الكتابة المدورة والخط القيرواني في أعمال التونسي عامر بن جدو

يعتبر الخطاط التونسي عامر بن جدو أحد أقطاب الخط الكوفي القيرواني، إذ نحت له مسارا جماليا، وطرائق تعبيرية ضمن الأنواع الخطية العربية؛ فإذا كان الخط الكوفي القيرواني قد تم تجويده بالصورة اليابسة في العصر الوسيط، واستعمل في كتابة المصاحف والمراسلات الخاصة، وفي المعمار في منطقة الغرب الإسلامي، وشكّل سمكه طابعا خاصا دالا على حدة زواياه؛ […]

الكتابة المدورة والخط القيرواني في أعمال التونسي عامر بن جدو

[wpcc-script type=”6b3ccd05619c5baa4d3c255a-text/javascript”]

يعتبر الخطاط التونسي عامر بن جدو أحد أقطاب الخط الكوفي القيرواني، إذ نحت له مسارا جماليا، وطرائق تعبيرية ضمن الأنواع الخطية العربية؛ فإذا كان الخط الكوفي القيرواني قد تم تجويده بالصورة اليابسة في العصر الوسيط، واستعمل في كتابة المصاحف والمراسلات الخاصة، وفي المعمار في منطقة الغرب الإسلامي، وشكّل سمكه طابعا خاصا دالا على حدة زواياه؛ فإن عامر بنجدو في الوقت المعاصر قد هذّبه وجمّله ووضع له قواعد، من خلال مؤلَّف لطيف سماه: «قواعد الخط الكوفي القيرواني»، كراس تعليمي مفصل، عنى بهذا الخط ومنحه ما يستحق من بيان وتقعيد وضبط، لأن الخطاط التونسي عامر بن جدو هو خطاط ممارس وله دراية بأشكال هذا الخط وبجمالياته.
فإنه ما لبث أن عمل على تخصيصه بأسلوب قيرواني يعتمد الكتابة المدورة التي تبعث الجمال، وهو ما نلمسه في أعماله الخطية بالخط الكوفي القيرواني. إذ يدججها بمختلف الجماليات التي رافقت هذا الخط، سواء في طابعها الفني الخاص، أو طابعها النفعي والتواصلي والتداولي، وهو يكشف لا محالة عن قدر من الطرق الإبداعية لهذا الخط الذي زينت به جدران المساجد والقصور والمدارس، بسِمات الجمال المحلي، باعتماد تخصيص دقيق لشكله ولتمثلاته التي تتخذ طقوسا فنية، وتروم تلك الصيغ البديعية الجمالية والفنية الصرفة.


وبذلك فقد فتح المبدع أفقا أوسع للإبداع، من خلال أعماله الخطية التي اتسمت بالروعة والجمال والتدفقات الجمالية بصياغات فنية منبثقة من خصوصيات ومنمقات الكوفي، برؤية فنية تمتح من الأصالة العربية مقوماتها الأساسية، وتنتهل من الفن المعاصر تقنياته الجديدة، وترتشف من التجريد المعاصر بعض ملامحه على نحو من الإبهاج الخطي، فيتجلى حسه الفني في التموقع الخطي، والأطباق الحرفية المتوالفة والمترددة، وفي الحركة الممزوجة ببعض من الألوان، وفي التقاطعات والاختزالات، والوصل بين مختلف المفردات، التي تشكل العمل الخطي لديه.
واستنادا إلى العمل النقدي الفني، فإن أعماله الإبداعية تنبض بالمادة الخطية الكوفية القيروانية المنبثقة من الأصل الخطي، الذي يقارب به المنجز الخطي الجديد المدجج بالألوان، فيرتكز بذلك على مقومات العمل الفني الإبداعي، وهو ما يجعله مثقلا بالجماليات، والأيقونات الدالة على جملة من المعاني التراثية التي بصمت التاريخ في منطقة الغرب الإسلامي في عصور خلت.
يهدف عامر بن جدو من خلال ذلك التأصيل لثقافة التعبير بالخط الكوفي القيرواني، برمزية ملفوفة ببعض من التراث المنبثق من مشاهد الخط في أصوله وتكويناته الأساسية، يتصوره ويحاول إعادة تشكيله وفق خصوصيات جمالية وتقنيات معاصرة، الشيء الذي يفضي به إلى فضاء يضحى لغة خطية ذات معنى معاصر، يتقاسم فيها الفضاء بين البناءات الفراغية والمادة الخطية والطلاء اللوني، فيشكل أرضية العمل الفني، ما يجعل رصده لمجال الخط الكوفي القيرواني تطغى فيه القيمة الفنية التعبيرية التصورية، حيث يسهم في تدفق الأشكال التعبيرية لهذا الخط، فيضحى مفتوحا على تداعيات التفاعل الجدلي بين المكونات التراثية الثابتة، وعملية التوظيف الإبداعي المتحرك الذي يعتمد تدفق الأشكال واللون المعاصر والتقنيات الجديدة المعاصرة. إنه في واقع النقد الفني، انزياح إلى التجديد، وارتماء في التعبير وفق طقوس ومفردات تنهل من الخط الكوفي القيرواني كل الأسس الجمالية والفنية، فيقيمها الخطاط عامر بن جدو على أبعاد تصورية، ما يُنتج انفتاحا على عوالم جمالية في صيغ فنية متعددة. وهو ما يؤشر إلى نوع من الوعي الذي يشكل محطة مهمة في عملية ربط المجال الخطي في سياقه القديم بالمادة الخطية الفنية المعاصرة. ولعل ذلك يسهم في تشكيل نسيج من العلاقات الجدلية، والأساليب التحاورية، والأدوات التحولية، وبعض الأنماط التعبيرية، في نطاق حزمة من التداخلات بين القديم، والتصور الجديد؛ حيث يَنتج عنه أفق خطي كوفي قيرواني جديد، له مقوماته الحضارية، وأسسه الجمالية، وأبعاده الفنية التي يدخل بها صفوة الخط المعاصر في أبهى حلله.

٭ كاتب مغربي

كلمات مفتاحية

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *