الكثافة والتركيب الإيحائي في أعمال العراقي طه سبع
[wpcc-script type=”54631215a74b199a3b282b34-text/javascript”]

■ تستحوذ الأشكال المتنوعة والألوان المختلفة في منجز الفنان التشكيلي طه سبع على كل الفضاء، لتصبح المساحة لغة لونية وشكلية، فالمبدع يسد كل منافذ الفضاء، ويستحوذ على كل المساحة في بؤر تجريدية تنطق بالعديد من المفاهيم المختزلة في الخطوط المربعة والدائرية والمعينية والبيضوية، وفي الأشكال المتنوعة، وفي الأرقام والرموز والعلامات، وفي التوظيف اللوني المتنوع. فيسعى المبدع إلى صنع تناغم وتوليف وانسجام بين كل هذه المفردات والعناصر، في تركيبة جمالية غير مألوفة. تركيبة توحي بالحياة والحركة، يستهدف بها مجموعة من القيم الجمالية والفنية. وبذلك تتبدى أعماله انعكاسا تمثليا لحقائق باطنية تختزل رزمة من المعالم، فهو يصور مجموعة من الأشكال بتقنيات عالية، ويمثل أصنافا من الوجود الباطني في تمظهرات رمزية وعلاماتية بانسيابية وعفوية وتلقائية، يشكلها وفق تصوراته على نحو من الهدوء، ونوع من التروي والدقة، والرزانة والموازنة، بين المادة التشكيلية والأشكال التعبيرية، وتدفق اللون في بؤر مثقلة بالجدليات التي تنسج علاقات تحاورية بين مختلف الألوان والرموز والعلامات، تصل أحيانا حدا يتجاوز البنية المركزية للأعمال، لكنها في الآن نفسه تبسط التفاعل مع الأشكال الغامضة، وتحرر الأعمال من كل القيود. فبروز جانب كبير من التفاعل الجدلي بين المكونات التحولية، تجعل الشحنات اللونية في علاقاتها مع الخطوط المتداخلة ومختلف الأنساق الشكلية تُحدث مفارقات تعود بالمادة التشكيلية إلى حدود الصنعة الشكلية، التي تنشئ فضاء مليئا بالتحولات، مبنيا على أسس لونية تجسد المخفي في حلقات إبداعية بشكل مقرون بصرامة العلامات والرموز، التي تشكل أيقونا يفصح عن معاني ودلالات متنوعة، فهي عودة إلى البؤرة التي انبثقت منها كل المفردات التشكيلية داخل الفضاء، لكن بنوع من الحركة والدفء والمسح اللوني والشكلي الذي يتبدى وفق طبقات متتالية تجسدها الألوان والخطوط والعلامات والرموز.
إنه لجوء إلى عالم جديد بمقومات وثوابت أصيلة، تحتوي مخزونا حضاريا كبيرا. يؤثث به منحى فنيا تفاعليا يدحض البناءات الفراغية، وينسج مجالا تراكميا، متكاثف الألوان والرموز والعلامات.
وكل العناصر المشكلة للفضاء؛ لتعتبر بذلك فنا تتحقق فيه هذه الأشكال التي تتداخل فيها الأشياء المنفصلة، سواء عبر اللون أو العلامات أو الرموز، وتفترق أحيانا، لكن خبرة المبدع طه سبع تجعله يحقق بأسلوب جمالي الوصل في ما بينها، حين يحيل إلى إشارات غامضة، وبذلك فهو يقارب بينها أحيانا ويفارق حينا آخر، لنسج سياقات تشكيلية تتسم بوجود وشائج قائمة بين المادة التشكيلية والمضامين المحجبة في عمق الأشكال والسياقات التشكيلية. فالكثافة اللونية والرمزية تخفي في طياتها خطابات، كما أن التوظيف المتقن للألوان تتستر من خلاله مضامين متنوعة وراء حجب الكثافة. وهي في عمقها تروم كل التأويلات والقراءات الممكنة.
فما ورائيات كل ذلك، تتبدى في أسمال متنوعة منزوية في خانات شكلية، تبرز تدريجيا مع اللون أولا، ثم الرموز والعلامات والأشكال المتنوعة. إنه توظيف إبداعي نوعي، يعتمد تدفق اللون المعاصر وتكثيفه بعناية، وينتهي إلى بؤر مدججة بالرمزية والتعقيد وفق تسخير فضائي يلامس المادة التراثية في محاورة طليقة تتمثل الكل في عملية البناء. وللوجود العلائقي دور رئيس في صنع مساحة من الانسجام بين مختلف العناصر تحيل إلى مجال الكشف عن الحجب التي تطال معظم الفضاء، واستجلاء بعض من المستور، المضمر في الصبائغ الفنية، والطلاء العلاماتي والخطوط الرمزية التي تشكل أفقا تعبيريا يضمر العديد من المعاني والدلالات بأبعاد قيمية وجمالية وفلسفية.
واستنادا إلى كل ذلك، فإن هذا الأسلوب يبسط طرائق متعددة، لصنع مساحة إبداعية جديرة بالقراءة والدراسة، لاحتوائها خزانا من الرموز والعلامات والأشكال والألوان، ولاحتوائها كذلك مجموعة من العلاقات الجدلية، والأساليب التحاورية، والأدوات التحولية، القائمة على أبعاد رؤيوية، يسعى من خلالها المبدع إلى اكتمال البعد الجمالي في صيغته النهائية، علما منه أن إشكالية السر والغموض يدعمان المجال التعبيري المعاصر، وإن كانا يطرحان حواجز أمام المتلقي العادي. فهو أسلوب ينم عن وعي المبدع، وعن رؤاه الفلسفية وتصوراته التشكيلية المتناسقة التي يؤكدها أسلوبه التجريدي بكل محتوياته المتجددة، الذي يعكس بشكل جلي ثقافته التشكيلية الخصبة، وموسوعيته وقدرته في التنظير الفني، وهو ما خول له الارتقاء بهذا الفن إلى أسمى الغايات والابتكار والتجديد في العملية الإبداعية.
إنه لجوء إلى عالم جديد بمقومات وثوابت أصيلة، تحتوي مخزونا حضاريا كبيرا. يؤثث به منحى فنيا تفاعليا يدحض البناءات الفراغية، وينسج مجالا تراكميا، متكاثف الألوان والرموز والعلامات، باختيار منظم، يعتمــــد غايات فنـــية مستمرة في الزمن، وهي سمة تلوح أنوارهـــــا في إبداعاته الرائدة المتجـــــــددة، ليثبت حضوره القوي فـــي الساحة التشكيلية العالمية المعاصرة.
٭ كاتب مغربي