العنصرية والتمييز ما زالا يعششان في الأوسكار

لوس أنجليس – «القدس العربي» : اشتعلت عام 2015 حملة «الأوسكار بيضاء للغاية» عندما غاب الممثلون السود عن ترشيحات الأوسكار في فئات التمثيل للعام الثاني على التوالي، واتهم منظموها أكاديمية علوم وفنون الصور المتحركة الأمريكية بالعنصرية، فردت الأخيرة برفع نسبة أعضائها الملونين من 7 إلى 19 في المئة وأجرت إصلاحات أسفرت عن ارتفاع ملحوظ في […]

العنصرية والتمييز ما زالا يعششان في الأوسكار

[wpcc-script type=”b2047c9bafbba5f6b26afe1c-text/javascript”]

لوس أنجليس – «القدس العربي» : اشتعلت عام 2015 حملة «الأوسكار بيضاء للغاية» عندما غاب الممثلون السود عن ترشيحات الأوسكار في فئات التمثيل للعام الثاني على التوالي، واتهم منظموها أكاديمية علوم وفنون الصور المتحركة الأمريكية بالعنصرية، فردت الأخيرة برفع نسبة أعضائها الملونين من 7 إلى 19 في المئة وأجرت إصلاحات أسفرت عن ارتفاع ملحوظ في أعداد المرشحين الملونين في الأعوام اللاحقة.
هذا العام، واجهت جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية، التي تمنح جوائز الـ«غولدن غلوب» اتهامات مشابهة عندما غابت بعض الأفلام والبرامج التلفزيونية السوداء عن ترشيحاتها، وتحديداً بعد أن كشفت جريدة «لوس أنجليس تايمز» عن عدم وجود صحافيين سود بين أعضائها الـ 87. وزادت تلك الاتهامات حدة عندما تم تسريب خطاب لي في أحد اجتماعات الجمعية الشهرية، حيث قلت إنني كعضو في الجمعية واجهت عنصرية فيها أكثر من أي مكان آخر.
في الواقع، العنصرية التي واجهتها كعضو في جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية لا تختلف كثيراً عن العنصرية التي واجهتها في أماكن أخرى ويواجهها الكثير من العرب والمسلمين والفلسطينيين في المهجر، كنعتي بالارهابي والمعادي للسامية والكاره للنساء والمتطرف الديني والعربي الغاضب!
فالأمريكيون الذين يصوتون للأوسكار، والأوروبيون الذين يشكلون معظم مصوتي جوائز الـ»غولدن غلوب» صقلوا نظرتهم تجاه الأقليات العرقية والدينية من خلال مشاهدة الأفلام الهوليوودية والإعلام الغربي، الذي طرح الملونين كأشرار عديمي الأخلاق ومجرمين يفتقدون للإنسانية ومغتصبي نساء وتجار مخدرات وإرهابيين متطرفين. وبالتالي فالعنصرية ليست مرضاً تعاني منه مؤسسة أو منظمة واحدة، بل هي جائحة منتشرة في كل مجالات الحياة.
لكن البعض في الغرب، وتحديداً الصحافيين والسياسيين، صاروا يستخدمون العنصرية كسلاح لتصفية حساباتهم مع خصومهم. فكل الصحافيين الذين اتصلوا بي للحصول على تعليق مني لم يكونوا معنيين بالعنصرية خارج جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية، وسرعان ما أدركت أن غايتهم هي تحطيم جوائز الغولدن غلوب، التي يصوت لها صحافيون أجانب ليسوا أمريكيين. وبدا واضحاً أنهم يستخدمون مكافحة العنصرية لتبرير كراهيتهم للأجانب.
نفاق الصحافة الأمريكية تجلّى عندما تم الإعلان عن ترشيحات الأوسكار الأخيرة، التي وصفوها بأكثر الترشيحات تعددية في تاريخ الأوسكار، وأنها صنعت تاريخاً بفضل ترشيح امرأتين؛ وهما البريطانية ايميرالد فانيل والصينية كلوي تشاو في فئة أفضل إخراج مع أنها استبدلت المخرجة السوداء، رجينا كينغ، التي نالت ترشيحاً لغولدن غلوب أفضل إخراج، بمخرج أبيض وهو الدنماركي توماس فينتبرغ، لتبقى المخرجات السود محرومات من ترشيحات الأوسكار لفئة أفضل إخراج.
كينغ هي المخرجة السوداء الثانية التي حققت ترشيحاً في فئة غولدن غلوب أفضل إخراج. فقد سبقتها ايفا ديفورني عام 2015، التي رُشحت عن فيلمها «سلما» لكنها حُرمت آنذاك من ترشيح الأوسكار في الفئة نفسها، التي ضمت رجالاً فقط. ومع ذلك شاركت كل من ديفورني وكينغ في الحملة ضد جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية في الأسابيع الأخيرة.

جوائز الأوسكار ما زالت متحيزة

كما مدحت الصحافة الأمريكية التعددية العرقية في ترشيحات أوسكار أفضل ممثل، التي ضمت مرشحاً مسلماً لأول مرة في تاريخها وهو البريطاني ريز أحمد. لكن ترشيحات جوائز الغولدن غلوب ضمت مسلماً آخر في تلك الفئة وهو الفرنسي – الجزائري طاهر رحيم، الذي أُستبدل في ترشيحات جوائز الأوسكار بممثل أمريكي- كوري وهو ستيفين يون عن دوره في فيلم ميناري، الذي نال خمسة ترشيحات أوسكار، بينما حُرم فيلم «الموريتاني» من أي ترشيح وهو أول فيلم يطرح حرب الولايات المتحدة على الإرهاب من منظور مسلم ويقوم ببطولته ممثل مسلم.
خلافاً للإعلام الأمريكي، أشاد مجلس الشؤون العامة للمسلمين بترشيحات جوائز الغولدن غلوب، التي ضمت ثلاثة ممثلين مسلمين، وهم رحيم وأحمد ورامي يوسف ومنحت ترشيحين لفيلم «الموريتاني» بينما عبر المجلس في تصريح للإعلام عن أسفه لتجاهل مصوتي الأوسكار له.
من المفارقات أن فيلم كلينت ايستوود، «قناص أمريكي» الذي يحكي قصة قناص أمريكي قتل ما يقارب 200 عراقي، نال 6 ترشيحات للأوسكار، علما أن رواده في الجنوب الأمريكي كانوا يخرجون من قاعات السينما يهتفون «الموت للعرب» بعد مشاهدته. أما مصوتو الـ«غولدن غلوب» فقد وصفوه بالعنصري والكاره للمسلمين ولم يمنحوه أي ترشيح، ما أثار غضب الإعلام الأمريكي، الذي نعتهم بكارهي أمريكا وفاقدي الذوق السينمائي الراقي.
وبينما لم يفز حتى الآن أي فيلم عربي بجائزة الأوسكار، إلا أن جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية منحت الغولدن غلوب لأفضل فيلم بلغة أجنبية للفيلم الفلسطيني «الجنة الآن» عام 2007.
كما أن رامي مالك، وهو الممثل العربي الوحيد، الذي فاز بجائزة الأوسكار عام 2018، لم يكن ليحقق ذلك إلا بعد فوزه بالغولدن غلوب في الفئة نفسها. وفضلاً عنه كّرم عمر الشريف بثلاث جوائز غولدن غلوب عن دوره في فيلم «لورنس العرب» عام 1962 وفي «دكتور جيفاغو» عام 1965، بينما مُنح رامي يوسف الجائزة لأفضل أداء في مسلسل كوميدي عام 2019 عن دوره في أول مسلسل أمريكي مسلم وهو «رامي».
جوائز الغولدن غلوب أيضاً سبقت أكاديمية التلفزيون في تكريم المواهب العربية وتسليط الضوء على أعمالهم التلفزيونية. ففي عام 2015، تجاهلت ترشيحات الايمي للتلفزيون مسلسل الأمريكي -المصري سام اسماعيل، وهو «السيد روبوت» ولم تكرمه في أي ترشيح إلا بعد أن منحته جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية الغولدن غلوب لأفضل مسلسل درامي ورشحت بطله رامي مالك في فئة أفضل ممثل في مسلسل درامي عام 2016.
كما لم يحقق مسلسل «رامي» ترشيحات لجوائز الإيمي إلا بعد أن فاز بطله يوسف بغولدن غلوب أفضل ممثل عام 2019.

جوائز غولدن غلوب تنصف الجميع

الآسيويون كانوا أيضاً أكثر حظاً في جوائز الغولدن غلوب من جوائز الأوسكار. ففي عامي 2019 و2020 كُرّم كل من الفيلمين الأمريكيين الآسيويين «أغنياء آسيويون مجانين» و «وداع» بترشيحي غولدن غلوب على التوالي، بينما فازت بطلة «وداع» اوكوافينا بالجائزة لأفضل ممثلة في فيلم كوميدي. لكن كلا الفيلمين لم ينالا أي ترشيحات للأوسكار ولم تنل حتى الآن ممثلة أسيوية جائزة أوسكار.
فهل يعني ذلك أن مصوتي الغولدن غلوب الأوروبيون أقل عنصرية من مصوتي جوائز الأوسكار والإيمي الأمريكيين؟
بالطبع لا، عنصرية الأوروبيين تكون أحياناً أكثر خطورة من عنصرية الأمريكيين. فبينما تنبع عنصرية الأمريكي من الجهل وعدم معرفة ما يحدث خارج الولايات المتحدة، تنبع عنصرية الأوروبي من شعوره بالكبرياء والعجرفة، الذين ورثهما من أجداده الذين استعمروا بلدان الملونين حتى آونة أخيرة. فقد كشفت إحصائيات أن نسبة عالية من الأوروبيين يحنون لماضي بلادهم الاستعماري، عندما استغلوا شعوب الملونين واستولوا على أراضيهم ونهبوا ثروات بلادهم.
ومع ذلك يستنكر الأوروبيون بشدة حروب الولايات المتحدة وسياستها الخارجية وعنصرية نظامها ضد السود، وكثيراً ما يخرجون إلى الشوارع للتظاهر ضد حكومتها، كما فعلوا الصيف الماضي بعد مقتل جورج فلويد على يد الشرطة، وضد حرب فيتنام في الستينيات بالإضافة إلى احتجاجهم ضد الحرب على العراق عام 2003.
من المفارقات أن الشركات الأوروبية هي التي كانت تختطف عائلات الأفارقة في القرن السابع عشر وتشحنها على متن بواخرها عبر المحيط الأطلسي إلى القارة الأ مريكية، حيث يتم بيعها للأمريكيين. كما أن معظم الحروب المعاصرة التي تورطت فيها الولايات المتحدة هي نتيجة سياسات الاستعمار الأوروبي، الذي ترك وراءه عالماً مقسماً إلى دويلات فقيرة وضعيفة تحت سلطة حكومات ديكتاتورية فاسدة، ما زالت منهمكة في صراعات دموية بين بعضها البعض.
لهذا الأوروبيون هم أكثر معرفة وإلماماً بما يحدث من ظلم سياسي وكوارث إنسانية في مستعمراتهم السابقة، سواء كان ذلك في الشرق الأوسط أو أفريقيا أو آسيا، ويشعرون ببعض المسؤولية وأحيانا بالذنب تجاه ذلك، لهذا يقومون بمبادرات لدعم مشاريع فنية واقتصادية وثقافية في تلك المناطق، فضلاً عن دعم مواهبها.
أما الأمريكيون، فمعظمهم لا يعرف أين تقع تلك الدول على الخارطة، ناهيك عن فهم ما يدور فيها من أحداث أو خلفيتها، ولا يسمعون عنها إلا عندما تخوض حكومتهم حرباً فيها. وذلك لأن محطات التلفزيون الأمريكية تتجاهل ما يحدث خارج الولايات المتحدة في نشراتها الإخبارية، وتركز فقط على الأخبار المحلية. فعندما تعرضت الولايات المتحدة لضربات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001، انصدم الأمريكيون وصاروا يتساءلون ماذا فعلنا لنستحق هذه الضربات؟ لأن برامجهم التلفزيونية وأفلامهم وزعماءهم أوهموهم بأنهم قوة خيّرة في العالم والكل يحبهم. أما الأوروبيون، فلم يستغربوا وكأنهم كانوا يترقبون تلك الضربات لأنهم كانوا واعيين لغضب شعوب العالم الثالث تجاه الغرب.
التباين بين الأمريكيين والأوروبيين في نظرتهم تجاه شعوب العالم الملونين ينعكس أيضا في تقييمهم للأفلام التي تعالج قضايا تلك الشعوب. فبينما يعتبر الأمريكيون «القناص الأمريكي» بطلاً كان يحارب الإرهاب في العراق، يستنكره الأوروبيون كمجرم شارك في حرب غير شرعية. لكن دافع الأوروبيين ليس محبة العراقيين أو العرب أو المسلمين، بل تقديم أنفسهم كشعوب أرقى أخلاقياً وفكرياً من أقاربهم الأمريكيين.
لهذا أصيب أعضاء جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية الأوروبيون بالصدمة والهلع عندما صارت جمعيات ومؤسسات أمريكية تتهمهم بالعنصرية وتطالبهم بتعزيز التعددية العرقية بينهم، علماً أن تلك الجمعيات أيضاً تفتقر إلى التعددية العرقية. فعلى سبيل المثال، شركات عملاء الترويج، الذين يمثلون كل نجوم هوليوود، قاطعوا جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية لكي يجبروها على ضم أعضاء سود إليها، مع أنه لا يوجد إلا عميل ترويج أسود واحد في كل تلك الشركات ولا يوجد أي صحافيين سود أجانب في هوليوود مؤهلين للانضمام للجمعية.
هوليوود أنذرت جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية حتى بداية شهر مايو/أيار للقيام بتعديلات لتعزيز التعددية، وإذا فشلت الجمعية بتحقيق ذلك فسوف تُلغى جوائز «الغولدن غلوب». وإن حدث ذلك فعلاً، فسوف تُستبدل بجمعية أمريكية، ستقوم على الأرجح بتكريم أعمال تتلاءم مع النظرة الأمريكية تجاه العالم ما سيسفر عن تقليص فرص مواهب الملونين للترشح لجوائز هوليوودية أو الفوز بها.

كلمات مفتاحية

Source: alghad.com

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *