القاصة المصرية وداد معروف : الرواية تتربع على عرش السرد

تميزت قصص المصرية وداد محمود بـ«الواقعية» ، وبأسلوبها السهل الممتنع الذي يشد القارئ، ويدفعه لمواصلة القراءة، مقيدا بالدهشة والتلذذ والسعي نحو معرفة النهاية المشوقة منذ أول سطر، قصصها أشبه بقصص الجدات والتراث والحكايات التي لا يملُّ العابرون سماعها. صدرت لها أربع مجموعات قصصية هي على التوالي: «ريشة من جناح العشق»، «كارت شحن»، «لكنني أنثى» و«همس […]

القاصة المصرية وداد معروف : الرواية تتربع على عرش السرد

[wpcc-script type=”ec7ac62885da378bcecc1d52-text/javascript”]

تميزت قصص المصرية وداد محمود بـ«الواقعية» ، وبأسلوبها السهل الممتنع الذي يشد القارئ، ويدفعه لمواصلة القراءة، مقيدا بالدهشة والتلذذ والسعي نحو معرفة النهاية المشوقة منذ أول سطر، قصصها أشبه بقصص الجدات والتراث والحكايات التي لا يملُّ العابرون سماعها. صدرت لها أربع مجموعات قصصية هي على التوالي: «ريشة من جناح العشق»، «كارت شحن»، «لكنني أنثى» و«همس الملائكة»، كما قُررت قصتها «الجدة وسيلة»، على طلبة الفرقة الثالثة قسم اللغة العربية في جامعة عين شمس، كلية التربية، كنموذج للتدريب على مهارات الكتابة. كُتبت عنها عدة دراسات نقدية، ونشرت لها عدة صحف ومجلات داخل وخارج القاهرة.
أدناه حوار يتناول تجربتها الأدبية وآراءها في بعض القضايا ذات الصلة.

■ إلى أي حد تنحازين إلى الواقع في كتاباتك، ومتى تشعرين بالرغبة في التحرر من الواقع وإعادة بنائه بخيال القاص؟
□ كما يقول الكاتب الإنكليزي غراهام غرين، يجب أن يقطع الكاتب الحبل السري الذي يربطه بالتجربة، ويتركه يختلط بأشياء كثيرة. لو نقلنا الواقع مجردا بدون تأمل فيه وهضمه عقليا وفكريا، لخرج ساذجا سطحيا كأحاديث مجالس النميمة، لكن رؤية الأديب تختلف تماما عن هذا التناول الأولي، فهو يرى بعين فكره ووجدانه ما لا يراه الناس، يهذبه ويخلطه بثقافته المتراكمة ومعتقداته وميوله الفكرية، وخياله الرحيب، كل هذا ينسجه قماشة من صنع يديه، قطعة واحدة لا تتكرر، ربما يرى الكاتب ويعايش حادثا جللا ولا يستطيع التعبير عنه في وقته، لأن الرؤية لم تكتمل بعد، المهم هو اكتمال وعي التجربة، فقد عاصر نجيب محفوظ ثورة 1919 ولم يكتب عنها إلا بعد أكثر من عشرين عاما، فكانت الثلاثية الخالدة.
■ ما مدى تأثير البيئة المحيطة بك في تكوين عالمك القصصي؟
□ الكاتب الناجح هو الذي يستلهم مادة قصصه من حياة الناس، وهذا لا يعني أن كل ما يحدث أمامنا يصلح للكتابة، فالكتابة ليست صورة فوتوغرافية وحسب عن البيئة المحيطة بالكاتب، بل صورة حية تراوح بين الواقع والخيال، وتتخللها الإيحائية والرمزية. كما أن البيئة الجغرافية والتاريخية تطبع ملامحها على روح الكاتب، أي كاتب، فنحن نتاج هذه البيئة، بكل تفاصيلها، وهذا ما يجعل النتاج الأدبي بكل أجناسه ممثلا للعالم من حولنا، مكونا لوحة كبيرة من فسيفساء التنوع والتفرد لعوالمنا المختلفة، ولكوني ابنة الشمال وتجمع محافظتي دمياط بين البحر الأبيض ونهر النيل، فهي بيئة لها سحرُها ولأهلها طبيعتهم العذبة كعذوبة النهر، وحيوية البحر وعطائه، هي بيئة صناعية زراعية تجارية، وكل هذا مادة خام للحكي، فالواقع ثري وحكايات الجدات كنز مخبوء في الذاكرة. نضفر الواقع بالمخبوء بنتاج الخبرات والعلاقات الإنسانية، فنخرج بيئتنا كسبيكة من كل هذه العناصر، كما كانت قاهرة نجيب محفوظ وقرية الطيب صالح ومدن عبد الرحمن منيف، رسائل بصرية لفتح الأعماق لزيادة قوة الإبصار نحو آفاق أبعد.
■ هناك من يرى، من الكتّاب والنقاد، أن عالم السرد الروائي يعيش عصره الذهبي، فهل أنت مع هذا الرأي؟ وهل مازالت الفنون السردية الأخرى كالقصة القصيرة محتفظة بقدرتها على الإدهاش والتأثير؟
□ القصة هي الأساس الفني الذي تقوم عليه الرواية، وإن كنت أعترف بأن الرواية تتربع على عرش السرد لأسباب كثيرة، منها إقبال الشباب على قراءتها، حفاوة المؤسسات الثقافية بها، ورصد جوائز قيمة لفرسانها، لكن القصة القصيرة كانت ومازالت محافظة على مكانتها لدى القراء، فهناك أيضا من يفضل الحكاية المكتنزة المحتشدة، التي ينتهي منها لأخرى، أيضا القصــة القصـــيرة تمثل أفكارا كثيرة متنــــوعة تجمعـــها دفتا كتاب واحـــد. وقد تطور الفن القصصي منذ إدغار ألن بو، فتنـــوع ما بين الحكاية والأقصوصة التي هي وصف أو رسم منظر ما، والقصة القصيرة، وهي حدث واحد في الوقت والزمان نفسيهما، التي تأتي في مكان وسط بين الرواية والقصة القصيرة. تتنوع القصة القصيرة أيضا ما بين التسجيلية والميثولوجيا والفانتازيا والسيكولوجية وكل نوع له قراؤه ومريدوه.

اللغة هي أقرب المعاني المعاصرة لدلالة المعنى في النص الأدبي، والقوة ميزة اللغة التي تريد أن تؤثر وترسخ.

■ برأيك ما هي مكونات القصة القصيرة الناجحة؟
□ النواة الفكرية هي التي تعبر عن مبادئ الكاتب وأفكاره، الموضوع الذي تدور حوله القصة ويُظهر براعة الكاتب، اللغة وهي أداة الكاتب التي تميزه أيضا عن غيره من الكتاب، الأسلوب الساحر الذي يتجلى في السرد، والحوار الذي يظهر مهارات الكاتب، حيث يحدث الاقتباس من الحياة والنهل من المخيلة، ما يقربها من القارئ كونها تعبر عنه وعن بيئته، والأهم هي البداية الصادمة والدهشة التي تستمر مع القارئ حتى بعد أن ينتهي من قراءة القصة فهي تشغله وتثير أسئلة لديه.
■ إلى أي مدى يساهم المخزون اللغوي للقاص في تطوير أسلوبه القصصي؟
□ اللغة هي أقرب المعاني المعاصرة لدلالة المعنى في النص الأدبي، والقوة ميزة اللغة التي تريد أن تؤثر وترسخ، ويمتلك الكاتب مفرداته من طول قراءته واطلاعه، فيتكون لديه مخزون كبير يسعفه حين يكتب ويعبر. وأسلوب الكاتب المميز كالبصمة، إن قرأته بدون أن ترى توقيعه عليه تعرف أن هذا النص لفلان، وربما يُعرف أحيانا من أول سطر، فالأسلوب كملامح الوجه يميز به بين كاتب وكاتب، أجمل ما يكون الأسلوب حين يتميز بالعمق والعذوبة في آن، حين لا يتقعر الكاتب على قرائه ويستخدم كلمات شاذة، وإنما يفصح الدارج الذي يتحدثون به، كما قال قارئ الطيب صالح، ذلك القارئ الأمي الذي سمع عن رواية «موسم الهجرة للشمال» فاستجلب من يقرأها له فلما سمعها كلها قال: «هو دا كلامنا ذاتو لكن فيه لولوة* شوية»، فعلق الطيب صالح قائلا: «هذه اللولوة هي الفن»، فالأسلوب الشائق هو البساطة مع العمق في آن.
■ أي نوع من القراء يشغلك وأنت تكتبين؟
□ أنا أكتب لأنني أريد أن أكتب، لأن عندي ما أود البوح به، الكتابة نوع من الاستشفاء من وجع الكتمان، أكتب لأنني امتلأت بالفكرة التي تشبعت من مشاعري فأثقلتني وألحت عليّ لتخرج كيفما تعزفها حروفي، وحينها لا يشغلني القارئ ولا الناقد، هي وحدها التي تشاكسني كي تخرج. الكاتب يقبض على اللحظات المحتشدة بالبوح قبل أن تهرب أو تعاند.
■ ماذا عن المشهد الأدبي في مصر، هل ما زال للنقد دور تنتخب الأعمال الأدبية من خلاله؟
□ المشهد الأدبي في مصر هو مشهد يجمع كل ملامح الإبداع ويحاول أن يساير حركة الإبداع العالمية، ففي المشهد مبدعون في كل الأجناس الأدبية، مبدعون بحق يستحقون عناية الدولة ودعمها، لو أتيحت لهم الفرص الجيدة لأعادوا عصر الرافعي وحافظ والعقاد وطه حسين، وفي المشهد أيضا التباس، وأيضا فيه أدعياء يشوشون على الأصلاء، وفيه أيضا الشباب الذين يمتلكون الموهبة، لكنهم لا يمتلكون المال الذي يمكنهم من إخراج إبداعهم منشورا للقراء، فدور النشر الخاصة تحتاج لآلاف الجنيهات لنشر كتاب، وهم مازالوا في البداية، ودور النشر الحكومية حوّلها منتفعون قلائل هم من يتاح لهم النشر فيها، أيضا قلة القنوات الثقافية المتخصصة التي يمكن للمبدع الوصول للمشاهدين من خلالها، نعم مازال للنقد دوره الذي يحتفي به الأديب الجاد ويسعي إليه، كونه يحتاج إلى رؤية نقدية مخلصة، بدون تحيزات، سواء مع أو ضد، لكن هناك نقصا واضحا في الصفحات الثقافية التي تستوعب هذه الدراسات النقدية، وكذلك نقص المجلات والجرائد والقنوات المتخصصة المعنية بالأدب، ما يضعف الحركة النقدية وأيضا عدم استفادة الناقد ماديا من جهده الذي يبذله فيها.
■ كيف تقيمين دور المؤسسات الثقافية الرسمية في مصر؟
□ تعمل المؤسسات الثقافية في مصر بشكل روتيني رتيب، يقوم عليها موظفون يديرونها بعقلية جامدة، يقودها الروتين وتتحكم فيها اللوائح، فهم يسدون خانات فقط، لا هم ثقافي حقيقي، لا إبداع ولا ابتكار في الأنشطة، ولا يرهقون أنفسهم في التنقيب عن المواهب. تعاني المؤسسات أيضا من قلة الموارد وضعف المخصصات، بالإضافة إلى أن النشاط الثقافي مُركّز في العاصمة، بينما تفتقر القرى والأقاليم لأي نشاط ثقافي حقيقي، ومن ثم فأدباء الأقاليم يعانون الظلم والتهميش. ولكي تُعرف أو تصل كلمتك للقراء عليك أن تشد الرحال للقاهرة، كي تتواصل مع الصحف والقنوات والمؤسسات الثقافية الكبرى، ما يمثل مشقة ومعوقا أيضا على من لا يقدر على ذلك.
*لولوة: من لَي، وهي اللف والدوران أو الالتفاف على المعنى في اللهجة السودانية.

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *