الالتهابات الفيروسية هي أكثر الأمراض انتشاراً في العالم، والفيروسات هي المسبب الرئيسي لغالبية الالتهابات التنفسية. تسبب الفيروسات التهابات الجهاز التنفسي العلوي التي تشفى من تلقاء نفسها مثل الرشح، أو التهابات الجهاز التنفسي السفلي الأكثر خطورة، والتي تشكل خطراً على حياة الأطفال الرضع وكبار السن بشكلٍ خاص.

تمهد الالتهابات الفيروسية الطريق للبكتيريا للهجوم على الأغشية المخاطية وإحداث تلف فيها في بعض الأحيان، مما يساعد البكتيريا المعدية على إحداث الالتهابات فيها والانتشار منها إلى أجزاء أخرى في جسم المريض. كما قد تشترك الفيروسات والبكتيريا معاً بتشكيل الحالة المرضية، فيصعب حينئذ تحديد مسبب الالتهاب التنفسي الحقيقي.

في معظم الأوقات تبدأ التهابات الجهاز التنفسي عند الأطفال بالجزء العلوي, وتسبب مضاعفات مثل, خمج الدم، والتهاب السحايا، والتهاب الملتحمة والأذن والجيوب الأنفية، والالتهابات البولية، والالتهابات الرئوية وغيرها.

يوجد العديد من الفيروسات التي تسبب التهابات الجهاز التنفسي وتنتقل معظمها عن طريق الرذاذ الملوث بالفيروس في الهواء، والذي ينتج عن سعال أو عطاس أو تحدث مريض مصاب بالفيروس، ولكن يوجد بعض الأنواع التي تنتقل بطرق أخرى مثل اللعاب.

فيروس رينو Rhino و كورونا Corona 

تبدأ مظاهر العدوى بفيروسات رينو وكورونا بشكل احتقان والتهاب الغشاء المخاطي للأنف وبصورة أقل في الحلق، مع ارتفاع بسيط في حرارة الجسم، وتظهر هذه الأعراض بعد حضانة 1-3 أيام، ثم تظهر أعراض زكام تستمر لعدة أيام، ولا تحدث أية مضاعفات خطيرة على الجسم.

يكتسب الجسم غالباً مناعة محدودة الزمن بعد العدوى الأولى، ويمكن أن يصاب الشخص مرة ثانية بسلالة جديدة بأحد هذين الفيروسين بعد عدة أسابيع أو أشهر. لا يوجد حتى الآن لقاح يمنع العدوى بهذه الفيروسات لكثرة سلالاتها التي تتغير بين الوقت والآخر.

فيروسات الأنفلونزا

فيروسات الانفلونزا هي من أهم الفيروسات التي تسبب الأوبئة بسبب قدرتها الكبيرة على الانتشار بسرعة، وخطورة الأعراض التي تسببها. تؤدي هذه الفيروسات إلى حالات مرضية أشد خطورة تشمل جميع أجزاء الجهاز التنفسي، وتظهر عادة الأعراض التالية على المريض:

  • حمى عالية.
  • صداع.
  • سعال.
  • إرهاق عام في جميع أعضاء الجسم.

قد يتبع الانفلونزا التهابات بكتيرية تسبب ذات الرئة التي تعرض حياة المريض للخطر، خاصةً عند كبار السن والمرضى الذين يعانون من نقص المناعة، أو من أمراض مزمنة في الرئتين.

فيروسات نظير الأنفلونزا Parainfluenza

هذه الفيروسات هي المسبب الرئيسي لالتهاب الحنجرة والرغامى والقصبات عند الأطفال (الخانوق)، وهي مسؤولة عن ثلث التهابات الجهاز التنفسي السفلي التي تصيب الأطفال بعمر أقل من 5 سنوات. لا يوجد حتى الآن علاج لمرض الخانوق، ولكن تجري أبحاث لتطوير مطعوم ضد الفيروس.

الفيروس المخلوي التنفسي Respiratory Syncytial virus

يتميز الفيروس المخلوي التنفسي بخاصية شدة العدوى وكثرة الانتشار بين الأطفال الرضع (6 أسابيع إلى 3 سنوات)، ويشكل أوبئة في المستشفيات وحضانات الأطفال. تؤدي العدوى بالفيروس إلى التهابات تشمل كافة أجزاء الجهاز التنفسي العلوي والسفلي، كما يمكن أن يصيب الفيروس البالغين.

ينتشر الفيروس المخلوي التنفسي مباشرة عن طريق الملامسة أو الرذاذ، وتكثر حالات العدوى خلال فصل الشتاء في معظم البلدان العربية، وفي الصيف في المناطق الحارة. يبدأ المرض عادة بالزكام، ثم يتحول إلى التهابات في الشعيبات والقصيبات الرئوية، ويسبب ضيق التنفس للمريض. تستمر هذه الأعراض لمدة 3-8 أيام، وقد تطول هذه المدة إلى أربعة أسابيع عند الأطفال الصغار.

الفيروس الغدي Adenovirus

ينتقل الفيروس الغدي عن طريق الهواء والماء والطعام، أو عن طريق الأدوات الملوثة بالإفرازات التنفسية لشخص مصاب، مثل مقابض الأبواب أو الألعاب، ويكثر انتشار هذا الفيروس بين الأطفال والمراهقين. تهاجم سلالات متغيرة (ناتجة عن طفرات وراثية) من الفيروسات الغدية الغدد اللمفاوية في الرقبة واللوزتين، وتؤدي إلى:

  • التهاب حاد بالحلق.
  • زكام.
  • سعال.
  • حمى خفيفة.

تترافق هذه الأعراض أحياناً مع التهاب ملتحمة العين، خاصةً بين الأشخاص الذين يستعملون المسابح العامة، وذلك لأن الفيروسات الغدية لا تموت بسرعة من تأثير مادة الكلورين التي تستعمل في تطهير مياه المسابح.

كما تسبب عدة سلالات من الفيروسات الغدية التهابات في الجهاز الهضمي والبولي عند الأطفال الرضع، وبعضها يؤدي إلى التهابات الدماغ والسحايا وذات الرئة الحادة، التي قد تؤدي إلى وفاة الأشخاص ذوي المناعة الضعيفة مثل مرضى الايدز.

فيروس ابشتاين- بار epstein barr

يصنف هذا الفيروس ضمن مجموعة فيروسات الهربس Herpes، ويعرف أيضاً باسم فيروس هربس البشري نمط 4. ينتشر فيروس ابشتاين بار بكثرة في كل أرجاء العالم، وتنتشر العدوى عادةً بين الأطفال الصغار في البلدان النامية، حيث يكثر الازدحام والفقر وتقل الخدمات الصحية. يسبب الفيروس عادة أعراض التهاب الحلق الخفيفة التي تنتهي بمناعة مكتسبة تستمر طوال الحياة.

أما في مجتمعات البلدان المتقدمة حيث مستوى المعيشة والخدمات الصحية الجيدة، تصيب العدوى بفيروس ابشتاين- بار المراهقين (16–18 عام) وتنتشر عن طريق اللعاب، وتسبب التهابات الحلق والغدد اللمفاوية في الرقبة، مما يؤدي مرض كثرة اللمفاويات وكثرة الوحيدات في الدم, ويعرف هذا المرض باسم الحمى الغدية أو مرض كثرة الوحيدات الخمجية Infectious Mononucleosis .

تسبب الإصابة بفيروس ابشتاين بار مضاعفاتٍ عديدة، مثل التهاب الكبد مع اليرقان Jaundice، وتضخم الطحال، وقد يستمر المرض من 1–4 أسابيع. من النادر أن يصاب المريض بمضاعفات نتيجة الإصابة بفيروس ابشتاين بار.

ومن الجدير بالذكر أن هناك أنواع متعددة من الأمراض الفيروسية الأخرى التي قد تنتقل عن طريق الجهاز التنفسي, وبعضها يسبب بالبداية التهابات خفيفة في الأغشية المخاطية في الأنف والحلق والعقد اللمفاوية، قبل أن تنتشر إلى المعدة أو الدم والجهاز العصبي وباقي أعضاء الجسم, ومن أهمها فيروسات الحصبة و شلل الأطفال وجدري الماء والنكاف.