الطريق من هنا

Share your love

 

والتربية الإيمانية حياة الروح تكاد أن تكون قضية غائبة في زحام هذه القضايا وتلك الحوارات. وبعض الدعاة ينظر للتربية الإيمانية بمواعظها ورقائقها،وصيامها وقيامها،على أنها نوع من الدروشة ،أو خطاب خاص بالعامة دون الخاصة من أمثالهم،وبعضهم يرى أن أماهم عليه من زاد العبادة القليل والرديء أحياناً يكفي ويشفي .
 وهؤلاء غفلوا عن سمت السيرة النبوية،وهدي السلف الصالح،وشعار العلماء المخلصين،وصفة القادة الفاتحين،ودأب الدعاة المصلحين،وأن كل هؤلاء كانت تربيتهم الإيمانية العامل المشترك البارز الذي له أكبر الأثر في شخصياتهم،وأبلغ الأسباب فيما تفوقوا فيه ووقفوا إليه.
وهؤلاء نسوا المدرسة المكّية التي علمت الصحابة سمت الإيمان،ورسخت فيهم جذور اليقين ، وحفلت بأسباب إحياء القلوب ، وتميزت بقيام الليل ، وإدمان التلاوة ، وكثرة السجود ، ودموع الخشية ، ودعاء الأسحار ، وترديد الأذكار ، وأنهم من هذه المدرسة انطلقوا إلى ميدان الدعوة والجهاد ، وإقامة الحياة الإسلامية في واقع الحياة.
 درس الدعوة الإسلامية المتجدد في كل القدوات وخلال كل الفترات يمثل هذا الشعار:” من المحراب إلى السياسة .. من الروحانية إلى الإدارة .. من الذكر والاستغفار إلى القوة والانتصار .. من حياة القلوب إلى مواجهة الخطوب وليس العكس”.
والتاريخ يؤكد لنا من خلال أحداثه ودروسه أن ” طريقنا يمر قبل السياسة والاقتصاد وخلاف الفقهاء بتطهير الجنان ” وأنه من المهم أن ندرك بوضوح أنه: “لابد من وجود أنماط التربية الإيمانية في الطريق الدعوي ، وأن تجاوزها إلى الشكل السياسي المحض محفوف بالمخاطر ، وقد ينتج أفئدة فيها قسوة ، ليس لها من الصفاء وفرة نصيب ، يؤدي إلى رجحان النفس الأمارة بالسوء على النفس الزكية “. إن الناظر إلى دعاة اليوم يرى صور الخلل الناشئ من إهمال التربية الإيمانية فلا تخطئ عين الناقد ، ” إن العمل الإسلامي ابتعد عن فطريته ، فالأخلاق فيها نقص ، والحياة الروحية ضعيفة ، وكثيراً ما تظهر منافسات على الإداريات وانقسامات ، وكثيراً ما يضيع القرار في غمرة الظواهر المرضية ، وكثيراً ما يكون فرق بين الشعار والواقع ، وكثيراً ما يفتقد السمت النبوي على أصحاب الدعوة “.
 ومن الفقه الإيماني إدراك أن ضعف تأثير الدعوة ، وقلة القبول لها ، وعدم التجاوب معها إنما هو في الحقيقة من أثر ضعف الإيمان،والصلة بالله ، فقد ترى عملاً كثيراً وأثراً قليلاً ، كثر علم المحاضرين،وزادت حماسة الخطباء ، ولكن الروح غير الروح ، والإخلاص دون المطلوب ، كما صور ذلك الشاعر جكر مراد آبادي حين قال : ” ما أروع كلمات الخطيب وما أجمل تعبيره ، ولكنني لا أجد في عينيه برق الحب ، ولا أقرأ في وجهه نور الإيمان وسيماء الحب والحنان “. نعم، إن فقدان الإخلاص أمات الكلمات ، ودفنها تحت الأقدام ، وإن خواء الروح وضعف اليقين جعل إقبال الشاعر الحكيم يصف الحال بقوله : ” الصفوف معوجة منشقة ، والقلوب خاوية حائرة ،والسجدة خامدة هامدة ، لا حرارة فيها ولا شقوق ، ولا عجب فقد انطفأت شعلة القلب ، وخمدت جمرة الفؤاد ” . ومن أثر هذا الخلل أيضاً فقدان آثار التأثير الرباني فالقاعدة أن : “المنح الربانية لمن يحسن إيمانه مثل الإلهام ، وصدق الرؤيا ، وصحة الفراسة والمحبة أو المهابة التي تلقى في قلوب الناس”، فأين الإلهام المسدد ؟ وأين التفاؤل المحفز ؟ وأين التوفيق المتجدد ؟ وأين أولياء الله ؟ .. أولياء الله الذين يتولونه بالطاعة ، ويتولاهم بالكرامة ” .
ولعلّ من أظهر الآثار الضعف في المواقف أمام الإغواء والإغراء ، وفي وجه الشدائد والمحن ؛ لأن من لا زاد له من الإيمان سريعاً ما يسقط في الامتحان . إذن لم يبق لنا إلا الطريق الأوسط الأقرب ، طريق تلاوة القرآن ، والصلاة واللبث في المساجد ، وحلق الذكر، وتهجد الثلث الأخير ، وزيارة القبور ، ومجالس العلم ، وغدوة النهي عن المنكر إذا انطلق ، وروحة أمر الأصحاب بالمعروف إذا آب ، وعلى هذا دل الهدي النبوي الشريف ، ومن لم تحلق به روحه إذ هو على حصيرة المسجد فلن يطير به السندباد .
 لا بد أن نعلن للدعاة أنهم إذا استكثروا من الزاد الإيماني فسوف “تفتح لهم النفوس بعد إغلاق ، وتفتح لهم قلوب الناس بعد إدبار ، وتفتح لهم حصون العدو بعد امتناع ” ، وأنه يجب أن يدرك جمهور الدعاة أنه ” ما فتح الله على عبد حالة سنية إلا باتباع الأوامر ، وإخلاص الطاعات ولزوم المحاريب “. لابد أن تضع لكل الدعاة والعاملين للإسلام لافتة كبيرة تحمل عنوان التربية الإيمانية ،وأن نكتب تحتها:[الطريق من هنا ].
Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!