لا توجد ظاهرة تصم الآذان وتصدع القلوب مثل هذه الظاهرة الفريدة، والتي يراها ويشعر بها العدو قبل الصديق، قد تكون أمتنا قد مرت بمراحل شبيهة من الذل والهوان في أوقات متفرقة من التاريخ، ولكن مرحلة الهوان والذل التي نمر بها في عصرنا لها مميزاتها الفريدة.
ومما ساعد على هذا التميز – في الذل – أن عصرنا هو عصر الانفتاح الإعلامي بسبب تقدم وسائل الاتصال، وهو ما أعطى أصداء واسعة لفضائح الذل والهوان التي دوّت في أرجاء المعمورة، فبمجرد حدوث اللطمة التي تُوجّه لبلد من بلاد المسلمين في الشرق تجد صداها في الغرب.
فمن مميزات مرحلة الهوان المعاصرة أن تدنيس مقدسات الأمة لا يهتز له قلب أحد من زعمائها وقادتها إلا القليل، كأن الصمم أصابهم، والمقدسات ليست لهم، والمثير للغيظ أنهم يستنكرون حادثة في بلد غربي ويرسلون العزاء ويعلنون الأسى، ويظهرون الغضب والاستنكار! المصيبة العظمى – إضافة إلى ما هو مشهور من حوادث التدنيس – أن توجه الإهانات لمقدساتنا أيضاً في بلادنا دون أن يتحرك أحد لمنعها، فهذا مثلاً قاموس للغة الإنجليزية اسمه (قاموس للشيطان للتعريفات الساخرة والهزلية) به تعريف بالقرآن الكريم يقول: (القرآن هو كتاب يؤمن به وبحماقة أتباع “محمد” على أنه من كتب الوحي الإلهي، ولكن المسيحيين يعرفون أن القرآن مجرد ادعاء شرير وخبيث يتعارض مع الكتب المقدسة) (ص 35)، وهذا القاموس موجود في بعض مكتبات المدارس بمصر (جريدة الأخبار).
ومن مميزات مرحلة الهوان المعاصرة أن الأعداء ما عادوا يخفون نياتهم العدائية، فخططهم منشورة ومعلنة، فهذه الدولة سوف يعاد رسم خريطتها، وتلك سيعاد توزيع ثرواتها وتقسيم أراضيها، وتلك لا بد أن تنزع من أرضها دولة للنصارى، كما حدث في إندونيسيا، وينشرون خططهم المعدة منذ سنوات لمستقبل للشرق الأوسط، وعلى مسمع ومرأى من المسلمين، كنوع من الاستهانة والاستخفاف؛ لأنهم اطمأنوا إلى أن المسلمين لن يحركوا ساكناً، بل إنهم اطمأنوا إلى أن زعامات المسلمين لن يخالفوا أوامرهم، فصاروا يتخذون القرارات بدلاً منهم، فقد ذكرت مصادر أمريكية أن (وزيرة الخارجية) رايس وعدت شارون بأن تقدم 10 دول عربية على الاعتراف بإسرائيل في المدة القادمة (مفكرة الإسلام 5-2-2005م).
ومن مميزات مرحلة الهوان والذل المعاصرة؛ أن يطاع أعداء الأمة الإسلامية قبل أن يأمروا، وأن تنفذ طلباتهم قبل أن يطلبوا، وأن تقدم القرابين لهم قبل موعدها، كما سارع زعيم بتسليم أجهزة منظومته النووية كاملة سليمة وأوصلها مجاناً لأعدائه السابقين، مما أذهلهم وأثار اندهاشهم، حتى إنهم وضعوها في معرض (للفرجة)، وكانت ليبيا قد أرسلت آخر شحنة معدات ذات صلة بمشروعها النووي السابق وأيضاً ممتلكاتها الصاروخية ذات المدى البعيد، على متن سفينة بلغت حمولتها 500 طن إلى الولايات المتحدة وفي مكان تسليم مجهول (رويترز 7-3-2004م)، يحدث هذا الخنوع في الوقت الذي تهيل وسائل إعلامهم الإهانات لهذا الزعيم حتى درجة السباب، فقد نشرت مجلة نيوزويك الأمريكة مقالاً في عدد 21/1/2003م بعنوان عريض على صفحتين (ضرب الدجاجة يخيف الكلب) ويقصد المقال بالدجاجة هذا الزعيم، وبالكلب إيران وسوريا.
ومن مميزات مرحلة الهوان المعاصرة أن تكون بلاد المسلمين مسرحاً مفتوحاً للتنصير وإنشاء المدارس الأجنبية ذات الأهداف التغريبية، ووصل الهوان إلى درجة أن البابا الهالك كان يجول في أنحاء العالم الإسلامي ذهاباً وإياباً يدعو إلى ملته، ومع ذلك كان يُستقبل في بعض بلاد المسلمين استقبالاً شعبياً ورسمياً لم يحدث من قبل لأمثاله السابقين، وبلغ الاستخفاف بنا إلى درجة أن يبقى أشهر زعيم للمنصرين في العالم الإسلامي وهو القس زويمر في دولة مسلمة يمارس أعماله التنصيرية لمدة 30 عاماً.
ومن عجائب مرحلة الهوان المعاصرة أن عدد اللاجئين المسلمين في العالم أكثر من تسعة ملايين لاجئ، يمثلون نسبة 73 % من لاجئي العالم، مع أن نسبة المسلمين20 % من سكان العالم، وهذا يعني أن نسبة اللاجئين في المسلمين هي 35%.
ومن مميزات الذل والهوان المعاصر أن يتدخل أعداؤنا في ديننا، ومناهج تعليمنا، ويفرضون علينا ما يتعلمه أبناؤنا وما لا يتعلمونه، ووصل الأمر إلى تدخلهم في تحديد عدد المسلمين، حيث يأتي الخبراء مثلاً في مصر لمتابعة العمل في وحدات تنظيم الأسرة في القرى والأرياف بأنفسهم (انظر على سبيل المثال: (هاجر) ملحق المختار الإسلامي)، ووصل التدخل إلى مرحلة العبث بالأعراض وفرض رؤاهم فيها علينا، حيث مارسوا ضغطاً كبيراً صريحاً لتحريم ختان الإناث وتجريمه في مصر، ويراقبون مدى تنفيذ قراراتهم بشأنه (انظر تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان في مصر عام 2003م).
ومن مميزات مرحلة الذل المعاصرة أن الأمة صارت تهان من أتفه الناس في الغرب إلى ممثليهم ومثقفيهم حتى رجال الدين والسياسة، فهذا المغني الأمريكي الممسوخ يعلن أنه لو كان يعلم أن العرب سيستمعون إليه لاعتزل الغناء، وما أشهر سخرية قساوسة التيار الإنجيلي الأمريكي من الإسلام ومقدساته، وما أكثر الإهانات الموجهة التي لا تراعى فيها علاقة سياسية أو مصالح اقتصادية مع المسلمين، ومن ذلك تصريحات بيرلسكوني الإيطالي بأن المسلمين غير متحضرين، وفي دورة برشلونة التي شارك فيها عدد من الدول الإسلامية ذات العلاقات الوثيقة بإسبانيا؛ لم تتحاش الإدارة الإسبانية إبراز إحياء ذكرى مرور 500 عام على طرد المسلمين من الأندلس والقضاء عليهم في احتفالات الدورة الرياضية، وعلى الرغم من ذلك لم يستنكر أو يعترض أحد من الدول الإسلامية المشاركة على سمعوا ورأوا.
ومن مميزات الذل المعاصر أن أعداءنا يتفننون في تصوير إهانتنا ومذلتنا ليراها العالم، فمثلاً يصورون حروبهم وقتلهم لتوزيعها على وسائل الإعلام، فهذه لقطات لطائرة تتعقب أفراداً عزلاً -كما هو واضح في شريط الفيديو- في أفغانستان – بزعم أنهم من طالبان – وتفجرهم واحداً بعد آخر وهم يعدون فراراً هنا وهناك حتى أتت على أخرهم، وتلك لقطات تنشر لزعيم مخلوع وهو في سجنه يغسل ملابسه الداخلية، وليست هذه اللقطات إلا جزءاً من منظومة متكاملة متعمدة لتشويه صورة الأمة وإذلالها أمام العالم على كثير من المستويات الإعلامية من كتب وصحف وقنوات فضائية وسينما.
ومن مصائب مرحلة الهوان ألا يكون لأسرى المسلمين وزن ولا قيمة، ولا يجدون معيناً ولا مدافعاً، ففي حين يستفرغ اليهود جهدهم في المطالبة بعودة رفات موتاهم لتدفن في إسرائيل؛ لا تجد اهتماماً في بلاد المسلمين بالأحياء الأسرى الذين يسامون سوء العذاب، ويفتنون في دينهم، ولا يعاملون حتى وفق المعاهدات أو القوانين الدولية، بل قد تسلمهم بعض الدول للكفار لينالوا منهم ويفعلوا بهم ما يشاءون، ومما لا يعلمه كثير من المسلمين أن سجون اليهود مليئة بالمسلمات الأسيرات، فقد أكدت المندوبية الدائمة لدولة فلسطين بجامعة الدول العربية أن العدو الصهيوني اعتقل قرابة عشرة آلاف امرأة فلسطينية منذ عام 1967م، وقد شمل الاعتقال فتيات دون السن القانونية وأمهات، حتى إن بعضهن قد جاءهن المخاض وهن مكبلات الأيدي والأرجل، كما أوضحت الإحصائيات أنه أُسر أكثر من 300 امرأة منذ بدء الانتفاضة منهن 108 أسيرات ما زلن رهن الاعتقال (آفاق عربية 3-2-2005م).
ومن أعجب صور المهانة والذلة المعاصرة أنها صور متكررة، ومشاهد متوقعة في كل قضية، وحدوثها مرة كحدوثها ألف مرة، لا يحرك في قيادات الشعوب الإسلامية ساكناً، ولا يبعث فيهم نية رد أو مجرد استنكار، لذا ترى صور الذل يسبق بعضها بعضاً حتى يكاد المرء لا يفيق من وقع إهانة حتى تصدمه أخرى. ولم تعد هناك مراعاة أو خوف لدى الغرب من تأثير تلك المهانات على علاقة المسلمين بالدول الغربية التي تصدر عنها تلك المهانات، وتذل المسلمين وتقتل فيهم، وتعربد في بلادهم..
إنها أكبر ظاهرة معاصرة للمهانة والذل على مستوى العالم..
أحل الكفر بالإســلام ضيماً | يطـول به على الدين النحيب | |
فحــق ضائع وحـمى مباح | وسـيف قاطع ودم صـبيب | |
وكم من مسـلم أضحى سليبا | ومسـلمة لها حرم ســليب | |
أما لله والإســـلام حــق | يدافع عنه شـبان وشــيب | |
فقل لذوي الكرامة حيث كانوا | أجيبوا الله ويحـــكمُ أجيبوا |