمًا ما أقول إن الشاعر العبقري هو الذي يمتلك موهبة حقيقية، ولا توقفه قيود ولا قوانين الفن الذي يمارس كتابته، ثم لم يكن انتقالي إلى كتابة القصيدة التفعيلية من ناحية التجريب أو التقليد، بل جاءت هكذا من دون تخطيط، بل إن الغريب أنني بدأت كتابة قصيدة التفعيلة من خلال قصائد قصيرة، عرفت بعدما جئت إلى القاهرة أنها تُسمى بقصيدة الومضة، وأن هناك معركة بين كثيرين لإثبات ريادتهم لهذا النوع من الكتابة، وبيني وبين نفسي قلت طالما الأمر هكذا، فأنا رائد فعلاً، ما دمت كتبتُ نصًّا بدون أن أقلد أحدًا، وبدون أن أعرف بوجوده من قبل أصلاً. وشيئًا فشيئًا وجدتني مشدودًا ناحية القص، وبالفعل كتبت أولى نصوصي وعرضتها على الراسخين في مجال السرد منذ سنوات طويلة فلاقت استحسانهم، ومنهم من وصفها بأنها أفضل كثيرًا من كتابات ساردين كثيرين قضوا عقودًا في محراب تلك الكتابة، وأخيرًا جاءت مرحلة كتابة النص النثري.
■ اتجاهكَ للترجمة عن الفرنسية كيف جاءت فكرتُه؟ وما الكتاب الذي تعتز بترجمته بين كل ما قمت بترجمته؟
□ كنت متخوفًا، بدايةً، من فكرة دخول حقل الترجمة، لما بها من إشكاليات وعقبات وقضايا، لا تزال محل خلاف ونقاش، ولكن ومع إصرار بعض الأصدقاء وحثهم إياي على خوض التجربة، وجدتني متورطًا في فعل الترجمة، ورغم أن فعل الترجمة مُضْنٍ ومجهد إلى حد كبير، إلا أن ثمة متعة حقيقية تنتابك، كمترجم، حين تنجز عملاً مترجَمًا وتكون شبه راض عنه. لقد ترجمت ثلاثة عشر كتابًا حتى الآن منها روايات، قصص، شعر، حوارات، فكر، كتب أطفال. أما الكتب التي أعتز بها من بين ما ترجمت فهي ثلاثة كتب وليست كتابًا واحدًا وهي: «أيام بلا نهاية»، «ظلال وضوء» للمذيعة الراحلة سلوى حجازي، «الأمير الصغير» لأنطوان دو سانت أكسوبيري، «الأفكار» لجول رينار.
■ على الرغم من أهمية الترجمة إلا أننا لا نهتم بها كما ينبغي كمَّا وكيفًا، ولا تُرصَدُ للمترجمين الجوائز اللائقة، ما السِّر في ذلك؟
□ حقيقةً لا أعرف السر، غير أن ما أعرفه أننا اعتدنا في عالمنا العربي، أن نهتم بالفروع على حساب الأصول، ولك أن ترى المؤسسات التي تفرد جوائز عديدة للإبداع، فيما تضن بجوائزها على الترجمة، وإن قدمتها، تقدمها على استحياء. ثم تخيل المعاناة التي يعانيها المترجم في الحصول على مستحقاته، خاصة من دور النشر الخاصة، وتعطّل كتبه في الهيئات الحكومية وضعف المقابل المادي للترجمة، ناهيك عن الأدبي. ليتنا ندرك في عالمنا العربي ما تفعله الترجمة ليعرف المسؤولون كيف يقدّرون المترجمين وكيف يُجْلسونهم حيث يستحقون.
■ وكيف ترى مستقبل الترجمة في الوطن العربي؟
□ أتمنى أن يكون مســــتقبل الترجمة في الوطن العربي، في صالحها، وأن يكون حالها في ما بعد، أفضل حالاً منها الآن. غير أن الواقع محزن إذ تراجعت معظم المؤسسات التي تعنى بالترجمة، وقلصت عدد إصداراتها بحجة نقص الميزانيات، بل هناك هيئات أوقفت تقريبًا السلاسل الخاصة بنشر المترجمات، هذا إضافة إلى عدم الاهتمام بالمترجم بما يتناسب مع ما يقدمه للقارئ العربي.
■ فن كتابة البورتريه، هو أحد وجوه كتاباتك، وكنتَ تكتب أسبوعيًا في صحيفة «القاهرة» بورتريهًا عن شخصية، لماذا توقفتَ؟
□ نعم كنت أكتب بورتريهًا أسبوعيًّا في صحيفة «القاهرة»، وكنت أعتبره مصدر سعادة، أفاجئ المكتوبَ عنه صباح كل ثلاثاء، وكان الجميل الأمير أباظة هو الذي فتح لي هذه النافذة، التي أتاحت لي أن أُسعد كثيرين، سعدتُ قبلهم، بالكتابة عنهم. وحين غادر الأمير أباظة القاهرة، وتغيرت الأوضاع، لم أجد من يتحمس لهذه الكتابة، بعد أن صدّر بعضهم مَنّهم علينا بنشر مقال يتيم كل عدة شهور. هل عرفت لمَ توقفت؟