على مدار العقود الطويلة الماضية كان الترابط الأسري داخل العائلات الكبيرة هي السمة المميزة للوضع الاجتماعي داخل أي مجتمع، وبالتحديد داخل المجتمعات الشرقية، لما كان لهذا التجمع العائلي الكبير من العديد من السمات والمزايا التي كان لها مردود إيجابي ينعكس على العديد من النجاحات على مستوى السرة بشكل خاص وعلى مستوى الدولة والحياة الاجتماعية بوجه عام، لكن مع التغيرات التي حدثت في عادات وتقاليد غالبية الدول ومع التطور التكنولوجي زاد التفكك الأسري داخل الدولة الواحدة وتفتت العائلات إلى كيانات صغيرة ومتعددة، ولعل ذلك كان السبب الرئيسي في اختفاء عدد كبير من الصفات المميزة للطابع العائلي المترابط، وأيضا زيادة المشاكل الأسرية والاجتماعية والثقافية، ولعل كل ذلك كان السبب والدافع لارتفاع الأصوات المنادية بضرورة عودة التشكيل العائلي كما كان عليه ماضيًا للتغلب على كثير من المشاكل والعادات السيئة التي ظهرت داخل مجتمعنا نتيجة هذا التفكك.
أسباب تفكك العائلات الكبيرة
الاستخدام المفرط للتكنولوجيا الحديثة
على مدار العقود القليلة الماضية لعب التطور التكنولوجي الحديث دورًا مؤثرًا في اختفاء كثير من طباع العائلات ذات التكوين الضخم والترابط الأسري في المجتمع، وبالرغم من إجمالي المزايا التي يتركها التطور التكنولوجي في المجتمع، إلا أن الاستغلال السلبي لهذه التكنولوجيات زاد من سلبياتها داخل مجتمعنا، حيث أن الاستخدام والاعتماد المفرط على تكنولوجيا العصر الجديد في القيام بمهام الحياة اليومية أثر بشكل مباشر في زيادة الفجوة بين أفراد العائلة الكبيرة والأسرة الواحدة، وبالتالي تسبب ذلك أيضًا في إحداث خلل في أداء الأشخاص لواجباتهم تجاه أفرد أسرهم، فأصبح جميع أفراد الأسرة يقضون ساعات طويلة أمام التلفاز والإنترنت وباقي الأجهزة التكنولوجية الحديثة، الأمر الذي أعاقهم عن القيام بمسؤولياتهم وواجباتهم الأسرية، وفي إطار كل ذلك تكون العائلة هي الضحية الأولى للتعلق بالتكنولوجيا الحديثة، التي تعيق الأفراد عن القيام بالواجبات المطلوب منهم.
الوضع الاقتصادي للعائلة
كان ومازال الوضع الاقتصادي لأي أسرة هو العنصر الأكثر تأثيرًا سواء في تفكك العائلات أو زيادة أواصر التعاون والترابط بين أفرادها، وفي بعض الحالات يتحول الوضع الاقتصادي لعدد من العائلات إلى صداع مزمن وعامل أساسي في تفككها، كما أن فارق المستوى المادي بين أفراد الأسرة الواحدة يجعل في بعض الأحيان هناك خلافات والتي قد تنتهي ببعض الخلافات، وعدم تذكر العلاقات الاجتماعية الواجب القيام بها، ففي حالة الأشخاص الأغنياء نجدهم ينشغلون عن علاقاتهم الأسرية ويتجهون إلى جمع المال وتكوين ثروات طائلة، وبالتالي ينسون غالبية أفراد العائلة، كما أن الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها العديد من الدول تجعل مواطنيها في حالة انشغال تام لجمع الأموال وبالتالي تتسبب ظروف الحياة في انشغالهم عن دورهم الحيوي في تحقيق الترابط الأسري والعائلي .
غياب دور الأب والأم
من المعلوم أن غياب دور الأب القيادي والأم الرقيبة في الأسرة يزيد من تفكك أي عائلة وتعرض أفرادها إلى العديد من الإشكاليات داخل المجتمع، وفي ظل الأوضاع الحياتية والاقتصادية المعقدة حاليًا تتزايد مهام الأب لمحاولة كسب مزيد من الرزق لمعاونة الأسرة على تخطي صعاب الحياة اليومية في ظل المغالاة التي يعيشها المواطنون حاليًا، ويتسبب انشغال الأب الدائم في عدم قدرته على متابعة ومراقبة أولاده ومدى التزامهم في دراستهم ومن هنا يبدأ التفكك العائلي وتنشب الخلافات والنزاع الذي يحل محل المودة، حيث يقضي كل فرد حياته خارج المنزل مع أصدقائه دون أي اهتمام بتشكيل عائلة متماسكة وكبيرة يكون لها تأثير وقيم مجتمعية إيجابية في المجتمع، والأمر كذلك يتعلق بدور الأم التي دائمًا ما تنشغل في مهام المنزل وفي بعض الأحيان تضطر للخروج للعمل ومن هنا تزداد مشاكل وخلافات العائلة، ويعد هذا العنصر هو أحدا أبرز العناصر المتسببة في التفكك العائلي خاصة في مجتمعاتنا الشرقية.
الجهل وفساد الأخلاق
يعتبر الجهل وعدم الوعي بأهمية الحياة الأسرية هو العنصر الأبرز في تفادي إشكاليات المجتمع وبالتالي عدم الدخول في إشكاليات متزايدة ومتنامية، وخلال العقود القليلة الماضية تزايدت نسبة الجهل وانخفاض نسبة المتعلمين في المجتمع، وهو ما كان له دورًا سلبيًا على أفراد الأسرة الواحدة، كما أن عدم الفهم السليم لتقاليد المجتمع وقيمه أحد الأسباب التي فرقت بين كثير من أفراد الأسرة الواحدة، يضاف إلى ذلك فإن فساد الأخلاق يعد عنصرًا لا يقل خطورة عن سابقه فالسعي وراء الشهوات، والاتجاه إلى استغلال وتبذير الأموال في الأمور المحرمة تزيد من انتشار السلوكيات المنحرفة في المجتمع، وقد ساعد اتسام بعض الأشخاص بالتبذير المادي في اتجاههم إلى مظاهر الترف التي تدفعهم إلى التسابق في شكليات تصيب الأسرة بإرهاق شديد، وقد يصل الأمر إلى تعرضها لبعض الإشكاليات والاستدانة من أفراد آخرين لسد احتياجاتهم، ومن هنا تغيب السمات المميزة للأسرة.
التمسك بتقاليد المجتمع
دائمًا ما يساهم تمسك المجتمع بقيمة وتقاليده في زيادة معدلات النمو بشكل فعال ومؤثر، وبالتالي الحفاظ على القوام الرئيسي للمجتمع وعدم الإخلال بمنظومته التي يسير في إطارها، بل والمحافظة على الترابط الأسري والحفاظ على العائلات الكبيرة من التفكك، بجانب ذلك فإن كثير من الأشخاص دائمًا ما يؤكدون على ضرورة العناية بما يقي من الوقوع في هذه الإشكاليات، حيث أن التمسك بقيم المجتمع وقوامه وعاداته يعد من أبرز العوامل المحكمة في الحفاظ على قوام العائلات الكبيرة في المجتمعات الشرقية.
تربية أبناء الأسرة على أسس الترابط العائلي
من المؤكد أن التربية الصحيحة والسليمة لأبناء الأسرة منذ الطفولة هي العنصر المتحكم في سلوك الأشخاص طوال عمرهم وبالتالي يستمرون في الحفاظ على ترابط عائلاتهم وعلى تماسكها الكبير بين الأطفال والشباب وكبار العائلة، لذا هناك بعض الأشخاص يؤكدون أن عملية التماسك الأسري وترابط العائلات الكبيرة تبدأ منذ مرحلة اختيار الزوج أو الزوجة، بحيث يكون ذلك أساس النجاح لهذه الأسرة الوليدة، يضاف إلى ذلك فمن المؤكد أن التقارب الفكري والاقتصادي والاجتماعي بين الزوجين يزيد من عوامل الحفاظ على ترابط الأسرة بشكل كبير للغاية.
زيادة الوعي من خلال المؤسسات الثقافية والإعلامية
كما هو معلوم للجميع فإن دور المؤسسات الإعلامية والثقافية في أي مجتمع هي سلاح ذو حدين، فإما أن تكون عنصرًا هدامًا لقيم وتقاليد المجتمع، وإما أن تكون العنصر الأكثر تحفيزًا لزيادة القيم الاجتماعية في أي مجتمع شرقي، وكما هو متفق عليه حول دور المؤسسات الإعلامية التي تكون قادرة على إحداث كثير من الإشكاليات التي تساهم في تفكك الأسر والعائلات، فيمكن أن تساهم في العلاج من خلال توعية جميع أفراد المجتمع بمسؤولياتهم وواجباتهم المجتمعية والعائلية، وبالتالي ينادي البعض بضرورة العمل على تقديم وعرض مجموعة من البرامج والندوات المحفزة للقيم والعادات السليمة وبالتالي القضاء على المشكلات الأسرية في المجتمع.
التكاتف والترابط الأسري للعائلات الكبيرة كان هو الصفة المميزة للحياة الاجتماعية في مجتمعاتنا على مدار العقود الماضية، ووفقا ﻵراء عدد كبير من المهتمين بهذه القضية فإن تنامي دور المنظمات والجمعيات المطالبة بضرورة عودة الحياة العائلية إلى مجتمعاتنا الشرقية إلى طبيعتها؛ قد ساهم جزئيًا في إعادة تمسك عدد كبير من الأسر والعائلات وإقناعها بأهمية هذه القضية والعمل على انتشار مفهوم الترابط الأسري وترسيخه في وجدان الأجيال القادمة من الشباب، من أجل تطوير وتنمية قيم المجتمع وتخليصه من العادات السيئة التي طرأت عليه خلال الفترة الماضية.