الفيض في تحقيق حكم الطلاق في الحيض (2/3)

حكم الطلاق في الحيض(1) من حيث الوقوع أو عدمه(2) اختلف العلماء رحمهم الله في حكم الطلاق في الحيض هل يقع أو لا يقع على قولين: القول الأول: أنه يقع وهو مذهب الأئمة الأربعة الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.

Share your love

أ.د. سليمان العيسى

حكم الطلاق في الحيض(1) من حيث الوقوع أو عدمه(2)

اختلف العلماء رحمهم الله في حكم الطلاق في الحيض هل يقع أو لا يقع على قولين:
القول الأول: أنه يقع وهو مذهب الأئمة الأربعة الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
وقول البخاري والبيهقي والنووي وغيرهم بل هو الذي عليه جماهير أهل العلم بل ادعى بعض أهل العلم الإجماع على ذلك وفيه نظر(3) إذا عرفت هذا فإليك بعض نصوص من أسميته من العلماء رحمهم الله:
نص الحنفية: جاء في بدائع الصنائع ما نصه: “والطلاق في حالة الحيض بدعة” إلى أن قال (وأما حكم طلاق البدعة فهو أنه واقع عند عامة العلماء)(4).
نص المالكية: جاء في المنتقى شرح موطأ مالك للباجي ما نصه: (مسألة) إذا ثبت ذلك فإنه يعتد عليه بالطلاق الذي يوقعه في الحيض رجعياً كان أو بائناً. انتهى محل الغرض منه(5).
نص الشافعية: قال النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم ما نصه: أجمعت الأمة على تحريم طلاق الحائض الحائل بغير رضاها(6) فلو طلقها أثم ووقع طلاقه ويؤمر بالرجعة لحديث ابن عمر المذكور في الباب وشذ بعض أهل الظاهر فقال لا يقع طلاقه لأنه غير مأذون فيه فأشبه طلاق الأجنبية، والصواب الأول وبه قال العلماء كافة… إلخ(7).
نص الحنابلة: قال ابن قدامة في المغني ما نصه: فإن طلق للبدعة وهو أن يطلقها حائضاً أو في طهر أصابها (فيقع) أثم ووقع طلاقه في قول عامة أهل العلم(8).
هذا وقد ترجم البخاري في صحيحه بما يدل على وقوع الطلاق في الحيض حيث قال رحمه الله (باب إذا طلقت الحائض تعتد بذلك الطلاق)(9).
وقد ترجم البيهقي أيضاً في سننه بما يدل على وقوع الطلاق في الحيض حيث قال رحمه الله (باب الطلاق يقع على الحائض وإن كان بدعياً).
وقد ترجم النووي في شرحه لصحيح مسلم على أحاديث الطلاق في الحيض بالترجمة التالية:
(باب تحريم طلاق الحائض بغير رضاها وأنه لو خالف وقع الطلاق وتؤمر برجتها)(10).
القول الثاني: أنه لا يقع الطلاق في الحيض وهو قول طاوس وخلاس ابن عمرو وابن علية وهشام بن الحكم(11).
وهو قول لابن عقيل من الحنابلة(12) وقول شيخ الإسلام ابن تيمية(13)، وتلميذه شمس الدين بن القيم(14) وابن حزم(15) والصنعاني(16) والشوكاني(17) وأحمد شاكر(18) وغيرهم.
منشأ الخلاف في هذه المسألة: قال ابن تيمية رحمه الله (وأما الطلاق في الحيض) فمنشأ النزاع في وقوعه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب لما أخبره أن عبد الله بن عمر طلق امرأته وهي حائض (مره فليراجعها حتى تحيض ثم تطهر ثم تحيض ثم تطهر فمن العلماء من فهم من قوله “فليراجعها” أنها رجعة المطلقة وبنوا على هذا أن المطلقة في الحيض يؤمر برجعتها مع وقوع الطلاق(19).
وقال ابن رشد في بداية المجتهد: أما المسألة الأولى فإن الجمهور إنما صاروا إلى أن الطلاق إن وقع في الحيض اعتد به وكانا طلاقاً لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر (مره فليراجعها) قالوا والرجعة لا تكون إلا بعد طلاق… وأما من لم ير هذا الطلاق واقعاً فإنه اعتمد عموم قوله صلى الله عليه وسلم (كل فعل أو عمل ليس عليه أمرنا فهو رد) وقال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برده يشعر بعدم نفوذه ووقوعه.
وبالجملة فسبب الاختلاف هل الشروط التي اشترطها الشرع في الطلاق السني هي شروط صحة وإجزاء أم شروط كمال وتمام؟ فمن قال شروط إجزاء قال: لا يقع الطلاق الذي عدم هذه الصفة، ومن قال: شروط كمال وتمام قال: يقع ويندب إلى أن يقع كاملاً، ولذلك من قال بوقوع الطلاق وجبره على الرجعة فقد تناقض فتدبر ذلك(20).
ثمرة الخلاف: ثمرة الخلاف ظاهرة وهي أن من قال بوقوع الطلاق في الحيض فإنه يحسب من عدد الطلاق الذي يملكه الزوج، فإن كان قد طلقها طلقتين قبله فإنها تحرم عليه حتى تنكح زوجاً غيره لتمام عدد ما يملكه من الطلاق، أما من قال: لا يقع فإنه لا يحسب من عدد الطلاق عنده. والله أعلم.
الأدلة:
أدلة القول الأول: والمتضمن وقوع الطلاق في الحيض:
الدليل الأول: عموم آيات الطلاق كقوله تعالى: “الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ” (البقرة: من الآية229) إلى قوله تعالى: “فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ” (البقرة: من الآية230) الآي، وقوله سبحانه: “وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ” (البقرة: من الآية228)، وقوله تعالى: “وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ” (البقرة: من الآية241) إلى غير ذلك من عموم آيات الطلاق.
وجه الدلالة: من الآيات المتقدمة وما في معناها: أن الله سبحانه لم يفرق بين أن يكون الطلاق في حال الحيض أو الطهر، ولا يخلو أن يريد بذلك تعالى أن الزوج يملك إيقاع هذا المقدار من الطلاق ولم يخص حالاً دون حال فوجب أن يحمل على عمومه من وقوع الطلاق على أي حال ولا يجوز تخصيصها بحال إلا بنص أو إجماع(21).
مناقشة هذا الاستدلال: نوقش الاستدلال بعموم آيات الطلاق على وقوع الطلاق في الحيض بأن الطلاق المحرم لا يدخل تحت نصوص الطلاق المطلقة التي رتب الشارع عليها أحكام الطلاق قالوا ودعواكم دخول الطلاق المحرم تحت نصوص الطلاق وشمولها للنوعين، ينتج عنه مساءلتكم عما يأتي: ما تقولون فيمن ادعى دخول أنواع البيع المحرم والنكاح المحرم تحت نصوص البيع والنكاح وقال شمول الاسم الصحيح من ذلك والفاسد سواء بل وكذلك سائر العقود المحرمة إذا ادعى دخولها تحت ألفاظ العقود الشرعية وكذلك العبادات المحرمة المنهي عنها إذا ادعى دخولها تحت الألفاظ الشرعية وحكم لها بالصحة لشمول الاسم لها هل تكون دعواه صحيحة أو باطلة، فإن قلتم صحيحة ولا سبل لكم إلى ذلك كان قولاً معلوم الفساد بالضرورة من الدين، وإن قلتم دعواه باطلة تركتم قولكم ورجعتم إلى ما قلنا، وإن قلتم تقبل في موضع وترد في موضع قيل لكم فرقوا لنا تفريقاً صحيحاً مطرداً معكم برهان من الله بين ما يدخل من العقود المحرمة تحت ألفاظ النصوص فيثبت له حكم الصحة وبين ما لا يدخل تحتها فيثبت له حكم البطلان، وإن عجزتهم عن ذلك فاعلموا أنه ليس بأيديكم سوى الدعوى التي يحسن كل أحد مقالتها ومقابلتها بمثلها أو الاعتماد على من يحتج لقوله لا بقوله وإذا كشف الغطاء عما قررتموه في هذه الطريق وجد غير محل النزاع جعلتموه مقدمة في الدليل وذلك عين المصادرة على المطلوب فهل وقع النزاع إلا في دخول الطلاق المحرم المنهي عنه تحت قوله تعالى: “وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ” (البقرة: من الآية241)، وتحت قوله: “وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ” (البقرة: من الآية228) وأمثال ذلك، وهل سلم لكم منازعكم قط ذلك حتى تجعلوه مقدمة لدليلكم(22).
الدليل الثاني: ما جاء في الصحيحين وغيرهما عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مره فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء(23).
وفي رواية لمسلم فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجعها ثم يمهلها حتى تحيض حيضة أخرى ثم يمهلها حتى تطهر ثم يطلقها قبل أن يمسها الحديث(24).
وجه الدلالة من الحديث: الدلالة من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (مره فليراجعها) وفي الرواية الأخرى (أن يرجعها) ووجه الدلالة لهذا القول أن الرجعة لا تكون إلا بعد وقوع طلاق فهي فرع وقوع الطلاق فلو لم يكن الطلاق واقعاً لم يصح الأمر بالرجعة(25).
مناقشة وجه الدلالة من الحديث السابق: أجاب ابن القيم رحمه الله عن وجه الدلالة من الحديث والتي مضمونها أن الرجعة تدل على وقوع الطلاق بأن الرجعة قد وقعت في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم على ثلاث معان:
إحداها: بمعنى النكاح قال الله تعالى: “فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا” (البقرة: من الآية230).
ولا خلاف بين أحد من أهل العلم أن المطلق ههنا هو الزوج الثاني وأن التراجع بينهما وبين الزوج الأول وذلك كابتداء النكاح.
وثانيها: الرد الحسي إلى الحالة الأولى التي كانت عليها أولاً لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي النعمان بن بشير لما أنحل ابنه غلاماً خصه به دون ولده (أرجعه) أي رده فهذا رد ما لم تصح فيه الهبة الجائزة.
وثالثها: الرجعة التي تكون بعد الطلاق ولا يخفى أن الاحتمال يوجب سقوط الاستدلال(25).
وقال ابن تيمية رحمه الله(26): ومن العلماء من قال: قوله (مره فليراجعها) لا يسلتزم وقوع الطلاق بل لما طلقها طلاقاً محرما حصل منه إعراض عنها ومجانبة لها لظنه وقوع الطلاق، فأمره أن يردها إلى ما كانت عليه كما قال في الحديث الصحيح لمن باع صاعاً بصاعين (هذا هو الربا فرده) وفي الصحيح عن عمران بن حصين أن رجلاً أعتق ستة مملوكين (فجزأهم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أجزاء فأعتق اثنين ورد أربعة للرق) وفي السنن عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم رد زينب على زوجها أبي العاص بالنكاح الأول) فهذا رد لها، وأمر علي بن أبي طالب أن يرد الغلام الذي باعه دون أخيه، وأمر بشيراً أن يرد الغلام الذي وهبه لابنه ونظائر هذا كثيرة، ولفظة المراجعة تدل على العود إلى الحال الأول ثم قد يكون ذلك بعقد جديد كما في قوله تعالى: “فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا” (البقرة: من الآية230)، وقد يكون برجوع بدن كل منهما إلى صاحبه وإن لم يحصل هناك طلاق كما إذا أخرج الزوجة أو الأمة من داره فقيل له: راجعها، فأرجعها كما في حديث علي حين راجع الأمر بالمعروف، وفي كتاب عمر لأبي موسى: وأن تراجع الحق فإن الحق قديم، واستعمال لفظ (المراجعة) يقتضي المفاعلة، والرجعة من الطلاق يستقل بها الزوج بمجرد كلامه فلا يكاد يستعمل فيها لفظ المراجعة بخلاف ما إذا أراد بدن المرأة إليه فرجعت باختيارها فإنهما قد تراجعا كما يتراجعان بالعقد باختيارهما بعد أن تنكح زوجاً غيره، وألفاظ الرجعة من الطلاق هي الرد، والإمساك وتستعمل في استدامة النكاح كقوله تعالى: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ) (الأحزاب: من الآية37)، ولم يكن هناك طلاق وقال تعالى: (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) (البقرة: من الآية229).
والمراد به الرجعة بعد الطلاق والرجعة يستقل بها الزوج ويؤمر فيها بالإشهاد والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر ابن عمر بالإشهاد وقال: مره فليراجعها ولم يقل ليرتجعها(27).
الرد على تلك المناقشة: قال ابن حجر في الفتح رداً على ما يقتضيه معنى المراجعة قال: إن فيه حمل المراجعة على معناها اللغوي والحمل على الحقيقة الشرعية مقدم على اللغوية اتفاقاً، وقال أيضاً رحمه الله وعند الدارقطني من طريق سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رجلاً قال: إني طلقت امرأتي البتة وهي حائض فقال عصيت ربك وفارقت امرأتك قال: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ابن عمر أن يراجع امرأته، قال إنه أمر ابن عمر أن يراجعها بطلاق بقي له وأنت لم تبق ما ترتجع به امرأتك)(28).
وفي هذا السياق رد على من حمل الرجعة في قصة ابن عمر على المعنى اللغوي(29).
مناقشة هذا الرد: قلت ويمكن مناقشة ما ذكره ابن حجر رحمه الله بالتسليم من أن الحمل على الحقيقة الشرعية مقدم على اللغوية لكن قد دل الشرع على أن الرجعة لا تختص بالرجعة التي تكون بعد الطلاق كما ذكر ذلك ابن تيمية وابن القيم وغيرهما من أهل العلم وقد تقدم أن الرجعة قد وقعت في كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم على ثلاثة معان:
الأول: بمعنى النكاح كما في قوله تعالى: “فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا” (البقرة: من الآية230) وهذا معناه مطلق الرجوع لا الرجعة الاصطلاحية عند الفقهاء.
الثاني: بمعنى الرد إلى الحالة الأولى التي كانت عليها.
الثالث: بمعنى الرجعة التي قد تكون بعد الطلاق، وقد تقدم توضيح ذلك، وبناءً على هذا فلفظ الرجعة محتمل شرعاً لتلك المعاني ولا يخفى أن الاحتمال يوجب سقوط الاستدلال بل قد قال بعض العلماء إن المراد بالمراجعة هنا المعنى اللغوي فقد قال أحمد شاكر في بحثه نظام الطلاق في الإسلام ص 23 ما نصه: ومما احتج به مخالفونا أن زعموا أن قوله مره فليراجعها دليل على وقوع الطلاق في الحيض، وهو دليل غير قائم لأن المراجعة هنا المراد بها المعنى اللغوي للكلمة، وأما استعمالها في مراجعة المطلقة الرجعية فإنما هو اصطلاح مستحدث بعد عصر النبوة، ولم تستعمل بهذا المعنى في القرآن أصلاً بل استعمل الرد والإمساك فقط: “وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ” (البقرة: من الآية228)، “فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ” (البقرة: من الآية229)، “فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ” (الطلاق: من الآية2)، “وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً” (البقرة: من الآية231).
وأما المراجعة فإنها استعملت في القرآن في هذا المعنى الاصطلاحي: استعملت في المطلّقة الطلقة الثالثة إذا تزوجت آخر وطلقها ثم تعود بنكاح جديد إلى زوجها الأول “فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ” (البقرة: من الآية230)، “فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا” (البقرة: من الآية230).
أما استدلال ابن حجر بالحديث الذي رواه الدارقطني والذي تقدم ذكره وقوله بعده إن فيه رداً على من حمل الرجعة في قصة ابن عمر على المعنى اللغوي. فالحديث قال عنه الدارقطني بعد سياقه له ما نصه: ولا أعلمه روى هذا الكلام غير سعيد بن عبد الرحمن الجمحي(30) وقد قال ابن حجر نفسه في تهذيب التهذيب عن سعيد هذا روى عن ابن حازم بن دينار.. وعبيد الله بن عمر وموسى بن علي بن رباح وغيرهم، وعنه الليث بن سعد وهو من أقرانه.. قال صالح بن أحمد عن أبيه ليس به بأس وحديثه يقارب وقال عثمان الدارمي عن ابن معين ثقة، وقال يعقوب بن سفيان لين الحديث وقال أبو حاتم صالح، وقال النسائي لا بأس به وقال الساجي يروى عن هشام وسهيل أحاديث لا يتابع عليها، وقال ابن عدي له غرائب حسان وأرجو أنها مستقيمة وإنما يهم في الشيء بعد الشيء فيرفع موقوفاً ويصل مرسلاً عن تعمد… قلت ووثقه ابن نمير وموسى بن هارون والعجلي والحاكم أبو عبد الله وقال ابن حبان يروى عن عبد الله بن عمر وغيره من الثقات أشياء موضوعة يتخايل إلى من سمعها أنه كان المتعمد لها ونقل ابن الجوزي عن أبي حاتم لا يحتج به(31). انتهى.
قلت ومما تقدم يتبين لنا أن الراوي سعيد، من العلماء من وثقه ومنهم من تكلم فيه والذين تكلموا فيه بينوا أنه يروي أشياء موضوعة يتخايل إلى من سمعها أنه كان المتعمّد لها وأنه يرفع موقوفاً ويصل مرسلاً عن تعمد. ومعلوم أن الجرح مقدم على التعديل إذا كان مبيناً فيه السبب. قال الشوكاني في إرشاد الفحول قول الجمهور أن الجرح مقدم على التعديل وإن كان المعدلون أكثر من الجارحين نقله عنهم – أي عن الجمهور – الخطيب والباجي ونقل القاضي فيه الإجماع قال الرازي والآمدي وابن الصلاح أنه الصحيح لأن مع الجارح زيادة علم لم يطلع عليها المعدل قال ابن دقيق العيد وهذا إنما يصح على قول من قال إن الجرح لا يقبل إلا مفسراً.
وقد استثنى أصحاب الشافعي من هذا ما إذا جرحه بمعصية وشهد الآخر أنه قد تاب منها فإنه يقدم في هذه الصورة التعديل لأن معه زيادة علم(32).
الدليل الثالث: ما رواه الدارقطني وابن حزم عن طريق ابن وهب عن ابن أبي ذئب أن نافعاً أخبرهم عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: “مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد ذلك وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء وهي واحدة”(33).
وجه الدلالة: من الحديث قوله (وهي واحدة).
مناقشة هذا الدليل: قال ابن حزم في المحلى وأما حديث ابن أبي ذئب الذي في آخره: وهي واحدة. فهذه لفظة أتى بها أبي ذئب وحده ولا نقطع على أنه من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وممكن أن تكون من قول من دونه عليه الصلاة والسلام والشرائع لا تؤخذ بالظنون ثم لو صح يقيناً أنها من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان معناه وهي واحدة أخطأ فيها ابن عمر أو وهي قضية واحدة لازمة لكل مطلق، والظاهر أنه من قول من دون النبي صلى الله عليه وسلم مخبراً بأن ابن عمر كان طلقها طلقة واحدة(34).
وقال ابن القيم في زاد المعاد: وأما قوله في حديث ابن وهب عن ابن أبي ذئب في آخره: وهي واحدة فلعمر الله لو كانت هذه اللفظة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قدمنا عليها شيئاً ولصرنا إليها بأول وهلة ولكن لا ندري أقالها ابن وهب من عنده أم ابن أبي ذئب أم نافع، فلا يجوز أن يضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يتيقن أنه من كلامه ويشهد به عليه، وترتب عليه الأحكام، ويقال: هذا من عند الله بالوهم والاحتمال والظاهر أنه من قول من دون ابن عمر رضي الله عنهما. ومراده بها أن ابن عمر إنما طلقها طلقة واحدة ولم يكن ذلك منه ثلاثاً أي طلق ابن عمر رضي الله عنه امرأته واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره(35).
الرد على المناقشة السابقة:
قال ابن حجر في الفتح بعد سياقه للحديث السابق والذي فيه قوله: وهي واحدة قال: وهذا نص في موضع الخلاف فيجب المصير إليه وقد أورده بعض العلماء على ابن حزم فأجابه بأن قوله (وهي واحدة) لعله ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فألزمه بأنه نقض أصله لأن الأصل لا يدفع بالاحتمال(36).
مناقشة ثانية للدليل الثالث: قال العلامة أحمد شاكر في بحثه نظام الطلاق في الإسلام على الحديث السابق والذي فيه قوله (وهي واحدة) ما نصه: ومن الغريب أن هذه الروايات ذكرت في معرض الاستدلال على وقوع الطلقة التي كانت في الحيض وفهموا من قوله (وهي واحدة) أن الضمير يعود إلى تلك الطلقة حتى أن ابن حزم وابن القيم لم يجدا لهما مخلصاً من هذه الحجة إلا أن يزعما أن الكلمة في السياق محتملة أن لا تكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، أي كأنها مدرجة من الراوي، أو يتأولاها بتأويل غير جيد مع أن سياق الكلام صريح في أنها من الحديث المرفوع وخاصة في رواية الدارقطني من طريق يزيد بن هارون، والصحيح الواضح أن قوله (وهي واحدة) إنما يراد به الطلقة التي ستكون في الطهر الثاني في قُبُل العدة لأنها أقرب مذكور إلى الضمير بل إنه لم يذكر غيرها في اللفظ النبوي الكريم، وطلقة الحيض أشير إليها فقط وفهمت من سياق الكلام، فلا يمكن أن يعود الضمير إليها، ويكون معنى قوله (وهي واحدة) إن طلق كما أمر كانت طلقة واحدة ولا تكون طلقة ثانية، لعدم الاعتداد بالأولى التي كانت لغير العدة فتكون هذه الرواية مؤيدة لرواية أبي الزبير ودليلاً على بطلان الطلاق في الحيض(37).
الرد على تلك المناقشة: قلت وما ذكره أحمد شاكر من أن قوله (وهي واحدة) إنما يراد به الطلقة التي ستكون في الطهر الثاني لأنها أقرب مذكور إلى الضمير وأن معناه إن طلق كما أمر كانت طلقة واحدة: فيه نظر لأن الطلقة التي بعد الطهر إن أوقعها الزوج لا تحتاج إلى بيان أنها واحدة محسوبة لأن وقوع الطلقة في هذه الحالة والتي أرشد المصطفى صلى الله عليه وسلم إليها معلوم لدى المخاطبين لأنها موافقة للعدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء، وإنما التي تحتاج إلى بيان تلك الطلقة التي وقعت في الحيض والتي ردها الرسول صلى الله عليه وسلم فلزم أن يعود البيان في قوله (وهي واحدة) إليها لا إلى ما لا يحتاج إلى بيان، وجواب آخر وهو” أن الطلقة التي ادعى أحمد شاكر عود الضمير إليها، لم يوقعها ابن عمر حتى يقال إنّ الضمير عائد إليها، بل غاية ما في الحديث تخييره فيما إذا طهرت زوجته بين الإمساك والطلاق، فلم يحصل طلاق بعدُ، وأيضاً لو كانت هي المراد لقال النبي صلى الله عليه وسلم: وهي واحدة إن طلق، فلمّا لم يحصل شيء مما ذُكِر عُلم أنّ الضمير يعود إلى ما وقع من ابن عمر لا ما سيقع. والله أعلم.
الدليل الرابع: ما رواه مسلم وغيره من حديث ابن عمر في قصة طلاق زوجته وهي حائض وفيه، وكان عبد الله طلقها تطليقة واحدة فحسبت من طلاقها وراجعها عبد الله كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وفي رواية لمسلم أيضاً قال ابن عمر: فراجعتها، وحسبت لها التطليقة التي طلقها(38) وروى البخاري في صحيحه عن ابن عمر قال: حسبت عليّ بتطليقة(39).
وجه الدلالة من الحديث: وجه الدلالة أن قوله: (فحسبت من طلاقها) وفي رواية (حسبت علي بتطليقة) يدل على أن المراد جعلها واحدة من الثلاث الطلقات التي يملكها الزوج قالوا وهو وإن كان لم يصرح بالفاعل هنا إلا أنه ينصرف إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
مناقشة وجه الاستدلال:
قال ابن القيم رحمه الله: وأما حديث ابن جريج عن عطاء عن نافع: أن تطليقة عبد الله حسبت عليه فهذا غايته أن يكون من كلام نافع ولا يعرف من الذي حسبها، أهو عبد الله نفسه أو أبوه عمر أو رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ولا يجوز أن يشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوهم والحسبان، وكيف يعارض صريح قوله: ولم يرها شيئاً بهذا المجمل؟ والله يشهد وكفى بالله شهيداً أنا لو تيقنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي حسبها عليه لم نتعد ذلك ولم نذهب إلى سواه(40).
وقال ابن حزم في المحلى: وأما ما روي من قوله: ما يمنعني أن أعتد بها وقوله: وحسبت لها التطليقة التي طلقتها فلم يقل فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حسبها تطليقة ولا أنه عليه الصلاة والسلام هو الذي قال له اعتد بها طلقة إنما هو إخبار عن نفسه ولا حجة في فعله ولا فعل أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم(41).
وقال الصنعاني في سبل السلام: وفي رواية أخرى (للبخاري: وحسبت تطليقة) وهو بضم الحاء المهملة مبني للمجهول: من الحساب والمراد جعلها واحدة من الثلاث التطليقات التي يملكها الزوج ولكنه لم يصرح بالفاعل هنا، فإن كان الفاعل ابن عمر فلا حجة فيه وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم فهو الحجة إلا أنه قد صرح بالفاعل في غير هذه الرواية(42)؟
الرد على تلك المناقشة: قال ابن حجر في الفتح وأجاب (يعني ابن حزم) عن قول ابن عمر (حسبت عليّ بتطليقة) بأنه لم يصرح بمن حسبها عليه، ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعقب بأنه مثل قول الصحابي (أمرنا فيعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا فإنه ينصرف إلى من له الأمر حينئذ وهو النبي صلى الله عليه وسلم كذا قال بعض الشراح، وعندي أنه لا ينبغي أن يجيء فيه الخلاف الذي في قول الصحابي أمرنا بكذا فإن ذاك محله حيث يكون اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ليس صريحاً، وليس كذلك في قصة ابن عمر هذه فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو الآمر بالمراجعة وهو المرشد لابن عمر فيما يفعل إذا أراد طلاقها بعد ذلك.
وإذا أخبر ابن عمر أن الذي وقع منه حسبت عليه بتطليقة كان احتمال أن يكون الذي حسبها غير النبي صلى الله عليه وسلم بعيد جداً مع احتفاف القرائن في هذه القصة بذلك، وكيف يتخيل أن ابن عمر يفعل في القصة شيئاً برأيه وهو ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم تغيظ من صنيعه كيف ولم يشاوره فيما يفعل في القصة المذكورة(43).
الدليل الخامس: استدل الموقعون للطلاق في الحيض بأن مذهب ابن عمر الاعتداد بالطلاق في الحيض قالوا وهو صاحب القصة وأعلم الناس بها وأشدهم اتباعاً للسنن وتحرجاً من مخالفتها(44).
قلت ومن الأدلة على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن نافع أن ابن عمر طلق زوجته وهي حائض.. الحديث وفيه قال: فكان ابن عمر إذا سئل عن الرجل يطلق امرأته وهي حائض يقول أما أنت طلقتها واحدة أو اثنتين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يرجعها ثم يمهلها حتى تحيض حيضة أخرى ثم يمهلها حتى تطهر ثم يطلقها قبل أن يمسها، وأما أنت طلقتها ثلاثاً فقد عصيت ربك فيما أمرك به من طلاق امرأتك وبانت منك وفي رواية لمسلم أيضاً وفيها قال ابن عمر فراجعتها وحسبت(45) لها التطليقة التي طلقتها، وروى مسلم أيضاً عن قتادة قال سمعت يونس بن جبير قال سمعت ابن عمر يقول طلقت امرأتي وهي حائض… الحديث وفيه: قال: فقلت لابن عمر أفاحْتَصَبْتَ بها قال ما يمنعه أرأيت إن عجز واستحمق، وروى مسلم أيضاً عن أنس بن سيرين قال سألت ابن عمر عن امرأته التي طلق… الحديث وفيه: قلت: فاعتددت بتلك التطليقة التي طلقت وهي حائض قال مالي لا أعتد بها وإن كنت عجزت واستحمقت(46).
الإجابة عن هذه الأدلة: لم يكن للقائلين بعدم وقوعالطلاق في الحيض بد من التسليم بما صح عن ابن عمر من الاعتداد بتطليقته التي وقعت في الحيض ولهذا قالوا: يكون عنه روايتان: فقد قال ابن القيم رحمه الله ما نصه (وأما قول ابن عمر رضي الله عنه ومالي لا أعتد بها وقوله: أرأيت إن عجز واستحمق فغاية هذا أن يكون رواية صريحة عنه بالوقوع ويكون عنه روايتان).
قلت وقد قال قبل هذا النص: إنه قد صح عن ابن عمر رضي الله عنه بإسناد كالشمس من رواية عبيد الله عن نافع عنه في الرجل يطلق امرأته وهي حائض قال: لا يعتد بذلك. انتهى(47) قلت وهذا الأثر رواه ابن حزم بسنده حيث قال: حدثنا يونس بن عبد الله أن أحمد بن عبد الله ابن عبد الرحيم أن أحمد بن خالد أن محمد ابن عبد السلام الخشني أن محمد بن بشار أن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي أن عبيد الله بن عمر عن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر قال في الرجل يطلق امرأته وهي حائض قال ابن عمر لا يعتد لذلك(48) – قلت ويلاحظ أن ما ذكره ابن القيم عن ابن عمر بلفظ: لا يعتد بذلك – وما ذكره ابن حزم: لا يعتد لذلك. وفي نظري بينهما فرق فالثاني أقرب إلى الاعتداد المأخوذ من العدة. والله أعلم.
مناقشة هذا الأثر من جهة الموقعين للطلاق في الحيض: نوقش هذا الأثر من حيث معناه: قال ابن حجر قال ابن عبد البر: واحتج بعض من ذهب إلى أن الطلاق لا يقع بما روي عن الشعبي قال: إذا طلق الرجل امرأته وهي حائض لم يعتد بها في قول ابن عمر، قال ابن عبد البر: وليس معناه ما ذهب إليه وإنما معناه لم تعتد المرأة بتلك الحيضة في العدة كما روي عنه منصوصاً أنه قال: يقع عليها الطلاق ولا تعتد بتلكا لحيضة، وقد روى عبد الوهاب الثقفي عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر نحواً مما نقله ابن عبد البر عن الشعبي أخرجه ابن حزم بإسناد صحيح، والجواب عنه مثله. انتهى(49) قلت ويؤيد المعنى الذي ذكره ابن عبد البر ما رواه البيهقي في سننه قال (أخبرنا) أبو عبد الله الحافظ أن أبا العباس محمد بن يعقوب أن العباس بن محمد الدوري أن يحيى بن معين أن عبد الوهاب الثقفي عن عبيد الله بن عمر: إذا طلقها وهي حائض لم تعتد بتلك الحيضة قال يحيى وهذا غريب ليس يحدث به إلا عبد الوهاب الثقفي(50) (قال الشيخ) وقد روى معناه يحيى بن أيوب المصري عن عبيد الله (وروينا) عن زيد بن ثابت أنه قال إذا طلق الرجل امرأته وهي نفساء لم تعتد بدم نفاسها في عدتها(51).
قلت فالآثار المتقدمة تدل على أن الاعتداد المنفي ليس هو الطلاق في الحيض، وإنما اعتداد المرأة المطلقة بتلك الحيضة وقد روى الدارقطني عن عبيد الله عن نافع عن عبد الله أنه طلق امرأته وهي حائض… الحديث وفيه قال: عبيد الله: وكان تطليقه إياها في الحيض واحدة غير أنه خالف السنة(52).
الدليل السادس: استدل من يرى وقوع الطلاق في الحيض أيضاً بالقياس على وقوع طلاق الهازل حيث قالوا ولو لم يكن معنا في المسألة الطلاق الهازل، فإنه يقع مع تحريمه لأنه لا يحل له الهزل بآيات الله وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما بال أقوام يتخذون آيات الله هزواً: طلقتك راجعتك، طلقتك راجعتك(53) فإذا وقع طلاق الهازل مع تحريمه، فطلاق الجاد أولى أن يقع مع تحريمه.
مناقشة هذا الدليل: نوقش هذا الدليل بأن طلاق الهازل إنما وقع لأنه صادف محلاً وهو طهر لم يجامع فيه فنفذ، وكونه هزل به إرادة منه أن لا يترتب أثره عليه وذلك ليس إليه بل إلى الشارع فهو قد أتى بالسبب التام وأراد أن لا يكون سببه فلم ينفعه ذلك، بخلاف من طلق في غير زمن الطلاق فإنه لم يأت بالسبب الذي نصبه الله سبحانه مفضياً إلى وقوع الطلاق وإنما أتى بسبب من عنده وجعله هو مفضياً إلى حكمه وذلك ليس إليه(54).
الدليل السابع: استدل من يرى وقوع الطلاق في الحيض أيضاً بأن الفروج يحتاط لها والاحتياط يقتضي وقوع الطلاق وتجديد الرجعة والعقد.
مناقشة هذا الدليل: قال ابن القيم رحمه الله: وأما قولكم: إن الفروج يحتاط لها، فنعم وهكذا قلنا سواء فإنا احتطنا، وأبقينا الزوجين على يقين النكاح حتى يأتي ما يزيله بيقين فإذا أخطأنا، فخطؤنا في جهة واحدة وإن أصبنا فصوابنا في جهتين جهة الزوج الأول وجهة الثاني، وأنتم ترتكبون أمرين: تحريم الفرج على من كان حلالاً بيقين، وإحلاله لغيره فإن كان خطأ من جهتين فتبين أنا أولى بالاحتياط منكم، وقد قال الإمام أحمد في رواية أبي طالب: في طلاق السكران نظير هذا الاحتياط سواء فقال: الذي لا يأمر بالطلاق: إنما أتى خصلة واحدة والذي يأمر بالطلاق أتى خصلتين: حرمها عليه، وأحلها لغيره، فهذا خير من هذا(55).
الدليل الثامن: قال الموقعون للطلاق في الحيض لو لم يكن بأيدينا إلا قول حملة الشرع كلهم قديماً وحديثاً: طلاق امرأته وهي حائض، والطلاق نوعان: طلاق سنة وطلاق بدعة، وما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن وهب بن نافع أن عكرمة أخبره أنه سمع ابن عباس يقول: الطلاق على أربعة وجوه: وجهان حلال ووجهان حرام فأما الحلال فأن يطلقها طاهراً عن غير جماع أو حاملاً مستبيناً حملها، وأما الحرام فأن يطلقها حائضاً أو حين يجامعها لا يدري أشتمل الرحم على ولد أم لا(56). قالوا وهذا الطلاق والتقسيم دليل على أنه عندهم طلاق حقيقة وشمول اسم الطلاق له كشموله للطلاق الحلال ولو كان لفظاً مجرداً لغواً كان وجوده كعدمه ومثل هذا لا يقال فيه طلق ولا يقسم الطلاق، فهو غير واقع، إليه وإلى الواقع، فإن الألفاظ اللاغية التي ليس لها معان ثابتة لا تكون هي ومعانيها قسماً من الحقيقة الثابتة لفظاً(57).
مناقشة هذا الدليل: قال ابن القيم رحمه الله: “أما دعواكم دخول الطلاق المحرم تحت نصوص الطلاق وشمولها للنوعين.. إلخ فنسألكم: ما تقولون فيمن ادعى دخول أنواع البيع المحرم، والنكاح المحرم تحت نصوص البيع والنكاح، وقال: شمول الاسم للصحيح من ذلك والفاسد سواء، بل وكذا سائر العقود المحرمة المنهي عنها إذا ادعى دخولها تحت الألفاظ الشرعية وحكم لها بالصحة لشمول الاسم لها هل تكون دعواه صحيحة أو باطلة؟ فإن قلتم صحيحة ولا سبيل لكم إلى ذلك كان قولاً معلوم الفساد بالضرورة من الدين، وإن قلتم: دعواه باطلة، تركتم قولكم ورجعتم إلى ما قلناه، وإن قلتم: تقبل في موضع، وترد في موضع قيل لكم ففرقوا بفرقان صحيح منعكس معكم به برهان من الله بين ما يدخل من العقود المحرمة تحت ألفاظ النصوص فيثبت له حكم الصحة وبين ما لا يدخل تحتها فيثبت له حكم البطلان، وإن عجزتم عن ذلك فاعلموا أنه ليس بأيديكم سوى الدعوى التي يحسن كل أحد مقابلتها بمثلها، أو الاعتماد على من يحتج لقوله لا بقوله، وإذا كشف الغطاء عما قررتموه في هذا الطريق وجد عين محل النزاع فقد جعلتموه مقدمة في الدليل وذلك عين المصادرة على المطلوب، فهل وقع النزاع إلا في دخول الطلاق المحرم المنهي عنه تحت قوله تعالى: “وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ” (البقرة: من الآية241)، وتحت قوله: “وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ” (البقرة: من الآية228)، وأمثال ذلك، وهل سلَّم لكم منازعوكم قط ذلك حتى تجعلوه مقدمة لدليلكم(58).
الدليل التاسع: ما قاله البهوتي في كشاف القناع في عرض استدلاله لوقوع الطلاق في الحيض ونصه: ولأنه طلاق من مكلف فوقع كطلاق الحامل(59).
مناقشة هذا الدليل: قلت ويمكن الجواب عن هذا من وجهين:
الوجه الأول: عدم التسليم بأن تصرف المكلف يقع فقد يتصرف المكلف بما لا يوافق مقتضى الشرع فيبطله الشرع والأمثلة على ذلك كثيرة: منها عقود الربا فتصرف المكلف فيها غير صحيح ويؤمر بردها وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من باع صاع تمر بصاعين أن يرده فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد قال: جاء بلال بتمر برني(60) فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم من أين هذا؟ فقال بلال: تمر كان عندنا رديء فبعتُ منه صاعين بصاع لمطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك أوَّه عين الربا لا تفعل. الحديث، وفي رواية عند مسلم أيضاً عن أبي سعيد قال: أتى النبي بتمر فقال ما هذا التمر من تمرنا فقال الرجل يا رسول الله بعنا تمرنا صاعين بصاع من هذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الربا فرده ثم بيعوا تمرنا واشتروا لنا من هذا(61) ومن أمثلة ذلك أيضاً بيع الميتة والخنزير والأصنام والكلب وسائر ما نهي عن بيعه مما لا يجوز بيعه، ومنها إنكاح الولي ما لا يجوز له إنكاحها إلا بإذنها لا بغير إذنها وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم نكاح امرأة ثيب زوجها أبوها وهي كارهة، وروي أنه صلى الله عليه وسلم خير امرأة زوجت بغير إذنها إلى غير ذلك مما لا يدخل تحت حصر.
الوجه الثاني: أن قياس الطلاق في الحيض على طلاق الحامل بجامع الوقوع والذي أشار إليه البهوتي بقوله ولأنه طلاق من مكلف في محلّه فوقع كطلاق الحامل قياس مع الفارق ذلك أن طلاق الحائض طلاق بدعة ونحرم وقد أجمع العلماء على ذلك كما تقدم تفصيله في حكم طلاق الحائض وهذا بخلاف طلاق الحامل فهو طلاق سنة بل قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر بذلك فقد روى مسلم في صحيحه عن سالم عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي فقال: مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً(62).
الدليل العاشر: ما استدل به البهوتي أيضاً بقوله: ولأنه ليس بقربة فيعتبر لوقوعه موافقة السنة بل هو إزالة عصمة وقطع ملك فإيقاعه في زمن البدعة أولى تغليظاً عليه وعقوبة له(63).
مناقشة هذا الدليل: قلت ويمكن مناقشة هذا الدليل بأن اعتبار موافقة السنة والشرع مطلوبة في الأمر والنهي وفي الصحة والبطلان والإمساك والمفارقة على حد سواء هذا والقول بإيقاعه عقوبة له وتغليظاً غير وجيه إذ قد يقع منه في حال عذره لجهله مثلاً فهل العقوبة والحالة هذه تناسبه ثم إنكم لا تفرقون بين من أوقع الطلاق في الحيض معذوراً أو غير معذور في حكم وقوع طلاقه بل يقع عندكم مطلقاً. والله أعلم.
الدليل الحادي عشر: ما ذكره بعض الموقعين للطلاق في الحيض من دعوى الإجماع على وقوعه فقد جاء في أحكام القرآن للجصاص ما نصه: وما قدمنا من دلالة الكتاب والسنة والاتفاق يوجب إيقاع الطلاق في الحيض وإن كان معصية(64).
وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: وقال أبو عبيدة: الوقوع هو الذي عليه العلماء مجمعون في جميع الأمصار حجازهم وتهامهم ويمنهم وشامهم وعراقهم ومصرهم، وحكى ابن المنذر ذلك عن كل من يحفظ قوله من أهل العلم إلا ناساً من أهل البدع لا يعتد بهم(65).
الرد على هذا الدليل: ودعوى الإجماع على وقوع الطلاق في الحيض فيها نظر بل الصحيح وجود خلاف مشهور في المسألة وقد بينت ذلك في مطلع هذه المسألة المبحث الثالث(66).
هذا وقد قال ابن القيم رحمه الله في رد هذه الدعوى في شرحه لتهذيب سنن أبي داود ما نصه: وتوهم من توهم أنا خالفنا الإجماع في هذه المسألة غلط فإن الخلاف فيها أشهر من أن يجحد وأظهر من أن يستر… إلخ(67) وقال في زاد المعاد: وربما ادعى بعضهم (يعني الموقعين للطلاق) الإجماع لعدم علمه بالنزاع إلى أن قال: وتقدم من حكاية النزاع ما يعلم بطلان دعوى الإجماع(68) كيف ولو لم يعلم ذلك لم يكن لكم سبيل إلى إثبات الإجماع الذي تقوم به الحجة وتنقطع معه المعذرة وتحرم معه المخالفة فإن الإجماع الذي يوجب ذلك هو الإجماع القطعي المعلوم.
الدليل الثاني عشر: أن الموقعين للطلاق في الحيض قالوا للمانعين: لقد ارتقيتم مرتقاً صعباً وأبطلتم أكثر طلاق المطلقين فإن غالبه طلاق بدعي، وجاهرتم بخلاف الأئمة ولم تحاشوا خلاف الجمهور وشذذتم بهذا القول الذي أفتى جمهور الصحابة ومن بعدهم بخلافه.
الرد على هذا الدليل: قال ابن القيم – رحمه الله – وأما قولكم أن الجمهور على هذا القول، فما وجدنا في الأدلة الشرعية أن قول الجمهور حجة مضافة إلى كتاب الله وسنة رسوله وإجماع أمته، ومن تأمل مذاهب العلماء قديماً وحديثاً من عهد الصحابة رضي الله عنهم إلى الآن واستقرأ أحوالهم وجدهم مجتمعين على تسويغ خلاف الجمهور، ووجد لكل منهم أقوالاً عديدة انفرد بها عن الجمهور ولا يستثنى من ذلك أحد قط ولكن مستقل ومستكثر، فمن شئتم سميتموه من الأئمة ثم تتبعوا ما له من الأقوال التي خالف فيها الجمهور ولن تتبعنا ذلك وعددناه لطال الكتاب به جداً، ونحن نحيلكم على الكتب المتضمنة لمذاهب العلماء واختلافهم ومن له معرفة بمذاهبهم وطرائقهم بأخذ إجماعهم على ذلك من اختلافهم.
ولكن هذا في المسائل التي يسوغ فيها الاجتهاد ولا تدفعها السنة الصحيحة الصريحة، وأما ما كان هذا سبيله فإنّهم كالمتفقين على إنكاره ورده، وهذا هو المعلوم من مذاهبهم في الموضعين(69).

___________________
(1) ليعلم أن النفاس كالحيض في كافة أحكام الطلاق فيحرم الطلاق في النفاس ويترتب عليه ما يترتب على الطلاق في الحيض سواء بسواء ولهذا نجد أئمة المذاهب حينما يذكرون تحريما لطلاق في الحيض ووقوعه ينصون على أن النفاس مثله.
وهناك فوارق في غير الطلاق فقد جاء في الروض المربع في باب الحيض ص 56 ما نصه والنفاس كالحيض فيما يحل كالاستمتاع بها دون الفرج، وفيما يحرم به كالوطء في الفرج والصوم والصلاة والطلاق.. وفيما يجب.. وفيما يسقط.. غير العدة.. والبلوغ.
وقال ابن حزم المحلى 10/176 ما نصه: مسألة (وطلاق النفساء كالطلاق في الحيض سواء بسواء لا يلزم إلا أن يكون ثلاثاً مجموعة أو آخر ثلاث قد تقدمت منها اثنتان برهان ذلك أنه ليس إلا حيض أو طهر وقد ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الطلاق في الحيض وأمر بالطلاق في طهر لم يجامعها فيه أو حاملاً ولا خلاف في أن دم النفاس ليس طهراً ولا هو حمل فلم يبق إلا الحيض فهو حيض ولم يصح قط نص أن النفاس ليس حيضاً بل لا خلاف في أن له حكم الحيض من ترك الصلاة والصوم والوطء… إلخ..
(2) الكلام في هذا المبحث يختص بالمدخول بها، أما غير المدخول بها فجماهير أهل العلم على جواز طلاقها في الحيض لأنه لا عدة عليها وهذا هو المشهور من مذهب الأئمة الأربعة وقد تقدم الكلام عن هذا في حكم الطلاق في الحيض، هذا وللمالكية رواية أخرى: المنع من الطلاق في الحيض ولو لغير المدخول بها فقد جاء في المنتقى شرح موطأ مالك/ للباجي 4/97 أن غير المدخول بها في طلاقها حال الحيض روايتان إحداهما ما روى ابن المراز عن ابن القاسم أنه كطلاق الطاهر ووجه قول أشهب أنه طلاق حائض فتعلق به المنع كطلاق المدخول بها.
(3) حاء في أحكام القرآن للجصاص 1/388 ما نصه: وما قدمنا من الأدلة الكتاب والسنة والاتفاق يوجب إيقاع الطلاق في الحيض وإن كان معصية وزعم بعض الجهال ممن لا يعتد خلافه أنه لا يقع إذا طلق في الحيض، وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم ص 57 ما نصه: قال الإمام أحمد في رواية أبي الحارث وسئل عن من قال: لا يقع الطلاق المحرم لأنه مخالف ما أمر الله به فقال: هذا قول سوء رديء، وقال أبو عبيدة: الوقوع هو الذي عليه العلماء مجمعون في جميع الأمصار حجازهم وتهامهم ويمنهم وشامهم وعراقهم ومصرهم. انتهى محال الغرض.
وقال ابن حزم في المحلى 10/163 ما نصه: ثم اختلف الناس في الطلاق في الحيض إن طلق الرجل كذلك أو في طهر وطئها فيه هل يلزم أم لا؟.
قال أبو محمد: ادعى بعض القائلين بهذا أنه إجماع قال أبو محمد: وقد كذب مدعي ذلك لأن الخلاف في ذلك موجود… قال أبو محمد: والعجب من جرأة من ادعى الإجماع على خلاف هذا وهو لا يجد فيما يوافق قوله في إمضاء الطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه كلمة عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم غير رواية ابن عمر، وقد عارضها ما هو أحسن منها عن ابن عمر، وروايتين ساقطتين عن عثمان وزيد بن ثابت.. إلخ ثم ذكر الروايتين. وقال ابن قدامة في المغني 7/69 وما بعدها ما نصه: فإن طلق للبدعة وهو أن يطلقها حائضاً أو في طهر أصابها فيه أثم ووقع طلاقه في قول عامة أهل العلم، قال ابن المنذر وابن عبد البر لم يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال.
وقال ابن القيم في شرحه لتهذيب سنن أبي داود المطبوع مع عون المعبود 6/242: قالوا: وتوهم من توهم أنا خالفنا الإجماع في هذه المسألة غلط فإن الخلاف فيها أشهر من أن يجحد وأظهر من أن يستر وإذا كانت المسألة من موارد النزاع فالواجب فيها امتثال ما أمر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من رد ما تنازع فيه العلماء إلى الله ورسوله وتحكيم الله ورسوله دون تحكيم أحد من الخلق. انتهى. قلت وقد نص على وجود الخلاف غير واحد من أهل العلم فقد قال ابن حجر رحمه الله في الفتح 9/351 على ترجمة البخاري التالية (باب إذا طلقت الحائض تعتد بذلك الطلاق) قال: كذا بت الحكم بالمسألة وفيها خلاف قديم عن طاوس وخلاس بن عمرو وغيرهما أنه لا يقع ومن ثم نشأ سؤال من سأل ابن عمر عن ذلك. انتههى.
قلت وسيأتي إن شاء الله تعالى في القول الثاني ذكر من قال به أعني عدم وقوع الطلاق.
(4) بدائع الصنائع للكاساني الحنفي 3/96 وانظر أحكام القرآن للجصاص الحنفي 1/388.
(5) المنتقى شرح موطأ مالك للباجي 4/98.
(6) قوله بغير رضاها هل معنى هذا أنها إذا رضيت بالطلاق في الحيض أنه يجوز بناءً على أنه إنما نهى عنه لحق المرأة لما فيه من الإضرار بها لتطويل العدة خلاف بين أهل العلم قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم ص 55: وقيل إنما نهى عن طلاق الحائض لحق المرأة لما فيه من الإضرار بها لتطويل العدة ولو رضيت بذلك بأن سألته الطلاق بعوض في الحيض فهل يزول بذلك تحريمه؟ فيه قولان مشهوران للعلماء والمشهور من مذهبنا ومذهب الشافعي أنه يزول التحريم بذلك، فإن قيل أن التحريم فيه لحق الزوج خاصة فإذا أقدم عليه فقط أسقط حقه فسقط، وإن علل بأنه لحق المرأة لم يمنع نفوذه ووقوعه أيضاً فإن رضا المرأة بالطلاق غير معتبر لوقوعه عند جميع المسلمين لم يخالف فيه سوى شرذمة يسيرة من الروافض ونحوهم.. ولكن إذا تضررت المرأة بذلك وكان قد بقي شيء من طلاقها أمر الزوج بارتجاعها.
(7) صحيح مسلم بشرح النووي 10/60.
(8) المغني لابن قدامة 7/99، وانظر كشاف القناع 5/240.
(9) انظر صحيح البخاري 7/36، وفتح الباري ومعه صحيح البخاري 9/351.
(10) شرح النووي على مسلم 10/60.
(11) قال ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري 9/351 قوله (باب إذا طلقت الحائض تعتد بذلك الطلاق) كذا بت الحكم بالمسألة، وفيها خلاف قديم عن طاوس وعن خلاس بن عمرو وغيرهما أنه لا يقع ومن ثم نشأ سؤال ابن عمرو عن ذلك. انتهى.
وانظر المحلى لابن حزم 10/163، وجاء في المغني لابن قدامة 7/100 ما نصه: وحكاه أبو نصر عن ابن عليه وهشام بن الحكم..
(12) جاء في الفروع لابن مفلح الحنبلي 5/372.
ما نصه: ومنع ابن عقيل فيا لواضح (في مسألة النهي) وقوعه في حيض لأن النهي للفساد.
وجاء في الإنصاف للمرداوي 8/448 قال الشيخ تقي الدين اختار طائفة من أصحاب الإمام أحمد رحمه الله عدم الوقوع في الطلاق المحرم.
(13) انظر مجموع فتاواه جمع وترتيب بن قاسم 33/98 إلى 101.
(14) انظر زاد المعاد ج4 من ص 143 إلى ص 151 الطبعة الثانية عام 1392هـ. وانظر شرحه على مختصر سنن أبي داود والمطبوع مع عون المعبود 6/233 إلى 243.
(15) انظر المحلى 10/161 إلى 167.
(16) سبل السلام 3/169 وكان رحمه الله قد اختلف رأيه فيها واستقر على عدم الوقوع فقد قال: وكنا نفتي بعدم الوقوع وكتبنا فيه رسالة وتوقفنا مدة ثم رأينا وقوعه (تنبيه) ثم قوى عندي ما كنت أفتي به أولاً من عدم الوقوع لأدلة قوية سقتها في رسالة سميناها (الدليل الشرعي في عدم وقوع الطلاق البدعي) انتهى.
هذا وقد أشرت فغي المقدمة على أنني لم أطلع على تلك الرسالة بعد البحث.
(17) فقد قال رحمه الله في الدراري المضيئة شرح الدرر البهية 2/70 ووقع الخلاف بين الرواة: هل حسبت تلك الطلقة أم لا ورواية عدم الحسبان لها أرجح وقد أوضحت هذه المسألة في شرح المنتقى وفي رسالة مستقلة والخلاف طويل والأدلة كثيرة والراجح عدم وقوع الطلاق البدعي، وانظر نيل الأوطار 6/350 إلى 355 وبخصوص الرسالة التي ألفها فقد ذكر في هذا المرجع أنها مختصرة غير أنني لم أطلع عليها بعد البحث الشديد وقد أشرت إلى هذا في المقدمة.
(18) تكلم عن هذه المسألة باختصار في بحثه نظام الطلاق في الإسلام من ص 18 إلى ص 23.
(19) مجموع فتاوى شيخ الإسلام 33/98.
(20) بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد 2/49.
(21) انظر المنتقى شرح موطأ مالك 4/98.
(22) صحيح البخاري 7/36 في كتاب الطلاق مطبعة الفجالة الجديدة 1376هـ وصحيح مسلم 4/180 وقد رواه أبو داود. انظر سننه 2/255 برقم 2179-2180 ورواه النسائي في سننه 6/138.
(23) صحيح مسلم 4/182.
(24) انظر تكملة المجموع 17/79.
(25) انظر زاد المعاد 4/46. وانظر سبل السلام 3/169.
(26) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية وترتيب ابن قاسم 33/99 وما بعدها.
(27) قول شيخ الإسلام رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مره فليراجعها ولم يقل ليرتجعها، رد آخر للفرق بين المراجعة والارتجاع، والأحاديث جاءت بلفظين أحدهما ما ذكره الشيخ (مره فليراجعها) وهو في الصحيحين والثاني بلفظ فأمره النبي صلى الله عليه وسلم: أن يرجعها: وهو في صحيح مسلم 4/182 ولم يرد الحديث حسب ما اطلعت عليه من رواياته بلفظ ليرتجعها.
(28) سنن الدارقطني 4/8 في كتاب الطلاق رقم 17 وقد ذكره ابن حجر رحمه الله بمعناه.
(29) فتح الباري شرح صحيح البخاري 9/353.
(30) سنن الدارقطني 4/8.
(31) تهذيب التهذيب لابن حجر 4/55-56.
(32) إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق عنعلم الأصول للشوكاني 68: الطبعة الأولى عام 1356.
(33) سنن الدارقطني 4/9 وقد قال أحمد شاكر في بحثه نظام الطلاق في الإسلام ص 21 عن هذا الحديث ما نصه: نقله ابن حزم في المحلى وابن القيم في زاد المعاد وابن حجر في فتح الباري مختصراً وزاد: قال ابن أبي ذئب: وحدثني حنظلة بن أبي سفيان أنه سمع سالماً يحدث عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ورواه الدارقطني في سننه من طريق يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق وابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر بنحوه ولكن قال فيه: “هي واحدة، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء، ثم روى نحوه من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر، وهذه أسانيد صحيحة.
(34) المرجع السابق 10/165.
(35) زاد المعاد 4/50.
(36) فتح الباري 9/353.
(37) نظام الطلاق في الإسلام ص 22.
(38) صحيح مسلم 4/181.
(39) صحيح البخاري 7/36 في باب إذا طلقت الحائض تعتد بذلك الطلاق.
(40) زاد المعاد 4/50.
(41) المحلى لابن حزم 3/165.
(42) سبل السلام شرح بلوغ المرام 3/168.
(43) فتح الباري 9/353.
(44) انظر المنتقى في شرح موطأ مالك للباجي 4/98 وما بعدها، وانظر المغني لابن قدامة 17/100 وتكملة المجموع شرح المهذب 17/78.
(45) بالبناء للفاعل أي الذي حسب هو ابن عمر. في هذه الرواية: وروايات أخرى تقدمت (وحسبت) بالمبني للمجهول وقد تقدم أن ذكرنا في الدليل الخامس أن هذا اللفظ له حكم المرفوع لا سيما مع احتفاف القررائن في هذه القصة من كون الرسول صلى الله عليه وسلم هو الآمر بالرجعة.
(46) صحيح مسلم 4/180 إلى 183.
(47) زاد المعاد 4/49-50.
(48) المحلى لابن حزم 10/163 قلت وهذا الأثر قال عنه ابن حجر في الفتح بعد ذكره أخرجه ابن حزم بإسناد صحيح، فتح الباري 9/354.
(49) المرجع السابق 9/354.
(50) عبد الوهاب الثقفي: قال عنه ابن حجر في تهذيب التهذيب 6/449 وما بعدها عبد الوهاب بن عبدالمجيد بن الصلت بن عبيد الله بن الحكم بن أبي العاص الثقفي أبو محمد البصري… ثم ذكر من روى عنه من السلف ثم ذكر من وثقه ومن ضعفه وكان ممن وثقه ابن معين وعلي بن المديني وأثنى عليه قتيبة وضعفه ابن مهدي وقال محمد بن سعد ثقة وفيه ضعف وقد روى عن ابن معين أنه اختلط في آخره وقال عمرو بن علي اختلط حتى كان لا يعقل… إلخ.
(51) سنن البيهقي 7/418.
(52) سنن الدارقطني 4/7.
(53) ذكره البيهقي في سننه 7/332 عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(54) انظر زاد المعاد 4/84 و51.
(55) انظر زاد المعاد 4/48 و51.
(56) مصنف عبد الرزاق 6/307 تحت رقم 10950، وذكره أيضاً تحت رقم 10930 وذكره البيهقي في سننه 7/325 ورواه الدارقطني في سننه 4/5.
(57) زاد المعاد 4/51.
(58) زاد المعاد 4/49.
(59) كشاف القناع 5/240.
(60) قوله برني بفتح الباء وسكون الراء وتشديد الياء من أجود التمر.
(61) صحيح مسلم 5/48.
(62) صحيح مسلم 4/181.
(63) كشاف القناع 5/240.
(64) أحكام القرآن للجصاص 1/388.
(65) جامع العلوم والحكم لابن رجب ص 75.
(66) انظر ص: 47.
(67) شرح ابن القيم لتهذيب سنن أبي داود المطبوع مع عون المعبود 6/242.
(68) قلت وقد ذكر رحمه الله من قال بعدم وقوع الطلاق قبل ذلك. انظر زاد المعاد 4/44، وذكر ذلك ابن حزم في المحلى 10/163 وكذلك ابن حجر في الفتح 9/351 وغيرهم.
(69) زاد المعاد 4/49.

Source: www.almoslim.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!