النهضة: استقالات أم إعادة انتشار؟ وهل سيصبح “المكي” اردوغان تونس

مختار الورغمي

كان خبر استقالة أكثر من 100 قيادي نهضاوي صادما للبعض وكان مبعث نشوة للبعض الآخر ومر مرور الكرام بالنسبة لطيف واسع من التونسيين اللاهثين وراء لقمة العيش التي صارت عذابا. تقريبا غابت القراءات الموضوعية وطغت القراءات العاطفية كل من زاويته.

سنحاول في هذا المقال محاولة فهم ما يجري داخل حركة النهضة بعيدا عن منطق الانتشاء وأيضا منطق الحسرة. لفهم ما يجري داخل حركة النهضة لابد من العودة إلى الوراء قليلا.

تعود بدايات حركة النهضة إلى سنوات 1970 حين عرفت باسم ” الجماعة الإسلامية” وقد كان نشاطها في البداية دعويا بحتا وهو ما جعلها قريبة من السلطة آنذاك التي رأت فيها حليفا لضرب اليسار.أول خروج من الحركة كان عند ولادة مجموعة اليسار الإسلامي أو الإسلاميون التقدميون ( النيفر/ الجورشي) .لم يستطع الفصيل المنشق إثبات نفسه في الساحة وبقي يدور دوما في فلك الجماعة الأم.

سنة 1980 تمكنت السلطة من كشف التنظيم السري للجماعة وألقت القبض على الكثيرين ( المرحوم صالح كركر/ بن عيسى الدمني) ليتم فيما بعد طلب تأشيرة عمل علني باسم ” الاتجاه الإسلامي” لكن السلطة لم ترد.في نفس الفترة يقع القبض على الكثير منهم ومحاكمتهم . كان السجناء يجرون مشاورات مع من بقي في الخارج وجرت وساطات مع السلطة التي سمحت بإنشاء الاتحاد العام التونسي للطلبة آنذاك. لم تدم الهدنة طويلا ففي سنة 1986 /1987 يعود الصراع ويتم الزج بقرابة 8000 منهم في السجن.

إثر انقلاب الجنرال بن علي على الرئيس بورقيبة قام بإطلاق سراح قادة النهضة والتقى راشد الغنوشي ووقعت الحركة على الميثاق الوطني وغيرت اسمها في 1989 لتصبح حركة النهضة. كانت مشاركة الحركة في انتخابات 1989 بداية الصدام العنيف مع السلطة حيث قمع بن علي كل من كان قريبا من حركة النهضة. ترك الغنوشي رفاقه في السجن وغادر عبر الجزائر إلى لندن ليستقر هناك (سمح له بالمغادرة وأوصلته السلطة إلى حدود الجزائر) . ذهاب الغنوشي إلى لندن هو ثاني انقسام حيث أصبح هناك نهضة المهجر ونهضة الداخل التي ستلقي بضلالها على الحركة فيما بعد.بعد مغادرة الغنوشي لجأ الكثير من النهضاويين إلى دار التجمع للانخراط في الحزب الحاكم لضمان البقاء( هذا باعترافهم حين تحدثوا عن المندسين).وبقيت الحركة صامدة رغم التشتت.

حين انطلق حراك 17 ديسمبر2010 الكل يتذكر تصريحات راشد الغنوشي وما قاله عن هذا الحراك.ويذكر التاريخ أن قيادات مثل لبحيري وديلو وغيرهم لا أثر لهم في تحركات 2010 /2011 . بعد خروج بن علي عاد الغنوشي إلى تونس وترأس حركة النهضة التي فازت في انتخابات 2011 /2014 /2019 . بدأت بوادر الأزمة تلوح منذ مدة لكن سيطرة الغنوشي على مصادر تمويل الحركة كانت كافية لإخماد صوت المعارضين. الكل يتذكر ما كتبه محمد لسود وهو قيادي / استقالة عبد الحميد الجلاصي/ استقالة لطفي زيتون/ بيان مجموعة 100 الذي يطالب الغنوشي بالرحيل….من خلال ما تقدم نكتشف أن النهضة ليست حزبا ليبراليا مثل نداء تونس بل هي جماعة قد تختلف لكنها تغير تكتيكها لضمان البقاء .واليوم نجد الجلاصي مثلا الذي يعتبر مستقيلا أكثر الناس دفاعا عن النهضة.

اليوم راشد الغنوشي صار عبئا على الحركة ولكن التخلص منه مستحيل لأنه لن يترك مكانه مهما كان الثمن. عدة قيادات أخرى مثل المكي / ديلو/ بن سالم يعرفون أن بقاء الغنوشي يعني الفناء وربما العودة إلى السجون . استقالة المجموعة التي يتزعمها المكي لا تعني إطلاقا نهاية حركة النهضة وأعتقد أن المستقيلين درسوا التجربة التركية جيدا.في تركيا كان أردوغان قريبا جدا من نجم الدين أربكان لكنه غادر ليؤسس حزب العدالة والتنمية وليصبح رئيسا لتركيا فيما بعد ويبدو المكي مرشحا للعب نفس الدور. كذلك نجد أحمد داوود أوغلو الذي انفصل عن حزب العدالة والتنمية ليؤسس حزب المستقبل وقد قال عن استقالته ” أردوغان حرف الحزب عن مساره السياسي والديمقراطي” وهي تقريبا نفس الجملة التي وردت في عريضة الاستقالة في تونس فهل هي الصدفة؟.

حركة النهضة بزخمها الجماهيري الحالي تقريبا انتهت وربما يصدر حكما يقضي بحلها ( نفس الشيء وقع في تركيا)وقد يجد الغنوشي نفسه خارج المعادلة وربما تبقى حزبا صغيرا لا مكان له في المعادلة . المستقيلون سيؤسسون حزبا على شاكلة العدالة والتنمية بنفس المرجعية الإخوانية وبنفس الطرح وربما يكون صاحب المركز الأول في انتخابات 2024 . الساحة السياسية في تونس بعد 25 جويلية 2021 تشهد تغيرات بالجملة وقد تختفي أحزاب برمتها لكن حركة النهضة ستبقى بيافطة أخرى وتلك هي طبيعة الأحزاب العقائدية خاصة الدينية منها . كل قراءة عاطفية للمشهد تعتبر نوعا من العبث ومن يريد معرفة أو استقراء مصير حركة النهضة عليه أن يدرس جيدا تاريخ حركة الإخوان التي صمدت منذ 1928 إلى اليوم لا لشيء إلا لسيطرة فكرة الجماعة بديلا عن الحزب وحينها يصبح تغيير اليافطة أسهل من تغيير قفل الباب.

ناشط سياسي من تونس

Source: Raialyoum.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *