
تغريد السعايدة
عمان- “شعرت بالارتباك والحرج.. وبدأت الالتفات للمحيطين ونظراتهم”، بهذه الكلمات وصفت إيناس مصطفى حالها عندما باغتها سيل من “العطاس” في أحد محلات التموين الذي تواجدت به، لتتيقن أن الكثير منهم رمقوها بنظرات خوف واستهجان، كونها لم تكن ترتدي الكمامة، لتكون “العطسة” في زمن “كورونا” أخطر من “الحوادث”، على حد تعبيرها.
تقول إيناس إنها بعد هذا الموقف الذي حدث معها، وتلقيها نصيحة من أحد المتواجدين بأنها من الممكن أن تكون خطراً على المتواجدين في المحلات التجارية، إذا لم تلتزم بالكمامة، وبالوقت ذاته تكرار العطاس زاد مخاوف الآخرين، وخلق شعورا لديهم بأنها قد تكون مصابة بفيروس “كورونا”، إلا أنها بررت له بأن حالة العطاس المفاجئة كانت نتيجة استنشاقها أحد أنواع منكهات الطعام.
جائحة كورونا غيرت الكثير من المفاهيم والسلوكيات البشرية في مختلف دول العالم، إلى الحد الذي أصبح فيه الكثيرون يتندرون على كل من “يعطس”، أو من تفاجئه حالة من السعال، بعبارات أو نكات طريفة، وتعليقات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتطبيقات تقليد الأصوات، كما في “التيك تيك”، التي شهدت تركيباً لمقاطع تمثيلية فكاهية على الشخص الذي “يسعل أو يعطس”.
وخلال فترة الحظر الشامل، التي شهدها العالم أجمع، ظهرت الكثير من المقاطع و”النكات” التمثيلية، كما في المقطع التمثيلي الذي يُظهر إحدى السيدات في موقف للحافلات “تعطس”، لتعم حالة من الفوضى والخوف في المكان، ويهرب كل من حولها بطريقة درامية مضحكة.
مثل هذه المقاطع، ما هي إلا انعكاس لطبيعة الحالة المجتمعية التي تحدث في المجتمع، وبين أفراد الأسرة كذلك، أو الأصدقاء، كما يقول علي العبيد، الذي كان وجوده بين أصدقائه في إحدى السهرات مصدر قلق لهم، كونه أصيب بنوبة من السعال استمرت لدقائق، ليكتشف أن المتواجدين يتحاورون فيما بينهم، فيما إذا كان مصاباً بـ”كورونا”.
ويؤكد علي أنه لم يشعر بالإحراج من ذلك، فهو أيضاً لديه تخوف من أي شخص يمكن أن يسعل أو تأتيه نوبات عطاس بالقرب منه، خاصة إذا لم يكن الشخص يرتدي الكمامة أو في وسط تجمع كبير، أو كان يعاني من أعراض أخرى، وهذا أمر طبيعي ورد فعل على الحالة الوبائية التي يعاني منها العالم.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية/ مركز مكافحة الأمراض الأميركي، فإن العطاس لا يعد أبدا من أعراض الإصابة بمرض “كوفيد 19″، وإنما هو من أعراض نزلات البرد أو الانفلونزا المعتادة، بيد أن السعال الجاف يعد من أعراض كورونا البارزة، ولكن لا يعد السعال المخاطي من أعراضه، لذلك فإن “العطاس” هو دليل على عدم الإصابة في أغلب الأوقات.
التندر والفكاهة المرتبطان بالأحداث اليومية التي تؤثر على المجتمعات هما حالة نفسية تدفع الإنسان إلى التخفيف من حدة التوتر التي يشعر بها من خلال اللجوء للضحك والسخرية أحياناً من بعض السلوكيات؛ إذ أوضح اختصاصي علم النفس والتربية الدكتور موسى مطارنة، في حديث لـ”الغد” أن ما يحدث ما هو إلا محاولة “للتنفيس” والشعور بالطمأنينة، المرتبط في الوقت ذاته بالخوف والترقب من المستقبل.
وبين مطارنة أن هذه الحالة من الخوف المرتبط بالتندر، تأتي بسبب تداول الكثير من الأخبار المختلفة التي تتحدث عن الأعراض المصاحبة لفيروس كورونا، ووجود محاذير من تجنب المصابين بالفيروس وظهور أعراض عليهم، وهي على مستوى العالم وليس فقط محلياً، وهي تعد آثارا وسلوكيات نفسية يتسم بها الإنسان في مختلف الظروف والكوارث التي قد تمر في حياته.
ومن المواقف الطريفة التي تعرضت لها والدة الطفلة سارة، ابنة الخمس سنوات، التي باغتت والدتها بأن قامت بإغراقها بالمعقمات بعد أن أصابت الأم نوبة عطاس وسعال فجأة، لتعبر الطفلة عن خوفها من والدتها أن تكون مصابة بفيروس “كورونا”، ما أوجب على الأم أن تشرح لأطفالها أن العطاس ليس بالضرورة أن يكون من أعراض “كورونا”.
هذه الحالة السلوكية التي دفعت بالطفلة سارة إلى الخوف، هي ذاتها التي تشعر بها الوالدة خلال تواجدها في العمل أو في الأسواق، وهي أيضاً دليل على أن الأطفال يتأثرون بسلوك الأهل وحديثهم عن المرض، وتعليقاتهم المتكررة المقرونة بالضحك والتندر على من يعطس فجأة وسط جموع من الناس، في ظل أجواء “كورونا” التي تحيط بكل تفاصيل وأحاديث العالم، وحتى في بعض برامج الأطفال التي تتناول جزءا من برامجها لتوعية الأطفال حول “كورونا” والوقاية منها وأعراضها.
الهدوء النفسي والتروي في إبداء الحكم على المحيطين، وخاصة مع انتشار حالة من الرعب من عدوى فيروس كورونا، يدعونا إلى نشر الطاقة الإيجابية وعدم إشعار الآخرين ممن يعانون من أعراض جانبية قد لا تكون فعلياً أعراض كورونا، وهي طريقة على الجميع أن يتبعها، فالمجتمع في طبيعته تكافلي، ونشر الهدوء والاطمئنان يعد وسيلة لتخطي العواقب والآثار كافة المترتبة على انتشار الوباء، وفق مطارنة.
كما يشدد مطارنة على أن يراعي الإنسان مشاعر الآخرين، إذ إن مثل تلك التصرفات العفوية أحياناً التي تُظهر نفوراً من الشخص الذي قد “يعطس أو يسعل” أو أن يكون مصابا، قد يكون لها انتكاسات نفسية يصعب تجاوزها فيما بعد، والتي تعد إحدى آثار الجائحة التي سيطرت على العالم أجمع.


