يقول يونس النزيل السابق في جناح 36 بأشهر مستشفيات الأمراض العقلية في المغرب: “إنها صور تنطق بالحياة وتحمل تراكيب من الألوان تسترعي الانتباه وتدعوك للتريث عند التفاصيل لفهم القطعة الفنية”.

وثمن يونس في تصريح لـ”سكاي نيوز عربية”، فكرة المعرض التي تقوم على تسليط الضوء على واقع الأمراض النفسية في المغرب، مبرزا الأهمية التي يكتسيها استخدام الفن في معالجة الأمراض النفسية وفي التخلص من ضغوط الحياته اليومية.
وفي معرض “جمال وجنون” الذي ينظمه مركز ابن رشد للأمراض العقلية ووحدة العلاج بالفن بالدار البيضاء، اختارت الأخصائية النفسية والمعالجة بالفنون بشرى بن يزة، الفن وسيلة لإبراز جوانب مشرقة لدى المصابين بأمراض عقلية، من خلال التقاط صور لمواقف تثير الاعجاب بما تفصح عنه من جمال، ولتسليط الضوء على واقع فئة وجدت نفسها تعيش بعيدا عن دائرة الاهتمام.

ويسعى المعرض الذي يتواصل إلى غاية 26 من يونيو الجاري، إلى فتح نقاش حول من ينعتون بـ”المجانين” في المجتمع، ومحاربة الصور النمطية التي تلاحقهم وتدفع العديد منهم نحو العزلة والإنطواء.

فكرة المعرض الفوتوغرافي

ويعتبر معرض “جمال وجنون” حسب منظميه، مناسبة لتلاقي عوالم متباينة يهتم جميعها بالصحة العقلية، والغوص في أدق التفاصيل التي تعبر عن حاضر “نزيلات ونزلاء” الجناح 36 للأمراض العقلية الدار البيضاء.

وإلى جانب كونها معالجة نفسية، تعتبر بشرى بن يزة نفسها فنانة تجمع في عملها بين الطب والفن تقول بشرى: “فكرة تنظيم معرض صور فوتوغرافية حول واقع المرض النفسي لم تأت من فراغ، حيث كنت أحرص منذ بدأ عملي بمركز الأمراض العقلية على توثيق لحظات ومواقف مختلفة من حياة المرضى عبر التقاط صور فوتوغرافية”.

وتضيف الأخصائية التي التقاها موقع “سكاي نيوز عربية” في معرض “جنون وفنون”: “لقد بدأ التفكير في الانفتاح على العالم الخارجي من قبل مركز الأمراض العقلية عبر هذا المعرض قبل حوالي السنة، وكان هناك اقتناع بأن استخدام فنون إبداعية يشكل أفضل وسيلة للتواصل، كما كان الاقتناع أيضا بأن استثمار الرموز والأشكال والحركات في الصور الفوتوغرافية يحفز المرضى على التعبير عن أنفسهم، ويمنحهم القدرة على فهم ذواتهم”.

تجاوب المرضى

وقد حرصت الأخصائية النفسية على مراعاة خصوصيات الأفراد بعدم الكشف عن ملامح وجوههم في الصور، التي قامت عدستها بالتقاطها بفنية عالية، مؤكدة بأن الأمر يتعلق بحالات تعاني من اضطرابات نفسية شديدة تشمل حالات الاكتئاب المزمن والانفصام في الشخصية وثنائي القطب وغيرها من الأمراض.

كما أوضحت المتحدثة أنها حرصت على تقديم المرضى في معرض الصور في أبهى حلة إلى العالم الخارجي، بعيدا عن تلك الصور النمطية التي تكونت لدى فئة عريضة من المجتمع المغربي عن المرضى النفسيين، والتي ترتبط لدى أغلبهم بمظاهر العنف أوالضعف أو الانهيار.
ووصفت الدكتورة بن يزة، التفاعل الإيجابي للمرضى خلال حصص التصوير بـ”المعجزة”، مستطردة أن علاقة الثقة التي تجمعها بهم سهلت مهمتها وساهمت بشكل كبير في اندماجهم في أجواء التصوير وجعلت مهمتها أسهل.

الفن لمحاربة الصور النمطية

وتسعى الدكتورة بن يزة من خلال معرض الصور الفوتوغرافية إلى إيصال صوت عشرات المرضى في المركز الاستشفائي، عبر نقل المعرض لمدن أخرى خارج الدار البيضاء من أجل توسيع دائرة التوعية لتشمل أكبر عدد من المغاربة.

تقول المتحدثة إن الهدف من معرض “جمال وجنون” هو تغيير الصور النمطية السلبية التي ارتبطت بالمرض العقلي و بفئة استسلمت للصمت والنسيان بسبب ذلك، إلى جانب التوعية بأهمية دعم المرضى ومساعدتهم على الاندماج في المجتمع بعد تلقيهم العلاج في المركز.

من جهتها، ترى ليلى فتحي، الممرضة المتخصصة في الطب النفسي بمركز الأمراض العقلية ابن رشد، أن المريض النفسي يعيش نوعا من التهميش داخل المجتمع ولا يلقي الاهتمام اللازم.

وتستطرد ليلى في تصريح ل”سكاي نيوز عربية”، أن الصور التي تم التقاطها بعد حصص العلاج بالفن، تندرج في إطار التحسيس بواقع المريض، معتبرة أن هذا النوع من العلاج يساعد المريض على تخطي حاجز العلاقات الاجتماعية وعلى منحه جرعة من الثقة من أجل الاندماج في المجتمع والخروج من عزلته.

تجاوب الجمهور مع المعرض

واستقطب معرض “جمال وجنون” طيفا من الزوار الذين عبروا لـ”سكاي نيوز عربية” عن انبهارهم بجمالية الصور المعروضة وتنوعها، مثمنين اختيار القائمين على المعرض التطرق لموضوع طالما ظل مسكوتا عنه.

يقول منير البطاش أحد زوار المعرض: “إنها تجربة فريدة من نوعها، ولم يسبق أن تم فتح أبواب معرض في وجه العموم من أجل تقريبهم من واقع الأمراض العقلية”.

ويصف البطاش المعرض بكونه جسرا للتواصل بين المجتمع والمرضى العقليين، مبرزا أهميته في لفت الانتباه إلى فئة تعاني في صمت ويطالها النسيان.

أما عبد الرحمن بولكوط، الذي ساقه الفضول لزيارة المكان، بعد أن بلغه احتضان المدينة لمعرض للصور يجمع بين الفن والعلاج النفسي، فقد أشاد بالقوة الإبداعية لصاحبة الصور، والتي قربت العموم من واقع المرضى العقليين داخل مركز العلاج بوسيلة فنية تنطوي على الكثير من المشاعر والأحاسيس الصادقة.

وعبر بولكوط، عن سعادته لإقامة هذا النوع من المعارض التي تكسر الطابوهات المرتبطة بقضايا المجتمع، وهو ما يساهم في تغيير النظرة السلبية تجاه من يعانون من اضطرابات نفسية، ويفسح المجال لإبراز الوجه الإيجابي والمشرق للمرضى العقليين، من خلال أعمال فنية وإبداعية تجسد سمو الجمال على الجنون.