‘);
}
نشأة الغزل العذري الجاهلي وتطوّره
إنَّ المتيّمين الجاهليون هم أوّل من وضعوا اللّبنة الأولى للغزل العذري في صورته المثالية، وما صورة هذا الحب المثالي الجاهلي إلا كصورته في العصرالأموي،[١] وكذلك الشعر العذري الإسلامي ليس هو إلا امتدادًا للمتيمين الجاهليّن لاتصاف شعرهم بصفاء الحب ونقاء العواطف كمان كان عليه الغزل الجاهلي، ومن الجدير بالذكر أنً هذا االشعر العذري عُرفت به (بني عذرة) في العصر الجاهلي.[٢]
يرى أحمد محمد الحوفي أنّ الغزل العذري لم ينشأ في العصر الإسلامي وإنّما كان فنًا مستقلًا في العصر الجاهلي، ولم يصبح فناً قائماً بذاته إلا في العصرالأموي،[٣] حيث نجد في الشعر الجاهلي أشعارًا وقصصًا كثيرة للمتيمين الذين تذرّعوا بالحب الصادق، ونالهم الحرمان من محبوباتهم، ففضلوا الموت على الحياة، وعاشوا رهباناً يتبتلون في محراب محبوباتهم وماتوا في سبيل هذا الحب.[٤]
من هؤلاء الشعراء المرقش الأكبر وحبيبته (أسماء)، والمرقش الأصغروحبيبته (فاطمة بنت المنذر)، وعبد الله بن العجلان وحبيبته (هند)، ومن أشهرهم ذكراً عنترة وحبيبته عبلة.[٤]
‘);
}
المرقش الأكبر وحبيبته أسماء
مات في سبيل الحب فقد أحب ابنة عمّه أسماء، طلبها من عمه فرفضه وأخبره بأنّه لا يزوجه إياها إلّا إذا عرف البأس، فزوّجها لتاجر وكان المرقش قد قصد أحد الملوك ليمدحه فأغدق عليه بالعطايا، وعندما عاد أخبروه أنّها ماتت، ثمّ تبيّن له عدم صحة ذلك، فقصد ديارأسماء لكنّه مات في الطريق،[٥] قال في شعره يصورما يعتريه من ألم وقلق وعذاب وحرمان:
أُغالبُك القلبُ اللجوجَ صبابةً
-
-
- شوقاً إلى أسماء أم ْ أنتَ غالبُهْ
-
يهيمُ ولا يعيا بأسماءَ قلبهُ
-
-
- كذاك الهوى إمراره وعواقبهْ
-
إذا ذكرتُها النفسُ ظلتْ كأنني
-
-
- يزعزعني قفقاف وِرْدٍ وصالبُهْ[٦]
-
شعر عنترة العذري في عبلة
لقد سلك عنترة مذهباً خاصاً في الغزل من بين شعراء الغزل المتيمين، والذي دفعه لذلك حياته الخاصة، وشخصيته الفريدة، وقد اشتهر بالفروسية، وحبّه لعبلة التي له هام بها هيامًا شديدًا، إذ رفض عمّه تزويجها له لسواد لونه، فزوّجها لغيره، فانطلق إلى الشعر يصوّرمايعتريه من آلام الحب و غصص الصبر حيث إنَّ طيف محبوبه لا يُفارقه،[٧] وقد أوقد عظامه لهيبًا من فرط الجوى يقول:
أتاني طيف عبلة في المنام
-
-
- فقبلني ثلاثًا في اللِثام
-
وودَّعني فأودَعَني لهيباً
-
-
- أُسَتِّرُهُ ويشعل في عظامي
-
أيا ابنة مالكٍ كيف التّسلي
-
-
- وعهدُ هواكِ في عهدِ الِفطام
-
وحقِّ هواكِ لا داويتُ قلبي
-
-
- بغيرِالصَّبرِ يابِنت الكِرام[٨]
-
معنى (عذري) لغة واصطلاحاً
فيما يأتي تعريف عذري لغة واصطلاحاً:
عذري لغةً
وردَ في مختارالصحاح باب عذر- (اعْتَذَر) من الذنب، والعُذْرَةُ البكارةُ، والعَذْراءُ البِكر، وجمعها العَذَارى، والعِذرة فناءُ الدار، وعِذارُ الرّجُل: شعره النابت في موضع العِذار،[٩] وفي اللّسان: العِذارُمن اللّجام ماسال على خدّ الفرس، وأعْذرَ اللّجام : جعل له عِذارًا، وعَذْرَ الغلام نبت شعر عِذارِه يعني خدّهُ.[١٠]
عذري اصطلاحاً
الحبّ العذري هو حبٌّ روحي أصيل، يتميّزُ بالمثل العليا، تتقد منه العاطفة الجياشة، وتشع منه الأشواق حيثُ يُتيمُ العاشق بمحبوبة واحدة، ويعلّق كلّ أمانيه بها، فهي أمله الذي يرتجيه، وأمله الذي يتبتل في محرابه، والمنهل الذي يتعطش لزلاله، فلا يُنشد جمال محبوبته الجسدي بقدر مايؤسره لحن حديثها وسحرتأثيرها، وقد نُسِب إلى (بني عذرة) هذا النوع من الحب، وأوّل من عرف به متيمه.[١١]
المراجع
- ↑يوسف خليف، الحب المثالي عند العرب، صفحة 80_81_90. بتصرّف.
- ↑شوقي ضيف، تاريخ العصر الإسلامي، صفحة 359. بتصرّف.
- ↑أحمد محمد الحوفي، الغزل في العصر الجاهلي، صفحة 156. بتصرّف.
- ^أب يوسف خليف، الحب المثالي عند العرب، صفحة 58. بتصرّف.
- ↑أحمد محمد الحوفي، الغزل في العصر الجاهلي، صفحة 170-171. بتصرّف.
- ↑“الديوان، العصر الجاهلي، المرقش الأكبر، أغالبك القلب اللجوج صبابة”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 6/3/2022.
- ↑يوسف خليف، الحبّ المثالي عند العرب، صفحة 65_66_67_68. بتصرّف.
- ↑“الديوان، العصر الجاهلي، عنترة، قصيدة أتاني طيف عبلة في المنام”، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 6/3/2022.
- ↑محمد بن أبي بكر الرازي، مختار الصحاح، صفحة 177. بتصرّف.
- ↑ابن منظور، لسان العرب، صفحة 2883. بتصرّف.
- ↑أحمد محمد الخوفي، الغزل في العصر الجاهلي، صفحة 117_118_119. بتصرّف.