الناس التي تحكم بالمظاهر ، يرون أن رجل كبير السن كان يجلس مع ابنه الذي عمره 25 عامًا في قطار، وكان ابنه شديد الذهول والانبهار والفرح بما يشاهده من خلال نوافذ القطار من مناظر خلابة، وأخرج يده من النافذة ليستمتعأكثر، ثم شعر بالسعادة أكثر عندما لمس الهواء يده، وما كاد يحدث ذلك حتى صرخ (( أبي انظر إلى تلك الأشجار إنها تسير وراءنا)).
ففرح الأب وظهرت الابتسامة على شفتيه عندما رأى مدى سعادة ابنه الغامرة.
وواصل ابنه الصراخ والفرح حتى وصل إلى الجالسين بالقرب منهم، والذين شعروا بالإحراج والانزعاج لرؤية شاب في هذا العمل يتصرف كأنه طفل صغير.
وواصل الابن صراخه إلى أبيه ((أبي انظر إلى الغيوم إنها تتحرك مع القطار، وانظر إلى الحيوانات والبركة التي تعوم بها))، ثم هطل المطر وعندما لامس وجه الابن بدأ بالصياح ((إنها تمطر)).
وفي ذلك الوقت انزعج الجالسون وسألوا الأب ((لماذا لا تأخذ ابنك إلى الطبيب لكي يحصل على العلاج المناسب؟))، فابتسم الأب وقال لهم ((لقد كنا عند الطبيب فعلًا، ولقد أصبح ابني بصيرًا لأول مرة في حياته)).
نتلفت حولنا كثيرًا هذه الأيام لنجد العالم ممتلئ بالأشخاص الذين يحكمون علينا أو على غيرنا بمجرد مظهرهم، يطلقون العنان لمخيلاتهم وأفكارهم لتنشئ لهم عالمًا من الأحكام التي قد يكون أغلبها غير صحيح، فيحكمون على هذا بأنه منافق، كذاب، مغرور، متجمل وغيرها فقط من الشكل الخارجي فقط.
وبالتأكيد هذا غير صحيح، فسوء الظن والحكم على الآخرين ليست من الشيم والقيم الإنسانية، وقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- : ( إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم).
لا تحكم على الناس بمظاهرهم :
لا يجب أن يكون الإنسان ممن يحكم على غيره دون تفكير، فكثير ممن يحكم عليم بأنهم سيئين أثبتت الحياة فيما بعد أنهم أشخاص رائعين، فلا يجب التعجل في الحكم على الآخرين بمظهرهم حتى لا يتحول الأمر إلى مرض يصيب الإنسان.
وكما قال المثل الإنجليزي قديمًا لا تحكم على الكتاب من غلافه، فكذلك الآخرين لا نحكم عليهم من أشكالهم وصورهم بغير علم، فكثيرًا ما ينتشر هذا الأمر في المجتمعات، فنجد بعض الناس يصدرون الأحكام وفقًا لملابس شخص، أو طريقة كلامه، ثم سرعان ما يشعرون بالندم لاكتشاف خطأ هذا الحكم، فليس كل ما يلمع ذهبًا.
وأكثر الناس تحكم على الآخرين من خلال موقف واحد حدث معهم، ولكن لا يكفي موقف واحد للحكم على الشخص الآخر، ويمكن أن يؤدي الحكم على شخص معين إلى الحكم على جماعة لانتمائهم إليه أو لعلاقة تربطهم به، بينما لا يكون في الحقيقة لديهم صلة أو دخل به، وهذه في النهاية كلها مظاهر تدل على التسرع في إصدار الأحكام، وهي ليست من حق أي شخص، بل يجب إعطاء كل فرد حقه في التعبير عن نفسه وشخصيته.
وقد أضحى اليوم الحكم على الناس من خلال مكانتهم الاجتماعية والوظيفة التي يشغلونها، فينظر للفقير على انه شخص ضعيف لا قيمة له، ومن يمتلك السارات الفارهة وأحدث الثياب والماركات العالمية يلتف الناس حوله حيث ينظرون إليه باعتباره شخص مرموق وصاحب مكانة اجتماعية، ولكن من صنف الناس ومن سمح بأن تكون التقسيمات الطبقية هي المعيار؟!
فأصبح الناس يصدرون المعايير التي على أساسها يرفعون شخصًا إلى أعلى عليين، أو يحطون قدره إلى أسفل السافلين، رغم أنه ليس كل من لبس الحرير أمير، وليس كل من نام بدون سرير فقير، فكم من جسد تحت الحرير حقير، وكم من فقير بدون سرير أمير.
الدين والحكم على الآخرين :
الإسلام يدعونا إلى إحسان الظن بالناس وافتراض الخير فيهم دائمًا، والبعد عن سوء الظن، لأن دواخل الناس وأسرارهم لا يعلمها إلا الله (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).
فعندما نقابل شخص حزين فهذا لا يعني أنه معقد أو كئيب، بل يمكن أن يكون لديه أمر أهمه وأثقل كاهله جعله غير قادر على الفرح والابتسام وربما يكون ذلك أمر مؤقت لديه.
وعندما نرى فتاة غير محجبة فهذا لا يعني عند اهتمامها بالإسلام وتعاليمه بل قد تمتلك في قلبها حب لله ورسوله ولكنها غير قادرة على اتخاذ تلك الخطوة ولا يوجد من يساندها، بل يجب أن ندعو لها ونقدم لها النصحية بلطف.
إن سوء الظن بمثابة اللغم الذي يفجر العلاقات بين اللأفراد، ويدمر الصلات داخل المجتمع، كما أنه يقكك الروابط والأواصر بين العائلات، ويبلد المشاعر بين الناس، لذلك حرص الإسلام على إراحة القلوب بحسن الظن بالناس وافتراض النوايا الحسنة، فقد قال الرسول الكريم : ( رُبَّ أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبرَّه).
نصائح قبل الحكم على الآخرين:
- نهانا الإسلام عن التسرع في الحكم على الآخرين لأننا قد نظلم شصًا عزيزًا، ونرفع شخصًا وضيعًا.
- التروي قبل اتخاذ القرارت بخصوص الآخرين.
- عدم التسرع في الحكم على الآخرين قبل معرفتهم جيدًا، وتذكر أن الظل لا يعكس الحقيقة.
- إحسان الظن بالآخرين قبل اتهامهم.
- معاملة الناس بما يظهرون لنا، فالله يتولى ما بداخلهم.
- عدم الحكم على الآخرين من ماضيهم.