المصرية وسام فهمي في معرض «رسم»… حِس طفولي يحكي أساطيره

القاهرة ـ «القدس العربي»: يزخر تاريخ التشكيل المصري بالعديد من الاسماء التي أثْرت الحركة التشكيلية المصرية، ذلك من خلال عدة أجيال حاولت التواصل ما بين تاريخ بصري مؤثر تمتلكه مصر، وبين أساليب استندت إلى مدارس الفن الغربية. ورغم تفاوت هذه التجارب، أو التهليل والتعصب لبعضها، بحيث يصبح الخارج عليها يستحق لعنة الفن ونقاده، إلا أن […]

المصرية وسام فهمي في معرض «رسم»… حِس طفولي يحكي أساطيره

[wpcc-script type=”64e05b35d7ae41bc05c7c704-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: يزخر تاريخ التشكيل المصري بالعديد من الاسماء التي أثْرت الحركة التشكيلية المصرية، ذلك من خلال عدة أجيال حاولت التواصل ما بين تاريخ بصري مؤثر تمتلكه مصر، وبين أساليب استندت إلى مدارس الفن الغربية. ورغم تفاوت هذه التجارب، أو التهليل والتعصب لبعضها، بحيث يصبح الخارج عليها يستحق لعنة الفن ونقاده، إلا أن هناك أصوات هادئة أتقنت الحرفة ثم ألقت بالتنظير والمدارس الأكاديمية وراء ظهرها، ولم تؤمن وتصدق سوى خيالها وحدسها، فأتت أعمالها لا تشبه أحداً سواها. من هذه الأصوات القليلة في الحركة التشكيلية تأتي تجربة الفنانة (وسام فهمي) ــ من مواليد القاهرة العام 1939، وتخرجت في معهد ليوناردو دافنشي للفنون في القاهرة، كلية الفنون الجميلة في ما بعد عام 1965 ــ ومنذ بداية مشوارها الفني وحتى معرضها الحالي المعنون بـ «رسم»، والذي أقيم بغاليري الزمالك في القاهرة، تبدو ملامح وتطور التجربة الفنية المختلفة، التي حاكتها الأساطير ووجهة النظر والروح الطفولي للفنانة، التي من أهم سماتها إثارة الدهشة في كل ما هو عادي ومألوف للمتلقي.

هناك حالة من الوَلَه تنشدها الفنانة في كل لقطة أو مشهد يتناول حالة من حالات الطبيعة. والطبيعة هنا تمتد لتشمل المكان وأساطيره ومدى تأثيره على المخلوقات. ولا يختلف الأمر سواء بالنسبة إلى الصحراء أو مدينة ساحلية أو تاريخية مثل القاهرة واسطنبول، كذلك ما بين دير أو مسجد عتيق. ولا فرق في بنية غابة على سبيل المثال أشجار عملاقة ونخلات تطاول السماء، أو مآذن وبنايات شاهقة. كل ما هو متجسد يتم رسمه في تكوينات متشابهة من حيث الخطوط والمنظور، وصولاً إلى اللون. فلا نجد سوى خطوط منحنية في أكثرها، حتى وإن كانت في واقعيتها تتمثل في المخيلة البصرية بخطوط حادة قائمة .. النخلة، المئذنة، والجدار. كذلك يبدو الشكل الدائري، بصورة مباشرة أو تم تحويرها، مكتمل أو ناقص ليدل على استمرارية الحركة أو الحالة، مثل دائرة الرهبان في الدير، أو الهالة المقدسة التي لا تفارق مخيلة المخاليق عن القديسين. وهو ما تؤكده حدود اللوحة، التي تبتعد تماماً عن الحدود الحادة ــ حواف أو أطراف ــ فكلها منحنية متداخلة، لا نهاية لها، وهو أمر يتعلق أكثر بفكرة الزمن، الذي لا بداية له ولا نهاية. هذه الحالة بدورها هي التي تحياها شخوص هذه اللوحة أو تلك .. بحث دائم وزمن لا ينتهي.
أما الشخوص فهم دائماً يتملكهم المكان، حديقة أو بيت أو واحة يستظلون بنخيلها، فقد تتخذ خطوط الجسد وتكويناته خطوط المكان نفسه، فالمُستنِد إلى شجرة على سبيل المثال طالباً ظلها، يصبح جسده هو نفسه تكوين وشكل هذه الشجرة ــ فكرة التوحد مع الطبيعة ونغمة التآلف القصوى ــ يبدو ذلك في لوحات مثل .. حلم، المرجيحة، رومانسية، وذكريات. وهو ما يتأكد من خلال الألوان، التي تستمدها الشخوص من ألوان الزهور والأشجار، وحتى الصخور.
أما لوحة (الهوانم) فالمكان هنا لا سبيل إلى التعامل معه بالمفردات البصرية للواقع، فالسرير الذي في الحجرة، والذي تجتلسه ثلاث نساء مختلفات ــ حالات وأعمار مختلفة ــ هذا الشكل الذي يبدو وكأنه شخصية واحدة يرسمها الزمن ويعيد صياغتها، وسط ستائر زرقاء وكأنها السماء، ليتحول المكان إلى ما يُشبه الغيمة. وما العمدان الحديدية التي تواجه المرأة الواجمة، أو التي تعتادها المرأة الجالسة يمين اللوحة، وكأنها مرّت بكل هذه التجاب واكتسبت ملامحها وجلستها قسوة الاعتياد، هنا كل من المرأتين تمثلان قاعدة المثلث، إلا أن رأس هذا المثلث تتمثله فتاة شابة، لم تزل قادرة على الحلم، لذا فهي بعيدة عنهما، وكأنها تحيا عالم آخر، ولا تحمل أن تهتم سوى بمرآتها ومراقبة ملامحها. ورغم هذه الحالات المختلفة، إلا أنها قد تصبح في لحظة ــ إذا أسقطنا الزمن ــ حالة واحدة، وما هذا التعدد الظاهري سوى تحولات الزمن والتجربة على هذه الشخصية.
لم تكترث الفنانة لقواعد أكاديمية صارمة، وهو ما يمثل خبرة طويلة، والامتثال إلى التجربة الفنية وحدها وقوة تأثيرها، فنجد تحريفاً مقصوداً في قواعد المنظور، إضافة إلى استخدام الألوان الصريحة، دون التورط في نصوع اللون، بل يصبح في شكله الصريح باهتاً إلى حدٍ ما أو مُنطفئ، حتى يتماثل مع لون المكان وما يحمله من سمات طبيعية أو معمارية. كذلك تكاد تنعدم الظلال، سواء بالنسبة للشخوص أو المكان، وهو الأمر الذي يتباعد تماماً مع كل ما هو موجود في الواقع، خاصة وأنها ترسم أماكن أثرية وشهيرة بالنسبة للمتلقي.
هذه الرؤية تجعل من اللوحات أشبه في بعضها بعوالم ألف ليلة، أو الرسوم والمنمنمات الفارسية، التي تتآلف بها حالة الخطوط والكُتل والألوان، متناغمة تماماً، وكأنها في عالم بعيد حالم، لا ينتمي إلى الواقع بحال. كأنها مخلوقات أو أساطير مرتسمة بمخيلة طفل.

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *