العزيمة وقوّة الشغف

"قد تؤدي العزيمة بلا عاطفة إلى تحقيق إنجاز، لكن هل ستجعلك سعيداً؟". "ليس الأمر أنَّني عبقري، كل ما هنالك أنَّني لا أسأم من حل المشكلات" ألبرت أينشتاين (Albert Einstein). عندما بدأت الكتابة لأول مرة عن طريقة تعزيز فكرة العزيمة لدى الأطفال منذ سنوات، اعتقدت أنَّني وجدت حلاً سحرياً للتربية.

Share your love

ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّنة كريستين كارتر (Christine Carter)، والتي تُحدِّثنا فيه عن تجربتها الشخصية في العزيمة.

لقد أظهرت الأبحاث المبكرة التي أجرتها عالمة النفس الشهيرة أنجيلا دكوورث (Angela Duckworth) والتي شملها كتابها الجديد (العزيمة: قوة الشغف والمثابرة) (Grit: The Power of Passion and Perseverance): أنَّ العزيمة أو المثابرة والشغف لتحقيق أهداف طويلة الأمد؛ هي أحد أفضل العوامل التي تُنبِّئ بالأداء عالي المستوى، سواء في المدارس والجامعات أم في العمل، ويبدو أنَّ هذا الأمر رائع؛ وذلك لأنَّه بينما لا يمكننا التحكم بذكاء الأطفال أو ذكائنا، يمكننا أن نطوِّر العزيمة ممَّا يؤثر تأثيراً كبيراً في احتمالات نجاحهم.

يعود الفضل في معظم نجاحاتي إلى سعيي الدائم والدؤوب إلى إنجاز المهام، ففي المدرسة الثانوية والجامعة، كنت أدرس بجدٍّ أكثر من أي شخص أعرفه، وكنت أنجز جميع واجباتي المدرسية وأكررها أكثر من مرة.

من ناحية أخرى، فإنَّني أعزو أيضاً اضطراب القلق الذي عانيت منه في أوائل العشرينات من عمري إلى عزيمتي وسعيي الدؤوب إلى إنجاز المهام، وحتى منتصف الثلاثينات من عمري، كنت أنجز كل أمر معتقدةً أنَّه ينبغي عليَّ فعله على أكمل وجه وقدر المستطاع، كما كنت أفعل كل شيء يعتقد الجميع أنَّني يجب أن أفعله، لقد أرضيت الناس إلى أقصى حد.

لم أكن لأحقق شيئاً لولا العزيمة والمثابرة، وكنت سأبلغ الحد الأقصى لمقياس دكوورث للعزيمة (Duckworth’s Grit Scale) – يقيس مقياس العزيمة مدى قدرة الأفراد على الحفاظ على التركيز والاهتمام، والمثابرة في تحقيق أهداف طويلة الأمد، مع إعطاء نفسي الدرجة الكاملة في كل من:

  • أنا لا أستسلم بسهولة.
  • أنا شخص أعمل بجد.
  • أنهي كل الأمور التي أبدأ بها.
  • أنا مجتهدة.
  • لقد واجهت كل العقبات للتغلب على تحديات هامة.

لكن في الواقع، لم أكن قوية العزيمة بحسب مقياس دكوورث للعزيمة؛ حيث تُعرِّف دكوورث العزيمة على أنَّها المثابرة والشغف لتحقيق الأهداف طويلة الأمد، كنت مثاليةً ومثابرةً.

في معظم الأمور كنت أفتقر إلى الشغف المرتبط بمعادلة العزيمة، وكنت مدفوعةً بالخوف وليس بالحب، وكنت أعرف بالضبط ما يريد الآخرون مني أن أسعى إلى تحقيقه، وقد استطعت تحقيقه؛ ولأنَّني كنت واضحةً جداً بشأن ما يتوقعه الآخرون مني، كنت أحياناً أشعر بأنَّني غير متأكدة بشأن ما أريد حقاً السعي وراء تحقيقه بنفسي.

شاهد بالفديو: 14 نصيحة لتحويل شغفك إلى أفكار قابلة للتنفيذ

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/nI1m-ckmRRE?rel=0&hd=0″]

لهذا السبب، أعتقد بشدة أنَّ العزيمة ليست أمراً يجب أن نقيسه لدى المراهقين لمعرفة فيما إذا كان في إمكانهم تجاوز التوتر، ولا يجب أن نعجب بهذه الصفة أو نعززها؛ وذلك لأنَّ القيام بذلك يعني أنَّنا نبحث عن المثالية باستمرار؛ حيث إنَّ العزيمة دون عاطفة قد تؤدي إلى تحقيق إنجاز، لكنَّه إنجاز كئيب ومقلق في أفضل الحالات.

والعزيمة الحقيقية التي تقيس الشغف والمثابرة، هي استراتيجية فعَّالة للنجاح والسعادة، وهي أمر يمكننا تعزيزه بسهولة لدينا ولدى أطفالنا.

1. ابحث عن الشغف وعززه:

إذا كنت والداً أو مدرِّساً تتطلع إلى تعزيز العزيمة لدى الأطفال، فإنَّ الخطوة الأولى هي التخلي عن فكرة ما تريده لهم، ومراقبة ما هم متحمسون له، ثم ببساطة ادعم شغفهم.

حتى يعرف الأطفال ما يهتمون به، هم يحتاجون إلى تجربة العديد من الأمور، فلن يعرفوا أبداً أنَّهم شغوفون بممارسة رياضة التنس أو قراءة الكتب أو تسلُّق الجبال أو العزف على البيانو، إذا لم يحصلوا على فرصة لتجربة هذه الأمور، إنَّ وجود الآباء والمعلمون والكوتشز أمر هام جداً؛ حيث يجب أن نكون مستعدين وقادرين على تأمين الأدوات اللازمة لكل ما يريدون تجربته.

بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نكون مستعدين لجعل الاهتمام الأولي لدى الأطفال يتطور بسبب الشعور بالمرح، ويجب أن يكون سهلاً في البداية، يمكن للبالغين أن يشجعوا في ذلك، لكن يجب أن يتذكروا أنَّ المرح هو أفضل أسلوب في هذه المرحلة، الشغف الحقيقي لا يبدأ أبداً بالعمل الجاد والممارسة؛ وإنَّما يبدأ باهتمام ومرح حقيقيَّين.

يمكنك تطبيق ذلك على نفسك أيضاً؛ لذا انتبه إلى الأمور التي تتطلع إليها فعلاً، وتدرَّب على تجاهُل ما يتوقعه منك الآخرون أو حتى ما يريدونه لك، على سبيل المثال، هل التفكير في مشروع أو نشاط معين يجعلك تشعر بالراحة والحرية، أم أنَّه يُثقل كاهلك؟ قد يجعلك السعي نحو الأمور التي تخشاها شخصاً مثابراً، لكنَّها في النهاية لن تجعلك قوي العزيمة أو سعيداً.

2. تدَّرب على التغاضي عن شعور عدم الراحة:

نظراً لأنَّ الحياة تشمل العديد من المشاعر، مثل خيبة الأمل والمخاطرة والألم وحتى الفشل، فنحن بحاجة إلى تقبُّل أنَّنا سنشعر بالراحة أحياناً وبعدم الراحة أحياناً أخرى، إذا كنَّا سنتمكن من الاستمرار في مواجهة التحديات نحو تحقيق أهدافنا.

الحل، هو أن تلاحظ أين تقع منطقة الراحة الخاصة بك؛ وذلك لأنَّها غالباً ما تكون هي التي تعوق نجاحك وسعادتك، ومن المفارقات أنَّ المثالية كانت منطقة راحتي، فقد كنت أشعر بالراحة عند تلبية توقعات الآخرين مني باستمرار، وكنت أشعر بالقلق وعدم الارتياح عند القيام بأمور يمكن أن تخذل الآخرين، فقد كان من الصعب عليَّ أن أمتلك الشجاعة للاهتمام بالأمور التي تثير شغفي.

لكن من الواضح أنَّنا بحاجة إلى التحلي بالشجاعة للقيام بالأمور التي تجعلنا غير مرتاحين دون الإفراط في الشعور بالقلق أو التوتر، فأحياناً تكون الأمور الصعبة مجرد أمور صعبة، يوجد فيها صعوبة أو حتى ألم، لكنَّها لا تستحق الشعور بالتوتر؛ حيث لا يوجد في الواقع أي أمر يجب أن نخاف منه.

إنَّ أسهل طريقة لزيادة قدرتنا – وبصراحة رغبتنا – في الشعور بعدم الراحة هي أن نضع أنفسنا في مواقف تجعلنا غير مرتاحين؛ لذلك اتخذ خطوات صغيرة وتدَّرب على التزام الهدوء على الرغم من الشعور بعدم الراحة والانزعاج، وتنفَّس بعمق، وأرخِ كتفيك، وراقب شعور عدم الراحة وتقبَّله، ولا تخف من شيء.

شارك في مناقشات حادة، وجازف في العلاقات من خلال إظهار شخصيتك الحقيقية للناس، وشارك ما تشعر به فعلاً، ولاحظ كيف يعاني الآخرون وتواصل معهم ولاحظ شعورهم بعدم الارتياح ولا تخشَ منه، افعل الأمر المناسب، حتى عندما يكون صعباً.

في هذه الأيام، لا أعرف مقدار عزيمتي وفق مقياس دكوورث، فأنا أتدرب على أن أكون قوية العزم في بعض الأمور، وغير حازمة في بعضها الآخر، وبالطريقة نفسها التي يمكن أن يؤدي بها معدل الذكاء العالي إلى جعل الناس محرجين اجتماعياً ويفشلون في علاقاتهم، أعتقد أنَّ حصولي على درجة مثابرة عالية جداً، كان مصدر تهديد لسعادتي.

فهل العزيمة أكثر أهمية من الذكاء، كما أوضحت أبحاث دكوورث المبكرة؟

لقد اتضح أنَّ العزيمة – على الأقل وفق الطريقة التي قيست بها في البحث – ليست حلاً سحرياً، وقد بيَّن بحث آخر حول العزيمة أنَّ مقياس دكوورث الموجه نحو العزيمة لا يفيد في توقع النجاح كما قادنا البحث الأصلي إلى الاعتقاد.

في الوقت نفسه، من الواضح أنَّ العزيمة الحقيقية المتعلقة بالمثابرة والشغف، هي أمر نريده لأطفالنا ولأنفسنا، ولحسن الحظ، يمكننا تعلُّم وممارسة المهارات التي تجعلنا شجعاناً، وعندما نحدد الأمور التي نشعر بالحماسة تجاهها، ونطوِّر مهاراتنا، سنحتاج حينها إلى أن نكون مثابرين في سعينا وراء شغفنا، لذا انتبه من كل ما يحدث حولك، فلن يكون لأي شيء آخر تأثيرٌ كبيرٌ فيك.

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!