الكاتبة المصرية عفَّت بَركات: استقطاب الطفل نحو عالم الأدب لن يتم إلاّ بفكرة مثيرة

في الثقافة العربية مايزال اهتمام الأدباء والشعراء بالكتابة للأطفال لا يتناسب مع أهمية هذا الحقل الإبداعي، ومن التجارب التي تستحق الوقوف أمامها ما تضطلع به الكاتبة والمخرجة المسرحية المصرية عفت بركات، حيث لم تكتف بما أصدرته من مجموعات شعرية وقصصية موجهة للأطفال، بدأت منذ عام 2009 بل كانت حريصة على أن تكتمل دائرة انشغالاتها بهذا […]

الكاتبة المصرية عفَّت بَركات: استقطاب الطفل نحو عالم الأدب لن يتم إلاّ بفكرة مثيرة

[wpcc-script type=”00f9ddbdf1a51b95b9936696-text/javascript”]

في الثقافة العربية مايزال اهتمام الأدباء والشعراء بالكتابة للأطفال لا يتناسب مع أهمية هذا الحقل الإبداعي، ومن التجارب التي تستحق الوقوف أمامها ما تضطلع به الكاتبة والمخرجة المسرحية المصرية عفت بركات، حيث لم تكتف بما أصدرته من مجموعات شعرية وقصصية موجهة للأطفال، بدأت منذ عام 2009 بل كانت حريصة على أن تكتمل دائرة انشغالاتها بهذا العالم، بالاشتغال المكثف والمستمر على الجانب التطبيقي، ومن هنا كان مشروعها الأهم في مسيرتها الفنية الحافلة بالعطاء، إقامة ورش احترافية ينتظم في صفوفها الأطفال، ليتعلموا فنون وتقنيات الكتابة والتخييل السردي، وقد أثمر جهدها عن نتائج مهمة، بعد أن تحولت الورش إلى حاضنة ثقافية لتنمية المواهب ووضعها على الطريق السليم في عالم الكتابة الإبداعية. وبهدف الاقتراب من خصوصية تجربتها كان معها هذا الحوار.

■ كيف تقييمين مستوى الكتابة للطفل في مصر؟
□ في مصر لدينا حراك جيد من أجيال مختلفة تكتب للطفل، وقامات تعلمنا على يديها الفكر الخلاق والخبرات الميدانية الملهمة، هؤلاء المبدعون الكبار قدموا إسهامًا جماليًّا فائقًا في مجال أدب الطفل، مثل عبدالتواب يوسف ويعقوب الشاروني وغيرهما. وفي الوقت ذاته هناك أقلام تحاول استغلال مساحة الكتابة للطفل لغايات كثيرة ظنا منها أنه دربٌ سهل الوصول.
■ في إطار تجربتك الشخصية كيف ومتى بدأ اهتمامك بالطفل؟
□ بدأت كتابة الشعر منذ طفولتي، ولم أكتب للطفل إلا بعد أن امتلكت أدوات الكتابة كشاعرة، وبالتحديد بعد إنهاء دراستي الجامعية والعمل في التدريس، وقتها كتبت للأطفال نصوصا مسرحية في محاولة مني لتحويل المناهج إلى مسرح، تمردا على جمود الكتاب المدرسي، ثم تابعت كتابة الشعر والقصة للأطفال، وكنت حريصة على أن أقدم كتابا جيدا للطفل أولا وأخيرا.
■ هناك عدد من الأراء تشير إلى أن الأدب الموجه للطفل يفتقر إلى عناصر فنية مهمة في بنية السرد، وهذا ما يجعله بعيدا عن اهتماماته، إلى أي مدى يبدو هذا الكلام صحيحا؟
□ العناصر الفنية في الكتابة السردية للطفل لا تختلف عنها في أدب الكبار، فلها الضوابط والعناصر الأساسية نفسها في السرد، لكنها تحتكم لضوابط يقرها العمر الزمني والنفسي، حسبما يرى علماء النفس من ضوابط الكتابة للأطفال، وأهم نقاطها تحديد الفئة العمرية التي نرغب في الكتابة لها، ومعرفة خصائص كل مرحلة عمرية، وإمكاناتها اللغوية والمعرفية، وطموحاتها وخصائصها النفسية والبدنية، لنستطيع توصيل رسالتنا إلى هذه الفئة.
■ لديك العديد من الورش الخاصة بالأطفال لتعليمهم فن الكتابة، ما طبيعة هذه الورش، وكيف ولدت هذه الفكرة، وما الدروس التي تقدمينها لهم، وما الذي خرجت به من هذه التجربة؟
□ أنا أعمل دائما على إقامة ورش لتدريب الأطفال على الكتابة الإبداعية في معارض الكتاب وقصور الثقافة، ولكنني أحاول أن تصل الفائدة إلى أكبرعدد من الأطفال، خاصة من خلال عملي كمعلمة، فأقيم ورشا مقترنة بفنون المسرح، مستفيدة بذلك من عملي كمخرجة مسرحية، أدربهم على فنون التمثيل وفنون الحكي والتأليف، وكل الورش تصب في إطار التنقيب عن الموهبة لدى الطفل، وفكرة الورش ولدت، عندما وجدت تقصيرا في منظومة التعليم، فأنا أجد عدم تفعيل الأنشطة في المدارس يتنافي مع رغبتنا في صناعة طفل مبدع، ينتمي لمجتمعه وقادر على التمسك بقيمه، وحريص على بناء وطنه. والآن أنا أعمل على ورش من ابتكاري عنوانها «ورش التخييل» وأقوم بتفعيلها في أماكن مختلفة، وأعمل على توثيقها لمعرفة الفائدة منها، وأحلم بتطبيقها في كل المدارس في عموم المنطقة العربية.
■ ما الذي يشغل اهتمامات الطفل المصري؟ وكيف يمكن استقطابه ناحية الأدب؟
□ الطفل المصري كأى طفل في العالم لديه همومه الحياتية والنفسية، وتساؤلاته عن الخلق والحياة والكائنات وعوالم لا مرئية يجنح بخياله نحوها، ويطمح إلى أن يتلقى إجابات حول استفساراته، واستقطابه نحو الأدب لن يتم إلا بفكرة مثيرة وغير مسبوقة.

الاستعانة بالتراث تعني التمسك بالقيم النبيلة التي تعلمناها في الماضي، والتعلم من الأخطاء، وقراءة تاريخنا الذي يجب أن لا ننساه ونحن نؤسس لحاضرنا، فلابد من العمل على ذلك فقط بوعي ودراية كبيرين

■ إذا ما تمت مقارنة ما بين الأدب الموجه للطفل في العالم الغربي، والأدب الموجه للطفل المصري، أو العربي بشكل عام، ما الذي يمكن أن نخرج به من ملاحظات؟
□ بالإضافة إلى ندرة كتّاب الطفل وانخفاض المستوى الفني، فنحن لانزال نعاني من غياب المتخصصين، وتدني الدقة العلمية، وعدم التمييز بين المستويات العمرية للأطفال، إضافة إلى الإخراج الرديء، والاعتماد على الاقتباس والنقل في الرسوم من الغرب، وأخيرا ارتفاع سعر الكتاب الجيد، مع إنه قليل جدا، ما يجعله بعيدا عن متناول الأطفال، والعالم العربي يستهلك نسبة ضئيلة من الورق المستخدم في طباعة الكتب، وللمقارنة فقط نجد أن العالم العربي يستهلك أقل من 10٪ من استهلاك بلجيكا، التي لا يتجاوز عدد سكانها بضعة ملايين نسمة، ولو خصصنا كتاب الطفل لوجدنا أنه لا يتجاوز نسبة 5٪ من الكتاب المطبوع، في الوقت الذي تصل نسبة الأطفال إلى 50٪ من مجموع السكان، ومقارنة بنصيب الطفل الغربي من الكتاب والذي يتراوح ما بين 2-5 كتاب لكل طفل في السنة، فإن نصيب الطفل العربي سطر واحد من كتاب.‏
■ في ما يتعلق بالكاتب الذي يهتم بأدب الطفل، ما الذي ينبغي أن يتوفر عليه من إمكانات ذاتية حتى يصبح مؤهلا للاضطلاع بهذه المهمة ؟
□ لابد أن يمتلك أدواته ككاتب أولا، ثم يأتي دور القراءة والاطلاع، ولا بد أن يكون واسع الخيال ويتمتع بروح الدعابة والمرح في تقديم فكرته، وقادراعلى فهم الحاجات الفعلية للطفل، ومحاولته الدائمة لمعرفة التساؤلات العديدة التي ينشغل بها الطفل في كل مرحلة عمرية، وهذا ينبع من اتصاله المباشر بعالم الأطفال ومعرفة خصائص كل مرحلة يقدم لها مشروعه الإبداعي.
■ في القصة الموجهة للطفل ماهي الأشياء المهمة، هل هي الأفكار أم التشويق أم الصور؟
□ الأهم في كل عمل مقدم للطفل هو طزاجة الفكرة، وطريقة عرضها بشكل مشوق، وأن يتمتع الكاتب بروح الدعابة والمرح، لأن الطفل يميل إلى ذلك أكثر، كذلك القصة التي تملك قدرا كبيرا من الخيال وتثير انفعالات الطفل، ورغبته في الانتهاء من الكتاب؛ لأنه بطبعه سريع الملل، وإن لم تكن القصة محفزة لخياله ربما لا يواصل قراءتها للنهاية، تلي ذلك أهمية الصورة، والطفل شديد الذكاء في التعامل مع الصورة، لأنه يربط بينها وبين الكلمة، وقبل سن السابعة تكون الصورة أكثر تأثيرا على الطفل.
■ هل هناك سن محددة لكي نوجه الأطفال فيها إلى تجربة القراءة؟ وكيف نحدد لهم ما ينبغي أن يقرأونه وفقا لكل مرحلة؟ بمعنى ما هي المعايير التي نعتمدها لأجل ذلك؟
□ لكل مرحلة عمرية كتب تتناسب معها فهناك قصص تتناسب مع مرحلة ما قبل المدرسة، ثم الطفولة المتوسطة، والطفولة المتأخرة، لذا لابد أن يعي الآباء والمعلمون سمات كل مرحلة، والكتاب الذي يتناسب مع المرحلة العمرية، من ناحيتنا فإن ورش الحكى تساهم في توصيل القصة لأولادنا، إذا لم يكونوا قادرين على القراءة أحيانا بشكل سليم، كما علينا أن نبدأ توجيه أطفالنا للقراءة منذ المهد وإن كنت أحب التعامل مع الطفل بالحكى قبل ولادته أيضا من خلال صوت الأم، وهي تحكي له، فمن الخطأ أن نستخف بذكاء أطفالنا.
■ كيف تقيمين دور المؤسسات الأكاديمية مثل الجامعات، في مسألة دعم الدراسات المتعلقة بالأدب الموجه للأطفال؟
□ إلى وقت قريب كانت المؤسسات الأكاديمية تقتصر على تأهيل المعلم تربويا لمرحلة التعليم في رياض الأطفال، ثم التعليم الأساسي، لاسيما بعض التدريبات التي ربما تنتفي علاقتها بالواقع المدرسي حسب الإمكانات، لكن مؤخرا تحقق الحلم، وتم افتتاح المعهد العالي لفنون الطفل في أكاديمية الفنون في القاهرة، والذي يأخذ على عاتقه تأهيل كل من لديه القدرة على تقديم فنون الطفل، مثل الكتابة الإبداعية والإخراج والمسرح والعرائس والموسيقى، وأظن سيحدث طفرة كبيرة في بنيان العمل الإبداعي للطفل.
■ دائما ما نسمع أدباءنا يؤكدون على أن الكتابة للطفل من أصعب الفنون السردية. السؤال هنا: أين تكمن هذه الصعوبة؟ وهل الصعوبة كانت سببا في عزوف الأدباء عن الكتابة للطفل أم هناك أسباب أخرى؟
□ الصعوبة في الكتاب للطفل تنبع من صعوبة احتواء الفئة العمرية التي نخاطبها، في محاولة للوصول إلى عقلها وروحها في آن، الطفل لا يقبل التلقين ويعزف عن استقبال المعلومات بهذه الطريقة، والإبداع يعني أولا بالقيم التي نسعى لغرسها في أطفالنا، وهنا لا تكفي المعرفة النظرية بأصول التربية، وبعلم نفس الطفل، وبمراحل وعيه الجمالي، وبإشكالات نوعية لفئات من الأطفال إذا لم يترافق مع هذه المعارف خبرات التعاطي «الميداني» المباشر مع الطفل، لذا فالأمر ليس هينا على أي كاتب يكتب للطفل.
■ كيف نحترم عقلية الطفل عندما نكتب له؟
□ أن يعي الكاتب في تقديمه عملا إبداعيا للطفل خطورة المرحلة التي يكتب لها، أن لا تخلو الكتابة من الاعتبارات التربوية أو تتناقض معها، أن يحافظ على شقاوة الطفل وشغفه، أن لا يستخف بذكاء الطفل، كما أن عليه اختيار مواضيع مناسبة للمرحلة العمرية التي يخاطبها.
■ ما أهمية الاستعانة بالتراث في عملية الكتابة للطفل؟
□ الاستعانة بالتراث تعني التمسك بالقيم النبيلة التي تعلمناها في الماضي، والتعلم من الأخطاء، وقراءة تاريخنا الذي يجب أن لا ننساه ونحن نؤسس لحاضرنا، فلابد من العمل على ذلك فقط بوعي ودراية كبيرين، ومن ناحيتي تحملت هذه المسؤولية وبدأت في كتابة أعمال للأطفال مستلهمة من التراث القديم، وأتمنى من كتّاب الطفل في كل بلد عربي أن ينقبوا في تراثنا، وأن يستلهموا منه ما يتناسب مع الطفرة المعلوماتية التي نحياها، فبالإمكان أن نعلم أطفالنا عدم الانفصال عن ماضينا، وبناء حاضر أجمل.
السيرة الذاتية للكاتبة عفت بركات حافلة بالاعمال، ولكننا سنشير إلى جوانب منها وبايجاز، فقد بدأت بالكتابة للكبار، فأصدرت أول مجموعة شعرية لها عام 1998 بعنوان «نقش في ذاكرتي»، تبعتها تسع مجاميع أخرى. بعدها أصدرت للأطفال سبع مجموعات توزعت ما بين الشعر والقصة، منها: «المرجانة نانا» قصص، «هند تصنع الحكايا» قصص، «ألواني» مجموعة شعرية، «حروفي» مجموعة شعرية، «ماذا أكون» مجموعة شعرية، «أين ذهبت الألوان؟» قصة، «مصور الغابة» قصة. هذا إضافة إلى بحوث ودراسات حول قصيدة النثر، ولها رصيد من النصوص المسرحية، كما شاركت كممثلة ومخرجة في عدد من العروض المسرحية ونالت عنها العديد من الجوائز.

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *