المناظرات الدعوية .. ما لها وما عليها

المناظرات الدعوية ما لها وما عليها - محمد العباسي لا بد أن يكون المناظر على علم وفطنة ودارية ويحسن التفنن في الكلام والعرض- د طلعت عفيفي سالم المناظرة وسيلة هامة من الوسائل القولية لتبليغ الدعوة- د إبراهيم محمد قاسم الأصل في الدعوة إلى الله أن يقوم الداعية بتعريف الإسلام تعريفا صحيحا- محمد الدويش هذه المناظر..

– محمد العباسي: لا بد أن يكون المناظر على علم وفطنة ودارية ويحسن التفنن في الكلام والعرض.
– د. طلعت عفيفي سالم: المناظرة وسيلة هامة من الوسائل القولية لتبليغ الدعوة.
– د. إبراهيم محمد قاسم: الأصل في الدعوة إلى الله أن يقوم الداعية بتعريف الإسلام تعريفا صحيحًا.
– محمد الدويش: هذه المناظرات تقلل من جرأة المنحرفين و أصحاب الشبهات؛ وذلك لأنهم يشعرون أنهم سيتعرضون للنقد والحوار.
size=3>
……………………………
كثرت المناظرات في الآونة الأخيرة في القنوات الفضائية وأصبحت تشغل حيزًا ملحوظاً في برامج تلك القنوات، وتبع ذلك إقبال كثير من الناس على مشاهدتها ومتابعتها.
ومن الملاحظ أن كثيرًا من هذه المناظرات يتعلق بسبب أو بآخر بأمور الدين وعقائده وتشريعاته، فكثيرًا ما يظهر عالم أو داعية من الدعاة ليناظر رجلاً من أصحاب الفكر المخالف.
وهنا يظهر السؤال الملح ما هو موقف الإسلام من عقد مثل هذه المناظرات؟ وما هي الضوابط الشرعية لإقامتها؟ وبالتالي ما هي الآثار الإيجابية أو السلبية التي قد تنتج عنها؟.
الأساس في الدعوة إلى اللهsize=3>
بداية يحدد الدكتور إبراهيم محمد قاسم (الأستاذ بجامعة الأزهر) الأصل في الدعوة إلى الله وهو أن يقوم الداعية بتعريف الإسلام تعريفا صحيحا موافقا لما كان عليه البني صلى الله عليه وسلم في دعوته لقومه مع التزام الحكمة والموعظة الحسنة في الدعوة ، وأن يكون على بصيرة من أمره لقوله تعالى: “قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني” ، مع الحرص على بيان ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم عملا بقوله: “بلغوا عني ولو آية”،
كما ينبغي عليه أن يكون حكيمًا في عرض موضوعاته مبتعدًا عن مواطن الشبهات والشكوك والموضوعات التي تزيد من حيرة الناس، متوقيا الحرص في مواجهة القضايا العصرية والأمور التي تثور بين الحين والآخر، وإذا أثيرت شبهة أو وجه إليه أمر من الأمور واحتاج إلى المناظرة فعليه أن يدرك جوانب القضية المختلفة ويرد عليها أو يناظر عنها بما يزيل الشبهة فيها ويظهر الحق من خلال القرآن والسنة ومن خلال المعروف من الشريعة الإسلامية.
أما أن ينصب الداعية نفسه لتلقي الشبهات والرد عليها من خلال المناظرات وغيرها ويظن أن هذا هو الدعوة إلى الله ، فإن هذا الكلام باطل وليس هو منهج الدعوة الذي سار عليه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه من بعده، بل وليس هذا هو منهج القرآن في دعوة المشركين إليه .

المناظرات من وسائل الدعوةsize=3>
وإذا كان هذا هو الأصل في الدعوة إلى الله، فإن هذا لا يعني إلغاء المناظرات..
يقول الدكتور طلعت عفيفي سالم (عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الأزهر): المناظرة وسيلة هامة من الوسائل القولية لتبليغ الدعوة يترتب عليها إقناع المعارضين والمعاندين، وشرح حقائق الإسلام بأسلوب حكيم وحجة دامغة، وهى تشبه الخَطابة إلا أن الخطابة تكون من طرف واحد، والمناظرة تكون بين طرفين أو أكثر كل يرى أنه على صواب وغيره على خطأ.
وكونها وسيلة من وسائل الدعوة يجعلها جديرة باهتمام الدعاة بها، وحرصهم على الإعداد الجيد لها، والإحاطة بما لدى الآخرين من شبهات، والاستعداد المناسب للرد عليها، حتى لا يترتب عليها أثر سيئ يؤدي إلى إبطال هذه الوسيلة أو التقليل من فائدتها.

وسيلة قرآنيةsize=3>
ويضيف الشيخ محمد عيد العباسي: بأن المناظرة لا تعتبر وسيلة للدعوة فقط بل هي أيضا وسيلة من وسائل الدفاع عن الإسلام والرد على دعاة الباطل، وهذا الأسلوب استخدمه القرآن الكريم في جداله مع أهل الكفر والضلال لإقناعهم ببطلان ما هم عليه وبينان هدي الإسلام والدفاع عنه، فالله جل وعلا يقرر الكفار ببطلان عقائدهم وعباداتهم من خلال ما يطرحه عليهم من مسائل وأمور طالبا الجواب عليها.
هذا بالإضافة إلى ما قصه الله جل وعلا في كتابه العزيز من مناظرة إبراهيم عليه السلام مع قومه في عبادتهم ما لا يملك لهم نفعا ولا ضرًّا، مبينا لهم بالحجج الدامغة بطلان ما هم عليه وذلك في سور عديدة من القرآن، وكذلك حكى الله جل وعلا مناظرة إبراهيم عليه السلام أيضا مع الملك الكافر (النمرود) الذي ادعى الألوهية في سورة البقرة، وكيف أن هذه المناظرة كانت وسيلة لإظهار كذب هذا المدعي وبيان ما هو عليه من الضلال.
وكذلك رسل الله جل وعلا استخدموا وسيلة المناظرة في تبليغ شرع الله وإظهار الحق كما حدث من موسى مع فرعون وغيره.

المناظرات أمر ضروريsize=3>
ويرى الشيخ محمد بن عبد الله الدويش (المحاضر بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقا): أن المناظرات الدعوية أصبحت أمرًا هامّا في هذا العصر، وأصبح وجودها في تلك القنوات من الأمور التي يجب العناية بها؛ وذلك للأسباب التالية :
1- الدفاع عن الحق: فإن المخالفين للإسلام والطاعنين فيه والذين يحاولون تغييره وطمس معالمه وتشويهه، هؤلاء بطبيعتهم يتحدثون ويكتبون ويستمع الناس لهم فإذا وجد من يناقشهم ويجادلهم صار هناك رداً لكثير من شبهاتهم وإقناعهم للناس .
2- الأمر الثاني: أن هذه المناظرات تقلل من جرأة مثل هؤلاء المنحرفين أصحاب الشبهات؛ وذلك لأنهم يشعرون أنهم سيتعرضون للنقد والحوار والاعتراض، وبالتالي سيجعلهم يتريثون فيما يطلقونه من شبهات وتلبيس على الناس خشية أن يفتضح أمرهم على الملأ.
3- الأمر الثالث: أن هذه المناظرات نوع من إنكار المنكر الواجب إنكاره، فكل كلام يقال ويخالف شرع الله أو يحاول النيل منه أو يكون المقصود منها السير في ركاب التغريب فإنه منكر يجب على الدعاة إلى الله إنكار المنكر قدر استطاعتهم.

أما إيجابيات هذه المناظرات فيمكن إجمالها فيما يلي:
1- أن هذه المناظرات – والكلام للشيخ الدويش_ ترتقي باللغة الإسلامية والحوار الإسلامي إلى الأعلى، لأنه حين يتحدث العالم والداعية مع مريديه وتلاميذه وأتباعه فإنهم يستمعون وينصتون لما يقول، أما حينما يجدون من يناقشهم ويناظرهم فإن هذا أدعى إلى اقتناعه بما يقول وأدعى إلى امتلاك أدوات الحوار والمناظرة والإقناع، وهذا سيفيده في قضايا أخرى كثيرة منها إقناع ا لناس ونجاح الحوار مع الإسلاميين في كثير من ا لقضايا التي تدور بينهم.

2ـ  إبراز الصوت الإسلامي كصوت قوي له جهوده ومكانته؛ فإنه عندما يناقش أمثال هذه التيارات يثبت أنه تيار موجود في الساحة.

الضوابط الهامة لمثل هذه المناظراتsize=3>
وإذا كانت المناظرات بهذه الأهمية ولها تلك الإيجابيات فإن هناك ضوابط معينة لا بد من توافرها حتى تؤتي هذه المناظرات ثمارها.. يحدثنا الشيخ محمد العباسي عن بعض هذه الضوابط فيما يلي:
1- لا بد أن يكون المناظر على علم وفطنة ودارية ويحسن التفنن في الكلام والعرض، فالعلم وحده لا يكفي، بل لا بد أن يكون ماهرًا حسن العرض بليغا حتى لا يستطيع خصمه التغلب عليه بحسن الأسلوب وقوة البيان.
2- أن يمتلك الأسلوب الحكيم البليغ الذي يستطيع من خلال إظهار الحق والدفاع عنه مع الرفق في مناظرته، خاصة إذا كان المناظر يناظر عن جهل ، كما يجب عليه معرفة الحجج العقلية وكيفية الرد عليها حتى يستطيع مواجهة ما يقدم عليه بعض المناظرين من التلبيس على الناس العوام بسبب قوة حجة العارض وعدم وجود أحد يستطيع الرد على تلك الحجج .
3- لا بد في المناظر من إخلاص النية لله جل وعلا في مناظرته هذه وإلا كانت حرامًا ووبالاً عليه. والإخلاص من أسباب ظهور الحق والرفعة وانتفاع الناس به، ورحم الله الشافعي حين يقول: “وددت أن يظهر الله الحق على لسان غيري إذا ناقشته”. فلا يكن مقصوده التغلب على خصمه ومناظره، بل مقصوده ظهور الحق للناس للعمل به والتعرف عليه.
4- التفريق ـ كما يقول الشيخ الدويش ـ بين الحكم الشرعي والرأي الخاص، فرأينا الشخصي نقول إنه رأينا الشخصي، أما الحكم الشرعي خاصة إذا كان يستند إلى نص ظاهر واضح الدلالة لا بد أن نعرضه على أنه نص شرعي.
5- ويضيف الشيخ الدويش: ومما يلحق بذلك أنه يجب عل المناظر أن يفرق بين فهمه هو للشرع وبين حكم الشرع، فقد يفهم المناظر مسألة شرعية بطريقة معينة لكون المسألة محل اجتهاد فيسوغ فيه ذلك ولكن لا يعرض ذلك على أن هذا الفهم قطعي لا مجال فيه.
6- التأكيد الدائم على أن الالتزام بالشرع لا خيار للناس فيه، ولا يجوز للإنسان أن يتبنى رأيا يخالف الشرع مخالفة صريحة، فلا يبدأ المناظرة والحوار حتى يعلم الناس أنه لا يقر الشخص الآخر على ما يقوله ولا يتعامل معه على أنه يرضى بوجهة نظر مخالفة للشرع.
7- ويؤكد الدكتور طلعت عفيفي على أنه ينبغي على الداعية والمناظر الاستعداد للمناظرة بكثرة القراءة حول الموضوع المطروح، ومعرفة ما يثيره الخصوم بشأنه من شبهات وحجج، وحبذا لو استفاد مما جرى من مناظرات مماثلة وذلك بالاطلاع عليها فإنها مما تزيد في ثقافة الإنسان وتوسع مداركه، وإذا لم يجد الداعية نفسه أهلاً لها فأولى به الانسحاب؛ حتى لا يسييء إلى نفسه، وإلى الدعوة.

أمور ينبغي الحذر منهاsize=3>
ومع أن المناظرة أمر هام في الدعوة إلى الله جل وعلا ووسيلة هامة إلا أن هناك بعض الأمور ينبغي على المناظر الحذر منها، يذكر بعضها الشيخ الدويش فيقول:
1- عدم المناظرة في قضية مسلمة في الشرع وجعلها محل نقاش هل نقبلها أو لا؛ فإن هذا الأمر يؤدي إلى مفاسد كثيرة وفيه من الاعتداء على شرع الله جل وعلا ما فيه.
2- عدم إقرار المعاندين لشرع الله على نشرهم لآرائهم وأفكارهم المخالفة للدين، والله جل وعلا يقول “وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا”.
3- عدم التساهل في نقاش هؤلاء بما يخالف الشرع، فلا يقال مثلاً لمناظر في مسألة تخالف الشرع أنا أحترم رأيك وأقدر ما تذهب إليه أو نحو ذلك إذا كان الطرف الآخر يناقض مسألة معلومة من مسائل الدين الإسلامي، وعلى المناظر في هذه الحالة أن يحذر أن يتعامل مع هؤلاء في مثل هذه المسائل على أنه يتعامل مع وجهة نظر أو مجرد رأي .
4- ينبغي للمناظر الحذر من الكلام بغير علم، سواء كان ذلك في قضايا معاصرة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو غير ذلك، بل عليه أن يلم بالعلم في هذا الجانب قبل الحديث فيه؛ لأن الحديث فيه بدون علم تؤدي إلى زعزعة الثقة فيه أمام الناس.
5- ليحذر المناظر من تحويل المناظرة إلى انتصار للنفس وقصد الشهرة والظهور؛ ولذا فعليه أن يبتعد عن الألفاظ التي يراد منها استنقاص المناظر الآخر والكلام الشخصي عن المناظر ونحو ذلك.

سلبيات المناظرات العامةsize=3>
ونأتي الآن إلى قضية هامة وهي ما هي السلبيات التي يمكن أن تترتب على هذه المناظرات؛ وذلك حتى يمكن الخلاص منها وتلافيها قدر الإمكان.
الشيخ العباسي يرى أن هذه المناظرات قد تشتمل على سلبيات تعيق الهدف الصحيح منها، وبالتالي تتحول إلى أداة هدم بدل من كونها وسيلة دعوية، وذلك كما لو كان الهدف من المناظرة حب الظهور ومجرد الحديث وإظهار قوة المناظر وحسن تعبيره وكلامه .وكذلك كما لو كانت المناظرات الهدف منها التعصب لمذهب من المذاهب والرد على الآخر دون الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله .

ويضيف الشيخ الدويش: إن هذه المناظرات في بعض الأحيان قد تكون إضعافا للحق وإظهارًا للباطل، كما لو كان المناظر ضعيفًا وكون المناظر الآخر أقوى منه حجة ومعرفة وبيانا، حتى إنه في بعض الأحيان لو لم يأت أحد من الصوت الإسلامي للمناظرة لكان أفضل وأحسن لأن من يستمع لهذا المغرض سيقول إن هذا الشخص لم يجد من يسكته ولو كان هناك مناظر لرد عليه فيظل الباطل واضحا جليا لا لبس فيه.

ويؤكد الدويش أخيرًا على أن قضية المناظرات موزونة ومرتبطة بمصالح الناس لا يمكن إطلاق حكم عام في هذا الأمر، فلا نقول بمنع المناظرات ولا نقول بضرورة وجودها، فقد يجب ويتعين إذا كان الشخص يستطيع أن يظهر الحق، وقد يحرم إذا كان الشخص ضعيفًا وسيؤدي خروجه للمناظرة إلى ما هو أشد من عدم خروجه

Source: islamweb.net

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *