الوعى المائي وانقاذ ما يمكن انقاذه

وأثر ذلك على حل المشكلات البيئية مما يساعد الفرد على الالتزام القائم على الإحساس والمعرفة الواعية بالعلاقات والمشكلات البيئية المختلفة، كما يساعده على انتهاج أنماط من السلوك تنم عن الإحساس بالمسئولية تجاه بيئته التى يعيش فيها فيهتم بصيانتها والحفاظ عليها“( ).

وقد عرّفت “نادية حسن وصلاح السيد”(2001) مفهوم الوعي المائي بأنه: “إدراك الفرد للمشكلة المائية كإحدى المشكلات البيئية من حيث حجمها وأسبابها وأبعادها وكيفية مواجهتها, وتأثير الإنسان فيها وتأثره بها، والشعور العميق بالمسئولية تجاه مواجهة هذه المشكلة والتصدي لها“( ).
ويلاحظ على هذا التعريف اقتصاره على الوعي بالمشكلات المائية وإهمال الوعى بالجوانب التنموية والاستثمارية المتصلة بمصادر المياه، فتنمية واستثمار الموارد المائية ليست مشكلة, وهذا لا يعني إهمال الوعي بها.
وعرّف “إبراهيم وحش” (2000) الوعي المائي بأنه: “التعامل الحكيم والاستغلال الرشيد للموارد المائية, بما يستهدف المحافظة عليها من النفاد لأطول وقت ممكن, والاحتفاظ بها في حالة تسمح باستمرارها واستمرار منفعتها لأكبر عدد من الأجيال، وذلك بناءً على الإدراك والفهم والمعرفة المتعلقة بالمياه وقضاياها”. ويركز هذا التعريف على سلوكيات التعامل المرشد للمياه والمحافظ عليها من الهدر والتلوث( ).
كما عرفته ” تشيرتيودى” (Chertudi, 2000) بأنه: “إدراك المتعلمين القائم على الإحساس العميق والمعرفة بالقضايا والمشكلات المتصلة بالبيئة المائية، من حيث العوامل المسببة لها, وآثارها, ووسائل علاجها, وأساليب التعامل الحكيم معها“.
ويلاحظ على هذا التعريف أنه يركز على الجانب الوجداني من الوعي وهو نمو الإحساس العميق بأوضاع الموارد المائية ومشكلاتها الراهنة والمستقبلية.
وبتحليل التعريفات السابقة للوعي المائي يتضح أن الوعي المائي يتضمن أبعاداً ثلاثة ينبغي الإفادة منها عند صياغة تعريف إجرائي للوعي المائي, وهذه الأبعاد هى:
(1) البعد المعرفي: حيث يبدأ الوعي المائي بمعرفة الفرد بمكونات بيئته المائية والمفاهيم والأحداث المتعلقة بها، مع الأخذ في الاعتبار خبراته السابقة ومعلوماته التى اكتسبها أثناء تفاعله مع الآخرين ومع بيئته المائية، وهذا يعنى أن الفرد ذو الخبرات الأوسع والمعلومات الأوفر مؤهل لأن يكون لديه وعى مائي أعمق حول قضايا ومشكلات المياه.
(2) البعد الوجداني: وهو تأثير تلك المعلومات على إحساس الفرد وعواطفه، مما يؤثر في تكوين اتجاهاته وقيمه نحو قضية المياه، وهذا يعنى ضرورة أن يتوفر في المعلومات المكتسبة الصدق والموضوعية، وأن تتصف خبرات الفرد السابقة بأنها خبرات مربية.
(3) البعد الأدائي: وهو محصلة للبعدين الأول والثاني وفيه ينهج الفرد سلوكاً رشيداً نحو البيئة المائية، وهذا السلوك منبثق عن معرفته الواعية وإحساسه العميق بقضايا المياه ومشكلاتها ومسئوليته الشخصية نحو علاج تلك المشكلات.
وبناءً على ما سبق, يعرِّف البحث الحالي “الوعي المائي Water Awareness” بأنه: إدراك وإحساس التلميذ بالوضع الحالي والمستقبلي لموارد المياه، وما يتصل بها من مشكلات، ودوره نحو ترشيد استهلاكها والحفاظ عليها بشكل يسمح باستمرار منفعتها لأقصى حد ممكن.
 
 
         أهمية تنمية الوعي المائي لدى التلاميذ:
يواجه الغلاف المائي العديد من المشكلات التى تؤثر سلبياً على البيئة والمجتمع، والتلميذ كأحد أفراد المجتمع يتأثر بتلك المشكلات صحياً واجتماعياً واقتصادياً، لذا ينبغي أن يكون على وعي بتلك المشكلات والقضايا ومسبباتها، بل ويسهم ـ في ضوء قدراته ـ في علاج تلك المشكلات أو التقليل من حدتها.
لذا فقد أوصى مؤتمر”الأمن المائي العربي” بوضع قضايا المياه على قمة اهتمامات الحكومات العربية, وكذلك رفع الوعي المائي العربي لمقابلة التحديات التى تواجه المياه العربية, والتي يمكن إجمالها في النقاط الآتية:
          محدودية الموارد المائية العربية المتجددة, وتراجع نصيب الفرد العربي من المياه بدرجة كبيرة.
          وجود منابع مياه الأنهار العربية خارج حدود الوطن العربي.
          أطماع إسرائيل في السيطرة على الموارد المائية العربية، حيث أن المياه تشكل أهم مبادئ العقيدة الصهيونية, وأهم بنود المفاوضات والاتفاقيات العربية-الإسرائيلية.
          تدنى إنتاجية المياه في الوطن العربي بسبب عدم كفاءة استخدام المياه وتدهور نوعيتها نظراً للتلوث الناجم عن الاستخدام الآدمي أو النشاط الزراعي أو الصناعي.
          ضعف الوعي العربي بخطورة قضية المياه وما تتطلبه من الحفاظ عليها وحسن استغلالها وتنميتها.
 
وتفرض مشكلات نقص الموارد المائية وتلوثها في الوقت الحالي وتوقعات تفاقمها في المستقبل, والصراعات السياسية التي قد تتطور إلى حروب عسكرية بين الدول للسيطرة على الأحواض النهرية والبحيرات العذبة؛ فكرة التشارك في حل الأزمات المائية التي تنتج بسبب ممارسات الكيانات الاقتصادية الكبرى في العالم, ولن تتحقق فكرة المشاركة في حل هذه الأزمات بدون نمو الوعي بمستقبل الشعوب في ظل شح الموارد المائية العذبة و تراجع نوعيتها.
كما يرجع الاهتمام بتوعية التلاميذ بأهمية المياه والحفاظ عليها إلى الأنماط السلوكية السيئة التى يُبديها بعض أفراد المجتمع نحو المياه، والتي يمكن أن يقلدونها في ظل نقص خبراتهم ومعارفهم بأساليب التفاعل الحكيم مع المياه، وكذلك إلى السلوكيات والمعتقدات التى يتمسكون بها، والتي يبدونها حيال القضايا المرتبطة بالمياه, والتي تسهم في تكوين اتجاهاتهم بطريقة شعورية أو لا شعورية.
فالمشاكل البيئية عموماً، ومشكلات المياه بوجه خاص؛ ترجع أسبابها إلى جهل الإنسان ونقص إدراكه الواعي بحقيقة دوره في الحياة وعلاقته الصحيحة مع البيئة المحيطة به محلياً وعالمياً, وهذا يفرض على الأجيال الحالية والقادمة المزيد من الاهتمام بالمياه العذبة بوجه عام ونهر النيل بوجه خاص، وذلك بعد تفاقم أزمة المياه على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، وأن تزيد من وعيها بكل ما يتعلق به وتجعله محوراً هاماً وأساسياً لفكرها وعملها، وتترجم ذلك بصفة مستمرة إلى عمل متواصل من أجل تنمية وترشيد استخدام مياهه والمحافظة عليها من الهدر والتلوث.
ولبرامج التوعية ـ عموماًـ قيمة كبيرة فيما يتصل بموضوع التوعية فهي تعمل على تعديل العلاقات بين الأفراد بعضهم بعضاً، وبينهم وبين المناخ المحيط بهم والذي ارتبطوا به بما يحقق الأهداف المطلوبة، كما أن الوعي السليم يجنب الأفراد الاعتقاد في أفكار ومفاهيم خاطئة تتصل بموضوع التوعية.
لذا يمكن القول أن تنمية الوعي المائي لدى التلاميذ يجب أن يكون هدفاً رئيسياً من أهداف العملية التعليمية, وناتجاً من نواتجها، لتنمية الإحساس العميق بمستقبل الموارد المائية, حتى لا تصبح التربية والتعليم عمليتين محدودتين في تنميتهما لشخصية الفرد طالما أن تأثير المعرفة لم يمتد إلى التركيب الوجداني لديه .
ومن خلال العرض السابق يمكن تلخيص الأسباب الدافعة لتنمية الوعي المائي لدى التلاميذ في النقاط الآتية:
          أهمية الموارد المائية لسائر الكائنات الحية .
          تفاقم مشكلات تلوث الموارد المائية وتسببها في إصابة الكائنات الحية بالعديد من الأمراض.
          تفاقم مشكلات استنزاف الموارد المائية إلى حد التناقص التدريجي لكمية الموارد المائية العذبة في العالم ,سواء كان التناقص بفعل التغيرات المناخية أو الاحتياجات المائي المتزايدة .
          الأطماع الخارجية في موارد المياه العذبة العربية , مثل نهر النيل وانهار سوريا والعراق .
          التوقعات المستقبلية بنشوب حروب ومنازعات عسكرية للسيطرة على منابع الأنهار.
          تزامن المشكلات السابقة مع مشكلات سلوكية خطيرة تتمثل في السلوكيات السلبية المهدرة والملوثة للموارد المائية .
وقد تناولت العديد من الأدبيات العلمية العائد التربوي من تنمية الوعي المائي لدى التلاميذ من خلال المناهج الدراسية, حيث ترى “فيونا نيلسون” (1992) أن التلاميذ هم محور التوعية البيئية – سواء كانت رسمية أو غير رسمية ـ فهم لن يتحمسوا فقط للرؤية البيئية للغد أو اليوم الذي يليه فقط، بل يبدون رغبتهم في إحداث التغيير الفوري للمواقف التى يبديها أقرانهم وآباءهم نحو البيئة وعناصرها المختلفة، وحينما يغزو الوعي البيئي نظام المدرسة يتحول التلاميذ إلى شرطة للبيئة بمعنى الكلمة.
وترى “فورتينر” (Fortner, W, 2001) أن تنمية الوعى بقضايا المياه يعد الأسلوب الأمثل لتعديل السلوكيات السلبية التى يرتكبها الأطفال أثناء تعاملهم مع الموارد المائية فى حياتهم اليومية والتي تسهم فى تلوث الموارد المائية العذبة والمالحة, إذ أن الوعى المائي يعتمد على كم كبير من المعرفة التطبيقية بأساليب حماية الموارد المائية والتى تعدل سلوكيات الأطفال أثناء تعاملهم مع الموارد المائية.
وقد أثبتت دراسة “سانج-مين“(Sang-min, kim, 2004) أن الأنشطة التعليمية المتمركزة حول دراسة الموارد المائية, تنمى الوعى المائي والاتجاهات المرغوبة فى التعامل الايجابي مع الموارد المائية, والتي بدورها تنمى اهتمامات التلاميذ نحو البيئة بوجه عام والبيئية المائية على وجه التحديد, وهذه الاهتمامات ليست متصلة بدراسة البيئة فقط؛ إنما تتصل بالعمل فى البيئة وحماية مواردها.
وتؤكد ” كاترين ويلسون” (Wilson, Cathrine,2004) أن الاهتمام بتخطيط حملات الوعى المائي وتطبيقها على أطفال المدارس, يسهم فى رفع كفاءة التلاميذ فى التعامل مع مياه الشرب فى المنزل والمدرسة؛ مما يقلل من السلوكيات ذات التأثير السلبي على موارد المياه.
كما تسهم حملات تنمية الوعى المائي فى تربية جيل لديه القدرة على ممارسة الضغط الاجتماعي على الحكومات وصانعي القرار بضرورة العمل المستمر لتجنب الكوارث المائية فى المستقبل, سواء كانت هذه الكوارث كمية أو كيفية, نظراً لما تكسبه حملات الوعى المائي للأفراد من تصورات مستقبلية للوضع المائي العالمي عند ارتفاع معدل تدهور البيئة المائية كمياً أو كيفياً.
ويعد تنمية الوعي بمشكلات البحار والمحيطات عامل أساسي فى الحفاظ على المياه الإقليمية، والحيلولة دون تدهور أوضاع البيئة البحرية, والتي كثيراً ما يتم التعامل معها على أنها من الأشياء الدائمة والتي لا تحتاج إلى عناية واهتمام خاص.كما يؤثر وعي الأفراد بقضايا ومشكلات النظم البيئية البحرية على موقفهم نحو الاستغلال الأمثل لمواردها وحمايتها من التلوث وترشيد استغلال ثرواتها على نحو أمثل.
وترى “نادية حسن وصلاح السيد”( 2001) أن نمو الوعي المائي لدى الأفراد يفيد فى:
1.       الحصول على معلومات أكثر عمقاً عن المشكلات والقضايا المائية، وتكوين الاتجاهات والسلوكيات المرغوب فيها، واللازمة للحفاظ على المياه، والعمل على حل مشكلاتها الحالية.
2.       أن إدراك الفرد وإحساسه العميق بالمشكلات المائية ينمى لديه المسئولية نحو مصادر المياه فى مجتمعه، مما يجعله يرَّشد استهلاكه للمياه، ويحافظ عليها من الهدر والتلوث، وهذين البعدين من أهم أبعاد الوعى المائي.
3.       أن نمو الوعى المائي عند الأفراد بأبعاده المختلفة يتيح الفرصة لتحقيق أقصى استفادة من الموارد المائية مما يعود على المجتمع بالخير والرخاء.
ويرى ” جان مارجات” (1993) أن تنمية الوعى المائي يعد من الناحية البيئية والصحية أفضل سبل الوقاية من أخطار تلوث المياه على صحة الكائنات الحية، ومن ثم ينبغي زيادة وعى كافة القطاعات وجميع أفراد المجتمع بالنتائج المترتبة على تصرفاتهم نحو البيئة المائية.
ويوصى العديد من السياسيين بضرورة أن تسعى الحكومات والهيئات السياسية والاجتماعية والتربوية بتنمية الوعي المائي لدى أفراد المجتمع, سواء كانوا تلاميذ أو معلمين أو آباء, لتعميق الفهم بنتائج الممارسات الفردية على مستقبل الموارد المائية, والتخلص من سلوكيات اللامبالاة نحو الموقف الراهن لأزمة المياه, حيث يساعد الوعي المائي في تحقيق التكيف البيئي والسياسي مع ما تطرحه الأوضاع الحالية والمستقبلية للموارد المائية من بدائل وحلول لمشكلاتها, مثل اقتسام المياه وتسعيرها, وقد تبدو هذه البدائل وتلك الحلول غير مقبولة سياسياً أو اجتماعياً لاعتبارات متعددة,كما يفيد الوعي المائي في تمييز القرارات الغير متعقلة التي تؤثر سلبياً على كمية ونوعية الموارد المائية.
وتأسيساً على ما سبق يمكن تحديد أهمية تنمية الوعى المائي لدى أفراد المجتمع فى النقاط الآتية:
1.       أن الوعى المائي بعداً مهماً من أبعاد الوعى البيئي، وهدف أساسي تسعى التربية المائية إلى تحقيقه لإدراك الأوضاع الحالية والمستقبلية المتصلة بالموارد المائية.
2.       أنه يسهم فى تكوين الاتجاهات المرغوبة نحو الحفاظ على المياه وحسن إدارتها، وكذلك تصحيح المفاهيم الخاطئة التى يعتنقها البعض فيما يتصل بكمية ونوعية المياه.
3.       أنه يسهم فى تحقيق جانب كبير من الأمن المائي والذي يعتبر بعد مهم من أبعاد الأمن القومي.
4.       إكساب أفراد المجتمع للسلوكيات السليمة المتصلة بالتعامل الحكيم مع المياه.
5.       ضمان الوقاية من العديد من المشكلات المائية التى ظهرت بسبب جهل الإنسان بالوضع الحرج لقضية المياه فى العالم.
6.       أن الوعي المائي أساس مهم في تنمية وتحقيق الأمن القومي لأي دولة.
 
 
         دور منهج الدراسات الاجتماعية في تنمية الوعي المائى:
يتصل منهج الدراسات الاجتماعية اتصالاً وثيقاً بالبيئة ومواردها، لكونها تتناول التفاعل بين الإنسان والبيئة والتأثيرات المتبادلة بينهما, سواء كانت هذه التأثيرات إيجابية أو سلبية، لذا يمكن عن طريقها معالجة موضوعات التربية المائية بالأسلوب الذى يسهم في تنمية المفاهيم المائية والوعي المائي لدى التلاميذ.
ويعد تنمية الوعي البيئي بكافة أبعاده (بما فيها الوعي المائي) هدفاً رئيساً ينتظر تحقيقه من مناهج الدراسات الاجتماعية، وذلك لاتصالها الوثيق بالجوانب الطبيعية والاجتماعية للبيئة، وقدرتها على تشكيل الاتجاهات والسلوكيات المرغوبة وتزويد التلاميذ بالمفاهيم المكونة لهذا الوعي.
كما تعتبر موضوعات الدراسات الاجتماعية عامة والجغرافيا خاصة محوراً خصبا لبلورة البعد المائي عبرها, وتمكّن من إجراء الصورة الواضحة لعلاقة التربية المائية بالتنمية الاجتماعية؛ فالدراسة الواعية لآثار الزراعة؛ والصناعة؛ والتعدين؛ والمشكلات السياسية؛ والمناخ والطقس؛ والمشكلات البيئية المختلفة؛ جميعاً تجد لنا مجالاً لبلورة الوعي المائي والاتجاهات المرغوب فيها نحو المياه لدى التلاميذ.
ويشير”منصور أحمد عبد المنعم وآخرون” (2003) إلى ضرورة أن يكون لمناهج الدراسات الاجتماعية في مراحل التعليم العام دورها البارز في مواجهة قضايا البيئة, ومن أهم هذه القضايا قضية الأمن المائي العربي وسياساته الحالية والمستقبلية, في ظل التحديات الصعبة التي تواجه منابع المياه العذبة, والأزمات التي تمر بها والأطماع المستمرة في السطو علي المياه العربية.
وقد أوصى” مؤتمر الخليج الأول للمياه”(1992) بضرورة العمل على تطوير ونشر برامج التوعية المائية, وذلك من خلال تحديد أهداف سلوكية يتم تضمينها في المناهج الدراسية – ومنها منهج الدراسات الاجتماعية – لغرس قيم المحافظة على المياه وترشيد استهلاكها والوعي بقضاياها، حيث يعد تحديد الأهداف التعليمية خطوة أساسية في تنمية الوعي المائي لدى التلاميذ. إذ أن وضوح الأهداف التعليمية يساعد على اختيار وانتقاء وتنظيم المحتوى، واختيار الوسائل المناسبة لتحقيقها، ويساعد المعلم فى أداء رسالته من منطلق واضح فيركز جهده في اختيار أساليب التقويم المناسبة للوقوف على مدى تحقيق هذه الأهداف.
ويؤكد “صبارينى”(1991) على ضرورة أن يسعى المسئولون عن تخطيط مناهج الدراسات الاجتماعية- كإحدى المناهج الدراسية- إلى تضمين البعد المائى بمناهجها، بحيث تصاغ الموضوعات المرتبطة بالمياه بأسلوب مناسب لقدرات التلاميذ في المرحلة التعليمية التي تدرس فيها. لما لتلك المناهج من اتصال بالبيئة ومواردها المختلفة، وتأثيرها على الإنسان وتأثير الإنسان عليها وتفاعله معها, وما ينتج عن ذلك التفاعل من مشكلات.
وقد أكد “المؤتمر القومي للمياه”(1990)على ضرورة التوسع في الموضوعات الدراسية المعنية بالمياه في مختلف المراحل التعليمية، خصوصاً في مرحلة التعليم الأساسي لتنمية الوعي بالقضايا والمشكلات المائية.
كما أشار” العنزى”(2000) إلى ضرورة تدعيم مقررات الدراسات الاجتماعية بقيم سلوكية، خاصة في مرحلة التعليم الأساسي، لأن التلميذ في هذه الفترة العمرية يمر بمرحلة الخصوبة السلوكية، حيث تسهل ممارسة عملية التشكيل القيمى المؤثرة على تركيب وبناء شخصيته، مما يساعد في إنماء الوعي المائي لدى التلاميذ.
ومن جانب آخر, أكدت دراسة “عبد الوهاب كامل وطارق يوسف(1994)” على أهمية طرق التدريس المتبعة داخل الفصل أو خارجة في تنمية الوعي المائي والاتجاهات المرغوبة نحو المياه، وهذا يحتم على المعلم أن يستخدم الأساليب التدريسية والوسائل التعليمية التى تنمي الوعي المائي لدى التلاميذ.
وتنمية الوعي المائي لا يمكن أن تحدث بدون نشاط المتعلم في الوعي بالقضايا المائية الحالية والمستقبلية، وفحصها واستقصاء أسباب مشكلاتها وكيفية التعامل معها وعلاجها. وهذا يعنى أن تدريس الدراسات الاجتماعية يجب أن يبدأ من مواقف يكون التلميذ أحد عناصرها، بحيث ينشط التلميذ ويكون ايجابياً، ويتعلم عن طريق هذا النشاط، وتأتى المعرفة والمعلومات على أنها أدوات لهذا النشاط فتنير الموقف وتوضحه عن طريق تطبيقها فيه، وبذلك يتعلمها التلميذ بالتطبيق والعمل، أي مقترنة بالمهارات المتعلقة بها، فمناط التعلم في هذه الحالة هو مثير من البيئة تقع إثارته في نفس التلميذ فينشط جسمياً ووجدانياً ويلجأ إلى التفكير والمعرفة.
ولا يمكن حصر كل الطرق التي يمكن استخدامها في تنمية الوعي المائي لدى التلاميذ، إنما المهم في هذا الشأن أن أي استراتيجية تستخدم في تكوين الوعي المائي وتنميته ينبغي أن يتوافر فيها المعايير الآتية:
          ملاءمتها لمستويات التلاميذ وقدراتهم العقلية و العلمية.
          إتاحة الفرصة للتلاميذ للمشاركة في اختيار هذه الاستراتيجيات فهم الأقدر على تحديد ما يناسب ميولهم وخبراتهم
          أن يمارس المعلم دوره الحقيقي في التوعية والتعليم وهو دور المرشد والموجه للتلاميذ.
          إثارة دافعية التلاميذ باستمرار وتقديم التعزيز المناسب.
          مناقشة كل ما يود التلميذ مناقشته حول الأوضاع الحالية والمستقبلية لموارد المياه في بيئته.
وللأنشطة التعليمية أهمية كبيرة في تنمية الوعي المائي لدى التلاميذ، فقد أقامت “وكالة حماية البيئة الأمريكية” أسبوعاً لتنمية الوعى المائي لدى التلاميذ، مستخدمة في ذلك عدداً من الأنشطة التعليمية التي تتعلق بتعامل التلاميذ مع مصادر المياه في بيئتهم، وقد أسهمت هذه الأنشطة في تنمية وعى المتعلمين وإحساسهم بالقضايا والمشكلات المتصلة بالبيئة المائية والعوامل المؤدية لتلك المشكلات وأساليب التغلب عليها، كما اكتسب التلاميذ بعض السلوكيات المرغوب فيها، والتي تتعلق بحماية الموارد المائية من الهدر والتلوث.
كما أوصت دراسة ” كليجرين, دوجلاس“(Kilgren , Douglas. C, 2001) بضرورة تضمين المناهج الدراسية – ومنها مناهج الدراسات الاجتماعية – أنشطة تعليمية تتخذ من البيئة المائية ميداناً لها، وذلك لفعاليتها في اكتساب التلاميذ المعارف والمهارات والسلوكيات والاتجاهات المتصلة بترشيد استهلاك المياه والمحافظة عليها والوعي بقضاياها.
وفى ضوء ما سبق ينبغي تضمين مقررات الدراسات الاجتماعية في المراحل الدراسية المختلفة بموضوعات دراسية وأهداف وأنشطة تعليمية تحقق الجوانب التالية لدى التلاميذ:
         تنمية الجوانب المعرفية المتصلة بمفاهيم الموارد المائية وظاهراتها, وعلاقة الموارد المائية بتاريخ المنطقة ومشكلاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية, وإلقاء الضوء على المشكلات المائية الكمية والنوعية وأساليب التعامل معها وطرق علاج هذه المشكلات, كذلك أساليب حماية الموارد المائية من عوامل الإهدار والتلوث.
         تنمية الجوانب الوجدانية المتصلة بأوضاع الموارد المائية ومشكلاتها الحالية والمستقبلية, ومن هذه الجوانب: وعي التلاميذ بقضايا المياه ومشكلاتها,وتكوين الاتجاهات الايجابية نحو الموارد المائية, وتنمية الميول والاهتمامات والقيم نحو ترشيد الاستهلاك والنظافة وحماية الموارد المائية من التلوث.
         تنمية الجوانب المهارية في التعامل الحكيم مع الموارد المائية, مثل تنمية مهارات ترشيد الاستهلاك, ومهارات التنقية اليدوية للمياه الملوثة, ومهارات دراسة المشكلات المائية وبحثها واستنباط حلول منطقية لها.
ومن ناحية أخرى، تعد قضايا تلوث واستنزاف المياه والأطماع المتزايدة فى السطو عليها أحد التحديات المستقبلية التى تواجه الأمة العربية, وهذا يتطلب أن يقوم كل فرد فى المجتمع بدور فاعل فى درء المشكلات التى قد تحدث فى المستقبل بسبب الصراع على نقطة المياه, وفى هذا الصدد يرى “محمد أمين المفتي” (2000) أن الاهتمام بدور المعلم فى تحقيق التفاهم والسلام العالمي فى تزايد مستمر, نظراً لاتساع النظرة لبيئة الإنسان من المحلية إلى العالمية, والتغير فى مفهوم الأمن الدولي وبالتالي الاتجاه نحو حل المنازعات عن طريق التفاوض والحوار وغيرها من الأساليب السلمية؛ وفى ضوء ذلك ينبغي أن يتحول دور المعلم من استخدام أساليب التلقين إلى استخدام أساليب أخرى مثل: المناقشة والحوار, وحل المشكلات, وتدريب التلاميذ على بعض المهارات كالقدرة على التوقع, والاستجابة للأحداث, واتخاذ القرارات السليمة, والمرونة فى وضع البدائل, وإقامة الحجج المقنعة, والأدلة الدامغة فى السياقات والمواقف المختلفة.
وبناءً على ما سبق, لا يمكن إغفال دور معلم الدراسات الاجتماعية في تنمية المفاهيم المائية والوعي المائي لدى التلاميذ. فالمعلم هو الركيزة الأساسية للعملية التعليمية، وعليه يقع العبء الأكبر في تنمية الوعي عند التلاميذ، وكذلك تشكيل اتجاهاتهم على نحو يمكنهم من التأقلم مع التغيرات الراهنة والمستقبلية في مختلف المجالات، بل وتوظيف القدرات العقلية والمهارية لتلاميذه, من أجل مواجهة تلك التغيرات والتعايش معها والوقاية من آثارها السلبية.
ويتفق بعض التربويين علي أهمية دور المعلم في تنمية الوعى بوجه عام لاسيما الوعى المائي, إذ أن لمعلم الدراسات الاجتماعية دوراً مؤثراً في تحقيق أهداف البرامج التربوية التي تتناول القضايا العالمية ومنها استنزاف الموارد البيئية، وهذا يتطلب منه استغلال الأحداث الجارية كمدخل للتدريس والتوعية في آن واحد، وكذلك إبراز الروابط بين سلوكيات المتعلمين الفردية وحدوث تلك المشكلات، وأن يكون المعلم نفسه على وعى كامل بهذه القضايا حتى يستطيع مناقشة تلاميذه فيها، والتخطيط لتوصيل خبراته لهم وإقناعهم بما يقول، فلا يمكن أن يكون هناك وعى عند التلاميذ ومعلمهم غافل عن قضايا البيئة والمجتمع.
لذا يمكن القول أن الدور الرئيس للمعلم في تنمية الوعي العام – ومنه الوعي المائي- يتمثل في عدد من الأمور هي:
          توفير مصادر المعرفة أمام التلاميذ، بحيث يراعى فيها التنوع والدقة العلمية ومناسبتها لتنمية الوعي المائي.
          القدرة على إدارة الحوار المفتوح مع تلاميذه، وعدم الإصرار على وجهة نظر واحدة.
          تيسير مسيرة التعلم وليس مجرد نقل المعرفة.
          إثارة دافعية التلاميذ باستمرار، حتى يشعروا بحاجتهم إلى المزيد من المعرفة عن قضايا المياه.
          التركيز على فكرة التعلم الذاتي، كي يشعر التلاميذ دائما بأنهم قادرون على توعية أنفسهم بأنفسهم.
          إبراز الصلة بين السلوكيات الفردية للمتعلمين ومشكلات البيئة.
          استغلال الأحداث الجارية كمدخل للتدريس والتوعية في آن واحد.
          الإطلاع على كل ما هو جديد في مجال المياه ومشكلاتها والوعي بقضاياها.
          البحث المستمر عن أفضل الطرق في تنمية الوعي المائي والمفاهيم المائية المرتبطة به.
          الاشتراك مع التلاميذ في زيارات ميدانية لمحطات تنقية المياه ومحطات الصرف الصحي, كي يساعد التلاميذ في اكتساب الخبرات المباشرة المرتبطة بالمفاهيم المائية.
          التنوع فيما يستخدمه المعلم من استراتيجيات تدريس المفاهيم لمواجهة الفروق الفردية بين التلاميذ.

المصدر: مجلة المياه

Source: Annajah.net

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *