المغربي خالد الريسوني: زمننا ليس شعريا ونعيش خارج التاريخ
[wpcc-script type=”e7fdf38e3e48d94b5011702d-text/javascript”]
يعتبر خالد الريسوني أحد أبرز الشعراء والمترجمين المغاربة، فهو عضو اتحاد كتاب المغرب، وعضو مؤسس لجمعية أصدقاء لوركا في تطوان، وعضو في الهيئة التنفيذية لبيت الشعر سابقا. ترجم العديد من الدواوين والقصائد الشعرية لكبار الشعراء الإسبان واللاتينوأمريكيين. كما شارك في العديد من الندوات والمؤتمرات المرتبطة بقضايا الهسبانية والترجمة الأدبية، وفي العديد من المهرجانات الشعرية في المغرب وخارجه، وفاز سنة 2006 بجائزة رفائيل ألبيرتي للشعر التي تمنحها مستشارية الثقافة والعلوم لسفارة إسبانيا في المغرب، وبجائزة «ابن عربي» الدولية للأدب العربي سنة 2017 عن ديوانه «كتاب الأسرار» المكتوب بالعربية والإسبانية. من ترجماته «عن الملائكة» رفائيل ألبيرتي (2005)، «يوميات متواطئة» لويس غارثيا مونطيرو (2005)، «لالوثانا الأندلسية» فرانسيسكو ديليكادو (2009)، «اليوم ضباب» خوسيه رامون ريبول (2009)، «الأعمال الشعرية المختارة» غارسيا لوركا (2010)، «حقول قشتالة» أنطونيو ماشادو، «بإيجاز» ليوبولدو دي لويس، و«يستحق العناء» لخوان خيلمان (2017).
■ متى بدأ اهتمامك بالأدب الإسباني، خصوصا ترجمته إلى اللغة العربية؟
□ أولا أنا أنتمي من حيث هويتي الثقافية لإحدى مدن شمال المغرب، وتحديدا لعاصمة منطقة الحماية الإسبانية في المغرب، مدينة تطوان ذاتِ التاريخ الأندلسي العميق الجذور، ولذلك كان طبيعيا أن تشكل الثقافة الإسبانية جزءا من هويتي، إن أبناء جيلي كانوا يحسُّون دوما بعد جلاء الاستعمار عن أرض المغرب، أن هناك تكريسا رسميا لتبعية ما للثقافة الفرنسية وللفرانكوفونية، وهو ما كان يستلزم بشكلٍ ما مقاومة حتى يتم تجنبُ الاقتلاع الذي تمارسه جهات ما لصالح ثقافة ما، أو توجه سياسي بعينه، علما أن هذا التوجه الرسمي لا يحتاجُ إلى عناء كبير للاستدلال على حضوره في مشهدنا السياسي والثقافي والتربوي، أبناء جيلي درسوا في تعليم مزدوج عربي فرنسي، ومعنى ذلك أن ثقافتنا في المغرب سارت بُعَيْدَ الاستقلال في مسارات تبعية واضحة للتوجه الفرنسي حتى في مناطق النفوذ الاستعماري الإسباني، ورغم ذلك سعى الكثير من مثقفي هذه المناطق إلى الحفاظ على الحدود الدنيا للعلاقة مع اللغة الإسبانية، من خلال وسائل تعتبر أحيانا بدائية، لقد بدأت خطواتي الأولى في تعلم الإسبانية من خلال التقاط البرامج التلفزيونية، أواخر السبعينيات وخلال عقد الثمانينيات، ثم قمت بجهد استثنائي لدراسة الإسبانية في معهد ثيربانتيس وفي شعبة الدراسات الهسبانية في جامعة عبدالملك السعدي في تطوان، ثم في ما بعد من خلال عملي في التدريس في معهد سيفيرو أوشوا في طنجة، لكن محاولة المقاومة الواعية للاجتثاث الثقافي لجيلي، تجد بعض علاماتها أيضا في تأسيس جمعيات ثقافية مميزة مثل جمعية أصدقاء لوركا في تطوان. وبالنسبة لمساهماتي في حقل الترجمة الأدبية، والشعرية منها على وجه الخصوص، فقد بدأت أواخر الثمانينيات، وكانت متنوعة المصادر في البداية، لقد ترجمت عن الفرنسية والروسية مثلما ترجمت عن اللغة الإسبانية، ونشرت في العديد من الملاحق الثقافية والمجلات المشرقية منها والمغربية، لكنني في ما بعد اخترت أن أترجم عن الإسبانية وإليها، وأن أعمق تجربتي فيها بالدراسة والتمرس ومراكمة الأعمال من خلال مشروع واضح المعالم والسمات.
■ هل تساهم الترجمة في التقريب بين الشعوب؟
□ الترجمة ليست مجرد عبور لنصوص من لغة إلى أخرى، بل هي عبور لثقافة بكل دلالاتها العميقة، إن قراءاتنا تجعلنا شركاء في هذا المنطقة التي تصير نقطة تقاطع مشتركة، ولذلك فالترجمة تساهم في التقارب بين الشعوب، لكنها أيضا تنقل لنا عادة صورا إنسانية متسامية لمبدعين يمثلون حساسية راقية، وهذا لا يعني أننا لا نعدم أعمالا في ميراث أمة ما، تقدِّمُ صورا مشوِّهة وعدائية، لكن المترجم بحسه المرهف لا يلتفت لهذه الأعمال المُنَمطة واللاإنسانية، ثم إن الترجمة باعتبارها تلقٍّ تجد نفسها خاضعة لما يمكن اعتباره متعة أدبية، فأنا في فترة السبعينيات في العالم العربي، قد أحتفي بقصائد رفائيل ألبيرتي المكافح والمناضل التقدمي المنفي، لكنني خلال العقد الأول أو الثاني من الألفية الثانية قد أحتفي بصورة أخرى من قصائد هذا الشاعر، ربما السيريالي أو الإنساني المبدع.
■ يعتبر البعض أن المترجمين المشارقة مازالوا رواد الترجمة عن الإسبانية، ما رأيك؟
□ الحديث عن المشرق والمغرب في عالمنا العربي حديث مفتعل وصار قديماَ، فالمشرق متعدد والمغرب متعدد، لكن العالم العربي وحدة في تعدد، رابطه اللغة العربية والتاريخ المشترك والإحساس الإنساني بوحدة المصير، في مواجهة التاريخ والآتي.
هذا العالم العربي برمته متخلف ولا علاقة له بمفهوم الريادة، فما نترجمه لا يفي بشرط النهوض، إننا نعيش في عالم خارج التاريخ، لا يواكبُ ما تنتجه الإنسانية من أفكار، وليست لدينا أي مشاريع ثقافية لمواكبة الإنتاج الفكري الإنساني، نحن نلهث لتحقيق الأرباح المادية، ودولنا بقايا أشتات تنفضها الرياح، لا تفي بما يعلقه الإنسانُ العربي عليها من مطامح، قبائل متناحرة حول الهباء، ولذلك فالترجمة بين المشرق والمغرب سراب تناحر آخر خفي، الترجمة في العالم العربي مشاريع فردية لأشخاص يحملون على كاهلهم سؤال الذات والأمة بمنأى عن القبائل.
■ ماذا ترى في بعض المترجمين الذين يعتبرون ترجمة الشعر أسهل من النثر، ويؤكدون أنه قراءة جديدة للقصيدة؟
□ هل ثمة ما يستند إليه القائلون بسهولة هذا أو ذاك؟ لكل نص متاهاته والتباساته وتعقيداته وانزلاقاته وانفلاته، الشعر يقترن عادة بغموضه، باستعاراته وبإيجازه، ما يترك المجال مفتوحا لزلات قد لا نعثر عليها في السرديات التي لا تتــــيح تعــــدد المعاني وانفتاح النص على المحتمل وجمالية الاستعارات وإيجــاز العبارة، إن قراءة القصيدة مفتوحة على مطبات كثيرة وأراض مفخخة، كل ذلك يجعل من الترجمة عملا لا يستوي بدون الدراسة العميقة لشعرية الشاعر المترجم، وفهم صحيح لمساره الإبداعي، كم ترجمة تفتح على صاحبها أبواب الجحيم لما يكتب اعتمادا على القراءة المتحررة من الحمولة الثقافية، التي ينفتح عليها المسار السير ذاتي والثقافي والسياسي والفلسفي والفكري للشاعر، ثم إن اختيار شاعر بعينه لترجمته في حد ذاته لا يكون اعتباطيا، بل هناك تقاطعات أساسية تحدد اختياراتنا لهذا الشاعر وليس ذاك. هي عملية أقرب لانعكاس الذات في مرايا الآخرين أو لذوات الآخرين في مرآة الذات.
■ قمت بترجمة عدة مؤلفات، ولكن ما هي أبرز الصعوبات التي واجهتك، خصوصا خلال ترجمة «كتاب الحب الطيب» لخوان رويث؟
□ صعوبات ترجمة الكتابات المؤسسة والقديمة في الثقافة الإسبانية عديدة، لأننا نواجه لغة قشتالية منقرضة أحيانا، ما يفرض على المرء لتحقيق الفهم الاستعانة بالدراسات المواكبة لهذه الأعمال والتحليلات النصية للاقتراب من الأمثال والعبارات المسكوكة، فضلا عن الاستعانة بالقواميس الإسبانية الخاصة، أو استشارة المتخصصين، إن ترجمة كتاب «الحب الطيب» لخوان رويث كاهن إيتا و«لا لوثانا الأندلسية» لفرانسيسكو ديليكادو و«لا ثيليستينا» لفرناندو دي روخاس استنفدت مني كثيرا من الجهد وأرهقتني كثيرا، خصوصا أنني كنت أتوخى تقديم عمل مميز في الأعمال الكلاسيكية الإسبانية، ربما صادف مني في فترة ما القدرة على المغامرة في مجال لا يستهويني كثيرا، وهو ترجمة الأدب السردي الإسباني القديم، لكنني اليوم وبعد انتهاء تلك الفترة لا أجد نفسي قادرا على معاودة الكرة ثانية، لأن ذلك تطلب مني جهدا في تكييف لغتي مع طبيعة العمل المترجم، أي إلباسها سمات اللغة القديمة وهذا مرهق حقا.
■ وما هي أبرز التقنيات والأساليب التي اعتمدتها لترجمة «حقول قشتالة» لأنطونيو ماشادو؟
□ هناك شعراء يسكنون متخيلنا الشعري، يتعلق الأمر بأنطونيو ماشادو وخوان رامون خيمينيث وفيديريكو غارسيا لوركا ورفائيل ألبيرتي وبيثينطي ألكسندري وميغيل هيرنانديث، كل هؤلاء أشعر بدين كبير تجاههم، وهو دينٌ كنت وما زلت مصمما على رده، لقد تمكنت لحدود الآن من القيام بعملٍ ترجمي بسيط تجاه هذه الأسماء الشامخة والبقية ستأتي. بالنسبة لترجمة ماشادو استحضرت كل الجوانب المميزة لشعر أنطونيو ماشادو وسيرته، وخصوصية عبوره من صوريا وتجربته المأساوية في العشق، لقد حاولتُ في ترجمتي لعملي ماشادو أن أستحضر الكثير مما قرأته وترجمته في سيرة خوان دي مايرينا الذي سبق لي أن ترجمته، لكن أهم خاصية تمسكت فيها في الترجمة هي البساطة والشفافية التي تقترن بالعمق الفكري لهذا الشاعر المعلم.
■ هل أنت من تختار العمل للقيام بترجمته؟ أم دار النشر أم صاحب المؤلف يقترحه عليك؟
□ أزاوج بين ما يقترح عليّ وما أختاره، لكن الأعمال التي اقترحت عليّ لحدود الآن قليلة جدا، وغالبا كانت تمضي في مسارات اختياراتي، خصوصا في مجال الشعر، في المسرح المسألة تختلف قليلا، فقد اقترح عليّ أن أترجم مسرحيات إسبانية خضعت لاختيارات أحد أعمدة المسرح الإسباني، يتعلق الأمر بخوسيمون ليون الذي ترجمت له القميص لديل أولمو وفصيلة باتجاه الموت لألفونصو ساستري ومسرحيات أخرى.
■ كيف تقيم علاقة المترجم العربي مع الناشر؟
□ علاقة المترجم العربي مع الناشر علاقة ملتبسة، لأن الناشر العربي يلهث غالبا خلف الربح المادي ويريد أن يحصل على العمل بدون مقابل، ولذلك يهيمن على هذه العلاقة التبخيس بكل معانيه، حاليا أنا ليس لديّ ناشر ببساطة لأن الشعر في العالم العربي ليس له ناشر، إذا أردت النشر يجب أن تترجم الرواية، يبدو أن زمننا غير شعري.
■ كيف تقيم سوق الترجمة في المغرب بصفة خاصة وفي العالم العربي بصفة عامة، وهل نحن نترجم بما فيه الكفاية؟
□ سوق الترجمة رائجة بصدد الرواية كجنس أدبي، بل إن أهم شعرائنا بدأوا يفكرون في الهجرة إلى السرد وإلى الرواية تحديدا، وأهم الجوائز العربية الآن، تلك التي تكافئ الإبداع الأدبي لها علاقة بالرواية، أما الشعر فصار جنسا أدبيا إما لتكريس نمط تقليدي مكرر ومتهالك، أهم ما يميزه الخطابية وتكرار الصور والإيقاعات المتداولة أو التباهي بلقبٍ لا معنى له، أما المترجم فيعاني في كل الحالات وضعا تبخيسيا فظيعا لأنه لا يستفيد مما تحققه السوق من أرباح مادية يجنيها القائم الأول على العمل وهو الناشر، هل نترجم بما فيه الكفاية؟ أبدا نحن نترجم ما تضمن السوق رواجه ونؤدي للمترجم الفتات والفضلات، المترجم الأدبي إلى العربية يبيع خدمته في الوطن العربي بأبخس الأثمان.
٭ كاتب مغربي