الفنان سعد علي يتجوّل بين أطراف جنّته الأرضية المتخيّلة

■ نظمّ مركز سوليداد غونزاليس الثقافي في مدينة بينافنتي الإسبانية معرضًا شخصيًا للفنان سعد علي، وقد ضمّ هذا المعرض 28 لوحة فنيّة متنوعة الأحجام، ومنفذّة بوسائط مختلفة. ولو دققنا في ثيمات هذا المعرض لوجدنا أن بعضها ينتمي إلى مشروعَيه الأزليين «صندوق الدنيا» و«باب الفرج» اللذين انغمس فيهما منذ أربعة عقود تقريبًا، ولكي يُذكِّر المتلقي بهما […]

الفنان سعد علي يتجوّل بين أطراف جنّته الأرضية المتخيّلة

[wpcc-script type=”72644e0b0957c3867789f952-text/javascript”]

■ نظمّ مركز سوليداد غونزاليس الثقافي في مدينة بينافنتي الإسبانية معرضًا شخصيًا للفنان سعد علي، وقد ضمّ هذا المعرض 28 لوحة فنيّة متنوعة الأحجام، ومنفذّة بوسائط مختلفة. ولو دققنا في ثيمات هذا المعرض لوجدنا أن بعضها ينتمي إلى مشروعَيه الأزليين «صندوق الدنيا» و«باب الفرج» اللذين انغمس فيهما منذ أربعة عقود تقريبًا، ولكي يُذكِّر المتلقي بهما فإنه يستدعي منهما لوحتين أو ثلاث لوحات ويدسّهما في تضاعيف لوحاته الجديدة، وكأنّ لسان حاله يقول إنّ الحُب هو امتداد لمشروعيه السابقين، اللذين يتشظيان إلى موضوعات أخرى يتناسل منها الحُب، والعلاقات الحميمة، والأحلام المحلّقة في المديات المفتوحة.
تُذكِّرنا لوحة «باب الفرج» بتقنياته القديمة التي تعتمد كليًا على الأبواب والنوافذ الخشبية في الأعمّ الأغلب، وبعد أن يشذّبها ويصقلها جيدًا يتخذ منها سطوحًا تصويرية مُستعيضًا بها عن الورق أو الكانفاس ليرسم عليها قصصه، فكل لوحة من لوحاته تروي حكاية أو قصة ما، حتى ليشعر المتلقي أنه يقف أمام «حكايات ألف ليلة وليلة»، ولعله تجاوز الألف الأولى من حكاياته، وقرّر أن يلج بنا إلى الألف الثانية، التي تنطوي مثل سابقتها على الكثير من المفاجآت المُدهشة على صعيدي الشكل والمضمون، أو المبنى والمعنى، فروح الفنان المُرهف لا تركن إلى الجمود، وإنما تحيا وتنتعش في فضاء التجديد والابتكار.

في غالبية أطُر لوحاته الخشبية ثمة رؤوس متلصصة، تسترق السمع، وتتربص بالعشاق الدوائر.

ترتكز لوحة «باب الفرج» على ثنائية الرجل والمرأة، وهي ثنائية أزلية لديه، وإذا أراد أن يتخلى عنها فإنه يركِّز اهتمامه على أحد هذين القطبين، وغالبًا ما يميل إلى المرأة بسبب معطياتها الجمالية التي تسمح له بالتجلّي والتحليق، وقد لا نستغرب إذا ما رأينا الفنان سعد علي يضفي على «فيكَراته» الذكرية ملامح ولمسات أنثوية واضحة. وفي غالبية أطُر لوحاته الخشبية ثمة رؤوس متلصصة، تسترق السمع، وتتربص بالعشاق الدوائر.


منذ ثلاثين سنة أو يزيد أصبحت الأعضاء البشرية للرجل والمرأة والأطفال لدنة، مطواعة، متمعجة، فثمة استطالة في كل عضو بشري كالوجوه، والأنوف، والأعناق، والأصابع حيث أصبحت أكثر رشاقة وجمالاً من ذي قبل. قد تذكِّرنا هذه الاستطالات بلوحات أميديّو مودلياني لكنها لا تُحيل إليه، فثمة خصوصية في لوحات سعد علي، ومرجعية نستطيع أن نردّها بثقة كبيرة إلى بلاد ما بين النهرين، التي تتأجج فيها المخيلة الفانتازية حتى بلغت أقصى مدىً لها في «الليالي العربية» الملآى بالرسوم والقصص العجائبية الغريبة.

تحتل الأشجار والنباتات والفواكة والورود مساحة كبيرة من لوحات سعد علي مثل «التفّاح»، و«حديقة الأندلوسيا» التي تحفّ بشخصيات النص التصويري.

في معارضه الأخيرة، وفي هذا المعرض الشخصي تحديدًا، ثمة لوحات رومانسية، مُغرِقة في شاعريتها، لكنها مجردة من الميوعية العاطفية المُفرطة، لأنّ هذه الأخيرة نقطة ضعف، وليست علامة قوة، وإنما هناك زخم كبير من الشاعرية أو الشعرية إن شئتم، لأن أعماله الأخيرة تنضح بالشعرية والشاعرية في آنٍ معًا. دعونا نتأمل بعض اللوحات لنؤكد صحة ما نذهب إليه، مع ترك التأويلات الأخرى مفتوحة لمخيلة المتلقين. فلوحة «الذاكرة والحبيب» لا تحتاج قطعًا لهذا العنوان الذي يُمهِّد للولوج إلى عالم هذا العمل الفني المتفرّد، الذي رسمه بخطوط متقشفة جرّدته من كل الزوائد التأثيثية الفائضة عن الحاجة. فهذه الفتاة بعُنُقها الطويل، ورأسها المرتفع بموازاة السماء لابد أنها تتذكر الحبيب، أو ترى صورته مرسومة في كبد السماء في لحظة نادرة من التخيّل والتمنّي والاستذكار. قد تكون عظمة هذه اللوحة في طريقة تكوينها، وأسلوب بنائها، ولكن الأهمّ من ذلك كله الخطوط اللينة التي أنجز بها الفنان هذا «الفيكَر» وحمّله بكل هذه المضامين الجمالية المتفردّة، التي يتوّجها هذا الشَعر المُرسل مثل شلالٍ ليليٍ هابطٍ على الكتفين.
تشترك الحيوانات الأليفة مع البشر في لوحات سعد علي، فالعُشّاق قبل غيرهم يحتاجون حاجة ماسة إلى الحيوانات المُدجّنة كالقطط والكلاب والغزلان والطيور، التي تمنح المنازل نكهة خاصة لا يلتفت إليها إلاّ منْ جرّبها واستمتع بها، لكن اللافت للنظر أن هناك حيوانات مُهجّنة في بعض لوحاته وحينما سألته ذات زيارة إلى مرسمه الفالينسي، قال إنها من نتاج مخيّلته الجامحة، التي تخلق كائنات غير موجودة إلاّ في ذهنه الفانتازي الخصب. ويكفي أن نشير إلى لوحات «شمّة ورد»، و«راعية الجمال» و«ألفة ووفاء» وعشرات الأعمال الأخرى، التي تزاحم فيها الحيوانات الشخصيات الرئيسة، وتحاول أن تتناصف معها دور البطولة. وبما أن الفنان سعد علي يبحث على الدوام عن جنّته الأرضية، فلا غرابة في أن يُمسك بلمحات فردوسية يتجسّد فيها ما تشتهي الأنفس، وربما تكون لوحة «المائدة السعيدة» التي أنجزها العام الماضي هي خير مثال لهذه الجنّة المتخيّلة، التي يعيشها الفنان سعد علي بصحبة زوجته الفنانة مونيك باستيانز التي تضفي أعمالها النحتية جمالاً على الطبيعة الإسبانية الأخّاذة.
تحتل الأشجار والنباتات والفواكة والورود مساحة كبيرة من لوحات سعد علي مثل «التفّاح»، و«الصنوبر التائه»، و«اليقطينة» و«حديقة الأندلوسيا» التي تحفّ بشخصيات النص التصويري، وتعزّز الخطاب البصري للفنان سعد علي الذي ينشد الحب والهدوء والسكينة.
ينبغي الإشارة إلى أن الفنان سعد علي الذي تنقّل بين الديوانية وبغداد وروما وأمستردام وباريس، ثم استقر به المقام في شيبا التابعة لمدينة فالنسيا الإسبانية، أحرز مكانة مهمة في البلدان التي عاش وعمل فيها، ويكفي أن العديد من لوحاته موجودة في خيرة المتاحف الهولندية مثل متحف الرايك، وأن الصالون الأحمر في أمستردام الذي كان يعرض لوحات كارل أبل كان يحتضن معارض شخصية لسعد علي الذي يحبه الجمهور الهولندي ويقتني غالبًا معظم لوحاته المعروضة.

٭ كاتب عراقي

كلمات مفتاحية

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *