الناقد اليمني مُحيي الدين سعيد: القارئ العربي ليس حجر الزاوية في توجيه الإبداع

صنعاء ـ « القدس العربي»: في هذا الحوار نقترب كثيراً من معاناة جيل من أدباء ونقاد اليمن ومقاربة ما يعانيه هذا الجيل وفق تجربة ورؤية الناقد والباحث مُحيي الدين سعيد، الذي صدرت له رواية «عرق الأرض»، ومؤلفات في النقد والبحث الأدبي ضمن تجربة تعكس واقع بلادها… هنا تناقش معه «القدس العربي» آراءه إزاء تجربته والحياة […]

الناقد اليمني مُحيي الدين سعيد: القارئ العربي ليس حجر الزاوية في توجيه الإبداع

[wpcc-script type=”85d386fc6827c0cfd3e03223-text/javascript”]

صنعاء ـ « القدس العربي»: في هذا الحوار نقترب كثيراً من معاناة جيل من أدباء ونقاد اليمن ومقاربة ما يعانيه هذا الجيل وفق تجربة ورؤية الناقد والباحث مُحيي الدين سعيد، الذي صدرت له رواية «عرق الأرض»، ومؤلفات في النقد والبحث الأدبي ضمن تجربة تعكس واقع بلادها… هنا تناقش معه «القدس العربي» آراءه إزاء تجربته والحياة الثقافية في بلاده خلال الحرب:

الرواية

■ عقب صدور روايتك «عرق الأرض» قبل أكثر من عقد… لم تتكرر التجربة باستثناء رواية مخطوطة حد علمي كأن السؤال يفترض تعثراً ويبحث عن أسبابه في علاقتك بالرواية؟
□ لقد بدأت سارداً، كما تعرف، وبدأتُ حياتي بكتابة القصة، وكنتُ استخدمها كمحفزات إبداعية لتلاميذي في الإعدادية راضياً بقراءتها لهم بدون نشرها… التعثر في كتابة الرواية وتكريس اسمي كروائي، جاء لاحقاً؛ ربما بعد اكتشافي ما تتطلبه الرواية من جهدٍ واشتغالٍ وتقنيات في ظل انشغالي، أولاً، بعملي في المدارس، وثانياً لقيود فرضها عملي التجاري البسيط، ذلك حال دون استمرار اشتغالي بكتابة الرواية؛ وخوض تجربة أخرى إلا في وقت متأخر وعلى استحياء وببطء. احترمُ الاشتغال على الرواية؛ وانطلاقاً من ذلك لا يمكنني خوض تجربة جديدة إلا وفق شروط الرواية وما تقتضيه من استقرار يتيح الاشتغال والاستمرار.
■ ألم يشجعك الزخم الروائي للكتاب اليمنيين الشباب على استئناف التجربة؟
□ كنتُ، بموازاة هذا الزخم، قد اتجهتُ للكتابة النقدية والعامة والسياسية كنسق ثقافي متغير؛ وخلال اشتغالي على هذا النسق وجدتُ نفسي أنظرُ لتجارب الشباب في الرواية كامتداد لتجربتي، وربما اكتفيتُ بموقف الراهب المتعبد في محراب الرواية والنظر لتجارب الروائيين اليمنيين الشباب بعين الأب الحنون والناقد المثابر.. فحينها كنتُ قد اتجهتُ للكتابة النقدية ملتزماً المنهج التكاملي؛ ولعل هذا ما يحتاجه المشهد الروائي اليمني.

مازال هذا النقد يسير على استحياء وخجل في تناول تجارب الأجيال الشابة، بل نستطيع القول إن النقد الأدبي في اليمن، في أحيان كثيرة، كان عائقاً أمام تطور تجارب مبدعين شباب متميزة.

■ هل أفهم أنك وجدت ذاتك ناقداً؟
□ بطبيعة الحال يظل المبدع يتنقل تجريبياً بين الأجناس الأدبية، لاسيما مع غياب الموجه ومكتشف الذوات وغيرها مما يرتبط بعوامل التكوين؛ إلى أن يستقر على جنس أدبي أو مجال ابداعي يستهويه أكثر ويغويه؛ فالإبــــداع كأنه غــواية رشيدة؛ والمبدع قادر على الإبداع والتجديد بما تتيحه له مواهبه ودراساته وثقافته ومثاقفته وأن يكون رقماً مختلفاً متميزاً برؤيته وبأسلوبه ولغته. بالنسبة لي كأني، بصدق، لم أحرص على تكريس نفسي في مجال ما، وإن كان اسمي ارتبط كثيراً بصفة الناقد والباحث.

الناقد والمبدع

■ من واقع اشتغالك على هذه التجربة؛ كيف ترى مشهدية النقد في علاقته بالمبدع والإبداع في اليمن في ظل تدني ثقافة الاختلاف كنتاج لحالة سياسية كرست ثقافة الاستبداد؟
□ بطبيعة الحال لا يوجد نقد واكب، بشكل صحي، تجارب الإبداع في اليمن. لقد ظل النقد لمراحل في تاريخ الأدب اليمني الحديث والمعاصر يتعامل بعين التقدير والاحترام، بل والتقديس لتجارب كبار المبدعين ممن فرضوا وجودهم واحترامهم على الجميع، بينما مازال هذا النقد يسير على استحياء وخجل في تناول تجارب الأجيال الشابة، بل نستطيع القول إن النقد الأدبي في اليمن، في أحيان كثيرة، كان عائقاً أمام تطور تجارب مبدعين شباب متميزة؛ سواء من حيث التزام الاحتفاء أو افتعال الصدام. ظل النقد في اليمن يفتقد لعلائق منضبطة تجعله مواكباً وملتزماً وبخاصة في علاقته بتجارب أجيال المبدعين الشباب… فبقي متذبذباً انتقائيا. إلا أن ذلك لا يجعلنا نتجاهل تجارب نقدية يمنية حرصت، قدر الإمكان، على مواكبة الإبداع وإنزاله مكانته التي يستحقها، لكن النقد لم يلتزم استمراراً ومواكبة في مجمله.. وبالنظر إلى العوامل والظروف التي أوجدت هذا الواقع سنجدها هي نفسها العوامل والظروف التي أوصلت البلاد إلى نفق الحرب؛ فحالة عدم استقرار الحياة العامة تنعكس على الحياة الفردية والمشاريع الخاصة، وأظن تلك العوامل والظروف أنها كانت سبباً في تعقيد مهمة الناقد اليمني في علاقته بالتزاماته تجاه الإبداع، فالمسألة مترابطة ونتاج واضح لثقافة الحاكم المستبد.

النقاد الأكاديميون

■ بالنظر لواقع النقد الأكاديمي ومقارنته بالنقد من خارج الوسط الأكاديمي… كيف ترى واقع هذه التجارب، وما صارت إليه تحت نير الحرب؟
□ من وجهة نظري فمازال النقاد من خارج الوسط الأكاديمي هم الفاعلون؛ فهؤلاء، وعلى الرغم مما حل بالوطن جراء الحرب، مازالوا حاضرين في المشهد بصرف النظر عن نسبة الحضور، فعلى الأقل هم حاضرون في مشاركاتهم في منابر الأنشطة الثقافية المتبقية… بعدما عملت الحرب على محاصرة كافة أشكال الحياة، بما فيها الحياة الثقافية؛ فالنشر الثقافي أصبح تحت الصفر، حيث أن دُور النشر أُغلقت ومراكز بيع الكتب والمكتبات تصارع من أجل البقاء، وبعدما كانت تصدر في اليمن عشرات، بل مئات الصحف لم يعد هناك أي صحيفة يُعتد بها، كما توقف نشاط معظم منابر الثقافة بما فيها المواقع الثقافية على شبكة الإنترنت حتى تصفح مواقع الإنترنت صار بطيئاً، بل إن معظم المواقع محجوبة أو مسيسة. أما عن النقاد الأكاديميين فكثير منهم هاجر إلى خارج البلاد، كما كانوا قبل هجراتهم يكتبون وفق التزامات كراسيهم العلمية، بعيداً عن حاجة الإبداع ومواكبته. لقد فاقمت الحرب من معاناة الحياة الثقافية لدينا. نحن نعيش مرحلة لم نتصور مسبقاً أننا سنصل إليها.

من يتأمل تجارب المبدعين الشباب في اليمن يجد تراكماً كمياً توازيه نوعية محدودة جداً أقل بكثير مما نجده في الأجيال السابقة.

العقل النقدي

■ لكن لو نظرنا للمشكلة بشكل أعمق سنجدها تتجاوز الناقد إلى القارئ وقبله الناشر؛ فقراءة النقد تحتاج لقارئ شغوف بالكشف مثلما هو شغوف بتتبع الجديد، فوعي القراءة النقدية غائب أو مساحته ماتزال محدودة؛ وبالتالي لا يمكن التعويل على الناقد الأدبي وحده؟
□ بلا شك إن العملية الابداعية هي منظومة من حلقات مترابطة تبدأ بالمبدع وتنتهي بالقارئ الناقد، الذي هو مبدع ثان للنص يلي الناقد الأدبي في مهمة التفكيك وإعادة القراءة، من خلال أساليب النقد الحديث ومناهجه… والقارئ اليمني ليس حجر الزاوية في توجيه الإبداع عموماً وكذلك القارئ العربي؛ لأن المشكلة مرتبطة بالسياسة الاقتصادية أو الاقتصاد السياسي وبسياسة التعليم عموماً في الوطن العربي. والمبدع العربي، هنا، ﻻ يخشى القارئ مثله مثل المعلم في فصول الجامعات، فمادام التلاميذ غير قادرين على مناقشة المعلم عن علمٍ ودراية؛ فهو سُيلقي عليهم ما يُريد، بينما هم يعتبرون درسه من المسلمات، وهذا كله مرتبط بثقافة التربية والتعليم لدى المجتمع والدولة جراء غياب أنساق الثقافة الفاعلة فكيف تتوقع من قارئ في هذا المستوى أن يكون مبدعاً ثانيا لنصٍ إبداعي أيا كان؟ هذا كمثال. حضور العقل النقدي العربي، مازال محدوداً، وهو أمر تترتب عليه إشكالات كثيرة في الإنتاج والتلقي الابداعيين… إشكالات لدى المبدع والناشر والناقد والمؤسسة الثقافية والقارئ.

المبدعون الشباب

■ في الأخير: من يتأمل تجارب المبدعين الشباب في اليمن يجد تراكماً كمياً توازيه نوعية محدودة جداً أقل بكثير مما نجده في الأجيال السابقة… هل المسألة مرتبطة بتحولات الفاعلية الثقافية العامة في الدولة والمجتمع؟
□ نعم؛ فعلى صعيد كتاب القصة القصيرة، مثلاً، يمكنني القول أن لا أحد استطاع من أدباء تسعينيات القرن الماضي مواكبة بداياتها وما بعد بداياتها من تجارب نوعية باستثناء أسماء قليلة جداً تقريباً، وهناك بعض اللمحات كانت وليدة شرارات ذاتية لدى البعض وسرعان ما انطفأت. ما ينطبق على كتاب السرد ينطبق على الشعراء الشباب حيث الموهبة ليست بذلك الزخم والنوعية التي مثلتها الأجيال السابقة… الأمر يعود للاستسهال والتعامل اللامسؤول مع التزامات العمل الإبداعي الأدبي تجاه الذات والقارئ والمحيط، وهي مشكلة يعاني منها المجتمع كنتاج لثقافة اللامبالاة التي كرسها النظام السياسي في مرحلة من المراحل، وأصبح فيها المبدع، هنا، يشتغل على تجاوز ظروفه المعيشية أكثر من اشتغاله على مشروعه الإبداعي، بل أحياناً يتوقف وينقطع عن الإبداع، وإن استمر يكون عمله دون المستوى لدى الكثير؛ لأنه لا يعطيه وقتاً كافياً والتزاماً واعياً يتيحه له استقرار حياته المعيشية القاسية وانضباط علاقته بالوقت، وبما يستلزمه مشروعه الإبداعي. ومع ذلك هنا في اليمن مجموعة من الساردين حققوا ويحققون حضوراً لافتاً في الرواية على المستوى العربي، مثلما هنا مجموعة من الشعراء الشباب سيكون لهم، بلا شك، شأن كبير في المستقبل القريب… فهؤلاء أصحاب مواهب حقيقية، وبدأوا يشقون طريقهم باقتدار نحو امتلاك شخصياتهم المميزة بما يجعل من قصائدهم إضافات نوعية للشعر العربي المعاصر، منهم: يحيى الحمادي، عمار الزريقي وإبراهيم طلحة وغيرهم لا يتسع المكان لذكرهم.

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *