Share your love

 

حتى علاقة الأشخاص ببعضهم البعض – تتأثر بالطبيخ – سلباً وإيجاباً! فكم يسمع أحدنا عن رجل قام من على مائدة الطعام وهو مغضب واشتبك مع زوجته، لأنّ الملح زيادة أو أنّ اللحم يفتقد إلى (السوى)! وكم من حجج ساقها الأولاد لعدم الحضور في مواعيد الأكل هروباً من طبيخ ماما البايظ! كثير! قد يبدو الشكل الذي عرضته شكلاً – فكاهياً – وهو كذلك ولكنّه يبقى واقعاً لا نختلف عليه! ولا أريد من أحد أنْ يفهم كلامي هذا أنّني ألتمس العذر للرجل أو الأولاد في تصرفاتهم، كما أنّني لا أريد أن يفهم من كلامي أنّني أُقر تضخم مثل هذه المشاكل، التي أراها بسيطة وأراها تخلق جواً من الممازحة والملاطفة بين أفراد الأسرة، سواء بين الرجل وزوجته، أو حتى بين الأولاد وأمهم!

 

والآن دعونا نرجع إلى السياق – لأنّني لي فيه غرض! إنّني في مقالي هذا أنصح – أختي وأمي ربة المنزل أنْ تتعلم الطبيخ على أصوله، إنّني أنصحها أن تتقن فن الطبيخ، إنّني أنصحها أنْ تتحول من هاوية – تجرب كل يوم في زوجها وأولادها إلى محترفة ليس في طبيخها غلطة! ولأن الدين نصيحة والنصيحة تكون لعامة المؤمنين كما تكون لخاصتهم فإنّني أدعو أمتي بأسرها رجالها ونساءها وشيوخها وصبيانها إلى مثل ما دعوت إليه ربة المنزل، إنّني أدعوهم إلى: الإتقان! الإتقان التام في أعمالهم! يا إخواني ويا أخواتي أرجوكم أتقنوا أعمالكم غاية الإتقان، حاولوا ألا تجعلوا في أعمالكم ولو غلطة واحدة، وإذا وقعت هذه الغلطة فلتكن سهواً لا عمداً ولا تكاسلاً ولا عدم اهتمام!

 

صدقوني إنّ العمل الغير متقن – كالطبخة البايظة – لا قيمة له، إنّه جهد مُهْدر لا نفع فيه ولا أثر له إنّه لا يشفع للمرأة التي تجهد نفسها في المطبخ ساعتين لإعداد الطعام جهدها هذا إذا لم تعمل على إتقانه! المشهد يتحول إلى مشهد عابث تستهلك فيه الطاقات والمال والمواد، لتكون النتيجة في النهاية صفراً، إنّ هذا الجهد الذي افتقد إلى الإتقان تحول إلى شيء ليس له مكان إلا سلة المهملات، وللأسف! إنّني لا أدري ماذا يُقال للموظف الذي يعمل حسب الإحصاءات إلى دقيقة في اليوم من أصل 420 دقيقة (6ساعات x 60دقيقة) مطلوبة منه! ماذا يقال له؟ يقال له: حرام عليك أُمّتك أللي مقصر في حقها ومانفعتهاش بحاجة، حرام عليك أُمّتك أللي خليت كل الأمم الأخرى تعلو عليها، وتسومها سوء العذاب بسبب تخلفها الذي أنت أصل من أصوله وسبب من أسبابه الرئيسية، ماذا يقال له؟

 

يقال له: ألا تستحي من هذا الهوان الذي أوصلتنا إليه أنت وأمثالك، ألا تجد في نفسك رغبة الانتفاضة من هذا الذل الذي نحياه! إيه يا أخي!! ألا تنتمي إلى الإسلام؟ أين بذلك له بأتقان عملك ومساهمتك في رفعة أمته التي هي أمتك، إنّ الإسلام يكره التفريط في الأمانات، والعمل والإتقان فيه أمانة ويعد التقصير خيانة. قال تعالى:”يا أيها الذين أمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أمانتكم وأنتم تعلمون” (الأنفال) والذي يتعامل مع عمله على غير هذا الأساس – لا يفهم طبيعة الإسلام وشموليته، إنّ الذي يتعامل مع عمله على أنّه كل مباح يأخذ منه ولا يعطي له، لا يختلف عمن يطفف المكيال فكلاهما يأخذ ماله ولا يؤدي ما عليه قال تعالى: “ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون. ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين” (المطففين1-6).

 

إن إتقان العمل يا إخواني من جنس العمل نفسه، وليس بينهما انفصال، والذي يعتقد أنّ العمل شيء وإتقانه شيء آخر، يحتاج إلى مراجعة فكره وتصوراته، إنّ رسول الله صلى الله عليه سلم قال: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عمل أن يتقنه” فهل التوجيه النبوي من واقع في نفسياتنا وترجمة في أعمالنا، أم أنّنا صرنا كالذين قالوا سمعنا – بأفواههم، وعصينا بأفعالهم نرجو ألا نكون كذلك وأنْ تظل الأمة التي تحيا محترمة قول نبيها، لأنّه بدون هذا الاحترام لإرث نبيها صلى الله عليه سلم يكون باطن الأرض أفضل لها من ظاهرها! والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وللحديث بقية في الأسبوع القادم إن شاء الله.

 

الأستاذ/ عمرو خالد مجلة اليقظة بتاريخ 14 -20 يوليو 2004

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!