اللوحة التشكيلية… لغة الخطاب البصري وسؤال التواصل
[wpcc-script type=”91d97e55dc483efef7174f17-text/javascript”]

اللوحة التشكيلية إطار يحمل صياغة الفنان لأشياء يتصورها وهو يقوم بتركيبها تركيبا فنيا يمنحها ملمحا جماليا ودلاليا يستدعي التأمل والتساؤل. ولأن الفنان فرد ينتمي إلى مجتمع، فإنه يباشر الاشتغال على عمله الإبداعي محملا بأفكار ورؤى خاصة يحاول أن يتقاسمها مع غيره. ومن هذا المنطلق، تصير اللوحة وسيطا يحمل خطابا معينا بتقنيات وبصيغ تقتضيها الفنون التشكيلية، مقارنة بفنون أخرى أدبية وموسيقية وغيرها. ذلك مهما تعلق الأمر باختلاف المدارس والتيارات الفنية المتباينة، من الواقعية وحتى فنون الوسائط المتعددة التي أنتجتها تيارات ما بعد الحداثة، فاللوحة التشكيلية من شأنها أن تنشئ تواصلا بينها وبين المتلقي، وهنا تأتي أهميتها من حيث اعتبارها خطابا من الخطابات التي تتكتل بتنوعاتها من أجل الجمال ومن أجل التعبير والتغيير.
التلقي الجمالي
فاللوحة التشكيلية تحمل بين مفرداتها وألوانها وظلالها رسائل في قالب جمالي، رسائل تحمل جانبا من قدرات الإنسان على التعبير المغاير للمعتاد بشكل مغاير، يحمل عمقا وتصورا يبعث على التفكير وطرح الأسئلة مع استحضار التأويلات المرتبطة بخلفيات وسيناريوهات شخصية، وهنا تتواصل اللوحة وفق هذه السيناريوهات والخلفيات مع كل شخص وفق نظرته المرتبطة بتاريخ نشأته ومواجهته للحياة بأعبائها ومشاغلها وجوانبها المتجددة.
سؤال التواصل
وككل الفنون يظل التشكيل فنا ينبغي أن يُعتنى به، باعتباره وسيلة من وسائل التواصل من أجل التغيير نحو الأفضل، علما أن الاهتمام بالفن اهتمام بجانب إنساني فعال له علاقة باكتشاف الجديد واكتشاف البدائل الممكنة للتعبير والتواصل. اللوحة التشكيلية سند فني جميل حين تحمل روعة الطبيعة وجمال الحياة وأهمية الأمن والسلام والحب. اللوحة بهذا لها إمكانية تجديد علاقتنا بالحياة حين تخول لنا النظر إليها من جوانب غير معتادة، وبذلك تحارب الرتابة بوجه من الوجوه. ومازال كثير من الدول لا يعير اهتماما للتربية بصفة عامة والتربية التشكيلية بصفة خاصة، والحال أن التربية الفنية هي التي يمكن أن تعمل على توازن الشخصية، بشكل يجعلها تتواصل بإيجابية مع المحيط. الفنون تمتص الطاقة الزائدة عند الأطفال والمراهقين، فيصرفونها في إبداعات تجعلهم يستمتعون ويحققون ذواتهم عبرها. ولا غرو في أن أطفال وشباب اليوم محظوظون لتواجدهم في عالم زاخر بوسائط إعلانية كثيرة تزودهم بزاد معرفي وعلمي يعينهم على تذوق الفنون، إلا أن القائمين على القطاع التربوي لن يستغلوا بعد هذه الوسائل لبلوغ هذا الهدف. فأغلب وسائل إعلامنا تهتم بالمضون الاستهلاكي أكثر من اهتمامها بكيفية إنجازه وآلية قراءته وتذوقه.
لغة يجب تعلمها
فاللوحة التشكيلية تحمل لغة عالمية غير قاصرة على موطن محدد، فهي تهبك مدلولها بشكل يمس الأرواح والنفوس لدى كل الناس. فلغتها مفتوحة، تتلون وفق طبيعة المشاهد وما يحمله من خلفيات وأفكار. فاستيعاب فحوى اللوحات أمر ينبغي تعلمه والتدرب عليه، كما نتدرب على قراءة الفنون الشعرية والسردية والموسيقية والدرامية، فما لم تخصص البرامج الدراسية جانبا للفنون، وما لم تخصص القنوات التلفزية برامج تفيد في هذا المضمار، وما لم تتبلور طريقة إقامة المعارض والمهرجانات التي تخلو من ندوات تطعم تواصلنا مع المعروض من اللوحات المختلفة المشارب، فإن اللوحة ستظل جسما غريبا ونافلة لا موقع لها بين أكثر المشاهدين لها. وكثيرا ما يحرج الفنان سؤال البعض عما يعنيه بلوحته، فهو سؤال ينبغي عدم طرحه مادام هذا الفنان اتخذ التشكيل وسيلة للتعبير عن رؤاه ومشاعره. فاللوحة مرآة لنا وللفنان، فقد يرى فيها ما لا نراه والعكس صحيح، وتباين قراءاتنا تباين يعكس تباين خبراتنا وتجاربنا واحتكاكنا بالواقع.
٭ كاتب وتشكيلي مغربي