الشخصية العفوية ما بين الإيجابيات والسلبيات

من هو الإنسان العفوي؟ وما هي إيجابيات أن تكون عفوياً، وما هي سلبياتها؟ وبين التخطيط والعفوية: كفة مَن ترجح؟ هذا ما سنكتشفه في هذا المقال.

Share your love

لا يستطيع تقييد نفسه بالغد لأنّه ابن اللّحظة، وتسمح له طاقته المُتجددة في اكتشاف العديد من المجالات والآفاق والأشخاص الجدد. يحيا حياته مُحرِّراً عقله من القيود تاركاً القيادة لروحه وشغفه ويومه.

هل عرفتم عمّن أتكلم؟

نعم، أنا أتكلم عن الإنسان العفوي.

من هو الإنسان العفوي؟ وما هي إيجابيات أن تكون عفوياً، وما هي سلبياتها؟ وبين التخطيط والعفوية: كفّة مَن ترجح؟ هذا ما سنكتشفه في هذا المقال.

من هو الشّخص العفوي؟

الشخص العفوي هو الشخص المُغامر المُتقبّل للمخاطرة، والذي يعيش الحياة بكل حيويّتها دونَ تخطيطٍ مُسبقٍ؛ فهو لا يفكر بالشيء، بل يقوم به مباشرةً، ويكون شخصاً مسترخياً ومرحاً ومتدفقاً مع التيار، ولن يغضب في حال طرأت بعض التغييرات على خططه؛ بل على العكس، سيتحمّس أكثر لكونها ستصبح عفوية بعد ذلك.

إيجابيات أن تكون عفوياً:

أصبح التخطيط جزءاً أساسياً من مراحل الوصول إلى التوازن، ذلك في ظل الحياة المعاصرة وما تتضمّنه من مسؤوليات ومهام كثيرة، إلّا أنّنا تبنّينا التخطيط حتى بأصغر التّفاصيل – مثل زيارة صديق لنا أو اتصال مع قريب أو عشاء مع العائلة – حتى غدونا أشخاصاً نمطيين ملتزمين بخطة مُحكمة لا نستطيع أن نحيد عنها مُطلقاً. ومع الوقت، فقدنا إحساس المتعة عند قيامنا بالأشياء، وسيطر علينا عوضاً عنه إحساسنا بالواجب، وبَعُدنا عن تلك المساحة المجنونة في عقلنا التي تساعدنا على استخراج المشاعر الخلّاقة – مثل الشغف والانطلاق والأفكار المُبدعة – والقرارات التي تُعِيد الروح إلى حياتنا بعد بهتانها وفتورها.

نعم، يلزمنا أن نُفسِح المجال إلى عفويتنا لكي تظهر، وأن نعطيها فرصة انتشالنا من قاع الروتين والتقليدية، وأن نُحيي ذلك الجزء المُنطفئ في ذواتنا؛ ليزداد بذلك تمسكنا ورغبتنا بالحياة.

نستطيع أن نختصر هذه الإيجابيات بما يلي:

1- تصبح مُتجدداً:

عندما تسمح لنفسك أن تكون عفوياً، عندها ستستمتع بالكثير من الأشياء الجديدة؛ أي أنّك ستبقى مُتجدداً ومُتقبِّلاً لاحتمال الفشل، ممّا يزيد من احتمالية عثورك على أشياء لم تخطر في بالك مطلقاً، وستفتح الحياة فرصها لمُلاقاتك؛ وذلك عند تعزيزك لمهارتك في استكشافِ أشياء جديدة، حيث يمكنك القيام بأشياء بسيطة للخروج من منطقة راحتك مثل تغيير طريقك من وإلى العمل، أو الخروج مع صديق لتناول العشاء، أو إلقاء خطاب في حدث ما؛ فالبقاء مُتجدداً مفتاح عملك وحياتك الشخصية، وبدونه ستصبح حياتك عادية وباهتة.

2- يصبح عقلك مُتّقداً:

من أكبر إيجابيات أن تكون عفوياً الحفاظ على عقلك مُتّقداً؛ حيث سيبدأ الدماغ في إيجاد طرائق جديدة لمعالجة الأشياء الجديدة والمختلفة. أمّا الذين يخططون لكل تفاصيل يومهم فسيخلق دماغهم ترابطات من ذات النّمط؛ وهذا الأمر جيد، لكن من الرائع ترك المجال لعقلك لكي يتصرف مع المواقف اللحظية ويجد حلولاً لها في ذات اللحظة، فهذا ما يجعل عقلك متّقداً، حيث ستتفعّل أماكن مختلفة من دماغك بشكل أكبر عندما تكون عفوياً، وذلك بالمقارنة مع حالتك حين تشبّثك بجدولك اليومي بكل تفاصيله.

3- تزداد ثقتك بنفسك:

يمكن أن تبني الثقة في نفسك عندما تكون عفوياً، علماً أنّ جدولك اليومي المزدحم لن يعطيك إحساس الثقة المطلوب؛ لأنّ تأسيس الثقة الزائدة والمتماسكة بالنّفس يأتي من نجاحك في إنجاز مهام مفاجئة وخارجة عن المخطط اليومي.

ومن جهة أخرى، لا تُبنى هذه الثقة عند إنجاز المهمة فقط، ولكن عند المحاولة أيضاً؛ فعندما تحاول القيام بشيء جديد ومختلف، ستُتاح أمامك فرصٌ جديدة قد تكون قوية للغاية بحيث تؤدي وحدها إلى بناء ثقتك بنفسك، فتتمكّن من كسب الكثير من تجربة شيء جديد وعفوي حتى في حال فشلك.

لذا يجب عليك تغيير طريقة تفكيرك حيال الموقف: فلنفترض أنّك قد فشلت، لكن ماذا تعلّمت من الفشل؟ فهذا ما سيبني ثقتك.

4- يزداد إبداعك:

الإبداع زهرة جميلة، والعفوية تربة تسمح للزهرة بالنمو، وعند الخروج عن خطّتك لتجربة شيء مختلف، سيتم تحفيز عقلك على العمل بطريقة جديدة، مما سيؤدي إلى ظهور نوع جديد من الإبداع. وفي حين يختلف الإبداع من شخص إلى آخر، لكن إيجاد فكرة في لحظة تلقائية هو إبداعٌ بحدٍّ ذاته.

ينمو الإبداع العفوي مع عدم وجود خطة؛ فامنح نفسك يوماً كاملاً للسماح بحدوث ذلك، أو انفصل عمّن حولك لبضع ساعات يومياً لخلق الإبداع العفوي. سيكون هذا ما يُقرّر أيّ جانب تستخدمه من دماغك؛ فتنشأ ذكريات عضلية جديدة ومختلفة.

5- يصبح وقتك أجمل:

عندما تُعطِي لنفسك الوقت لتكون عفوياً، ستجد أنَّ جدولك اليومي سيكون أقلَّ رتابة، يمكن أن تكون جدولة يومك وصفة علاجيّة، ولكن يمكنها أن تكون عفوية أيضاً، فإذا كنت شخصاً مُلتزماً جداً بالجدول الزمني المُحدّد، ثم خرجت من منطقة راحتك لتصبح شخصاً عفوياً، ستشعر بعدم الارتياح في البداية، ولكنّك بعد ذلك ستعثر على شعور الحرية فيما تقوم به.

وهذا لا يعني مطلقاً أن يتبنّى الشّخص عيش اللحظة ويهجر الخطط، فبالنسبة إلى الأشخاص العفويين، محاولة جدولة بعض أجزاء يومهم يجعلهم يشعرون بالمزيد من الإنجاز. والحقيقة أنّ أكثر شخص قادر على معرفة ما يناسبك ويناسب نموّك وتطورك الشخصي والعملي هو أنتَ؛ لذا بإمكانك أن تقرر أي مقاربة أنسب إليك.

سلبيات أن تكون عفوياً:

يتعرّض الإنسان العفوي إلى الكثير من الانتقادات وسط ثقافة مجتمعية غير مُنفتحة، فلا يُفهَم سلوكه المختلف وإبداعه ورغبته الحقيقية في جعل يومه فعالاً على محمل الجدّ، حيث يُقدّم بعض الناس أمثلة على السلوك المتهور كمثال على العفوية.

ويبدو أنّ نظرة النّاس فيما يخص قطاع الأعمال مثلاً، تميل لصالح المخططين؛ حيث يعتقدون أنّهم أكثر الأشخاص كفاءةً في هذا المضمار، في حين أنّ العفويين غير مناسبين له. وهذا ما يدفعنا إلى إجراء مقارنة بين المخططين والعفويين:

أيُّهما أفضل الشخص المخطط أم العفوي؟

يسمح لك التخطيط للمستقبل بالمزيد من التّحكم في مسار حياتك. علماً أنّه من الممكن أن تحدث الأشياء وتتغيّر. ومع ذلك، فعندما تخطط، يمكنك معرفة التعديلات التي يجب إجراؤها من أجل متابعة المهام اللاحقة.

بالنسبة إلى أولئك المدمنين على العمل، أو إلى مَن لديهم ميلٌ إلى البقاء فائقي النشاط، فيعد التخطيط أكثر كفاءة، فهم بحاجة إليه وإلّا فلن يجدوا وقتاً كافياً لإنجاز كل الأشياء المطلوبة منهم.

تتيح لك العفوية والسّير مع التيار الشعور في الحياة أكثر، إنّها تضعك أكثر في الواقع وفي العالم خارجك. أمّا مَن يخططون فيكون لديهم الكثير من المهام في حياتهم اليومية. وكلما زادت المهام، زاد تفكيرهم في كل الأشياء المطلوبة منهم، وزاد تجاهلهم لما يجري خارج رؤوسهم.

يمكن أن تجلب العفوية أشخاصاً غير متوقعين إلى حياتك، وذكريات رائعة معهم أيضاً، كما تعدّ المُغامرة القاعدة الأساسية بالنسبة إلى العفويين.

وبالمقابل، يوجد مقاربة أخرى تستحق الذكر:

إذا كنت مبدعاً في العفوية، يمكنك وضع خطة في وقت قصير، على عكس التخطيط الذي لا ينتهي لدى “المخططين”.

أما فيما يخص عالم الأعمال، فإنّ المخططين أشخاصٌ يجلسون في الاجتماعات طوال اليوم، بينما يميل الأشخاص العفويون إلى أن يكونوا “العمال الفعليين”؛ فهم مَن يقومون بمهام متعددة، ويتعاملون مع 10 مكالمات هاتفية، ويكون لديهم ثلاث شاشات كمبيوتر تعمل على تشغيل التقارير. وهم مَن يتواصل معهم المخططون للحصول على صورة أفضل للواقع.

المخططون أشخاص لا يعملون فعاياً، فهم يخططون لعمل الجميع؛ فبينما يضيّعون 15 دقيقة في محاولة للتخطيط لكيفية التعامل مع الإطارات المثقوبة على سبيل المثال، يقوم الشخص العفوي بتغييره بالفعل. حيث يمكن لأيِّ شخص يتمتع بخفة الحركة الذهنية، أن يخطط لكل ما يحتاج إليه في غضون ثوانٍ، وينفذه بنفس الدقة المنهجية للمخطط، كما ويمكنه الاهتمام بالأولويات الأخرى في الوقت نفسه.

بشكل عام، الأشخاص الذين يحتاجون إلى التخطيط يومياً هم مِن المماطلين، ولا ينتهون أبداً من خططهم التي لا يبدو أنّها تزعجهم؛ لأنّ هناك خطة زمنية دائمة لتكرارها. أمّا الشخص الحاد والسريع والعفوي فيُنجِز الأشياء بالطريقة التي يجب القيام بها.

أما المقاربة الثالثة للموضوع فهي:

يتطلّب كُلّ من التخطيط والعفوية مجموعة مهارات وقدرات مختلفة؛ فيتطلّب التخطيط اللوجستية والانضباط، في حين أنّ العفوية تنطوي على الثقة والحدس والرغبة في المخاطرة.

التخطيط موّجه نحو المستقبل، ويحاول تجنّب المفاجآت وتقليل الأخطاء. في حين أنّ العفوية هي كل شيء عن اللّحظة الحالية، حيث يوجد فيها الاستمتاع والترحيب في الأخطاء، ويكون المخطط سعيداً إذا سارت الأمور كما هو متوقع تماماً.

أمّا العفوي فيكون سعيداً إذا كانت الرحلة ممتعة، حتى لو كانت غير متوقعة وفوضوية في بعض الأحيان.

تتمثّل إحدى مخاطر الإفراط في التخطيط في أنّنا قد نشعر بالقلق الشديد بشأن إنجاز جميع المهام ومراعاة جميع القواعد، وننسى أن نستمتع على طول الطريق، كأن نلتقط على سبيل المثال الكثير من الصور لأفضل المواقع في عطلة؛ دون أن نعيش أو نقدّر جمالها أبداً.

في حين يتمثّل إحدى مخاطر اتباع نهج العفوية في أنّ تلك الأخطاء الصغيرة التي كنّا مستعدين للتعامل معها يمكن أن تتحول في بعض الأحيان فتصبح كبيرة ومُكلفة، فالقيام بنزهة مُرتجلة إلى منطقة نائية خطرة دون الاستعانة بالرياضيات وحساب كمية المياه التي ستحتاجها قد لا يكون وقتاً ممتعاً.

الخلاصة:

لكلٍّ من العفوية والتخطيط إيجابياته وسلبياته، لكنّهما متكاملين، فموسيقيّو الجاز عفويون ومرتجلون، لكنّهم عندما يبدؤون بأداءٍ معينٍ، يتّبعون خطة أساسية توضّح القطع التي يُحتمَل أن يلعبوها وكيف يريدون أن تسير الأمور؛ فمن المنطقي أن يتكيّف الشخص مع أحد النّهجين اعتماداً على الموقف؛ على سبيل المثال في الحفلات، سيكون من الرّائع الرّقص وعيشُ اللحظة؛ أمّا في اجتماع العمل، فسيحصل المرء على مصداقية أكبر إذا توصل إلى خطة مفصّلة ومحددة لكيفية تحقيق الأهداف.

 

لكن علينا ألّا ننسَ – شعورنا بالمتعة – في كل ما نقوم به: فالسِّرُ يكمن في الرحلة وليس في القمة. دعونا نخطط لأيّامنا لكن بعفوية، فشغف الحياة وسحرها يكمن في عفويّتها.

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!