الهامش حماية والمتن تهجير: في تجربة الاتحاد الديمقراطي (الكردي) في الجزيرة السورية
[wpcc-script type=”101882e1d449367bb4f9abd0-text/javascript”]
فسرَّ الكردي رفع سقف مطالبه لنيل الممكن، فتبعَ المثقف والسياسي الشارعَ، بدلا من أن يُطوَّع الشارع للرؤية المستقبلية وينقىَّ من العاطفة. إذ صرحَّ سكرتير( البارتي) عبد الحكيم بشار لقناة العربية في بدء الثورة السورية، بأن نسبة الكرد في الجزيرة السورية 75′ مقابل 25′ للعرب وباقي المكونات المشكلة للخريطة الاجتماعية والإثنية، ما حدا بالتجمع الوطني للشباب العربي، وهو تنظيم سياسي عربي صرف تأسس مع انطلاقة الثورة، لإظهار دراسة استندت الى مسوح اجتماعية، بينت الفارق الكبير بين ما ادعاه السياسي والحقيقة على الأرض، ما شكَّلَ صدمة للكرد الذين تعايشوا مع التصريح.
تحمسَّ الكرد للتظاهر، منطلقينَ من تجربتهم في انتفاضة 2004، ومتحسسين جرحهم، والتفكير بالثأر لشهدائهم، الذين قضوا في الملعب البلدي بالقامشلي بالرصاص أو التعذيب، ولم تتفق الأحزاب التي كانت تحت عصا (الدولة الوطنية) على تسمية التجربة الدموية بالانتفاضة وتدرجت التسميات إرضاء لدمشق خوفا أو أملا في الممكن الأقل، ولبى بعض القادة السياسيين والمثقفين دعوات باللقاء، يفترض انهم في قمة الهرم، ليفاجأوا بشخصيات أمنية من الصف الثاني، لوحوا لهم بتحقيق بعض المصالح بالعصا وعسل الكلام (ترهيبا وترغيبا)، كلُ هذا جعل الثورة فرصة للكرد في رد المظالم والأخذ بالثأر، فارتفعت أعلام الاستقلال، وكانت الهتافات والخطابات والأغاني نفسها في جميع المدن والبلدات والدساكر المنتفضة، في تلميح عفوي إلى أن مصالح الجميع تتحقق بزوال هذا الشكل السياسي/الأمني المهيمن لأكثر من خمسة عقود، والمراكمة الثقافية واحدة، والكل سيظفر بمصالحه في دولة تعددية تحقق العدالة وتمنح كل ذي حق حقه، وتعطي الكرد خصوصية كثاني قومية عانت من اضطهادين مزدوجين: الأول تمثلَّ في تلمس الكردي لذاته القومية الجريجة تاريخيا، والثاني الاستلاب والاستبداد الممنهجين اللذين مارستهما الدولة الأمنية بامتياز وضد كل السوريين، بحيث تصبح مقولة (جحيم المعارضة ونعيم السلطة) غير صحيحة.
صارت مظاهرات القامشلي نقطة مهمة، وصل عدد المشاركين في إحداها الى خمسين ألفا وزاد في تشييع الشهيد مشعل تمو رئيس تيار المستقبل الكردي، الذي أُتهم النظام باغتياله موحياً إلى أداته العمال الكردستاني بتنفيذ المهمة، سرعان ما تناقصَ العدد وكثرت الثنائيات وصار علم (كردستان) يظهر بكثرة إلى جانب ظهور خجول لعلم الثورة، لم تتعرض المظاهرات للمضايقات أو الملاحقة، وقالَ أحد الشباب مازحا لحظة عودته من إحداها: ‘كنا في نزهة’، كانت مشاركة المكون العربي منخفضة وخائفة، لحين القرار بتحديد نقطة تظاهر، بطشَ بها الأمن والشبيحة واستخدم الغاز المسيل للمرة الأولى، واستمرت الحال إلى دخول حزب الاتحاد الديمقراطي التابع لحزب العمال الكردستاني رافعاً صور أوجلان وأعلام الحزب المنضوي في هيئة التنسيق السورية، صاحبة اللاءات التي قوبلت باستهجان الشارع الثائر (لا للعنف.. لا للطائفية.. لا للتدخل الأجنبي). أسس ‘البيدا’ الاسم الحركي للاتحاد الديمقراطي، حواجز ومفارز أمنية بالتنسيق وتحت إمرة الأمن السوري، وأشرف بداية على توزيع المواد النفطية على المحطات، ليصادرها ليلا ويوزعها على تجار السوق السوداء وتباع نهاراً للمواطن (المنتوف) بعشرة أضعاف السعر الحكومي، تعدى الأمر البيعَ إلى تأسيس قوة عسكرية تكفّلت بحماية حقول النفط في الرميلان ومراقبة الحدود ومكافحة التهريب، لتهرِّبَ في ما بعد البشر النازحين من هول الحاجة والفاقة مقابل أموال طائلة.
قُمعت المظاهرات لتقتصرَ على السريعة وسهلة الانفضاض، وعبرّ أحمد سليمان عضو الهيئة الكردية العليا المعطلة لصالح حزب صالح مسلم بأن ظهورهم غير الخجول إلى جانب نظام ولغ في دماء الكرد هو ‘مصلحة’ للاستفادة من المتوفر لصالح الكرد بحسبِ قوله. القوى الكردية الأخرى رضيت مجبرة بما يطرحه الحزب القوي بعلاقته مع النظام ومع معارضة سقفها واطئ من جهة ومن جهة أخرى تأسيسه قوة عسكرية تفتقدها الأحزاب المرتبطة آيديولوجيا وعاطفياً بكردستان العراق والرئيس مسعود بارزاني، الذي رأى في الثورة السورية ونجاحها تحقيقا لمطالب عموم السوريين ومنهم الكرد، وأن تأسيس قوة عسكرية ربما يقود المنطقة إلى شحن متبادل بين المكونات، ولم يعلم في قرارة نفسه أن الشحن سيحصل بين الفرقاء الكرد، فتجاوزات الحزب المسلّح والممنوح ضوءاً أخضر طالت أبناء جلدتهم أيضاً، هذا الغياب القسري قدمَّ حزبَ الاتحاد الديمقراطي إلى الواجهة، حيث تناغم مع النظام وحربه على الإرهاب وفي تطويع المنطقة الأكثر إخافة له، وما انتفاضة 2004 إلا دليل على صدق هواجسه، مع ما أشيعَ عن الحركة الكردية السياسية على أنها المعارضة التقليدية الأكثر تنظيما وقوة، أوهمَ ‘البيدا’ حاضنته حماية (الأهل) من هجمات (الإرهابيين) الموجودين في تل حميس وتل براك واليعربية، التي كان نشاطهم محصورا هناك ولم يهددوا الوجود الكردي، كما هددت ‘داعش’ الوجود الذي كانت تعمل فيه. تحكُّم الحزب بمفاصل الحياة في مدن سُلمت له على مبدأ أعلى وأدنى، المخابرات السورية الأعلى وصاحبة اليد الطولى مقابل تمثيليات يقوم بها الحزب ليحكم سيطرته أكثر، ما جعل هذه المناطق أكثر فقرا وحاجة لأبسط الخدمات المتوفرة نسبيا في أكثر المناطق سخونة، وهو ما ولدَّ هجرة لم يسبق لها مثيل، كانت حصة الكرد هي الأكبر على الإطلاق، وانقلبَ شعار حماية الوجود الكردي رأساً على عقب، ليكون الشعار: خلخلة الوجود الكردي.
بدأت قوات الحماية الشعبية حربها ضد ‘الارهابيين’ في اليعربية لتحرير معبرها الحدودي مع العراق بمشاركة الجيش السوري وشبيحة عرب وقوات المالكي من الجانب العراقي، وصار الطريق الواصل بين المعبر ومطار القامشلي سالكاً لذهاب وإياب لواء أبي الفضل العباس المشارك مع حزب الله اللبناني لحماية المراقد الشيعية.
لم يكتفِ هذا الحزب الذي نسبَ نفسه إلى الكرد واستلب القرار، وجعل الكرد في إشكال وعداوة مع محيطهم، لمغالاته في الشعارات والتصريحات التي لم تتناغم أبدا مع فعله، ما قد يؤدي إلى أن تكون ‘المصلحة’ التي تحدث عنها القيادي نقمة لا نعمة، وهو ما تجلى في الهجوم على بلدات عربية خالصة معتقلا ومنكلاً بأهلها، منها تل حميس وتل براك اللتان قاوم أهلهما إلى جانب فصائل مسلحة موجودة أصلا، تكبدّت (الحماية الشعبية) خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات وفي الحاضنة الاجتماعية التي رأت في فعلهم هذه تجاوزا للنواميس الناظمة، علما بأنها المرة الأولى التي لم يسخر فيها الجيش العربي السوري إمكانياته للمؤازرة، ويقول قائل انها (فركة أذن) لتجاوزاتهم وعصيانهم الأوامر.
رأى المراقب السياسي أن التصرفات هذه فيها قصدية لجر المنطقة إلى حرب أهلية لن يخرج منها رابح ومنتصر، لاسيما التداخل الديمغرافي العميق، وأن الاتهامات القديمة الجديدة ‘العرب بعثيون شوفينيون، والكرد انفصاليون’ قللَت الثورة من حدتها ليحلَّ خطاب قبول الآخر والتعايش معه محلهُ.
الجزيرةُ السورية أو شمال شرق سوريا أو (روج آفا) مصطلح روجَّ له الحزب المعني بهذه القراءة، وانتقدتهُ الفعاليات الكردية ووصفته بالضبابية لكونه لا يتمثّل طموحات الكرد، تعتبرُ الجزيرة منطقة قبلية، العرب يتوزعون على قبائل لها امتدادات على مجمل الوطن العربي، قبائل بطوطميتها عاشت طمأنينة أنها ابنة السلطة، والأمن أمنها، والحزب حزبها (البعث)، وارتبطت زعاماتها التقليدية بالمخابرات ومراكز النفوذ، خاصة بعد تقليم دورهم وتحديد مسؤولياتهم، لتبقى سلطتهم فخرية ومثيرة للريبة والكراهية، أما أبناء القبائل فقد انخرطوا في التعليم والمهن متأخرين عن البقية، وظلوا مشدودين إلى القبيلة المطمئنة، ما يعللُ النسبة المتدنية لانخراط الشباب في المعارضة ضد النظام أو القوى التشبيحية التي تطاولت على هذه القبائل، ذات الخزان البشري الكبير، والسؤال في ما لو أنَّ هذه القبائل قطعت شعرة معاوية مع النظام في دمشق فأنها سترىَ في هذا الحزب الذي بدأ يفقد ثقة أهله به أولاً عدواً، مما سينذر بحرب أهليه بين الكردي والكردي، وبين الكردي والبقية فالذي أفهمَ بأن عدوا يتهدده والفرصة مواتية لشكل سياسي يدير به حياته، مبهوراً بالقوة العسكرية، سيجعله ينتصرُ إلى حين لهذا الشكل من المطالبة بالحق الذي باطنه باطل، في حين العربي أيضا سيجد في التعدي عدوانا على وجوده، وبهذا يكونُ قد دخل الطرفان حربا خاسرة فلا هذا نال الممكن، ولا ذاك حمى وجوده.
تحمسَّ الكرد للتظاهر، منطلقينَ من تجربتهم في انتفاضة 2004، ومتحسسين جرحهم، والتفكير بالثأر لشهدائهم، الذين قضوا في الملعب البلدي بالقامشلي بالرصاص أو التعذيب، ولم تتفق الأحزاب التي كانت تحت عصا (الدولة الوطنية) على تسمية التجربة الدموية بالانتفاضة وتدرجت التسميات إرضاء لدمشق خوفا أو أملا في الممكن الأقل، ولبى بعض القادة السياسيين والمثقفين دعوات باللقاء، يفترض انهم في قمة الهرم، ليفاجأوا بشخصيات أمنية من الصف الثاني، لوحوا لهم بتحقيق بعض المصالح بالعصا وعسل الكلام (ترهيبا وترغيبا)، كلُ هذا جعل الثورة فرصة للكرد في رد المظالم والأخذ بالثأر، فارتفعت أعلام الاستقلال، وكانت الهتافات والخطابات والأغاني نفسها في جميع المدن والبلدات والدساكر المنتفضة، في تلميح عفوي إلى أن مصالح الجميع تتحقق بزوال هذا الشكل السياسي/الأمني المهيمن لأكثر من خمسة عقود، والمراكمة الثقافية واحدة، والكل سيظفر بمصالحه في دولة تعددية تحقق العدالة وتمنح كل ذي حق حقه، وتعطي الكرد خصوصية كثاني قومية عانت من اضطهادين مزدوجين: الأول تمثلَّ في تلمس الكردي لذاته القومية الجريجة تاريخيا، والثاني الاستلاب والاستبداد الممنهجين اللذين مارستهما الدولة الأمنية بامتياز وضد كل السوريين، بحيث تصبح مقولة (جحيم المعارضة ونعيم السلطة) غير صحيحة.
صارت مظاهرات القامشلي نقطة مهمة، وصل عدد المشاركين في إحداها الى خمسين ألفا وزاد في تشييع الشهيد مشعل تمو رئيس تيار المستقبل الكردي، الذي أُتهم النظام باغتياله موحياً إلى أداته العمال الكردستاني بتنفيذ المهمة، سرعان ما تناقصَ العدد وكثرت الثنائيات وصار علم (كردستان) يظهر بكثرة إلى جانب ظهور خجول لعلم الثورة، لم تتعرض المظاهرات للمضايقات أو الملاحقة، وقالَ أحد الشباب مازحا لحظة عودته من إحداها: ‘كنا في نزهة’، كانت مشاركة المكون العربي منخفضة وخائفة، لحين القرار بتحديد نقطة تظاهر، بطشَ بها الأمن والشبيحة واستخدم الغاز المسيل للمرة الأولى، واستمرت الحال إلى دخول حزب الاتحاد الديمقراطي التابع لحزب العمال الكردستاني رافعاً صور أوجلان وأعلام الحزب المنضوي في هيئة التنسيق السورية، صاحبة اللاءات التي قوبلت باستهجان الشارع الثائر (لا للعنف.. لا للطائفية.. لا للتدخل الأجنبي). أسس ‘البيدا’ الاسم الحركي للاتحاد الديمقراطي، حواجز ومفارز أمنية بالتنسيق وتحت إمرة الأمن السوري، وأشرف بداية على توزيع المواد النفطية على المحطات، ليصادرها ليلا ويوزعها على تجار السوق السوداء وتباع نهاراً للمواطن (المنتوف) بعشرة أضعاف السعر الحكومي، تعدى الأمر البيعَ إلى تأسيس قوة عسكرية تكفّلت بحماية حقول النفط في الرميلان ومراقبة الحدود ومكافحة التهريب، لتهرِّبَ في ما بعد البشر النازحين من هول الحاجة والفاقة مقابل أموال طائلة.
قُمعت المظاهرات لتقتصرَ على السريعة وسهلة الانفضاض، وعبرّ أحمد سليمان عضو الهيئة الكردية العليا المعطلة لصالح حزب صالح مسلم بأن ظهورهم غير الخجول إلى جانب نظام ولغ في دماء الكرد هو ‘مصلحة’ للاستفادة من المتوفر لصالح الكرد بحسبِ قوله. القوى الكردية الأخرى رضيت مجبرة بما يطرحه الحزب القوي بعلاقته مع النظام ومع معارضة سقفها واطئ من جهة ومن جهة أخرى تأسيسه قوة عسكرية تفتقدها الأحزاب المرتبطة آيديولوجيا وعاطفياً بكردستان العراق والرئيس مسعود بارزاني، الذي رأى في الثورة السورية ونجاحها تحقيقا لمطالب عموم السوريين ومنهم الكرد، وأن تأسيس قوة عسكرية ربما يقود المنطقة إلى شحن متبادل بين المكونات، ولم يعلم في قرارة نفسه أن الشحن سيحصل بين الفرقاء الكرد، فتجاوزات الحزب المسلّح والممنوح ضوءاً أخضر طالت أبناء جلدتهم أيضاً، هذا الغياب القسري قدمَّ حزبَ الاتحاد الديمقراطي إلى الواجهة، حيث تناغم مع النظام وحربه على الإرهاب وفي تطويع المنطقة الأكثر إخافة له، وما انتفاضة 2004 إلا دليل على صدق هواجسه، مع ما أشيعَ عن الحركة الكردية السياسية على أنها المعارضة التقليدية الأكثر تنظيما وقوة، أوهمَ ‘البيدا’ حاضنته حماية (الأهل) من هجمات (الإرهابيين) الموجودين في تل حميس وتل براك واليعربية، التي كان نشاطهم محصورا هناك ولم يهددوا الوجود الكردي، كما هددت ‘داعش’ الوجود الذي كانت تعمل فيه. تحكُّم الحزب بمفاصل الحياة في مدن سُلمت له على مبدأ أعلى وأدنى، المخابرات السورية الأعلى وصاحبة اليد الطولى مقابل تمثيليات يقوم بها الحزب ليحكم سيطرته أكثر، ما جعل هذه المناطق أكثر فقرا وحاجة لأبسط الخدمات المتوفرة نسبيا في أكثر المناطق سخونة، وهو ما ولدَّ هجرة لم يسبق لها مثيل، كانت حصة الكرد هي الأكبر على الإطلاق، وانقلبَ شعار حماية الوجود الكردي رأساً على عقب، ليكون الشعار: خلخلة الوجود الكردي.
بدأت قوات الحماية الشعبية حربها ضد ‘الارهابيين’ في اليعربية لتحرير معبرها الحدودي مع العراق بمشاركة الجيش السوري وشبيحة عرب وقوات المالكي من الجانب العراقي، وصار الطريق الواصل بين المعبر ومطار القامشلي سالكاً لذهاب وإياب لواء أبي الفضل العباس المشارك مع حزب الله اللبناني لحماية المراقد الشيعية.
لم يكتفِ هذا الحزب الذي نسبَ نفسه إلى الكرد واستلب القرار، وجعل الكرد في إشكال وعداوة مع محيطهم، لمغالاته في الشعارات والتصريحات التي لم تتناغم أبدا مع فعله، ما قد يؤدي إلى أن تكون ‘المصلحة’ التي تحدث عنها القيادي نقمة لا نعمة، وهو ما تجلى في الهجوم على بلدات عربية خالصة معتقلا ومنكلاً بأهلها، منها تل حميس وتل براك اللتان قاوم أهلهما إلى جانب فصائل مسلحة موجودة أصلا، تكبدّت (الحماية الشعبية) خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات وفي الحاضنة الاجتماعية التي رأت في فعلهم هذه تجاوزا للنواميس الناظمة، علما بأنها المرة الأولى التي لم يسخر فيها الجيش العربي السوري إمكانياته للمؤازرة، ويقول قائل انها (فركة أذن) لتجاوزاتهم وعصيانهم الأوامر.
رأى المراقب السياسي أن التصرفات هذه فيها قصدية لجر المنطقة إلى حرب أهلية لن يخرج منها رابح ومنتصر، لاسيما التداخل الديمغرافي العميق، وأن الاتهامات القديمة الجديدة ‘العرب بعثيون شوفينيون، والكرد انفصاليون’ قللَت الثورة من حدتها ليحلَّ خطاب قبول الآخر والتعايش معه محلهُ.
الجزيرةُ السورية أو شمال شرق سوريا أو (روج آفا) مصطلح روجَّ له الحزب المعني بهذه القراءة، وانتقدتهُ الفعاليات الكردية ووصفته بالضبابية لكونه لا يتمثّل طموحات الكرد، تعتبرُ الجزيرة منطقة قبلية، العرب يتوزعون على قبائل لها امتدادات على مجمل الوطن العربي، قبائل بطوطميتها عاشت طمأنينة أنها ابنة السلطة، والأمن أمنها، والحزب حزبها (البعث)، وارتبطت زعاماتها التقليدية بالمخابرات ومراكز النفوذ، خاصة بعد تقليم دورهم وتحديد مسؤولياتهم، لتبقى سلطتهم فخرية ومثيرة للريبة والكراهية، أما أبناء القبائل فقد انخرطوا في التعليم والمهن متأخرين عن البقية، وظلوا مشدودين إلى القبيلة المطمئنة، ما يعللُ النسبة المتدنية لانخراط الشباب في المعارضة ضد النظام أو القوى التشبيحية التي تطاولت على هذه القبائل، ذات الخزان البشري الكبير، والسؤال في ما لو أنَّ هذه القبائل قطعت شعرة معاوية مع النظام في دمشق فأنها سترىَ في هذا الحزب الذي بدأ يفقد ثقة أهله به أولاً عدواً، مما سينذر بحرب أهليه بين الكردي والكردي، وبين الكردي والبقية فالذي أفهمَ بأن عدوا يتهدده والفرصة مواتية لشكل سياسي يدير به حياته، مبهوراً بالقوة العسكرية، سيجعله ينتصرُ إلى حين لهذا الشكل من المطالبة بالحق الذي باطنه باطل، في حين العربي أيضا سيجد في التعدي عدوانا على وجوده، وبهذا يكونُ قد دخل الطرفان حربا خاسرة فلا هذا نال الممكن، ولا ذاك حمى وجوده.
كاتب من سوريا
محمد المطرود
Source: alghad.com