لا يخطر ببال كثير من الشباب المراهقين أو حتى الكبار المدمنين لأول وهلة عند أول مغامرة مع المخدرات ـ ولو كان هذا على سبيل الاستكشاف أو حب الاستطلاع ـ أنهم غرسوا أول مسمار في نعش حياتهم الهانئة وسعادتهم الدنيوية، وأنهم فتحوا على أنفسهم باب الوقوع في تعاطي المخدرات والوقوع في براثن إدمانها وأنهم قد أخذوا أول خطوة في طريق الضياع.
ونحن هنا لا نتكلم عن نوع معين من المخدرات، وإنما نتكلم عن هذا الغول القاتل بكل أنواعه، سواء الطبيعية: كالحشيش والأفيون والكوكا والقات، أو التصنيعية: كالهيرويين والمورفين والكوكايين. أو التخليقية الكيميائية: والتي تؤخذ على هيئة حبوب أو حقن أو مساحيق أو أشربة مثل: الكبتاجون والارتين وأشباهها. فكل هذا في النهاية – إذا وقع صاحبها في الإدمان – نتيجته متقاربة ـ إن لم تكن متطابقة ـ وهي الضياع.
فإذا خطا الشاب أو المدمن أول خطوة في هذا الطريق فقد كتب قصة نهايته بنفسه إن لم يتداركه الله برحمته؛ ذلك أن للمخدرات آثارا سلبية مهلكة صحيا واجتماعيا وأسريا وماديا وعمليا أو اقتصاديا:
الأثر النفسي:
وهو أول الآثار وما بعده تابع له، فقد أوضحت الدراسات أن تعاطي المخدرات يقلل من التركيز الدائم وحضور الذاكرة، كما أنه يؤدي إلى خلل في الإدراك الحسي العام وإدراك الزمن، وهو ما يسمى بعدم المبالاة بالوقت أو الذوق العام أو حتى بالنفس والمظهر، وفي النهاية بكل من حوله.
ومن أول آثار الإدمان التي تظهر على المدمن هو الانطوائية وحب العزلة والبعد عن الناس، ثم ينتهي الأمر إلى عدم المبالاة التامة بالواجبات المناطة بالإنسان وعدم الاهتمام بمسؤولياته .
فإذا كان المدمن طالبا، فإن إدمان المخدرات معناه بالنسبة له فشل في التركيز، فشل في التحصيل، فشل في الاستيعاب والدراسة، رسوب في الاختبارات.. وفي النهاية فشل دراسي ذريع ينتهي به إلى ترك مقاعد الدراسة أو الخروج من الجامعة؛ فيفقد بذلك الشهادة والمؤهل العلمي المنتظر، والذي هو مفتاح لتحصيل عمل محترم أو وظيفة مرموقة. فيضيع مستقبله وتنقطع أحلامه في العيش عيشة كريمة من دخل حلال محترم.
الإدمان وضياع الأسرة
كما أثبتت الدراسات أيضا أن الإدمان يصيب المدمن بالتوتر النفسي والقلق المستمر، والشعور بعدم الاستقرار وتقلب المزاج، والعصبية الزائدة والحساسية الشديدة مما يؤثر على علاقاته بكل من حوله.
أول من يظهر التأثير عليهم ـ بعد المدمن نفسه ـ يظهر على أسرته، أولا تغير في المعاملة، زيادة العصبية وعدم التحمل لتصرف أي فرد فيها، ثم إهمال المسؤوليات التربوية ثم المادية ثم المعنوية، مما يؤثر سلبا على الزوجة وعلى الأولاد، ويعود عليهم بالضرر في دراستهم وفي معيشتهم وفي معنوياتهم، ويزداد الأمر سوءا إذا عرف أن الأب مدمن فتكون حالة الإحباط المعنوي والازدراء الاجتماعي. وفي غالب الأحيان تتشتت الأسرة نتيجة للتقاطع النفسي ثم للإخفاق المادي، مما يؤدي إلى انهيار الأسرة وضياع الزوجة والأولاد.
الضياع المادي
والانهيار المادي للمدمن في معظم الحالات يأتي نتيجة طبيعية لأن الإدمان يؤدي إلى قلة التركيز وتعريض المهارات العقلية الذهنية والميكانيكية للضياع؛ مما يضعف أداء العامل ويقلل من الإنتاج، وبالتالي فقدانه لعمله، كما يحدث في كثير من الحالات. ثم إن فرصته وهو بهذه الحال تتضاءل في الحصول على عمل أو أن يقبله أحد فيؤول الأمر في النهاية إلى البطالة.
ومعنى البطالة هو أنه لن يجد سبيلا لتوفير الجرعة المطلوبة، وهو لا يستطيع أن يستغني عنها بعد أن وقع في أسرها وتحت براثنها، وهذه بدورها تأتي على الأخضر واليابس فينفق فيها أولا مدخراته، ثم يبيع ممتلكاته، ثم يميل على أموال زوجته، ثم يبيع أثاث بيته.
وهذا باختصار هو الضياع المادي والمالي للمدمن وأسرته، وكم حول الإدمان أسرا كانت غنية ميسورة إلى أسر فقيرة الحال معدمة، بل ربما آل الآمر إلى التسول من الآخرين وسؤال الناس، أو حتى مد اليد وأخذ الصدقات ليتمكن أفراد الأسرة فقط من توفير المأكل والمشرب والحاجات الضرورية.
الضياع الاجتماعي
من الناحية الاجتماعية يفقد المدمن مكانته بين الناس وفي أنفسهم، وتتغير نظرة المجتمع له ولأهل بيته، فنظرة التحقير والانتقاص ومعها نظرات عدم الاحترام، وإن أحسن الناس الظن فنظرات الرثاء والإشفاق، وكثيرا ما ينقل الإدمان أصحابه من المكانة المرموقة والعيش في مناطق وأحياء راقية إلى الانتقال للعيش في أحياء متدنية لأن المخدرات أكلت كل الأموال ولم يعد الحال يسمح بتوفير متطلبات المعيشة الراقية.
المخدرات والجريمة
وليت الأمر يتوقف عند ذلك ففي كثير من حالات الإدمان التي درست اضطر العديد من هؤلاء إلى الميل إلى السرقة أو بيع النفس لتأمين ثمن الجرعات مما أدى بكثير منهم في النهاية إلى البقاء خلف أسوار السجون.
ثم إن الحالة الذهنية والعقلية والعصبية أيضا نتيجة التعاطي وذهول العقل أو ذهابه تتسبب في كثير من جرائم القتل.
والخلاصة
أن المخدرات فوق أنها تفتك بالجسم، فهي تفتك أيضاً بالمال، مال الفرد ومال الأمة، فهي تخرب البيوت العامرة، وتيتم الأطفال، وتجعلهم يعيشون عيشة الفقر والشقاء والحرمان.
فالمخدرات تذهب بأموال شاربيها سفها بغير علم إلى خزائن الذئاب من تجار السوء والعصابات العالمية.
والفرد الذي يقبل على المخدر يضطر إلى استقطاع جانب كبير من دخله لشراء المخدر، وعليه تسوء أحواله المالية ويفقد الفرد ماله الذي وهبه الله إياه، في تعاطي المخدر وفي التبذير من أجل الحصول عليه ويصبح بذلك من إخوان الشياطين. ويفقد المجتمع فردا من أفراده بعد أن يكون الفرد نفسه قد خسر نفسه.
فاللهم احفظنا واحفظ أبناءنا والمسلمين من كل شر يارب العالمين.