أعلنت مؤسسة الضمان الاجتماعي عزمها على إخضاع سائقي المركبات العمومية للضمان الاجتماعي ابتداء من شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2021، بحيث يكون أدنى راتب اشتراك 260 دينارا شهريا مع إمكانية رفعه إذا رغب السائق.
هذه خطوة جيدة لكنها قاصرة. هي جيدة لأنها توفر الحماية التأمينية للسائقين (وفاة أو إصابة عمل) وتضمن لهم راتبا تقاعديا مستقبليا. وهي قاصرة لأنها تتغاضى عن الحماية الأهم التي يحتاجها حاليا سائقو العمومي، وهي الحماية من الاستغلال وظلم نظام ضمان السيارة. فالاشتراك سيزيد على السائق كلفة سنوية بقيمة حوالي 655 دينارا؛ أي حوالي 11 %، ما يدفعه السائق كمبلغ ضمان لصاحب «الطبعة».
«الاختراعات» الأردنية في احتكارات السيارات العمومية هي حقا مضرب للمثل في غرابتها. فربما نحن البلد الوحيد في العالم الذي تصدر فيه رخص السيارات العمومية من وزارة الداخلية لا وزارة النقل! والنتيجة أن لدينا تكسي مطار ينقل من المطار ولا ينقل الى المطار وتكسي عاصمة ينقل الى المطار ولا ينقل من المطار وتكسي محافظات ينقل الى عمان ولا ينقل منها. وكل هذا يرفع الكلفة على الراكبين الى أكثر من ضعف ما يجب أن تكون.
وعندنا أيضا نظام ضمان السيارة. بحسب سائقين، فإن ضمان التكسي بعمان حاليا من عشرين الى خمسة وعشرين دينارا وفي المحافظات من خمسة عشر الى عشرين دينارا، ويتحمل السائق كلف غيار الزيت والكوابح، فيما يتحمل صاحب السيارة كلف التصليح والترخيص. أي أن السائق قد يعمل أكثر من ثلثي وقت عمله ليغطي كلفة الضمان والبنزين قبل أن يبدأ بجني بعض المال لعائلته.
بينما تقول وزارة النقل إن المشكلة بالملكية الفردية للقطاع لا تتحدث الوزارة عن تفاصيل تركز ملكية القطاع. فكل طبعة تكسي ليست مملوكة فقط لشخص بل هناك أفراد يملكون العديد من الطبع. والتردد الحكومي بعدم وضع حلول جذرية مع عدم إصدار رخص جديدة بأسلوب شفاف وعادل جعل قيمة تكسي المطار ترتفع من أقل من 20 ألفا قبل 2003 إلى أكثر من 130 ألفا حاليا. فهذا احتكار يحقق أرباحا وفيرة لعدد محدود على حساب مئات آلاف الركاب والسائقين.
بداية، هل تشاركنا الحكومة تفاصيل التركز في قطاع السيارات العمومية؟ مثلا كم شخصا أو شركة أو مؤسسة تملك طبع التكسي الأصفر وطبع تكسي المطار والسرفيس وخطوط الباصات في عمان والأردن؟ وكم عدد الرخص المملوكة لكل جهة أو شخص وتاريخ إصدار أو شراء تلك الرخص؟ كذلك كم شخصا يعمل على سيارة يملكها وكم سائقا يعمل بالضمان اليومي؟
لا خلاف على أن الوضع الحالي يزيد الكلفة على المستخدمين ويظلم السائقين بسبب التمسك بمكاسب ضيقة غير عادلة تزيد الكلفة على الاقتصاد وتقلل من كفاءته وفعاليته. والوضع الحالي يتجاهل التقدم التقني الذي يسمح بتطور خدمة السيارات العمومية والتكسي بأسلوب يخلق فرص عمل مرنة للغاية ويحسن الخدمة.
المطلوب حلول جذرية قد تشمل ما يلي:

  • اعتبار السوق الأردني كله واحدا وإلغاء التحديدات غير المنطقية الحالية مثل السماح للتكسي بالتوصيل الى المطار ومنعه من التوصيل من المطار. أو التحديدات بين المدن المختلفة، هذا سيقلل الكلفة على الركاب بشكل ملموس من دون التأثير على ربحية التكسي.
  • فتح السوق لرخص سيارات تكسي جديدة سنوية برسوم سنوية منطقية مع عدم تحديد حد أعلى لعدد الرخص الجديدة. فقط إصدار رخصة لكل طالب رخصة شريطة تحقيق الشروط التقنية للسيارات وشروط الرخصة الأخرى من تدقيق أمني وفحص طبي مثلا. الأهم أن تكون رخصا تجدد سنويا بحيث تنهي موانع الدخول والخروج من السوق، هذا سيسمح للكثير من السائقين بنظام الضمان أن يعملوا لحسابهم الخاص إن أرادوا. وهذا أيضا سيخلق فرصا جديدة للعاطلين عن العمل مع ضمان مرونة العمل وأوقاته.
  • ضمان مرونة اختيار طبيعة الخدمة والسماح بتزامنها: «أوبر» أو «كريم» أو أي تطبيق آخر أو «طلبات» أو «جيني» أو تكسي عداد أو خدمة توصيل وجبات وغيره.
    سيعترض البعض ويقول ماذا عن الحقوق المكتسبة؟ الأساس أنه لا حقوق مكتسبة في الاحتكار. ولكن لأننا في الأردن تعودنا «التنفيع» فربما يكون الحل المنطقي لهذه الحقوق المكتسبة المفترضة تعويض أصحاب الطبع الحالية عن انخفاض قيمة طبعات سياراتهم وانحسار نظام الضمان اليومي للسيارة بدفع تعويض مالي يمول من إيرادات الرخص السنوية. بحيث يكون هذا التعويض متدرجا تحدد فيه مثلا السعر السوقي الحالي للرخصة/الطبعة ويكون التعويض متدرجا بحسب مدة ملكية الرخصة. لا تعويض لمن ملكها لخمس وعشرين سنة أو أكثر وتعويض لمن ملكها لسنوات أقل بنسبة 4 % لكل سنة ملكية أقل من خمس وعشرين سنة: أي يحصل من ملك الرخصة واستفاد منها لمدة 24 سنة على تعويض فقط 4 % من القيمة السوقية. فيما يحصل من ملك الرخصة واستفاد منها لمدة 15 سنة على تعويض 40 % من القيمة السوقية. ويحصل من ملك الرخصة لأقل من سنة على 100 % من سعرها السوقي. ويكون التعويض فقط لطبعة واحدة لكل مالك حتى لو ملك أكثر من طبعة.
    يجب إزالة الاحتكار. كل الحلول تبدأ من هنا.