الطاهر بن جلون في «الأرق»… يسرد الأحداث بمَكْرٍ ودُعابةٍ
[wpcc-script type=”04b20ec6feca099183ceba24-text/javascript”]
يقول الروائي المغربي الطاهر بن جلون (مواليد مدينة فاس عام 1944)، متحدثًا عن روايته الأخيرة الحاملة لعنوان «الأرق» (260 صفحة، دار غاليمار)، إنها تحكي «موضوعًا خطيرًا، تحكيه بسخرية كبيرة»، ذلك أن بطلَها، ابْنَ مدينة طنجة، الذي يعمل كاتبَ سيناريوهات، لا يعرف النومَ فإذا هو يطلبه دَومًا: «من فضلك… قليلا من النوم… قليلا من هذا الغياب الحلو والممتع… حيز بسيط، هروب قصير، نزهة مع النجوم في ظلمة الليل». ثم هو يكتشف أن عليه أن يقتل شخصًا ما من أجل أن ينام بشكل جيدٍ. وكانت والدته هي ضحيته الأولى، حيث تبدأ الرواية بقوله: «قتلتُ أمي، وضعت وِسادةً على وجهها، ضغطتُ قليلاً، لم يقاوم جسدُها، توقفتْ عن التنفس. هذا كل ما في الأمر. بعدها نِمتُ، ذهبتُ في سباتٍ عميقٍ وطويلٍ». وبمرور الوقت، يتلاشى تأثير القتيلة الأولى، ويتوجب على البطل أن يكرر فعل القتل مع آخرين. وبذلك يتحول هذا الفنان وكاتب السيناريو إلى قاتل متسلسل من أجل النوم. فهو يرتكب، بخفاء، جرائم يحلم بها تمامًا كما في السينما. وكلما كانت ضحيته أكثر أهمية جاهًا أو مالاً، كان نومُه عميقا وطويلاً. ومن ثم تتفاقم الأمور ويحتد عنده طلب النوم، وهو ما يحفزه على مزيد القتل. وضمن مساعي دار «غاليمار» للترويج لهذه الرواية أجرى مُحررُها المحادثة التالية مع بن جلون.
■ هل موضع الرواية قاسٍ أم هو غير أخلاقي؟
□ هو قليل من كليهما، ولكن قبل كل شيء هو حكاية خيالية. هل هذه الحكاية غير أخلاقية؟ دعنا نَقُلْ إن فيها، بشكلٍ ما، عبرةً… على أي حال، إنها رواية مختلفة جدا عن كل ما كتبته إلى حد الآن. من حيث الشكل، هي حكاية تزاوج بين المأساة والكوميديا، وأردت فيها أن أسرد الأحداث بمكر ودعابة، وحتى بشيء من الغموض: هل يُعد البطل مجرمًا، أم إن مهمته هي التسريع في حدوث موت ضحاياه فقط، على غرار قتله والدتَه المحتَضِرةَ؟
هناك شيء واحد مؤكد، وهو أنه ينام حقا، بعد كل حادثة موت. فهل يلعب دور كاتب سيناريو مع حياته الخاصة؟ لماذا لا يقرص نفسه ليستيقظ من الحلم، باعتبار أن كل شيء يأتي من خياله؟
■ سرعان ما نكتشف في الرواية أن زوجة البطل، التي كان يكرهها، هي سبب أرقه، لكنه لم يستطع التخلصَ منها.
□ التخلص منها يمكن أن يكون العلاج الوحيد لأرقه، لكنه غير قادر على القيام بذلك. هذه الكراهية متبادلة، فهي أيضاً تريد قتله، وتظهر أقوى منه. لقد اعتقد، جازما، أنه قاتل عديم الشفقة وكاتب سيناريو مذهل، لكنه خضع لهذه المرأة، التي تبدو تافهة، والتي ستستخدم كل الوسائل، مما يمكن تخيله، لتبقيه في علاقة تبعية لها.
■ يبدو هذا القاتلُ وَدُودًا رغم كل جرائمه.
□ إنه يقتل لحل مشكلة أرقه، لكنه ليس مريضًا نفسيًا. فهو يختار ضحـــاياه، حتى أنه يخلص المجتمع، أحيانًا، من شـــخص كئــــيب، وهذا الجانب المنصفُ فيه يمكن أن يبدو ودودا. إنه يسرع، فقط، نهاية أولئك الذين ســـيموتون على أي حال، ولا يتدخل إلا في اللحظة التي يكـــونــــون فيها في حالة حرجة. وهو ما يسمح لي، من وراء ذلك، بتناول الموضوع الدقيق لنهاية الحياة بكرامة وبدون معاناة.
■ هل الراوي قاتل أم هو يحكي، ببساطة، السيناريوهات التي يصُوغُها أثناء أرقه؟
□ لا أدري هــــل هو يحكي واقعَ حالِه، أم هو يحكي أوهـــامَه الليلية؟ على القارئ أن يختار.
وبطريقة أو بأخرى، يصبح الأمر بالنسبة إليه بمثابة مأزق، ويجب عليه أن يستخرج منه السيناريو المبهِر الذي طلبه منه منتجُ الأفلام بإلحاحٍ شديدٍ.
هناك شيء واحد مؤكد، وهو أنه ينام حقا، بعد كل حادثة موت. فهل يلعب دور كاتب سيناريو مع حياته الخاصة؟ لماذا لا يقرص نفسه ليستيقظ من الحلم، باعتبار أن كل شيء يأتي من خياله؟
■ للبطل ملمح استحواذي، تعبر عنه رغبتُه في أن يزيد من «نقاط ائتمان النوم»، التي ينالها عن كل جريمة قتل.
□ استلهمتُ هذه الفكرة من مقابلة أُجريت مع قاتل مأجور أمريكي تم استجوابه حول تعريفته (القيمة المالية التي يقبضها) في عمليات القتل. وكانت إجابته كالتالي: «ملايين من الدولارات لقتل الرئيس، وعشرة دولارات لقتل مُشَردٍ». والأمر نفسه ينطبق على الراوي: في اليوم الذي يعجل فيه بموت إنسان بلا مأوى، لا ينال حتى ما يكفي ليأخذ غفوة. وهو ما يدفعه إلى قتل ضحية كبيرة من خلال مهاجمة أغنى رجل في المغرب ليحقق ثروة من رأسمال النوم. ولكن الأمر ليس بهذه البساطة دائما: فهناك بعض المقتولين لا يمنحونه نقاطا من النوم، وإنما يمنحونه نقاطًا من الشبق، سيكون عليه أن يُنْفقها على حساب النوم.
■ هل أنت، بدورك، تعاني الأرق؟
□ لحسن الحظ لا! أواجه، أحيانا، مشاكل الأرق مثل أي شخص آخر، وأعترف بأن الأرق يظل لغزا بالنسبة إليّ. وفي المقابل، لا أنصح أحداً بالحل الجذري للقضاء على الأرق كما هو وارد في الرواية.