إن أراء القرانيون ومنكري السنة الشائكة موضع لكثير من علامات الاستفهام، ولعلك تتساءل عن ماهية هذه الجماعة وتاريخها، ومنهجها وأفكارها، واليوم موقع الموسوعة يجيبك على كل هذه الأسئلة التي تدور في عقلك، بالإضافة إلى أهم الردود من علماء المسلمين على هذه الجماعة.
عقيدة القرآنيون
إن القرآنيون هم جماعة من الناس يؤمنون بالقرآن الكريم وما جاء فيه، ويعتبرونه المصدر الوحيد للتشريع والإيمان، وبالتالي فهم غير مؤمنين بسنة الرسول وكلامه، فهم يعتمدون على القرآن باعتباره المنهج الوحيد الذي أتفق كافة المسلمون على صحته.
وتعددت المسميات للقرآنيون فمنهم من يُطلقوا على أنفسهم لقب “المسلمين الحنفاء” في إشارة منهم لرفض تعدد المذاهب الأخري، واختلاف الآراء فهم يرون أن مصدر التشريع والإسلام واحد وهو القرآن الكريم. ومنهم من يُطلقون على أنفسهم لقب “أهل القرآن” بما يوحي بإيمانهم الكامل بالقرآن دون غيره من سبل التشريع.
تاريخ ونشأة القرآنيون
لقد ظهر القرآنيون منذ عصر أبو بكر الصديق عليه السلام، فيعتبر الخوارج أول المتبعين لهذا النهج حيث ابتعدوا عن تنفيذ سنن الرسول كرجم الزانية والزاني، ومسح الخف، وغيرها من السنة المنقولة عن الرسول صلي الله عليه وسلم، وكان تبريرهم لهذا لرفض هذه الحكام هو أنها لم تُذكر في القرآن.
لم ينتهي وجود القرآنيون مع نهاية الخوارج، ففي فترة الاحتلال الإنجليزي ظهر شخص يُدعي “أحمد خان” وقد رأي أن القرآن هو المصدر والأساس في التشريع، وأن الحديث لابد وأن يكون له شروط حتي يُقبل، وقد ضع بالفعل شروط كثيرة وشديدة التعقيد والصعوبة لقبول الحديث، مما جعل غالبية الأحاديث غير مقبولة لديه.
أما باكستان فقد ظهر فيها “عبد الله جكر الوي” الذي قام بدراسة الحديث الشريف، لكنه أكتشف وجود بعض الشبهات حول الأحاديث المنقولة عن الرسول صلي الله عليه وسلم، مما دفعه إلى تأسيس جماعة أسماها “جماعة أهل الذكر والقرآن” وقد دعت الجماعة إلى أتخاذ القرآن مصدراً للتشريع.
قام عبد الله جكر بكتابة الكثير من المؤلفات في هذا الأمر داعياً إلى اعتبار القرآن المصدر الوحيد للتشريع، وإنكار الحديث والسنة كاملة، وقد تبني هذا الفكر من بعده ” أحمد الدين الأمر تسري” وقام بتأسيس جماعة هو الآخر اسماها جماعة “أمة مسلمة”.
أتخذ القرآنيون بعض الأيات القرآنية لتكون دليلاً على وجهة نظرهم مثل قوله تعالي في سورة المائدة، بسم الله الرحمن الرحيم:
” فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ” (المائدة:48)، وقوله تعالي ” كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ”
كما أتخذ القرآنيون بعض الأقوال المنقولة عن كبار الأئمة والصحابة، والتي تدعم موقفهم مثل رفض سيدنا “عمر بن الخطاب” رضي الله عنه أن يأخذ ببعض الحديث، ومنع الناس من تداوله، واعتبروا مثل هذه المواقف دليل على صحة موقفهم من السنة.
منهج القرآنيون في الإسلام
يقوم منهج القرآنيون على فهم وتدبر القرآن بالعقل والمنطق، والبعد عن التفسيرات وأسباب النزول والآراء المختلفة في التفسير، ففي رأيهم القرآن ليس بالكتاب المبهم أو الغير واضح حتي يتم تفسيره، فالإنسان لا يحتاج سوي لعقله حتي يفهم أوامر الله.
يعتمد القرآنيون على فهم القرآن بالقرآن والبعد عن أقوال وتفسيرات السلف، والفقهاء، أو غيرها من المصادر المعروفة لعملية التشريع في الإسلام لأنهم يعتبرونها أديان ارضيه، أي غير قادمة من الله عز وجل وبالتالي لا يؤخذ بها في منهجهم ولا يعترفون بها.
يتخذ القرآنيون من أية ” إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ” لتبيان منهجهم، فالله سبحانه وتعالي قد امرنا بالتدبر والتفكير في الدين وأموره، وبهذا فهم لا يحتاجون لكتب التفسير، أو أراء الأئمة لفهم أمور الدين، فهم يعتمدون على عقولهم في فهم مصطلحات القرآن في كل موضع من المواضع التي ذُكرت فيها.
القرآنيون ومنكري السنة
إن القرآنيون طائفة من المسلمين لها أفكارها وعقيدتها التي ضلت بها عن الإسلام وأوامره، وقد تعرفنا في الفقرات السابقة عن حقيقة هذه الجماعة ونشأتها وعقيدتها، والآن سنتعرف على أهم أفكارهم وكيفية الرد عليها.
إن القرآنيون أقاموا فكرهم كله حول القرآن الكريم، رافضين بذلك أي مصدر آخر للتشريع أو التفسير، وبهذا فقد وصلوا لمجموعة من الأفكار والمعتقدات التي تلخص فكرهم بالكامل وهي:
الدولة الإسلامية عند القرآنيين
إن القرآنيين يعتبرون أن الدولة التي تقوم على الإسلام لابد لها وأن تكون:
- الدولة الإسلامية دولة تؤمن بحرية الرأي.
- تكفل الحرية الشخصية للفرد.
- تؤمن حقوق الإنسان بكل صورها.
- لا تفرق بين المواطنين على أساس لونهم، أو دينهم، أو عرقهم.
- الدولة الإسلامية لابد وان تكون دولة ديمقراطية ومتطورة.
- عدم وجود عقوبات دنيوية على المعاصي والأخطاء طالما لم يضر العاصي غيره من الناس.
- رفض طريقة الأنظمة الإسلامية المنتشرة في العصر الحالي، والتي تقوم على أحكام متطرفة، لآن القرآن الكريم لم يذكر أي عقوبة على مرتكب الذنب في الحياة الدنيا.
الرسول والصحابة عند القرآنيين
إن للقرآنيين أراء خاصة عن الرسول والصحابة، وأهمها:
- أن الرسول صلي الله عليه وسلم بشر مثلنا وغير معصوم من الخطأ، إلا فيما يتعلق بنزول الوحي والقرآن فهو معصوم في هذا الأمر من الخطأ.
- إن الصحابة لا يجب أن يكتسبوا عصمة أو مكانة خاصة لمجرد رؤيتهم للرسول صلي الله عليه وسلم.
- ليس كل ما ورد عن الرسول صلي الله عليه وسلم صحيح ويجب الأخذ به.
- إن الصحابة كانوا بشراً منهم المؤمن ومنهم الفاسق، وهو الأمر الذي يختلف مع قناعاتنا كمسلمين فنحن نعتقد أن كل من رأي الرسول صحابي وإن كان مجرد طفل.
القرآنيون وإنكار الحديث
إن منهج القرآنيون يقوم على الاعتماد على القرآن فقط كمصدر للتشريع، ورفض كافة المصادر الأخري وعلى رأسها الحديث الشريف، وكل ما نُقل عن الرسول صلي الله عليه وسلم.
ويرجع القرآنيون هذا الرفض للأسباب التالية:
- قناعاتهم انه لا يوجد وحي أخر دون وحي القرآن الكريم، ولهذا فكلام الرسول وأفعاله ليست من وحي الله عز وجل.
- إن عملية تصحيح ونقل الأحاديث الشريفة، تفتقر تماماً للموضوعية والمنهج العلمي – من وجهة نظرهم – ولهذا فإنهم يرفضون الاعتماد عليها.
- إن القائمين على عملية التصحيح مجرد بشر قد يصيبوا وقد يخطئوا، ولذلك يوجد الكثير من الاختلاف في بعض الأحاديث الشريفة.
- أن الرسول صلي الله عليه وسلم قد منع تدوين الحديث في حياته، وهم يعتبرون هذا الأمر تأكيداً على عدم اعتبار الحديث أساساً للتشريع.
- بعض حكام الدولة الأموية والعباسية قد قاموا بتلفيق بعض الأحاديث الغير مسندة، حتي تدعم حكمهم ورأيهم وتقلل من شأن خصومهم، كما انه توجد بعض الأحاديث التي تم دسها من قِبل جماعات فارسية بهدف رغبتهم في إعادة السيطرة والحكم لهم مرة أخري.
- يؤمن القرآنيون بالسنن الفعلية والتي تعتمد على الأفعال التي جاءت عن الرسول صلي الله عليه وسلم، كالصلاة، والزكاة، والحج وغيرها من المور التي نُقلت إلينا عن الرسول والصحابة.
القرآنيون والنسخ
إن القرآنيين لا يؤمنون بأن تكرار أو نسخ الآيات يلغي ما قبلها، وهو عكس ما نؤمن به من أن بعض الأيات قد جاءت لتلغي حكم مذكور في آية أخري، وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالي: بسم الله الرحمن الرحيم
” مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا” ولكن رد القرآنيون على هذا الأمر هو أن المقصود من قوله تعالي بالنسخ التدوين وليس الحذف والإلغاء.
الرد على القرآنيون ومنكري السنة
إن فكر القرآنيين يشوبه الكثير من الأخطاء، وقد أهتم علماء المسلمين بتوضيح هذه الأخطاء والرد عليها حتي لا تكون باباً للشبهة والشك يدخل قلوب المسلمين، وإليك ابرز الردود التي قدمتها جماعات العلماء المسلمين:
بداية إن القرآن الكريم كان بحاجة لتوضيح وبيان حتي يفهمه الناس ويطيعونهن فقال تعالي في كتابه العزيز “بسم الله الرحمن الرحيم ”
” وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ” (النحل: 44) هذا يعني أن الله سبحانه وتعالي كان يعلم أن الكتاب بحاجة إلى سنة لتوضحه وتبينه للناس، والله سبحانه وتعالي لن يُنزل الكتاب على بشر دون وحي.
فالقرآن والسنة الاثنان مكملان لبعضهما البعض، ولا يجوز الأخذ بأحدهم دون الآخر، ولا يجوز أعتبار احدهما وحي بينما الآخر كلام هوي، فقد قال عز وجل في كلامه عن الرسول صلي الله عليه وسلم ” وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى” (النجم: 3،4)
الجدير بالذكر أن القرآنيون يناقضون أنفسهم في كثير من الأمور، فقد جاء في القرآن الكريم الكثير من الأدلة التي تؤكد على صحة كلام الرسول وضرورة أتباعه، وطاعته، وهذا يعني اتباع سنته من بعده فقال تعالي:
” مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا” (النساء: 80)
وفي قوله تعالي ” وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً” (الأحزاب : 71) والطاعة هنا بد وان تشمل السنة النبوية التي جاءت عن الرسول صلي الله عليه وسلم، فالقرآن والسنة يكملان بعضهما البعض ولا يمكن فصل احدهم هن الآخر.
الأمر الأكيد هو أن السنة جاءت كتطبيق عملي لأحكام وأوامر القرآن الكريم، ولا يمكن أعتبارها جزء منفصل أو غير ضروري للتشريع، ولهذا فإن أي دعوة إلى إنكار السنة النبوية هي دعوة خادعة وغير أمينة بالمرة، ولا يجب الانصياع لها.



