حالتان التهابيتان تؤثران في اجزاء متفرقة من الجس

لا يعتبر هذا المرض مهدداً للحياة، إلا أن بمقدوره الحد من الأنشطة اليومية للإنسان، ويؤثر في شكل خاص على الصحة العامة، وعلى النوم المريح. ورغم ذلك يمكن التخفيف من تداعياته بالاستحمام بالماء الساخن والتدليك الجيد.

ويجمع أطباء الاختصاص أن مرض الألم العضلي المتعدد الروماتيزمي Polymyalgia rheumatica (PMR)a هذا يأتي تدريجيا مع مرور الأيام والأسابيع، إلا أنه قد يحدث فجأة، فقد يبدو الانسان سليماً اليوم ليصبح مصاباً به غدا! ويرتبط مرض الألم العضلي المتعدد الروماتيزمي في شكل وثيق مع حالة محتملة أشد خطورة تسمى حالة “الالتهاب الشرياني الصدغي” temporal arteritis، وهو التهاب في الأوعية الدموية يقود إلى التأثير في الشرايين الكبيرة والمتوسطة، خصوصا تلك التي تتجه من العنق نحو الرأس. وغالبا ما يكون الصداع الشديد الدائم أول علامات الإصابة بهذه الحالة. ومن حسن الحظ أنه يمكن علاج كلتا الحالتين.

الألم العضلي الروماتزمي

وعرّف الألم العضلي المتعدد الروماتيزمي بأنه  اضطراب التهابي يؤثر في المفاصل والأنسجة الرابطة. وأهم أعراضه: الآلام والتيبس في الصباح بالرقبة، والكتفين، وعظمي الحوض. وتؤثر هذه الحالة المرضية بالدرجة الرئيسية في الأشخاص في أعمار الستينات والسبعينات، ويندر تشخيصه قبل سن الخمسين.

ولأسباب يجهلها المختصون، يشيع الألم العضلي المتعدد الروماتيزمي أكثر بمرتين إلى ثلاث مرات بين النساء، مقارنة بالرجال، كما أن المنحدرين من العرق الأبيض مهددون به أكثر من المنحدرين من العرق الأسود. وبين المنحدرين من العرق الأبيض، فإن المرض شائع بقدر شيوع التهاب المفاصل الروماتويدي الذي يؤثر على واحد في المائة من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 50 سنة.

وتشير الدراسات الى أن الالتهاب الذي يقود إلى حدوث الألم العضلي المتعدد الروماتيزمي، عموما، يظهر في العضلات والأنسجة الملساء للكتفين وعظمي الحوض، وفي الأكياس المصلية  bursa(الأكياس الصغيرة الممتلئة بالسوائل التي تحمي الأوتار tendons في مواقع اتصالها بالعظام).

ولا يُعرف بالضبط ما هي الأمور التي تحفز على حدوث هذه الحالة؟ إلا أن العلماء يشكون في أنها تنجم عن توليفة من عدة عوامل، من بينها الجينات، والهرم، واضطراب جهاز المناعة، والعوامل البيئية (احتمال التعرض لفيروس).

وتستمر الآلام والتيبس عادة لفترة نصف الساعة على الأقل، وتكون في أسوأها قبل كل شيء، في الصباح (أو بعد أي فترة تكون خالية من أي أنشطة).

وقد تتسبب عدم الراحة في إيقاظ المصاب من النوم ليلا، كما يمكن أن يصبح التقلب في الفراش صعبا. ويعاني بعض المصابين بالألم العضلي المتعدد الروماتيزمي من أعراض مشابهة للإنفلونزا، ومنها ظهور ارتفاع طفيف في درجة الحرارة، والإجهاد، وفقدان الوزن.

التشخيص والعلاج

ومن أجل وضع التشخيص المناسب للمرض، يدرس الأطباء التاريخ الطبي للشخص، ثم يخضعونه للفحص. ولأن أعراض الألم العضلي المتعدد الروماتيزمي شائعة بشكل واسع، فقد يتطلب الأمر إجراء تحاليل مختبرية وأشعة إكس، لاستبعاد وجود حالات مرضية أخرى، ومنها التهاب المفاصل الروماتويدي (rheumatoid arthritis)، والألم الليفي العضلي المتعدد (fibromyalgia)، واضطرابات العضلات، والتهاب الأوتار (tendinitis)والالتهاب الكيسي (bursitis)، والعدوى، ومشكلات الغدة الدرقية، والسرطان.

وإن كان الانسان مصاباً بالألم العضلي المتعدد الروماتيزمي، فإنه سيشعر بالتيبس والألم في منطقتين من ثلاث مناطق على الأقل: في الرقبة، وفي الكتفين أو أعلى الذراعين، وفي عظمي الحوض أو أعلى الفخذين.

ولا تكون المفاصل عموما متورمة أو محمرة اللون، كما هي الحال عند الإصابة بالتهاب المفاصل الروماتويدي، إلا أنه يحدث أحيانا تورم في مفصل في اليد، والكاحل، أو في القدم. ويتم إجراء أشعة إكس اعتيادية عموما.

وفي الأغلب تظهر نتائج التحاليل ارتفاعا في معدل ترسيب الكريات الحمراء erythrocyte sedimentation rate ESR ويمكن لتحليل الدم هذا رصد الالتهابات في أي موقع في الجسم، فهو يقيس المسافة بالملليمترات التي تقطعها خلايا (كريات) الدم الحمراء عند سقوطها في عمود من الدم. وتولد الالتهابات معدلات أعلى في ترسيب كريات الدم الحمراء، لأن تلك الالتهابات تزيد من مستوى البروتينات في الدم، وهي البروتينات التي تجعل كريات الدم الحمراء تسقط بسرعة.

وقدر المختصون المعدل الاعتيادي لترسيب كريات الدم الحمراء بين 1 و25 ملليمترا في الساعة (ملم/ساعة). ولا يستطيع هذا الاختبار الإشارة إلى سبب الالتهاب أو إلى موقعه (خصوصا أن الدورة الشهرية عند المرأة، والحمل، والهرم، وفقر الدم، يمكنها كلها أن تزيد في معدل الترسيب). ولكن، وحين يتم استبعاد الحالات الأخرى المسببة للالتهاب، فإن معدل الترسيب الذي يبلغ 50 ملم/ساعة، أو أكثر، لدى شخص يتجاوز عمره 50 سنة، ولديه أعراض الألم العضلي المتعدد الروماتيزمي، هو دليل قوي على إصابته بهذا المرض.

إن الألم العضلي المتعدد الروماتيزمي مرض يزول لنفسه خلال سنوات عدة، لكنه لا يزول قبل أن يؤثر بقوة في نوعية حياة المصابين به. وقد تساعد الأدوية غير الستيرويدية كالأسيرين والأيبوبروفين عند وجود أعراض خفيفة، إلا أن الأعراض الشديدة تتطلب تناول جرعات صغيرة من الأدوية الستيرويدية القشرية مثل عقار “بريدنيسون” (Prednisone).

وتتحسن الأعراض، في الحقيقة، خلال أسبوعين. وتؤكد الاستجابة السريعة للدواء نجاح التشخيص، فإن لم تتمكن الجرعات الصغيرة من الأدوية الستيرويدية من العلاج فإن الألم العضلي المتعدد الروماتيزمي لم يكن هو المرض في الأغلب.

ويمكن تقليل جرعات هذه الأدوية بعد تحسن الأعراض، إلا أن الأعراض تعود مرة أخرى إن تم التوقف بسرعة عن تناولها. ويحتاج أغلب المرضى إلى تناول تلك الأدوية لفترة تتراوح بين 6 أشهر وسنتين.

التهاب الشرايين الصدغية

تشير الاحصاءات الى أن ما بين 15 في المائة و30 في المائة من الأشخاص المصابين بالألم العضلي المتعدد الروماتيزمي، يصابون بمرض الالتهاب الشرياني الصدغي أيضا، بينما شخصت 50 في المائة من الإصابات بالألم العضلي المتعدد الروماتيزمي لدى المصابين بالالتهاب الشرياني الصدغي. وينجم الالتهاب الشرياني الصدغي عن التهاب في الشرايين الصدغية الكبيرة التي توجد على جانبي الرأس.

وتعرف هذه الحالة المرضية أيضا طبياً بالتهاب شرايين الجمجمة أو التهاب شرايين الخلايا العملاقة (نتيجة ظهور خلايا كبيرة جدا في جدران الشرايين المتضررة)، وبمقدورها التسبب في صداع نبضي أو شعور بالحرقة، في الأغلب في أحد الصدغين، أو في بعض الأحيان، في الجانب الأمامي أو الخلفي من الرأس.

ومن أعراض الالتهاب الأخرى، ارتفاع طفيف في درجة الحرارة، والإجهاد، وفقدان الوزن، أو الشعور بحساسية فروة الرأس أو الصدغ أحيانا. ويعاني الكثيرون من المصابين به من ما يسمى “عرج الفك” (jaw claudication)، وهي آلام في الفك أو الأذن تحدث عند المضغ. ومثله مثل الألم العضلي المتعدد الروماتيزمي، فإن الالتهاب الشرياني الصدغي غالبا ما يظهر لدى البالغين من الكبار، وهو أكثر شيوعا بين النساء من الرجال. وليس من الواضح حتى الآن، لم يتلازم هذان المرضان؟

ولا يعرف أحد السبب في حدوث الالتهاب الشرياني الصدغي، إلا أنه يبدو أنه ينتج من سوء في إدارة جهاز المناعة لأعماله، بحيث تتجه أجسام مضادة لمهاجمة جدران الأوعية الدموية.

ويؤدي تورم الشرايين إلى احتمال تضييقها، الأمر الذي يقلل تدفق الدم. وفي الحالات الشديدة تنسد الشرايين تماما. وإن حدث هذا للشريان المغذي لشبكية عين واحدة فإن تلك العين تفقد إبصارها.

والعمى هو أكبر المضاعفات الشائعة خطورة، إلا أنه بالإمكان تفاديه دوما، إن تم تشخيص الحالة وعلاجها فورا. كما أن حالة الالتهاب الشرياني الصدغي التي لم تتم معالجتها بمقدورها أن تؤدي إلى “أم الدم الأورطي” نسبة إلى الشريان الأورطي، وهو حالة ظهور تضخم في الشريان الرئيسي بين الصدر والبطن.

تشخيص الالتهاب

وعندما يشك الطبيب في وجود الالتهاب الشرياني الصدغي فإنه سيتوجه إلى قياس معدل ترسيب الكريات الحمراء. إلا أن الطريقة الوحيدة للتشخيص الدقيق المحكم هو أخذ خزعة من الشريان في الصدغ وفحصها تحت المجهر لرصد التغيرات التي طرأت عليه.

وكما في حالة الألم العضلي المتعدد الروماتيزمي، فإن الأدوية الستيرويدية، وقياسيا عقار “بريدنيسون”، هي العقاقير المعتادة. وبهدف تقليل خطر العمى الدائم، يوصي الأطباء عادة بتناول جرعات عالية من عقار “بريدنيسون” (40 إلى 60 ملليغراما يوميا) حالما يشكون في الإصابة بالالتهاب الشرياني الصدغي، حتى ولو لم تكن نتائج فحص الخزعة المأخوذة من الشريان معروفة. ثم يمكن خفض الجرعة مع الزمن، إلا أن على الأطباء الانتباه إلى أن المرض قد يزداد شدة مرة أخرى، ويحتاج العلاج إلى سنة أو أكثر.

آثار العلاج الجانبية:

وعلى الرغم من أن العلاج بالأدوية الستيرويدية له آثار جانبية، فإنها لا تظهر أثناء تناول الجرعات الصغيرة من تلك الأدوية الموجهة لعلاج الألم العضلي المتعدد الروماتيزمي، بل وحتى عند تناول الجرعات الأكبر المستعملة لفترة قصيرة في علاج الالتهاب الشرياني الصدغي.

إلا أن على النساء معرفة أن تناول الأدوية الستيرويدية على مدى سنوات كثيرة يزيد من مخاطر هشاشة العظام، والغلوكوما، وإعتام عدسة العين، وارتفاع ضغط الدم، وازدياد الوزن، والاهتياج العصبي، والأرق. ومن المهم للطبيب المعالج مراقبة تأثيرات الأدوية وتقليل جرعاتها تدريجيا.