المسرحي العراقي بيات مرعي: أبحثُ دائِماً عن شيفراتٍ تُسحرُ المُتلقي
[wpcc-script type=”5895d8fbe34317747e9075bf-text/javascript”]
العراق ـ «القدس العربي» : تواجه محترفو المسرح العربي تحديات واضحة تضع هذا الفن أمام مأزق تشير علاماته إلى انحسار دوره وفاعليته في الحياة الثقافية، ومع ذلك مايزال هنالك من يحمل في داخله من الأسباب الكافية التي تدفعه إلى أن يبقي المسرح رهانه الجمالي في مواجهة ما يطرح من أسئلة تتعلق بوجوده في هذه الحياة نظرا لما يتفرد به من تقنيات خاصة تمنحه علاقة مباشرة وحميمية مع المتلقي، بالتالي تضعه في مكانة متميزة عن بقية الفنون الأخرى، رغم ما تمتلكه من تقنيات ووسائط حديثة، والفنان المسرحي بيات مرعي واحد من أولئك الذين يجدون في المسرح منصة للانفتاح على تجارب جمالية وإنسانية بأساليب وأدوات تسعى دائما إلى كسر التوقع داخل التجربة ذاتها، وكذلك لدى المتلقي، ومن هنا كان مفتاح حوارنا معه.
في كل عمل مهما كان شكله أو مضمونه يبقى الإنسان قضيتي التي ابحث عنها
■ أنت تكتب نصوصا مسرحية وتمارس عملية الإخراج منذ أكثر من ربع قرن، ما الذي تسعى إليه فنيا، هل هناك مشروع محدد؟ أم أنك في كل عمل لديك افتراضات خاصة بالتجربة ذاتها؟
□ قبل كل شيء المسرح متعتي ورسالتي، كتابةً وعرضاً، فالكتابة عالم ساحر لا تنفك رموز وأسرار ذلك العالم الذي أحلق فيه إلا عندما تتحول تلك الأفكار التي دونتها إلى عرض مسرحي، إنها رحلة إلى معبد تصوفي وخلوتي التي أستطيع من خلالها الغور في كل ما أتخيله وأحلم به. لذا أشعر هناك بأنني أجالس قريني، أحدثه ويحدثني عن ذلك المشروع الذي رسمته في خيالي ومخيلتي، والذي أبحث فيه ،عن هموم الإنسان ومظلوميته، أين ما كان في هذا العالم، عن الحلول التي لا أستطيع إيجادها في العالم الواقعي، عن افتراضات وبديهيات وبدائل لهذا العالم المشتبك بشتى ألوان الهموم والاضطرابات، لذا أجد في كل عمل مهما كان شكله أو مضمونه يبقى الإنسان قضيتي التي ابحث عنها.علما أن لكل تجربة رؤيتها وخصوصيتها، لكنها تبقى على خط قاسمها المشترك مع التجربة التي سبقتها، ألا وهي الإنسان وتحرره.
■ العناصر الفنية والتقنية التي ينهض عليها العرض المسرحي متنوعة، على أي العناصر تراهن، الممثل أم النص أم الشكل الفني؟
□ سؤال مهم جداً، أنا إنسان أنتمي لهذا العصر، لكنني أتطلع إلى أن أكون في مكان آخر، ربما لم يتكون بعد، شكلا ومضمونا. لذا أجد صعوبة بالغة في البحث عن عتبة لأقف عليها شرط أن تكون عتبة لم يقف عليها أحد من قبل في ذلك المكان الآخر، وهذا ما يجعلني دائما في حالة بحث عن تلك اللعبة، لا أخفي سراً وهذا رأيي الخاص، أن الممثل في أعمالي ليس امتيازا مطلقاً، والظل عندي لا يقل شأنا عن أصله، وكذلك النص ليس إلا منصة انطلاق إلى بحر هائج، أما الشكل فهنا العقدة التي أحاول تفكيكها للبحث في متنها عن الدهشة والصدمة والانبهار.
■ المسرح ظاهرة ثقافية، ويأتي ضمن أدوات التواصل والتراسل الإنساني، إلى أي مدى يمكن الحديث عن هذا الحضور في البيئة العراقية؟
□ مازال المسرح العراقي من حيث كونه ظاهرة ثقافية بحاجة إلى طور آخر من التطوّر، إلى قفزة نوعية أخرى، قبل أن يتخذ مكانة خاصة له بين مسارح الأمم المتقدمة، إن المسارح التي تتبوأ مكانة خاصة بين مسارح الأمم الأخرى، هي مسارح ذات ملامح وسمات وتقاليد خاصة بها. على المسرحي عندنا أن يناضل بلا هوادة، من أجل بلورة وصياغة مثل هذه الخصوصية المتمثلة بالمعاصرة في الطرح والهموم من جانب، والحِرفية في الخلق والتجسيد من جانب آخر، وبما أن مجتمعنا يخوض مخاضاً سياسياً جذرياً وشاملاً، فإن تطور المسرح أمر حتمي، لأنّ رياح التغيير تشمل المسرح أيضاً.
■ هل يكفي وجود مكان خال أو فضاء مفتوح لتقديم عرض مسرحي؟
□ يقول بيتر بروك «إن المكان المثالي الذي يمكن أن يحقق تواصلاٌ حقيقياٌ، مازال لم يُعثر عليه». إن البحث والاندفاع نحو كل ما هو جديد ومقت التكرار، وكل ما هو ثابت غير متحرك، والابتعاد عن كل ما هو مؤكد، وإن كل شيء يجب أن يخضع للامتحان والتطبيق لكي يعاد اكتشافه من جديد. وعدم التقيد بأي اتجاه أو مذهب مسرحي.ه ذا يعني في النتيجة أنه يمكن أن نتناول أي مكان خال فنسميه مسرحا عاريا. وكل ما يقتضيه الفعل المسرحي هو أن يمشي شخص عبر تلك الفسحة في حين يراقبه شخص آخر، إلا أن رأي بيتر بروك حيث يقول إن هذا لم يعد كافيا اليوم، لقد تقادم عليه الزمن، لأننا نحتاج من أجل أن يكتمل الفعل المسرحي ويتفجر، إلى شخص ثالث يراقب عملية المرور والمراقبة التي يشترك فيها الشخص الأول والثاني، الذي يقوم بفعل المراقبة. من هذا المنطلق أجد أن التركيز ليس على المكان وإنما ما يتقدم في ذلك المكان وتطويع المكان للشكل الجديد وضمن جوهر مصاغ بدقة لاحتواء رسالة العمل وشكله المطواع للتغير.
■ مكانة المسرح في العراق وفي عموم المنطقة العربية كفعل وممارسة ثقافية وفنية بدأت تنحسر بشكل كبير، ما الأسباب؟
□ هنا لابد من النـزوع إلى تأصيل المسرح العراقي وفي عموم المنطقة عن طريق استلهام التاريخ أو المادة التراثية. لغناهما المعرفي ولاحتوائهما على طاقة درامية هائلة. كذلك كسر القيود التي لأجلها تحدد خطوات التقدم من خلال مراوغة الرقيب ومؤسسته، بما تمتلكه المادة المستلهمة من مرونة في التأويل وقدرة على تغليف المعنى الباطني المكتوم بالمعنى الظاهري المعلوم، كذلك التجول في القدرات التي تعمل على إرضاء الجانب النفسي والاجتماعي للجمهور لانطوائها على شحن ترغيبية وتشويقية وانحيازية. في هذا التفاعل ربما نستطيع فتح أبواب عتبات ثقافية جديدة، ربما غير نمطية استاتيكية.
ليس غريبا أن يكون حواراً ونقاشاً بين الممثل والجمهور من أجل التأثير فيهم
■ المراهنة على أهمية ما يقدمه المسرح مقابل التطور الهائل في وسائل الاتصال الحديثة، هل مازالت قائمة وممكنة؟ وما الذي يمكن استحداثه أو التركيز عليه من أساليب لمواجهة هذه التحديات؟
□ ربما هذا الأمر من أعقد ما يواجهه العمل المسرحي اليوم. وهنا الأمر يتطلب البحث عن شيفرات وأليات تسحر المتلقي المسرحي بالقدر المتحقق في تلك الوسائل، والأهم في هذه المسألة أن الوسائل الحديثة لا تقدم مشاهدة تقليدية للمتلقي، فهل يستطيع المسرح أن يقدم مشاهدة غير تقليدية أيضا.. هنا تبدو الإشكالية.. وأنا اؤكد أن المسرح قادر على ذلك، من خلال خلق حالة من التفاعل مع وسائل الاتصال الحديثة، وجعلها ضمن مقتربات العمل المسرحي. ومن خلال انفتاح العمل المسرحي على تجارب جديدة تخضع لمفهوم التمرد أو كسر المألوف لأجل تقديم مشاهدة جديدة للمتلقي. وأخيرا من خلال تطويع وسائط الاتصال الحديثة بشكل جمالي مدروس بعناية فائقة.
■ ما الذي تتيحه لنا عملية التلقي في العرض المسرحي من متعة ومعارف وممكنات أخرى لا نجدها في بقية الفنون الأخرى مثل السينما أو التلفزيون وبقية الحقول الفنية؟
□ المسرح حالة من التفاعل المباشر مع المتلقي، لذا نجد المسرح منذ أول ظهوره جعل المشاهد طرفا في تفاعله، وتنامى ذلك التفاعل في المسرح الحديث، حيث ركز على العملية التفاعلية بين المرسل الممثل والمرسل إليه المتلقي، فليس غريبا أن يكون حواراً ونقاشاً بين الممثل والجمهور، من أجل التأثير فيهم. المسرح عملية خلق وتواصل مباشر، أما السينما والتلفزيون فلا يحظى المتلقي منهما بذلك التماس.
٭ من إصداراته الأدبية: «الخيول الجريفونية» مجموعة قصصية، «ما أتلفته الرفوف» مجموعة قصصية، «طعنة برد» رواية، «هذيانات» ويضم مجموعة مسرحيات منها «الجان والمجنون»، «خيط من تراب»، «الضباب يقظ»، «هذيانات معطف»، «حلم الفناجس»، «القضية»، وقد تُرجم بعض من هذه المسرحيات إلى عدة لغات وتم تقديم أغلبها ولأكثر من مرة على مسارح داخل وخارج العراق، وفازت مسرحيتا «الجان والمجنون» و«هذيانات معطف» بجائزة أفضل عرض متكامل للعامين 2012 و2013. كما فازت مسرحية «الرقم السري» بالجائزة الثانية في مسابقة الشاعر أحمد باكثير.