اللحظة الفارقة بين الحياة والموت في لوحات السوري كميران خليل

برلين: لا ينطلق التشكيلي السوري «كميران خليل» ــ مواليد مدينة عفرين 1986 ــ في مشروعه الإبداعي فقط من قاعدة أكاديمية ومعرفية، سيما وأنه درس في كلية الفنون الجميلة بجامعتي دمشق وبرلين، لكنه يحاول دوماً اكتشاف العالم، بل اختصاره ضمن مساحة اللوحة، معالجاً بمروياته اللونية القضايا الكبرى ويقترب في بعضها من الأجواء الأسطورية والخرافية، حيث يعتبر […]

اللحظة الفارقة بين الحياة والموت في لوحات السوري كميران خليل

[wpcc-script type=”bf4eaef34841a6e18ac967e5-text/javascript”]

برلين: لا ينطلق التشكيلي السوري «كميران خليل» ــ مواليد مدينة عفرين 1986 ــ في مشروعه الإبداعي فقط من قاعدة أكاديمية ومعرفية، سيما وأنه درس في كلية الفنون الجميلة بجامعتي دمشق وبرلين، لكنه يحاول دوماً اكتشاف العالم، بل اختصاره ضمن مساحة اللوحة، معالجاً بمروياته اللونية القضايا الكبرى ويقترب في بعضها من الأجواء الأسطورية والخرافية، حيث يعتبر أن الهدف من اللوحة ليست مهارة التفاصيل ولا تناسق الالوان أو تدرجاتها ولا تداخلها وتمازجها، إنما في بعدها اللامرئي. أقام كميران ثلاثة معارض فنية في دمشق، بيروت، وبرلين. والعديد من المعارض المشتركة في عواصم عربية وغربية.

الغرابة والبعد الفلسفي

لا معنى للفن بدون اكتشاف، لذا يجتهد كميران على إيقاعات إنسانية تمتلك مساحة غرابة شاسعة وقد تكون مربكة للبعض. تنوس ما بين عتبة الموت والحياة من منطلق فلسفي، معتبراً هذه العتبة تحتوي في طياتها الزمنية الكثير من التساؤلات التي تستحق الاشتغال عليها. لهذا نجده يمضي خلف كم من القلق الممزوج بالحزن في معظم لوحاته، وفق تصوره الواقع اللامرئي أبعد مما نتصور. وهو ما يولد حالة تأمل وتفكير مستمرين أشبه بواقع جديد بين الوعي والوهم. من ناحية أخرى لا يسعى الفنان في لوحاته إلى إغواء المتلقي، رغم ان أعماله تحيلنا في جانب منها إلى براعة الفنانين الأوروبيين الكلاسيكيين أحيانا تقودنا تفصيلاته الدقيقة إلى مهارة نحاتي أثينا، لكن كل هذا يأتي في سياق فلسفته التشكيلية عبر توظيف هذه البراعة لخدمة الفكرة أو المشروع الذي يجتهد فيه، وليس العكس.

الصدمة

يذكر كميران قائلاً .. عندما عرضت أعمالي للمرة الأولى في صالة الارت هاوس بدمشق قبل ثمانــــية أعـــــوام شعرت لأول مرة بنشوة أن الهدف الذي أنشده قد تحقق منه شيء، وجـــــدت الصــــدمة تنساب على وجوه زوار المعرض، ليس انبهاراً بمعناه الجمالي وانما على العكس تماما، كان انكساراً حاداً لملامح شخصياتي التي انطبعت على مرآة وجوههم، يومها لم أكن أفكر سوى بأنني استطعت ان انقل لهم حالة القسوة التي تكابدها شخصياتي وهي تعبر القوس الذي يفصل ما بين الموت والحياة.

في برلين لم يختلف لدى كميران الكثير سوى أن شخصياته التي مرت بتجربة الحرب السورية زادت من تعلقها بهذه اللحظة الفاصلة، الفارقة بين برزخين لا يمكن التقاط تفاصيلها إلا بعد جهد مضن من الترقب والصمت.

لم تكن المهمة سهلة، ساعدني في ذلك اشتقاقات الاصفر بعد تجارب طويلة، واعتبر أن جزء من مهمتي كانت في اكتشاف هذا اللون الذي خلد تلك البرهة ما بين عالمين.
في معرضه الاخير المعنون بـ «مع الاوهام»، والذي أقيم بصالة «غاليري لورانس ببرلين» نجد جسد امرأة ذات اطراف مقطوعة، مع ساق للأمام واخرى للخلف. العيون مسبلة تراوح ما بين الوعي واللاوعي، الحياة معلقة ما بين خطوتين، حتى الكفن. بلونه الأبيض المائل للصفرة موجود بقيمة بصرية عالية، الموت في لوحات كميران ليس كما نتصوره بهذه البشاعة.
إنما أقرب الى حالة تحنيط كما لدى الفراعنة. في برلين لم يختلف لدى كميران الكثير سوى أن شخصياته التي مرت بتجربة الحرب السورية زادت من تعلقها بهذه اللحظة الفاصلة، الفارقة بين برزخين لا يمكن التقاط تفاصيلها إلا بعد جهد مضن من الترقب والصمت.
لحظة حاسمة، لا تتكرر في حيواتنا سوى مرة واحدة، بمهارة يحنط كميران وجوه شخصياته بحيث لا يمكنهم الخروج منها. او العبور بينهما، وتلك هي إحدى طلاسم مشروع «كميران خليل « كما لو انه يزيح التجارب والطروحات السيكولوجية والبيولوجية جانبا ليفسر لنا الحياة والموت بطريقة اخرى. أكثر دقة، لدرجة اننا نرى الاحلام والذكريات تطفح وتتدفق من محاجر العيون والتي تكاد تغمض الى الأزل.
«الوهم» حسب الفنان .. حالة غريبة من لحظات التداعي مع الفناء تعشـــعش في دواخلنا، وبجرأة أكثر ربما هو هروب من حالة الواقع بوعي. ليس ضعفا كما يمكن ان يفسر مثلا، إنما تعيش الحــــالة «الوهـــم» لخلق نوع من التوازن.
وعن اللون يقول .. الألوان الزيتية تمتلك طاقـــة عالية وحيوية كبيرة الزيتي يشعرك ان لديه روح يعيش بالقرب منك. لدي انطباع لا أستطيع التخلي عنه حول علاقة الزيتي مع النبات والشجر، والزيتون تحديداً.
عادة أجسد الفكرة بالفحم «كروكي» ثم اقوم بسلسلة تجارب لونية. كل لوحة بالنسبة لي تجربة جديدة في البحث عن ابعاد جديدة للألوان.
في النهاية ما أن تقف أمام أعمال خليل حتى تصاب بالدهشة والذهول أمام لوحات لشاب يخط طريقه في عوالم الفن بثقة معرفية وضمن صياغة تشكيلية لافتة.

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *