الصرع
Epilepsy
الصرع (Epilepsy) هو خلل في نقل الشارات الكهربائية في داخل الدماغ. وبالرغم من أن الاعتقاد الشائع هو إن مرض الصرع يسبب دائما نوبة من الحركة اللا إرادية وفقدان الوعي، إلا إن مرض الصرع، في الحقيقة، يظهر بصور متنوعة جدا. إن الحالات التي تظهر فيها علامات المعروفة بالنوبة الصرعيّة تكون، على الأغلب، ضمنية، تثير أحاسيس غريبة، حساسية زائدة وتصرفات شاذة. بعض المصابين بمرض الصرع يحدقون في الفضاء لمدة ما عندما تصيبهم النوبة، بينما يعاني آخرون من اختلاجات وتشنجات حادة.
واحد من كل مئة شخص في الولايات المتحدة عانى، خلال حياته، من نوبة صرعيّة لا يمكن تفسيرها. لكن ظهور نوبة صرعية لمرة واحدة لا تشكل مؤشرا على وجود مرض الصرع. فأشخاص كثيرون، الأطفال الذين يعانون كثيرا من الحمّى مثلا، قد يعانون من نوبة صرعية لمرة واحدة. أما إذا تكررت الحالة وأصيب شخص ما بنوبتين صرعيّتين فإن احتمال التعرض لنوبة أخرى ثالثة يرتفع بصورة جدية جدا. ثمة حاجة إلى نوبتين صرعيتين، على الأقل، من أجل تشخيص مرض الصرع.
يظهر مرض الصرع، بشكل عام، في مرحلة الطفولة أو لدى البالغين فوق سن 65 سنة. ومع هذا، قد يظهر مرض الصرع في أية مرحلة عمرية. علاج الصرع الصحيح والمناسب يمكن أن يجنّب المريض النوبات الصرعيّة، أو أن يقلل، على الأقل، وتيرة حدوثها ودرجة حدّتها. بل إن كثيرين من الأطفال والأولاد المصابين بالصرع يتعافون ويشفون منه، في مرحلة البلوغ.
أعراض الصرع
يتولّد مرض الصرع جراء عدم انتظام نشاط خلايا الدماغ، ولذا فإن نوبات الصرع قد تسبب ضررا لأي عمل يقوم به الجسم ويتم تنسيقه بواسطة الدماغ. والنوبة الصرعية قد تسبب بلبلة مؤقتة، فقدانا تاما للوعي، تحديقا في الفضاء أو حركات ارتجافية غير إرادية في اليدين والرجلين.
تختلف علامات وتجليات النوبة الصرعية باختلاف نوعها. في معظم الحالات، إذا عانى شخص ما من نوبات صرعية متكررة، فإنه يميل إلى تطوير العلامات والأعراض نفسها في كل نوبة، بحيث تصبح العلامات المصاحبة للنوبة الصرعية متماثلة من نوبة إلى أخرى. ولكن، هنالك مرضى آخرون يعانون من أنواع مختلفة من النوبات، تختلف علاماتها وأعراضها من مرة إلى أخرى.
يميل الأطباء، عامة، إلى تصنيف النوبات إلى جزئية أو عامة، طبقا للصورة التي بدأ فيها النشاط غير المنتظم في الدماغ. فإذا ما ظهرت النوبة نتيجة لنشاط غير منتظم في جزء واحد فقط من الدماغ، تكون هذه نوبة صَرْعية جزئية (Partial seizure) أو بُؤَرِيّة (Focal seizure). أما النوبة التي يجري خلالها نشاط غير منتظم في كل أجزاء الدماغ فتسمى نوبة عامة (General seizure). في بعض الحالات قد تبدأ النوبة في جزء ما من الدماغ ثم تنتقل بعدها إلى جميع أجزاء الدماغ.
النوبة الجزئية:
- نوبة جزئيّة بسيطة (Partial seizures Simple): هذه النوبة لا تسبب فقدان الوعي، إنما قد تسبب تغيّرا شعوريا أو تغييرا في الشكل، الرائحة، المذاق أو أصوات أشياء معروفة.
- نوبة جزئية معقدة / مركّبة (Complex partial seizures): هذا النوع من النوبات الصرعية يسبب تغييرا في الحالة الإدراكية، ثم فقدان الوعي لمدة زمنية معينة، كما تسبب تحديقا في الفضاء وحركات بدون هدف محدد، مثل فرك اليدين، إصدار أصوات باللسان، حركات باليدين، إصدار حركات وأصوات ابتلاع.
النوبة العامة:
- نوبة التغيّب أو نوبة صرعية خفيفة (Petit mal): تتميز هذه النوبة بالتحديق في الفضاء، بحركات جسدية ضمنية وتدهور مؤقت في الوعي.
- نَوبَةٌ رَمَعِيَّةٌ عَضَلِيَّة (Myoclonic seizure): تظهر هذه النوبة بصورة حركات حادة في اليدين والرجلين.
- نوبة توتّريّة إرتجاجية شاملة (tonic – clonic seizure)(Grand Mal): هو النوع الأكثر حدّة من النوبات، تتميز بفقدان الوعي، تصلب الجسم، اهتزازه وارتعاشه، كما يتخللها أحيانا عض اللسان أو فقدان السيطرة على مخارج الإفرازات.
أسباب وعوامل خطر الصرع
بالرغم من إنه يبدو إن أنواعا معينة من مرض الصرع تنتقل من جيل إلى آخر، إلا إن العوامل الجينية الوراثية لا تشكل سوى عامل واحد فقط من بين العوامل التي يمكن أن تسبب ظهور مرض الصرع، وربما يعود سبب ذلك إلى كون بعض الأشخاص يميلون للتأثر، أكثر من غيرهم، بالعوامل البيئية التي يمكن أن تؤدي إلى النوبات.
قد تحدث النوبة الصرعية، في حالات كثيرة، نتيجة لحادث، مرض أو صدمة طبية، مثلا السكتة الدماغية التي تسبب ضررا للدماغ أو تمنع وصول الأكسجين إلى الدماغ. وفي حالات نادرة، قد يعود سبب ظهور مرض الصرع إلى ورم في داخل الدماغ. وفي كل الأحوال، فإن نوبات الصرع لا تحدث كلها بسبب عامل معين واحد يمكن تشخيصه وتحديده. وهذا ينطبق على نحو النصف من المصابين بمرض الصرع.
من بين عوامل الخطر:
- التاريخ العائلي
- إصابات في الرأس
- سكتة دماغية أو أمراض أخرى في الأوعية الدموية
- أمراض تلوثية في الدماغ، مثل التهاب السحايا وحدوث تشنجات وارتعاشات متواصلة خلال مرحلة الطفولة، جراء ارتفاع الحرارة والحمّى.
مضاعفات الصرع
إذا حصل وتعثـّر شخص لحظة إصابته بنوبة صرعية فقد يتلقى ضربة في رأسه، كما من المحتمل أن يتعرض للغرق شخص يصاب بنوبة صرعية بينما هو يسبح أو يغتسل في حوض الاستحمام (بانيو).
نوبة الصرع التي تؤدي إلى فقدان الوعي أو فقدان السيطرة قد تكون خطيرة جدا إذا حدثت في أثناء القيادة أو في أثناء تشغيل آلات. الأدوية المعدّة لكبح النوبات الصرعية قد تسبب النعاس، ما قد يحدّ من القدرة على القيادة. في العديد من الولايات الأمريكية هنالك قيود تُفرض في رخصة القيادة، طبقا لمدى قدرة الشخص المريض بالصرع على كبح النوبات.
نوبات الصرع لدى المرأة الحامل تشكل خطرا على الجنين وعلى الأم، على حد سواء، مع العلم إن عددا من العقاقير المعتمدة لمعالجة النوبات الصرعية تزيد من خطر إصابة الجنين بتشوهات خِلقيّة. وعليه، إذا كانت المرأة مصابة بمرض الصرع وترغب في الحمل فعليها التشاور حول الأمر مع الطبيب المعالج.
معظم النساء المصابات بالصرع يستطعن الحمل وولادة أطفال أصحاء، ولكن ربما يُطلـَب منهن تغيير الجرعة العلاجية من العقاقير وعليهن أن يخضعن لمتابعة ومراقبة وثيقتين ودائمتين طوال فترة الحمل. ومن المهم جدا التنسيق مع الطبيب المعالج والتشاور معه حول التخطيط للحمل.
إن ظهور مضاعفات تشكل خطرا على الحياة ليس أمرا شائعا في هذا المرض، لكن المخاطر قائمة. الأشخاص الذين يصابون بنوبات صرعية حادة، متواصلة وطويلة المدى يواجهون خطرا دائما لحدوث أضرار دماغية مستديمة، بل حتى خطر الموت. الأشخاص الذين يعانون من نوبات صرعية، وخاصة أولئك منهم غير الخاضعين لمراقبة دائمة، قد يموتون موتا فجائيا ومجهول الأسباب، من جراء نوبة صرعية.
خطر الموت الفجائي ومجهول الأسباب نتيجة لنوبة صرعية يزداد إذا كان:
- النوبات الصرعية قد بدأت في سن مبكرة جدا
- النوبات الصرعية التي تنطوي على أكثر من جزء واحد في الدماغ.
- استمرار النوبات الصرعية على الرغم من تناول العلاج الدوائي.
تشخيص الصرع
يحتاج الطبيب المعالج إلى وصف مفصل عن النوبات. ونظرا لأن معظم الذين يعانون من مرض الصرع لا يتذكرون ما حدث لهم وقت النوبة، فقد يطلب الطبيب التحدث إلى شخص آخر كان برفقة المريض وقت حدوث النوبة وكان شاهدا على الأعراض والعلامات.
عند زيارة العيادة، قد يجري الطبيب المعالج بعض الفحوصات والتشخيصات العصبية التي ترمي إلى اختبار المُنْعَكَسات (Reflexes) الصادرة عن المريض، توتّر العضلات (Muscle tone)، متانة العضلات (Muscle strength)، الأداء الوظيفي للحواس، شكل المشي، درجة الثبات، التناسق الحركيّ والتوازن.
وقد يطرح الطبيب المعالج على المريض بعض الأسئلة بغية اختبار طريقة التفكير، القدرة على الحُكم والذاكرة. وربما يوصي بإجراء بعض فحوصات الدم بغية تشخيص مشاكل مختلفة – مثل، تلوثات والتهابات، التسمم بالرصاص (Plumbism)، فقر الدم أو السكري – وجميعها قد تكون عوامل مسببة للنوبات الصرعية.
كذلك، قد يوصي الطبيب المعالج بإجراء بعض فحوصات التفرّس (scanning) بغية تشخيص اختلالات أو شذوذات في عمل الدماغ.
مُخَطـَّط كَهْرَبِيَّةِ الدِّماغ (Electroencephalogram – EEG) – يوفّر رصدا تسجيليا للنشاط الكهربيّ في داخل الدماغ، بواسطة مُحِسّات (Sensor) يتم تثبيتها على الجمجمة. المصابون بمرض الصرع تظهر لديهم، غالبا، تغيرات في القالب الترتيبي العادي لموجات الدماغ، بالرغم من عدم إصابتها بالنوبة في تلك اللحظة.
تَصْويرٌ مَقْطَعِيٌّ مُحَوسَب (Computed tomography – CT) – بواسطة استخدام تقنيات أشعة سينية (رنتجن) خاصة، يجمّع جهاز CT صورا من زوايا مختلفة ويدمجها معا لعرض مقطع عَرْضيّ للدماغ والجمجمة. تفّرس (CT) يمكن أن يكشف اختلالات في بنية الدماغ، بما في ذلك الأورام، الكيسات (Cyst)، السكتة أو الأوعية الدموية المتشابكة. هذه الوسيلة تساعد الطبيب المعالج في استبعاد ونفي عوامل محتملة قد تسبب النوبات الصرعية.
التَّصْويرُ بالرَّنينِ المِغْناطيسِيّ (Magnetic resonance imaging – MRI) – جهاز للفحص بالرنين المغناطيسي، تستعمل موجات راديويّة مع حقل مغناطيسي ذي قوة كبيرة جدا بغرض عرض صور مفصلة للدماغ. وكما في تفرّس CT، كذلك MRI يمكنه الكشف عن اختلالات في بنية الدماغ قد تسبب ظهور النوبات الصرعية. الحشوات المستخدمة في ترصيص الأسنان، أو الجسور المستخدمة لتقويم الأسنان، قد تعطي صورة مغلوطة، لذا عليك إبلاغ تقنيّ الأشعّة بوجودها في فمك قبل بدء الفحص.
التَصْويرٌ المَقْطَعِيٌّ بإِصْدارِ البوزيترون (Positron emission tomography – PET) – يُجرى هذا الفحص بواسطة حقن مادة إشعاعية في الوريد، بغية عرض المناطق النشطة الموجودة داخل الدماغ. يمكن التعرف على المادة الإشعاعية من خلال طريقة ارتباطها بسكّر العنب (الغلوكوز). فنظرا لأن الدماغ يستعمل الغلوكوز لإنتاج الطاقة، تظهر الأجزاء/ المناطق النشطة في الدماغ، في صورة PET، بلون فاتح أكثر.
التصوير بأشعّة جاما (Single photon emission computed tomography – SPECT) – هذا الفحص يستخدم، أساسا، لدى الأشخاص الذين يجري فحص مدى ملاءمتهم للعلاج الجراحيّ لمرض الصرع، حين لا تظهر المناطق في الدماغ المسؤولة عن النوبات الصرعية بوضوح في فحوصات MRI و EEG.
علاج الصرع
يتم علاج مرض الصرع لدى معظم الأشخاص بفضل استعمال دواء واحد يكبح النوبات. وفي المقابل، قد يزداد عدد النوبات، حدتها وخطرها لدى آخرين، من جراء تناول الأدوية.
أكثر من نصف الأولاد الذين تلقوا العقاقير من اجل علاج الصرع قد يستطيعون في نهاية المطاف التوقف عن تناول الأدوية ليعيشوا حياة طبيعية بدون نوبات. عدد كبير من البالغين الذين يعانون من الصرع سيكون بمقدورهم، هم أيضا، التوقف عن تناول الأدوية في حال مرور أكثر من سنتين على النوبة الأخيرة.
علاج الصرع بالدواء الصحيح والجرعة المناسبة قد يكون مهمة معقدة. من المرجح أن يوصي الطبيب المعالج بدواء محدد ووحيد بجرعة قليلة نسبيا، ثم يزيد الجرعة بصورة تدريجية حتى يصبح بالإمكان التحكم بالنوبات. وإذا ما جرّب مريض ما بالصرع تناول عقارين منفردين دون جدوى، فقد يوصي الطبيب المعالج بدمج العقارين معا.
كل العقاقير المضادة لنوبات الصرع لها أعراض جانبية قد تشمل: التعب الخفيف، الدوخة وازدياد الوزن. وقد تظهر، أيضا، أعراض أكثر حدة منها: الاكتئاب، الطفح الجلدي، فقدان التناسق الحركيّ، مشاكل في التحدث والكلام والتعب الشديد.
من أجل تحقيق الضبط الأقصى للنوبات الصرعية، ينبغي تناول العقاقير طبقا لما يصفه الطبيب، بالضبط. كما ينبغي المحافظة على اتصال وتشاور دائمين مع الطبيب المعالج، لدى تناول أية أدوية أخرى، أي كان نوعها. ومن الممنوع إطلاقا التوقف عن تناول الأدوية التي وصفها الطبيب المعالج بدون استشارته.
وفي حال لم يجد علاج الصرع بالأدوية لكبح النوبات نفعا أو لم تحقق نتائج مرضية، قد يوصي الطبيب بطرق علاجية أخرى، مثل المعالجة الجراحية أو المعالجة الإشعاعية أو الحمية الغنية بالدهون.
علاج الصرع بالجراحة:
يُنصح بتلقي علاج الصرع الجراحي، غالبا، حينما تدل فحوصات التفرّس (Scanning) على أن مصدر النوبات يتركز في منطقة صغيرة ومحددة من منطقة الفصوص الصدغية (Temporal lobes) في الدماغ. ويوصى علاج الصرع الجراحي في حالات نادرة إذا كان مصدر النوبات متوزعا في عدة مناطق مختلفة من الدماغ أو إذا كان مصدر النوبات في منطقة من الدماغ تحتوي على أجزاء وظيفية حيوية.