ديفيد ماكوفسكي* – (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) 2020/3/24

إذا فشلت الجهات الفاعلة في إسرائيل في الاتفاق على تشكيل حكومة أقلية أو حكومة وحدة، فسيكون من المؤكد إجراء جولة رابعة من الانتخابات. وتقول جميع الأطراف إنها تريد تجنب هذه النتيجة. وعلاوة على ذلك، من غير الواضح كيف يمكن أن تجرى الانتخابات في ظل جائحة فيروس كورونا التي تعصف بالبلد حالياً.

  • * *
    في ظل انتشار وباء فيروس كورونا المستجد، تشهد إسرائيل مواجهة قانونية مثيرة قد تحدد تشكيلة الحكومة المقبلة. وفي خطوة استثنائية، أصدرت هيئة المحكمة العليا -المكونة من خمسة قضاة- بالإجماع قراراً ينص على أنه يجب أن يسمح رئيس البرلمان “الكنيست” بالتصويت على استبداله في 25 آذار (مارس). وذكرت المحكمة أن استمرار العجز عن إجراء التصويت “يقوّض أسس العملية الديمقراطية” و”يضر بمبدأ النقل السلمي للسلطة”.
    وقد أصرّ بيني غانتس وغيره من كبار المسؤولين في حزب “أزرق أبيض” على إجراء التصويت، لأن ذلك قد يمنع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من التمسك بمنصبه. ويدرس الحزب طرح تشريع يمنع مسؤولاً صدرت بحقه لوائح اتهامية مثل نتنياهو من تشكيل الحكومة المقبلة، ويُعد دور رئيس الكنيست أساسياً في تحديد جدول الأعمال البرلماني لمثل هذه الخطوة.
    تَعقّد الأمر بصورة أكثر عندما صرّح رئيس الكنيست الحالي -حليف نتنياهو، يولي إدلشتاين- بأنه لن يخضع لـ”إنذار” المحكمة العليا (أثناء كتابة هذه السطور، استقال رئيس “الكنيست” الإسرائيلي من منصبه). وفي خطوة مفاجئة أخرى، طلب وزير العدل الذي عينه نتنياهو مؤخراً، أمير أوحانا، علناً من إدلشتاين تحدي قرار المحكمة. وعلى الرغم من أن بعض أعضاء الكنيست البارزين من حزب “الليكود” الذي يتزعمه نتنياهو قالوا إنه يجب إطاعة قرار المحكمة، إلا أن أغلبية كبيرة منهم بقيت صامتة، ومن بينهم نتنياهو نفسه. وما يزال من غير الواضح ما إذا كان إدلشتاين سيوافق على القرار في اللحظة الأخيرة أم سيواصل ازدراء المحكمة. وكبديل، يمكن أن يقرر الأعضاء الثمانية والخمسون في كتلة نتنياهو اليمينية الأوسع مقاطعة التصويت في ظل السماح بحصوله (لن يؤدي غيابهم إلى حدوث مشكلة في النصاب القانوني بما أن أغلبية بسيطة تضم 61 عضواً يصوتون لصالح قرار المحكمة).
    بدأ المسعى نحو تدخل المحكمة في 16 آذار (مارس)، عندما رفض إدلشتاين السماح بالتصويت على استبداله وأصر على أن “الكنيست” لا يستطيع أن يعمل بسبب جائحة فيروس كورونا. وخلال الأسبوع الماضي، اندلعت مظاهرات في جميع أنحاء البلاد -ليس احتجاجاً على قراراته فقط، وإنما أيضاً على قرار أوحانا المفاجئ بإغلاق جميع المحاكم باستثناء المحكمة العليا قبل أيام فقط من موعد مثول نتنياهو أمام قاضٍ للمرة الأولى بشأن لائحة اتهامات الفساد الموجهة ضده. وقد حدّ الفيروس من التجمعات سيراً على الأقدام، لكن السيارات التي حملت أعلاماً سوداء جابت تل أبيب، محذرة من أن الديمقراطية في إسرائيل معرضة للخطر. ومع ذلك، وبغض النظر عن الكيفية التي ستنتهي بها هذه الأزمة، فإن من المحتم أن تؤدي إلى إثارة غضب أولئك السياسيين من معسكر اليمين ممن هم على قناعة بأن القضاء قد تجاوز الحد.
    مقاربة نتنياهو
    في مقابلة تلفزيونية نادرة في 21 آذار (مارس)، ندد نتنياهو مراراً بفكرة التشريع الذي قد يمنعه من تولي منصب رئاسة الوزراء، قائلاً إنه لن يلقى قبولاً حتى في نظام ديكتاتوري كإيران. وإذا أصبح مشروع القانون هذا قانوناً نافذاً، فسوف يدفع بالسياسيين في معسكر اليمين على الأرجح إلى اتهام المعارضة بقوة بمحاولة إبطال نتائج الانتخابات الأخيرة.
    ومع ذلك، لم يكن التركيز الرئيسي لملاحظات نتنياهو على وضعه القانوني، بل على كيفية تأثير الإطاحة المحتملة بإدلشتاين على السياق السياسي لتشكيل حكومة جديدة. وعلى وجه التحديد، اعتبر نتنياهو أن عزل إدلشتاين سيقوّض مساعي حزب “الليكود” الدقيقة لتشكيل حكومة وحدة وطنية، مشيراً إلى المحادثات الهادئة التي عقدها ممثلو الحزب مع فريق غانتس خلال الأسبوع الماضي.
    ووفقاً لنتنياهو، يقوم الاقتراح الحالي على أن يتولى كل زعيم من الحزبين المعنيين منصب رئيس وزراء لمدة ثمانية عشر شهراً، على أن يكون هو الأول. ووفقاً لذلك يحتفظ “الليكود” بحقيبتين رئيسيتين -وزارة المالية ورئاسة الكنيست- في حين يمكن لحزب “أزرق أبيض” اختيار وزيري الدفاع والخارجية. ثم يختار الحزبان وزير عدل يكون مقبولا لكلا الجانبين. وعندما ذكَّر أحد المحاورين في اللقاء التلفزيوني نتنياهو بأن حزب “أزرق-أبيض” لا يثق به إلى حد كبير، وعد نتنياهو المشاهدين بأنه سيتنحى في أيلول (سبتمبر) 2021، ويسمح لغانتس بأن يحل محله كرئيس للوزراء، وإجراء تغيير بين الوزراء الذي يشغلون الحقائب المذكورة أعلاه بين “أزرق -أبيض” و”الليكود” عندما يحين موعد التناوب المقبل.
    مقاربة حزب “أزرق-أبيض”
    لا يعتقد غانتس وحلفاؤه أن استبدال إدلشتاين سيحول دون إمكانية تشكيل حكومة وحدة وطنية. بدلاً من ذلك، يخشون أن يرفض نتنياهو التنحي ما إن تنتهي فترة ولايته في المرحلة الدورية لرئاسة الوزراء، خاصة مع عدم وجود قانون يضمن انتقالاً منظماً وسلسلاً للسلطة في منتصف الطريق.
    وهكذا، فإنهم يقفون متّحدين في الحث على إصدار قرار يحظر على المسؤولين الذين صدرت بحقهم لوائح اتهامية تولي منصب رئيس وزراء، وهو ما يمكن أن يكون له تأثيران إيجابيان في رأيهم. أولاً، أن مجرد التهديد بتمرير هذا القانون قد يدفع نتنياهو إلى السماح لحزب “أزرق أبيض” بتولي الدورة الأولى، ليكون نتنياهو الثاني إذا تمت تبرئته من لوائح الاتهام خلال المحاكمة. ثانياً، يمكن أن يضغط القانون على حزب “الليكود” للتخلي عن نتنياهو والدعوة إلى انتخاب زعيم حزب جديد (وهو أمر يبدو غير مرجح بالنظر إلى ولاء أعضاء الحزب العميق له) -أو في حالة فشل ذلك، يمكن أن يسهّل قيام حكومة أقلية.
    في أعقاب الجولة الثالثة من الانتخابات التي جرت في وقت مبكر من آذار (مارس)، تحتل القوى المناهضة لنتنياهو ما مجموعه 62 مقعداً في “الكنيست”: “أزرق-أبيض” (33)، و”القائمة المشتركة” بقيادة عربية (15)، وحزب “العمل-ميريتس” (7)، وحزب “يسرائيل بيتينو” بزعامة أفيغدور ليبرمان (7). وعلى الرغم من أن “القائمة المشتركة” رفضت الانضمام إلى الحكومات السابقة، إلا أنها قد توافق ضمنياً على توفير شبكة أمان لغانتس في الاقتراعات الحاسمة لحجب الثقة عن حكومته في “الكنيست”. ومع ذلك، يبدو أن تحقق هذا السيناريو لحكومة أقلية بعيد الاحتمال في الوقت الحالي لأن ثلاثة أعضاء على الأقل من الكتلة المناهضة لنتنياهو -تسفي هاوزر، ويوعاز هندل، وأورلي ليفي أبيكسيس- يقولون إنهم لا يريدون الاعتماد على “القائمة المشتركة”، مشيرين إلى أن بعض أعضائها يؤيدون أعمال العنف ضد إسرائيل.
    وإذا فشلت الجهات الفاعلة في الاتفاق على تشكيل حكومة أقلية أو حكومة وحدة، فسيكون من المؤكد إجراء جولة رابعة من الانتخابات. وتقول جميع الأطراف أنها تريد تجنب هذه النتيجة. وعلاوة على ذلك، من غير الواضح كيف ستُجرى الانتخابات في ظل جائحة فيروس كورونا التي تعصف بالبلد حالياً.
    كما ينقسم قادة المعارضة أيضاً في الطريقة التي ينظرون بها إلى نتنياهو. فهناك ثلاثة سياسيين يعارضون بشدة العمل معه بعد أن شعروا بخيبة أمل عند تعاونهم معه في الماضي: وهم ليبرمان، والشخصيتان البارزتان في حزب “أزرق أبيض” يائير لبيد وموشيه يعالون. غير أن غانتس وزميله في حزب “أزرق أبيض”، العميد غابي أشكنازي، يبدوان أكثر انفتاحاً على تشكيل حكومة وحدة مع نتنياهو، ويرجع ذلك جزئياً إلى خبرتهما في العمل كرئيسين سابقين لأركان الجيش تحت قيادته. وفي هذا السيناريو، يمكن أن يشغل غانتس منصب وزير الخارجية خلال فترة التناوب الأولى برئاسة نتنياهو، بينما يشغل اشكنازي منصب وزير الدفاع. ويبدو أن نتنياهو يعتمد على دعم كل جنرال لاقتراحه -وعلى ضيق مجال المناورة الذي يسببه فيروس كورونا للجميع وإقناع المعارضين بالاتحاد معاً باسم الوحدة الوطنية. أما بالنسبة للاقتراح البديل، والذي قد يتزعم بموجبه نتنياهو حكومة وحدة طارئة خلال الأشهر الستة المقبلة قبل تسليمه منصب رئاسة الوزراء، فيفضل غانتس أن يكون شريكاً كاملاً في هذا الترتيب، في حين يفضل لبيد ويعالون توفير شبكة أمان من الخارج.
    الخاتمة
    لطالما كانت السياسة الإسرائيلية محتدمة ومعقدة، لكن الجهات الفاعلة تفوّقت عموماً على القواعد الديمقراطية للعملية السياسية طوال عقود من التحديات الجدية داخل البلاد وخارجها. ويشير قرار المحكمة العليا بالإجماع إلى أن العديد من الإسرائيليين يعتقدون أن هذه القواعد غير المعلنة قد تتداعى في ظل الأزمة الحالية. ومن أجل الإبقاء على هويتها الديمقراطية الخاصة وعلاقاتها القائمة على القيم مع الدول الأخرى، تحتاج إسرائيل إلى الحفاظ على قدسية هذه القواعد. ويُظهر واقع شعور المحكمة بالحاجة إلى التدخل طبيعة الأمور التي على المحك -وحيوية نظام الضوابط والتوازنات في إسرائيل.

*زميل “زيغلر” المميز معهد واشنطن
لسياسة الشرق الأدنى، شارك مع دينيس روس في تأليف الكتاب الجديد بعنوان، “كن قوياً وذا شجاعة جيدة: كيف عمل قادة إسرائيل الأكثر أهمية على تحديد مصيرها”.