المشهد الثقافي كما يراه جمال سلطان

إسلام ويب - أضخم محتوى إسلامي وثقافي على الإنترنت لتحقيق مبدأ : سعادة تمتد

اتسم المشهد الثقافي العربي خلال القرن المنصرم بالتنوع الذي طال المرجعيات والمناهج والرؤى ، وخاصة في ظل الاحتكاك بالغرب وحداثته ، واستفزاز الاستعمار ، الأمر الذي جعل العلاقة مع الغرب ملتبسة ، ومن ثم لم تحسم حتى الآن .
الأستاذ جمال سلطان المشرف العام على مجلة المنار الجديد- القاهرة ، يقدم تصوره للمشهد الثقافي العربي في حوارنا معه على هامش مهرجان ” الجنادرية ” في الرياض .

س : كيف ترون المشهد الثقافي بعد مسيرة قرن طرح خلالها العديد من المشاريع المختلفة ؟size=3>
ج:بسم الله الرحمن الرحيم ، والصلاة والسلام على النبي وآله ، المشهد الثقافي العربي سواء في شقه الإسلامي أو غير الإسلامي لم يختلف كثيراً عن ذلك المشهد منذ مائة عام ، وأذكر عندما كنا نفكّر في إصدار مجلة المنار الجديد ، ذهبنا نستقصي تاريخ الصحف والمجلات العربية ، ووقفنا عند المنار التي أصدرها الشيخ رشيد رضا رحمه الله في عام 1898م ، ففوجئنا بأن الافتتاحية التي كتبها حوت من الأفكار والطموحات نفس ما نفكّر فيه الآن من طرح ، لدرجة جعلتنا نتجه إلى هذه الافتتاحية التي كتبها الشيخ منذ مائة عام لتكون هي افتتاحية المنار الجديد .
   الأفكار لم تتغير كثيراً ؛ لأنه لم يكن هناك نمو طبيعي للأفكار وعملية تراكم للمعرفة والتطورات ، وإنما كانت هناك دوامات من الفوضى والعشوائيات ، كان سببها الأساس هو الأفكار الوافدة ، وعدم قدرة العقل الإسلامي على الاستجابة لها وتناولها والتعاطي معها بالشكل الذي يلائم ، فبعضهم أخذها كلها وبعضهم رفضها كلها ، وبعضهم أخذ أشياء وأبقى أشياء ، كل هذه الأمور أحدثت حالة من الفوضى ، ولم تتح لعملية النمو الفكري والنمو الحضاري ونمو الوعي أن تتم بشكل متزن وبشكل معقول ، لذلك أقول إن المشهد الثقافي لم يتغير كثيراً .
   نحن – حتى الآن – لا نزال نسأل أسئلة الهوية ، ومسألة العلاقة مع الغرب ، ومسألة عمل المرأة ، ومسألة الحريات العامة ، وقضايا الاجتهاد ، وهذا يعني أننا لم نتحرك كثيراً ، وذلك كظاهرة عامة ، ولكن خلال ثنايا هذه الفوضى اكتسب الفكر الإسلامي ما يكفي من حصانة تتيح له فرصة الظهور في المستقبل بشكل أكثر اتزانـًا وأكثر قدرة على التأثير إن شاء الله .

س: طرحت مشاريع متنوعة جدًا ومختلفة في المناهج ؛ مثل المشاريع العلمانية والمشاريع الماركسية والقومية سابقـًا ، كيف ترون نهاية هذه المشاريع؟size=3>
   بعد كل هذه الفوضى يبقى المشروع الإسلامي هو الأبرز ، ولا يزال هو المشروع المنوط به مستقبل هذه الأمة ، والمأمول فيه أن يحقق مستقبلاً أرشد وأفضل لهذه الأمة ، وهذه هي شواهد الواقع ، وعلى سبيل المثال لو حدثت أي انتخابات ، أين تذهب أصوات الناس وما هي توجهاتهم ، في أي محاضرة أو ندوة ؟ انظر إلى توجهات الناس ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى يمكن القول إن الماركسية والليبرالية كلاهما سقط الآن سقوطـًا عميقـًا ، وربما كان سقوط الماركسية أوضح ، ولكن حتى الليبرالية أعلنت سقوطها من خلال سلسلة من التراجعات على صعيد التنظيم الاجتماعي ، وإدخال بعض المقومات الاشتراكية في المجتمع الليبرالي ، مثل مسألة الضمان الاجتماعي وملكية الدولة لبعض المؤسسات الكبرى ، وأشياء من هذا القبيل ، إلى الحد الذي جعل بعض المفكرين في الغرب يتحدثون الآن عما يسمى بالطريق الثالث ، وذلك يعني أن هذين الطريقين قد فشلا واستنفدا دورهما ولم يعد هناك مجال ليصنعوا أشياء في المستقبل ، لذلك طرحت فكرة البحث عن طريق ثالث ، وأنا أعتقد أن الإسلام سيكون له دور كبير في المستقبل أو الدور المحوري ليس فقط في العالم الإسلامي وإنما في العالم الغربي .

س: ظهر في التيار الإسلامي من يسمي نفسه تيار الوسط أو الوسطية فما موقفكم منه ؟size=3>
   ج: مسألة التيار الوسطي يتنازعها أناس كثيرون كل ينسب الوسطية لنفسه ، بعض الحكومات تقول إنها تمثل الوسط ، وبعض الجماعات وبعض التيارات العلمية تدعي نفس الشيء ، ولكن الحقيقة أن القاعدة التي تتحرك فيها الصحوة الإسلامية والدعوة الإسلامية الآن هي قاعدة السلفية ، ولكن الذي لا شك فيه أنه لم تعد السلفية التقليدية ، وإنما أصبحت أكثر انفتاحـًا على الواقع ، وأكثر مواجهة لتحدياته ، وأكثر تعاملاً مع ما يطرح من أفكار جديدة يستفاد منها أو لا يستفاد ، وحتى اتجاهات التيارات السلفية بمفهومها الحرفي الآن ، مثل : الكويت أو اليمن أو المغرب أو غيرها ، أصبحوا يشاركون في الانتخابات ، ويشاركون في العمل السياسي إذا رأوا فيه مصلحة للدعوة الإسلامية ، وأنا أعتقد أنه في المستقبل سوف يكون هناك قدر من التخفف من هذه الفروق الفاصلة ما بين جنبات العمل الإسلامي وتياراته ؛ لأنه في الحقيقة هناك قدر كبير من التكامل فيما بينهم ، ولكن تأتي المشكلة عندما ينظر كل واحد إلى الآخر باعتباره خصمـًا له أو مصادمـًا له ، ولكن في الحقيقة هم متكاملون في أعمالهم .

س: الملاحظ أن كثيراً من المشاريع تلتقي مع قضايا المجتمع المدني والديمقراطية ، هل هذا هو الحل في رأيكم ؟size=3>
   ج: مسألة المجتمع المدني هي محاولة لاستيراد مصطلح جديد وتعبير جديد غربي الأصول ، وقد اختلفت التفاسير لمعنى المجتمع المدني ؛ بعضهم يرى أنه ضد المجتمع العسكري ، وبعضهم يرى أنه يعني توسعـًا في نشاط المنظمات غير الحكومية ، ولكن يقصد من ذلك البحث عن الحرية ، والبحث عن مجتمع يسوده القانون ، والبعد عن الحكم العسكري الذي أساء إلى العالم العربي وإلى صورته ، وأساء إلى الإنسان ، ودمَّر كثيراً من شخصيته وحيويته في العالم العربي ، وجعله مجرّد آلة ، وجعله شيئـًا مسحوقـًا ممحوقـًا لا قيمة له ، هذا هو القصد من البحث عن الحرية والبحث عن قيمة الفرد في مواجهة جبروت الدولة وهذه مسألة مهمة جداً .

س: ما المشروع الذي تتبنونه ولماذا المنار الجديد ؟size=3>
   ج: المشروع الذي نتبناه الآن – وفي مصر تحديداً – أننا نريد أن نُجري مصالحة بين الإسلاميين وبين العمل السياسي ؛ لأن الحركة الإسلامية في مصر – إذا استبعدنا الإخوان المسلمين – كانت تقف موقفـًا سلبيـًا من العمل السياسي ، وهذا جعلها تخسر كثيراً في وعيها بتوازنات القوى في المجتمع ، وفي وعيها بآليات السلطة وعملها وغير ذلك ، فهناك خسائر كثيرة حدثت ؛ وكان السبب في الإحجام عن المشاركة السياسية توجه شرعي بأن المشاركة في الحياة السياسية تعني دعمـًا لنظم غير شرعية في فترة من الفترات ، أو اعترافـًا بمشروعية قيام الحكم على غير شريعة الله ، فكنا بحاجة إلى تغيير هذه الرؤية ، وإثبات أنه ليس بالضرورة عندما تعمل في ظل حكومة معينة أو نظام حكم معين أنك تؤمن بكل ما يطرحه ذلك النظام ، وإنما أنت تعمل في حدود المتاح ؛ لكي تحقق أو تنادي أو تعمل على تغيير الأمور إلى الأفضل ، وفي هذا السياق كانت مجلة المنار الجديد ، وقد قصدنا فيها أن تبشر بهذه الرؤية الجديدة وهذه المصالحة وهذه النقلة الجديدة للحركة الإسلامية ، والأمر الآخر من رسالة المنار أو دورها هو العمل على إيجاد جو من الحوار بين العمل الإسلامي ، وتشجيع قيمة الحوار بين التيارات الإسلامية المختلفة ؛ لأن بعض المجلات أو بعض الصحف الإسلامية تعبّر عن مناهج ورؤى ، وأحيانـًا فصائل وتنظيمات ، فمسألة الحوار محدودة وأقصد الحوار الحقيقي والجاد .

س: كيف ترون شكل العلاقة بين المجتمع المدني والأنظمة التي لا تزال قوية رغم كل التغييرات التي حدثت ؟size=3>
   ج: الأنظمة قوية ؛ لضعف المجتمعات ، وضعف الشعوب وضعف إرادتها وضعف وعيها ، وعندما تنشط الشعوب كقوى وينمو وعيها وتُعاد إليها روح العطاء والرغبة في التغيير ، عند ذلك سيكون هناك التوازن المطلوب ؛ لأن المسألة ليست مسألة إضعاف السلطة ، السلطة القوية مطلوبة أيضـًا ، ولكن المجتمع القوي مطلوب أكثر من السلطة القوية ، على الأقل نحن نريد سلطة قوية ومجتمعـًا قويـًا ، أما إذا كانت السلطة قوية والمجتمع ضعيفـًا يحدث الاستبداد والقهر ، وإذا كان العكس فهذا يسبب الخلل والفوضى مثل ما يحدث في أندونيسيا على سبيل المثال .

س: وسائل الاتصال الغربية تطورت جداً في ظل ثورة التكنولوجيا وآخرها الإنترنت ، هذه الوسائل ساهمت بقوة كبيرة في إعادة تشكيل الوعي وتشكيل الهوية الثقافية العربية ، والذي يعقد مقارنة بين قرن مضى وبين الآن يجد الكثير من المفارقات حتى ظهر ما يسمى بالإمبريالية الإلكترونية . كيف ترون ذلك؟ size=3>
   ج: التطورات الجديدة لا شك أنها فرضت تحديات على العالم الإسلامي الآن ، فمسألة اختراق الأفكار والقيم والأخلاقيات المختلفة للواقع الإسلامي والمجتمع وحتى للبيوت أصبحت مسألة سهلة جداً من خلال ما يسمى الهوائيات والإنترنت إلى غير ذلك .
   لذلك لا بد من أن يتنبّه الدعاة والمثقفون الوطنيون إلى ذلك ، ويبدؤوا في تخفيف غلواء الجدل الفكري ، والنخبوية ؛ لتوجيه قدر من طاقاتهم وفعلهم الثقافي والدعوي إلى الناس ، إلى خلايا المجتمع الأساسية ، صحيح أنه يمكن تحجيم بعض الآثار من خلال رقابة ، لكن هذه الفترة محدودة لن تدوم ؛ لذلك لا بد من إنتاج بدائل تستوعب الناس ، ثم إحداث حالة من الوعي في خلايا المجتمع البسيطة تستطيع من خلاله أن تقدّر هذه المخاطر وتتعقبها .

س: الملاحظ أن الإسلاميين لم يستغلوا بشكل جيد خطبة الجمعة ، وهي فرصة عظيمة ، في حين أن التيارات غير الإسلامية تطمع في نصف ساعة تخاطب فيها الجمهور ؟size=3>
   ج: هذا الأمر لا نريد أن نظلم فيه الإسلاميين ؛ لأن هناك قيوداً تفرض على الدعاة والخطباء ، وفي بعض الدول تأتي توجيهات صريحة .

س: أنا لا أتكلم عن التوجيهات وإنما عن الخطيب نفسه ، جل الخطباء ليسوا على المستوى المطلوب .size=3>
   ج: هذه المشكلة يمكن حلها بإقامة ندوات تثقيف عملية خاصة للخطباء ؛ لأن المسألة ليست في الأسلوب ، هم عندهم الأسلوب ، ولكن كيف نعطيهم الفكرة التي يستطيعون من خلالها رصد الأحداث ذات الأهمية في المنطقة .

س: المواقع الإسلامية كثيرة على الإنترنت لكن الخطاب الإسلامي لم يتغير ، أكثر ما هنالك أدخل الإسلاميون خطابهم التقليدي إلى وسائل معاصرة .size=3>
   ج: لا بد أن نقدّر أن هناك مشكلة نفسية عند الإسلاميين ، حيث كان واحدهم لا يستطيع أن يعبّر عن نفسه ، ولا يتكلم بصراحة ، ولا يكون له حرية الكلام ، وإذا أراد أن يكتب فعن طريق منشور سري ، أو يهمس في بعض الجلسات المغلقة ، فالآن فتحت له آفاق واسعة ، فبعضهم لا يصدق ؛ لذلك نجد بعض الشباب العرب يتكلم بما يشبه الجنون ، كلام فيه إباحية وإجرام ، وهذه مرحلة ضرورية ، بعد ذلك ومع مرور الوقت ، واستيعاب أنه يستطيع أن يعبّر عن رأيه بوضوح ، بعد ذلك تبدأ مسألة عودة الوعي وعودة الرشد ، ويبدأ التفكير كيف نستفيد استفادة عقلانية راشدة وفعالة من هذه الآلة الجبارة الجديدة ؟ .

س: الملاحظ أن بعض المواقع الإسلامية درجت على الخطاب باللغة الإنجليزية ، فإذا كنا لم نفلح في مخاطبة الإنسان العربي ، فكيف نفلح في مخاطبة الإنسان الغربي ، أنا أرى أننا نصدّر همومنا ومشاكلنا إلى الآخر الغربي .size=3>
   ج: ليس بالضرورة أن يكون تصديراً للمشاكل ؛ لأن هناك مساحة واسعة من العطاء العلمي والشرعي يشترك فيه العرب وغير العرب ، ولكن القضايا التي فيها مشكلات وإرباك للفكر العربي هذه التي لا بد أن يتم حصرها أولاً ، ثم تتم تنحيتها بعد ذلك عن عقلية الإنسان الغربي ؛ مثل مسألة الاختلافات الفقهية ، والخلافات المعقدة في العقيدة ، والاختلاف في الأسماء والصفات.. الخ . وأيضـًا تنحية الخلافات بين الفصائل المختلفة ، وذلك لا يتم إلا عن طريق تنمية الإحساس بالمسؤولية ، وأن يستشعر الإنسان أنه يعمل لله ، وأن ولائه لله وحده وليس لاتجاه معين ، فالولاء لله والدين يحتّم مراعاة أهمية الدعوة والخطاب الذي يوجّه لهؤلاء الذين يعيشون خارج الجسد الإسلام

Source: islamweb.net

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *