د. جواد الهنداوي
لا يمكن لحدثٍ سياسي أنْ يُنجزْ في العراق ،مالمْ تتدخل في صيرورته ارادة خيانة او عمالة عراقية ،او /و ارادة تآمر عربية او اقليمية او دولية. فكيف والامر يخصُ انتخابات تشريعية، وتجري في العراق !
للأسف، اعتادَ العراق، دولةً وشعباً، على تدخلات غليظة (ارهابية وعسكريّة)، وأخرى ناعمة، تستهدف أمن ومصالح الشعب وتنال من كرامة وهيبة الدولة. ولكن ما هو ابعدُ واعمقُ من الاسف، ألمُ وحسرةُ الشعور بالعجز او بالخيبة حين تمّرُ هذه التدخلات واثارها التخريبية دون عقاب فاعليها او متابعتهم او حتى ملامتهم او مطالبتهم بتعويض، دولاً كانوا او اشخاص.
كم تضرّرَ العراق مالاً وأرواحاً ومُستقبلاً بسنوات الحرب الإرهابية، التي عاناها، ولا يزال، لقرابة عقديّن من الزمن؟ هل حاسبَ او عاتبَ او فكّرَ بمقاضاة اولئك الذين ساهموا ومدوا بالمال والسلاح الارهابيين، ودعموهم بالصوت و بالصورة و بأعترافهم ؟
اعتادوا المتآمرين و الخونة و العملاء على تكرار اعتداءاتهم بحق العراق، لانهم سلموا من العقاب ، وطمعوا في السماح بسبب فوضى الفساد و فوضى الديمقراطية.
أصبحت الديمقراطية ووسائلها في منطقتنا وسيلة صهيونية وامبريالية لتدمير الدول واستعباد الشعوب ومصادرة حقوقها ؛ خُذْ ،على سبيل المثال، ما حَلَّ في سوريا وبحجّة وبأسم الديمقراطية ،ومن أجلها. و امامنا اليوم حال الانتخابات التي جرت في ٢٠٢١/١٠/١٠ في العراق! كيف تمَّ التلاعب، ومن خلال هذه الوسيلة الديمقراطية ، بارادة الشعب و باصواتهم. لا حاجة لاعداء العراق وعملائهم، ان يستعينوا بالطائرة او بالدبابة لتقرير نظام الحكم او الحاكم في العراق ،يستطيعون ذلك من خلال الوسائل الديمقراطية، ومنها التلاعب في نتائج الانتخابات وشراء الذمم ونشر الفساد وترسيخ الجهل.
كثرٌ هم المتهمون والمتضررون، وكثيرة هي الدلالات من التلاعب والكذب و الاخطاء المقصودة وغير المقصودة في نتائج الانتخابات.
نجهلُ هويّة المتلاعب ،وبغياب المعلومات الموثوقة ،نستعين بالمنطق والتحليل لتوجيه اصابع الاتهام الى هذه الجهة او تلك، وفقاً لقاعدة “معرفة مرتكب الجريمة من خلال معرفة المستفيد من الجريمة”.
المستفيد الاساسي من جريمة التلاعب والكذب والتدليس في نتائج الانتخابات ليس الرابح بأعلى نسبة اصوات، وانما اسرائيل وعملائها ومَنْ يعمل لمصلحتها.
ديدن اسرائيل ورُعاتها (امريكا و العملاء) هو بث الفتنة والتفرقة بين ابناء الشعب العراقي بمختلف مذاهبهم ودياناتهم وقومياتهم، واشغالهم اطول وقت ممكن في مسارات النفاق والتخريب بدلا من مسارات الوحدة والتآلف والبناء .
ما يُشغِلْ بالَ امريكا واسرائيل وعملائهم هو أن لا يصبح العراق دولة قويّة ومُستقلة القرار، ومن بين مظاهر قوّة العراق هو الحشد الشعبي، لاسباب عدّة، في مقدمتها تحرّره من الاملاءات والقيود الامريكية المفروضة على العراق .لم تفلح اسرائيل و عملائها وحلفائها ودواعشها من النيّل من الحشد الشعبي، بواسطة الارهاب والغارات الجوّية فألتجوأ الى توظيف الوسائل الديمقراطي، كتغيير نتائج الانتخابات وسرقة او اهمال الاصوات المؤيدة للاحزاب السياسيّة الداعمة والحاضنة للحشد الشعبي.
فبدلاً من دعم الوسائل الديمقراطية وترسيخ ممارساتها الصحيحة ، لجأوا الى تشويهها ،من اجل اهداف سياسيّة . والمتهمون ،منهم من خطط للأمر ،ومنهم من نفّذَ بدراية وبسبق اصرار او بخطأ غير مقصود وبأهمال .
يحسبون تغيير نتائج الانتخابات كخطوة اولى ،تتبعها خطوات ،في طريق الهدف المنشود وهو حّلْ الحشد وجعل العراق ساحة مُستضعفة وممراً للمشاريع الصهيونية ، وخاصة بعدما فشلوا في سوريا وعجزوا في لبنان ؛ في سوريا وقفَ ويقف لصّدْ المشاريع الصهيونية سوريا الدولة بكل مقوماتها وايران و روسيا ، وصمدَ ويصمدْ في لبنان حزب الله ؛ ويحول دون تمرير المشاريع الصهيونية في العراق كقوة عسكرية الحشد الشعبي .
ماهي الدلالات من التلاعب في نتائج الانتخابات؟
لم يكْ العراق البلد الاول و الاخير ضحيّة التلاعب في نتائج الانتخابات . استعير هنا ما كتبه البروفسور دوف ليفين ،استاذ العلاقات الدولية في جامعة كارنيجي ميلين الامريكية ،في كتابه بعنوان “التلاعب في صندوق الاقتراع ” Meddiling In the Ballot Box : ” بين عام ١٩٤٥- ٢٠٠٠ ،شهد العالم ١١٧ انتخابات ،تدخلت امريكا في ٧٠ بالمائة في نتائج هذه الانتخابات بتحريفها ،وتدخلت روسيا فيما تبقى، تغيير نتائج الانتخابات استهدف حتى الدول المهمة كالهند والبرازيل والمانيا”.
اذاً، الهدف من التلاعب في نتائج الانتخابات، هو التحكم او التأثير في سيناريوهات تشكيل الحكومة والسلطات الدستورية الاخرى، بالشكل الذي يضمن مصالح أرادات اخرى كارادة الشعب العراقي. هنا تصبح الانتخابات ،كوسيلة ديمقراطية، اداة ليس في خدمة ومصلحة العراق دولةً وشعباً، وانما في خدمة الارادات الاخرى!
تحرصُ هذه الارادات على الحيلولة دون مجئ سلطات تشريعية وتنفيذية تحكمُ وفق الاغلبية، وقادرة على اتخاذ قرارات استراتيجية سياسياً و اقتصادياً ،تخالف مصالحها ، وتراها خطراً على مصلحة اسرائيل وهيمنتها .
تراهن هذه الارادات (اسرائيل و امريكا و عملائهم) على القوة الناعمة و ادوداتها وعلى الوقت من اجل احداث التغيير المطلوب وتحقيق الاهداف المرسومة ؛ ومن ادوات القوة الناعمة ليس الحرب، وانما الوسائل الديمقراطية كالتظاهرات، كما عشناها في لبنان وفي العراق، والتلاعب في صناديق الاقتراع، كما نشهدها اليوم، وكذلك الفوضى والفساد، لأنهم يستطيعون توظيف ملفات الفساد للأبتزاز والتهديد حين تأتي الفرصة المناسبة.
كاتب عراقي وسفير سابق
Source: Raialyoum.com