ـ بعد 11 سبتمبر أصبحت القناة ضرورة ملحة لتصحيح صورة الإسلام
ـ التمويل الحكومي يضعف القناة الإسلامية ويقلل فرص استمرارها
ـ البعد عن الخطاب الأيدلوجي المباشر هو وسيلة اختراق المشاهد الأوربي
ــــــــــ
ما الذي يمنع وجود قناة فضائية إسلامية حتى الآن؟ هل تنقصنا الأموال؟ أم تنقصا الخبرات والكفاءات ؟ أم نفتقد إلى الإرادة الذاتية والشعور بالمسؤولية تجاه المخاطر التي تواجه عالمنا الإسلامي؟
هل نحن في حاجة إلى أحداث 11سبتمبر أخرى لكي ندرك خطورة الإعلام وأهميته في تصحيح الصورة المشوهة عن الإسلام لدى الآخر؟
أمريكا رصدت مئات الملايين من الدولارات لإنشاء قناة فضائية تبث إرسالها باللغة العربية، ومنذ أيام قلائل بدأ البث المباشر لأول قناة فضائية إسرائيلية موجه للعرب والمسلمين ، كانت حكومة العدو الصهيوني قد رصدت لها مبلغ 15.5 مليون دولار،وأطلقت عليها اسم الشرق الأوسط ، وتعد بديلا عن القناة 33 الإسرائيلية التي أقيمت عام 1993لتستهدف الأقلية العربية في إسرائيل.
أما نحن المسلمين فما زلنا نفكر وندرس ونعقد مؤتمرات ونشكل لجاناً لبحث المشروع، ورغم أن هناك محاولات فردية لوجود قناة فضائية إسلامية مثل قناة “اقرأ” التي يمولها رجل الأعمال السعودي الشيخ صالح كامل ، وقناة “الأندلس” في أسبانيا ، و “المنار” التي يشرف عليها حزب الله في لبنان ، وقناة “الرحمن” في إندونيسيا ، و”إسلاميك سيتي” التي تبث لـ 2.5 مليون مسلم في أمريكا ، وقناة “MTA” في بريطانيا ، إلا أن هذه القنوات لا ترقى إلى أن تكون قناة فضائية تعبر عن مليار وربع المليار مسلم يشكلون خمس سكان العالم وتخاطب الآخرين بلغاتهم موضحة لهم الصورة المشرقة عن الإسلام وحقيقة تعاليمه.
ومؤخرًا ترددت معلومات عن أن الفنانة المعتزلة سهير البابلي تسعى لإقناع عدد من المؤسسات ذات الطابع الإسلامي ـ ومنها بنوك وهيئات إعلامية وخيرية ـ بتمويل مشروع إنشاء قناة فضائية إسلامية تسهم في نشر الدعوة وتقديم صورة الإسلام الصحيحة والرد على الافتراءات التي يثيرها الأعداء.
وفى حال بث هذه القناة ستشارك أغلب الفنانات المعتزلات في تقديم برامجها والمساهمة في دعمها ، خاصة بعد أن تحمس للفكرة كلاًّ من شهيرة وعفاف شعيب وياسمين الخيام ، وفى حال توفير التمويل اللازم سينطلق البث التجريبي لها في شهر رمضان المقبل ، ويتردد أن الشيخ صالح كامل سيكون أحد المساهمين في تمويل القناة الجديدة.
التعريف بالإسلام
في دراسة قدمها وزراء الأوقاف والشؤون الإسلامية بدول منظمة المؤتمر الإسلامي في ختام اجتماعهم السابع الذي عقد بالعاصمة الماليزية أوائل مايو الماضي عن “الاستراتيجية العامة للتعريف بالإسلام باللغات المختلفة” ، كان أهم بنودها إنشاء قناة فضائية بلغات متعددة تهدف إلى تعريف غير المسلمين بالإسلام ، وربط الأقليات والجاليات المسلمة في الدول المختلفة بالثقافة الإسلامية بتوظيف مختلف اللغات الأكثر انتشارًا في العالم، ومنها: الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألمانية والروسية ، بالإضافة إلى اللغات المحلية الأكثر انتشارًا وهي: السلافية والهوسا والسواحيلي والفلاني والصينية والأوردية.
كما أكدت الدراسة أن نجاح هذا المشروع يتطلب الاعتماد على هيئة من كبار خبراء الإعلام والدعوة للإشراف والمتابعة وتوفير العدد اللازم من المترجمين والتوسع في الطرح خارج الموضوعات الفقهية لمناقشة كل ما يمس حياة الجمهور ، وكذلك تخصيص برامج لكل أصحاب ديانة معينة وبرامج خاصة موجهة لشباب الصحوة من أبناء الجاليات.
وتضيف الدراسة أن القناة الفضائية المقترحة ليست كافية دون أن تستغل القنوات الفضائية العربية بتخصيص بعض برامجها للتعريف بالإسلام بلغات متعددة والاهتمام بالمجال الإعلامي في الغرب ، ومن ذلك العمل على تطوير البرامج الإعلامية المخصصة للجاليات المسلمة، وكذلك التعاون مع المشرفين على هذه البرامج الإذاعية والتلفزيونية مثل برنامج “معرفة الإسلام” بالقناة الفرنسية الثانية صبيحة كل أحد بإشراف مسلمين فرنسيين، وكذلك استثمار فكرة استئجار ساعات معدودة في القنوات المستقلة بالغرب ، وإنشاء إذاعة جديدة للقرآن الكريم يساهم بها عدد من الدول الإسلامية ، ثم وضع خطة جديدة للاستفادة من شبكة الإنترنت.
استراتيجية واضحة
ويقول الدكتور محيي الدين عبد الحليم أستاذ الإعلام بجامعة الأزهر: إن هناك أكثر من 40 قناة فضائية في الدول العربية والإسلامية، ولكنها – للأسف – دون فاعلية في التأثير على الرأي العام العالمي ؛ لأنها لا تخاطبه بلغته وتراثه وفكره، فكل شعب له خصوصياته وعاداته ويجب تقديم المضامين الإسلامية لهذه الشعوب بلغاتها وما يناسبها.. لكن القنوات الموجودة لا تتعدى أن تكون قنوات محلية نكلم بعضنا بعضا من خلالها ، ولم تستطع أن ترد على الهجمات الشرسة التي يقودها الإعلام الصهيوني ضد الإسلام ، مما يؤكد وجود ضرورة ملحة لإنشاء قناة فضائية تدافع عن الإسلام.
ولكن لا بد من ضوابط معينة حتى تستطيع هذه القناة تأدية المنوط بها ، ويتمثل ذلك في إيجاد استراتيجية واضحة الأهداف والمنطلقات والقوالب بحيث تسير مع المرجعيات الإسلامية والثوابت العقدية ، وتفاديا لأن تسيطر عليها التيارات غير الرشيدة في العالم الإسلامي.
ويجب على القناة المطلوبة أن تكون معالجتها فطنة وغير مباشرة ، بحيث لا تكون كالخطاب الديني المباشر الذي يمله المشاهد.
مضمون القناة
ويشدد الدكتور عرفة أحمد عامر أستاذ الإذاعة والتلفزيون بجامعة الأزهر على أهمية وجود قناة فضائية إسلامية ـ خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر ـ الأمر الذي دعا الكثيرين في الغرب للبحث عن حقيقة الإسلام، وهي فرصة لنا بعد سقوط النظريات والنظم غير الإسلامية، ومن هنا فلابد من تحديد الإسلام الذي نقدمه من خلال هذه القناة بشموليته لمناحي الحياة ، ولا ينبغي أن تقتصر القناة في أسلوبها على الشكل التقليدي بل ينبغي أن تتسع برامجها – حسب قوله- لكل الأشكال والقوالب من “ودراما وبرامج حوارية” تتيح التحاور مع كافة التيارات؛ فالإسلام يعترف بالرأي الآخر ، فلا يظن أحد أن الدين يمنع الترفيه والترويح عن النفس ، ولكن هناك ضوابط ينبغي وجودها ، فالدين متسع لما تتطلبه النفس ولكن بكيفٍ معين.
ويوضح الدكتور عرفة عامر أن من الضوابط التي ينبغي الاهتمام بها تقديم صحيح الإسلام ، حيث عجزنا عن توصيل إسلامنا للآخر، ولابد من التخطيط الجيد لهذا العمل، وأن يقدم متطلبات الغرب فيه بمضامين إسلامية ، وذلك بعد عجز القنوات الفضائية والإذاعات الموجهة عن توصيل الرسالة المنشودة.
الخطاب الأيدلوجي
وترى الدكتورة جيهان رشدي العميد الأسبق لكلية الإعلام بجامعة القاهرة : أننا إذا أردنا أن نخاطب الغرب فعلينا أن نخاطبه بلغته وعقليته، وإذا أردنا إنشاء قناة كهذه يجب أولا أن نبتعد عن تسميتها بالقناة الفضائية الإسلامية حتى لا ينفر منها المواطن الغربي، وهاهي إسرائيل عندما أنشأت قناة موجهة للعرب والمسلمين أطلقت عليها اسم “قناة الشرق الأوسط”.
ويشترط أن يبتعد الخطاب الإعلامي لهذه القناة المقترحة عن الشكل الدعوى الأيدلوجي نظرًا لنفور الغرب من هذا القالب ، مشيرة إلى أن القنوات المسيحية التبشيرية في أمريكا مثلا لا تجد من يشاهدها ، بل إنهم ينظرون إليها على أنها قنوات نفاق.
والأفضل – من وجهة نظر الدكتورة جيهان رشتي- أن تعرض المضامين الإسلامية في إطارات متعددة يتشوق لها المتلقي ، مع ضرورة إتاحة القدر الكافي من الحرية في التعبير وتناول الموضوعات بحيث لا تقع هذه القناة تحت السيطرة أو الرقابة لأي من الأجهزة الحكومية في دول العالم الإسلامي.
تمويل القناة
أما عن التمويل فتقول الدكتورة جيهان: المعروف في الإعلام أن الذي يمول هو الذي يسيطر ويتحكم ؛ لذا فهي ترى ألا يخضع تمويل القناة لأي من الحكومات بل يكون التمويل من خلال المؤسسات الأهلية ورجال الأعمال العرب والمسلمين، وأن تكون القناة على غرار قناة الجزيرة؛ متوازنة في معالجتها للقضايا دون تحيز لطرف ضد آخر حتى تكتسب مصداقية لدى الجميع – مسلمين وغير مسلمين- وبدون ذلك ستتحول القناة إلى كيان أو هيكل اسمي فقط يذكرنا بما حدث في الستينات عندما أنشأت الدول النامية مجمع وكالات أنباء دول عدم الانحياز وتم إطلاق قمر صناعي لبث أنباء هذا المجمع لكنه لم ينجح ولم يسمع عنه أحد ؛ لأنه كان خاضعا للحكومات التي كانت تموله فكان يبث أخبار هذه الحكومات وإنجازاتها وفق