علاقة المريض مع الطبيب علاقة قديمة قدم الإنسان ،وقدم المرض ،وجاء في الميثولوجيا البابلية أن الابن الإله “اذكي” اله الأرض ،أصيب بمرض في ضلعه بعد أن أكل من ثمار حرمته الآلهة ،فخلقت له الآلهة إلهة أنثى تحمل اسم ننستي لعلاجه وتمريضه ،واله المصريين القدماء طبيبهم “امحوتب” كما اعتبر اسقلابيوس ابن الإله أبوللو حسب الميثولوجيا اليونانية .

وقد حافظ الطبيب على مكانته الاجتماعية من خلال عدة أمور :

1-اختلاط الطب باللاهوت في مرحلة الطب اللاهوتي وتمازج شخصيتي الطبيب و الكاهن ،واعتبار المرض غضب الهي ،وان الطبيب أو الكاهن الذي له القدرة على الشفاء لا بد وان تكون له صلة بالآلهة ،كما أن اعتماد العلاج على الكلمات الإلهية ،والتعاويذ الدينية وإخراج الأرواح الشريرة “سبب المرض”وساهم في تعزيز هذه الصورة .

2-اختلاط الطب بالشعوذة و السحر ،ومن الطريف معرقة أن كلمة ساحر المترجمة من كلمة MAGICIAN المنقولة من الفارسية تعني العالم ،وبمعنى أن الساحر في تلك الأيام كان يمثل اكثر الناس علما ،أي أكثرهم غنى بالمعلومات الطبية وغير الطبية ،وبما أن العلم قوة فقد استغل الساحر قوته ومعلوماته في تطويع الظواهر غير المفهومة للعامة مما أضفى عليه صبغة شخصية قوية يستعمل حركات وإشارات توحي بقدرته وقوته .

3-الدراية و التخصص بأغلى ما لدى الإنسان ،وهي صحته ، وهذه القوة بالعلم تصبح مضاعفة إذا وقف الطبيب أمام المريض الضعيف الذي يبحث عن علاج بأي ثمن ،وان ضعف المعلومات المتاحة في القرون الماضية واقتصار المعلومات على فئة معينة من الناس ووجود ما يسمى “بسر المهنة ” ضاعف من أهمية العلم على قلته في تلك الأيام .

وقد استعملت وما زالت كلمة دكتور الإنكليزية التي تعني العلم و المعلم ،واستعملت كلمة حكيم بالعربية لتجمع بين العلم و الفلسفة و السمو الإنساني ،وإذا كانت الكلمة الإنكليزية تحدد أن المعلم “الطبيب” هو الذي يعلم المريض بمرضه ويشرحه له ،ويعالجه فان كلمة حكيم توسع من عمل الطبيب ليشمل الفلسفة أيضا التي تشمل معرفة الإنسان بروحه وجسمه ،وبصحته ومرضه وما يحدث فيه من متغيرات و العلاقات الجدلية بينها .

قد تحددت العلاقة بين الطبيب و المريض منذ القدم ، حيث صاغ السومريون أول قسم للطبيب وتلاهم المصريون القدماء. واشتهر اليونانيون بقسم أبو قراط الذي لا يزال معمولا به الآن ،وتتلخص هذه العلاقة في :

1-يكرس الطبيب علمه لخدمة المريض الذي يعالجه ،بغض النظر عن الأجر الذي يتقاضاه ،وعن المنزلة الاجتماعية للمريض.

2-أن يحافظ الطبيب على حياة المريض بشكل عام ،ولا يساعد على الوفاة ،أو على إجهاض الحامل أو يسبب أي أذى للمريض.

3-أن لا يمارس شيئا لا يعرفه من غير اختصاصه كأن يجري جراحة ليست من اختصاصه ،وهنا عليه أن يحيلها إلى المختصين .

4-أن يحفظ سر المريض و المرض ولا يطلع عليه أحدا.

 5-أن يحاول التعلم بشكل مستمر وان يعطي علمه لتلامذته أيضا.

والنظرة الحديثة للطب التي تنطلق من التطورات الاقتصادية و الاجتماعية الحاصل في مختلف المجتمعات بدرجات متفاوتة أكدت من جديد على :

1-تفوق الطبيب في العلم بجسم الإنسان ووظائف أعضائه وبالتالي أمراضه وطرق علاجها .وهذا بحكم ،دراسته يعطي الطبيب قوة في مجال حساس لكل إنسان أهم شيء يملكه ” الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى ” وهذا يزيد من قوته الطبيب .

2- ارتباط الطب حديثا بالإنسانية و العلمية حيث لم يعد هنالك سر للمهنة يخفيه الأطباء السوفيات عن الأمريكيين أو عن العرب ،و إنما هو سر متاح للجميع لخدمة الإنسانية و العدالة الاجتماعية .

واخذ الطب دورا اقتصاديا و اجتماعيا من خلال وقاية الإنسان من الأمراض ومعالجتها سريعا ، و الحفاظ على نفسه صحيحا ليؤدي دورة الاجتماعي كعضو نافع منتج في المجتمع ، الأمر الذي يؤدي إلى توازن نفسي والى سعادة اكثر في حياته .

لقد اخذ الطب دوره في المجتمع كجزء مواز لمجالات الحيوية الأخرى مثل الاقتصاد و السياسة و العلوم ،واصبح ترابطها واضحا ،فبدون اقتصاد جيد لا صحة جيدة ولا خدمات صحية كافية وقادرة على تلبية احتياجات المجتمع ،وبدون صحة جيدة لا يمكن تحقيق أهداف المجتمع الاقتصادي أو الاجتماعي أو العلمية .

زمن هنا اصبح الطبيب جزءا مهما من اجل رفاهية المجتمع مثله مثل المهندس الزراعي و الحيواني وعالم الذرة و البناء و الحداد .

دور المريض في العلاج

لا شك أن المعلومات الطبية التي كانت متاحة لأجدادنا كانت اقل بكثير مما هو متاح في عصرنا بعد كل هذا التقدم العلمي الذي نعتبره عظيما .

ولكننا بالتأكيد نعرف أن أجدادنا كانوا يعرفون اكثر منا بالنسبة لما هو متاح أصلا من معلومات طبية في تلك الأوقات ،وهذا يعني أن درجة الوعي الصحي الاجتماعي كانت أعلى من العصر الحالي ،وهذا يفسر قدرة جداتنا على علاج كل شيء تقريبا ،وإذا كان هنالك المزيد من الاغتراب عن تراثنا الطبي ،فانه يدل على مدى تقصير الإنسان العربي الحديث في ملاحقة ومعرفة المعلومات الطبية الضرورية .

هذه القضية تلقي على الإنسان الحديث مزيدا من الأعباء .لقد اصبح مطلوبا من الإنسان العصري أن يعرف الكثير من المعلومات الطبية كما هو مطلوب من الدولة أن تؤمن هذه المعلومات للأفراد من خلال المدارس ووسائل الإعلام الجماهيري ،بمعنى أن المطلوب هو رفع مستوى الوعي الصحي للمجتمع لكي يساهم كل إنسان في بناء صحته و ذلك من خلال :

أولا الوقاية :وهي تتطلب معرفة ما هو ضار ونافع واستخدام كافة الوسائل التي تؤدي إلى زيادة مقاومة الجسم للأمراض من جهة ،ومن جهة أخرى تجنب المرض بشكل تلقائي .

ثانيا معرفة تفاصيل المرض عند حدوثه لكي يتمكن من مقاومته ومقاومة المضاعفات التي تنشأ عنه .

ولا يخفى ما تجنبه الدولة من مثل هذا الوعي فهي :

1-تخفف من أيام المرض لدى المواطنين و بالتالي نسبة التغيب عن العمل .

2-تزيد من إنتاجية الفرد وذلك لان الإنسان المعافى اكثر قدرة على العطاء من الإنسان المريض الأمر الذي ضاعف الدخل القومي .

3-تزيد الرفاهية و الشعور بالرضى لدى المواطنين وذلك من خلال تحقيق الذات وتحقيق الواجب الاجتماعي .

4-تخفف من مصاريف وزارة الصحة العامة .

أما المريض الذي يتردد على عيادة الطبيب فيعتمد شفاؤه وبرؤه من المرض على عدة أمور :

1-البحث عن الطبيب المعالج بدقة ووضع ثقته فيه وهذا يعني إخباره بأدق تفاصيل المرض وعدم كتمان أي شيء عنه مهما كان ،ووضع الثقة في الطبيب يعني أيضا عدم تغييره بسرعة وعدم الذهاب إلى طبيب أخر ،إلا لظروف قاهرة ويستحسن التفاهم مع الطبيب الخاص على ذلك .

2-الثقة في العلاج ومتابعته حتى آخر المدة المقررة من الطبيب واتباع كافة التعليمات بخصوص التشخيص و الفحوصات اللازمة ومعرفة تفاصيل المرض من الطبيب أو عن طريق القراءة و النقاش .

دور الطبيب في المجتمعات الحديثة :

يأخذ الطبيب في المجتمعات الحديثة دورا جديدا فهو الدكتور “الكلمة الإنجليزية “المعلم ودوره الجديد ليس فقط التعليم و العلم و إنما هو خليط من دور الكاهن و الحكيم .

فالحياة الحديثة بما تحمله من ضغط نفسي على البشر من المواصلات الحديثة و المشاكل النفسية التي جعلت الناس اكثر عصبية أوجدت ما يسمى بالأمراض النفسية و الجسمية Psycho Somatic.

ونظرا لارتفاع الوعي الصحي الاجتماعي فان هذا يقود المرضى إلى الطبيب بأعراض جديدة ووصف لم يعتده الطبيب في كلية الطب التي ما تزال تحافظ في معظم بلاد العالم على تقاليد الطب الأوروبي التقليدي الذي تكرس في القرون الماضية الأخيرة .

هذا يقود الطبيب إلى دور جديد يعود به إلى دور الراهب أو الكاهن و الفيلسوف فهو يستمع كثيرا ،وينمو دوره في التوجيه النفسي ،وحل المشاكل الاجتماعية من مشاكل الأولاد إلى مشاكل الزواج ،وقد مررت بهذه التجربة أدركت أهمية الدور الذي لم اكن مؤهلا له من الدراسة الجامعية . في المقابل تنمو في المجتمعات الحديثة طبقة من الأطباء و الاختصاصيين الذين لا يتسع وقتهم لحل المشاكل النفسية للمريض أو شفائه من غير إجراء جراحي سريع ،وهذا يدخلهم في الطب الميكانيكي حيث يتحول المستشفى في كثير من الأحيان إلى ورشة لأجراء الإصلاحات الجسمية السريعة أو تركيب قطع الغيار ،ولا يتسع الوقت لمعرفة المريض أو بناء علاقة إنسانية بين الطرفين .

ويجب أن يكتفي المريض في هذه الحالة بسمعة الطبيب أو بتصرفاته البسيطة ومظهره ليعطي ثقته ويسلم نفسه للطبيب .


ولكن حتى هذه الحالة لا تعفي الطبي من أهم واجباته وهي:

1-أن يشرح للمريض جميع تفاصيل المرض و المضاعفات الناتجة عن العلاج ،وطريقة العلاج ،ومخاطرها ،ونسبة نجاحها ،والآثار الجانبية مراعيا انه يعالج المريض بجسمه وعقله وعاطفته .إن هذه العملية تزيد من ثقة المريض بطبيبه وتجعله يقبل على العلاج بروح معنوية عالية وتحسن بالتالي من فرص الشفاء وفاعلية العلاج .

2-أن يحاول الطبيب تجنب البحث في تفاصيل المقابل المادي ،حيث أن هذا الجانب يفضل أن لا يظهر إطلاقا حتى لا يعكر صفو العلاقة الإنسانية التي هي في طور التكوين بينه وبين المريض ويفضل أن تكون هذه الأمور مفهومة ضمنيا .ومن نافلة القول أن يراعي الطبيب حالة المريض المادية ويعود إلى قانون حمورابي في مقاضاة المريض حسب وضعه الاجتماعي و المادي .


وهنا لا بد من الإشارة إلى انه في البلدان التي جرى فيها تأميم الطب أو أوجد شكلا من التامين الحكومي أو الخاص الذي يتولى تحمل التكاليف نيابة عن المريض و الطبيب من هذه الناحية ،وعلى الرغم من أن هنالك خلافا كبيرا حول الموضوع فان خبرتي الشخصية دلت على ما يلي :

1-غلبة الطابع الإنساني في التعامل مع المريض على الناحية المادية .

2-رعاية افضل للمريض من خلال عدم خوفه من التكاليف عند ذهابه إلى الطبيب ،وهذا يؤدي إلى سرعة اكتشاف الأمراض وسرعة علاجها وبالتالي تخفيض نسبة تكاليفها ،ويخضع الطبيب أخيرا في عمله الإنساني إلى الرقابة القانون و النقابة ،والنقابة هي التي تراقب نوعية أدائه وصحتها ،وكذلك من خلال الرقابة الاجتماعية أي المرضى زبائنه ، ويعتبر كثرة المرضى أو قلتهم في عيادة أي طبيب دليلا واضحا على مدى نجاح شخصيته كحكيم وان كان لا يدل بالضرورة على مدى تفوقه العلمي .

إن علاقة الطبيب بالمريض علاقة تكافؤ وعلاقة تبادل منفعة ،صحيح أن المريض يدفع للطبيب أجرا ولكنه لا يدفع إلا بعد أن يذهب بنفسه إلى الطبيب ،أو يرجوه للحضور لمساعدته ،فهما معا يعطيان ومعا يأخذان ؛ولهما مصلحة مشتركة .