الوعي الذاتي: تعريفه، وأهميته، وطرق تعزيزه وتطويره

نحن نعيش في هذه الحياة غريبين وبعيدين عن ذاتنا، والتي تعدُّ أهمَّ مُحرِّكٍ لنا في الكون؛ لذا نكرِّس وقتنا للآخرين وللاهتمام بهم وبشؤونهم، وننسى إعطاء الوقت لأهمِّ وأخطر موردٍ لنا على وجه الأرض. سنناقش في هذا المقال أهمية التعرُّف على ذاتنا، واختبار الوعي الذاتي، وأهدافه.

Share your love

نحن لا نسعى إلى التَّعرف على الذات عن قرب، وإلى الغوص والتعمُّق في خفاياها بهدف زيادة وعينا الذاتي، فنمضي في الحياة بطريقةٍ فوضوية، منتظرين أن تأتي الحلول لمشكلاتنا من الخارج، غير واعين أنَّ الحلول الحقيقية لكلِّ ما نعاني منه تكمن في دواخلنا؛ فعوضاً عن سعينا اللاهث إلى تغيير الخارج والتعويل عليه، كان أحرى بنا أن نُعوِّل على دواخلنا، حيث يقبع الخلاص الحقيقي.

يعدُّ سعي النفس من أسمى وأنبل أنواع السعي، وهو السبب في 98% من الأحداث التي نعيشها. والسؤال هنا: ماذا لو أنَّ وعينا الذاتي مفتاحنا إلى الحياة بأسرها؟ وماذا لو أنَّ فرص الحياة ترضخ لإشارةٍ واحدةٍ من وعينا العالي؟ وماذا لو أنَّ حالة السلام والاطمئنان والسكون مقترنةٌ بوعينا الذاتي العالي، وأنَّ علينا العمل على الرفع من سويَّة وعينا لنصل إلى استشعار أرقى المشاعر وأنبلها على الإطلاق؟ وهل خضع كلُّ شخصٍ ناجحٍ إلى جلساتٍ حميميةٍ مع ذاته، مُطوَّلةٍ ودوريَّة؛ بغية الوصول إلى العمق المنشود الذي يوصله إلى الفلاح في الدنيا؟

سنناقش في هذا المقال أهمية التعرُّف على الذات، واختبار الوعي الذاتي، وأهدافه.

ما هو الوعي الذاتي؟

هو القدرة على التوليد المستمرِّ لمعلوماتٍ ذات جودةٍ عاليةٍ عن نفسك؛ فكلَّما بحثتَ عن نفسك أكثر، فهمتَ خفايا القضايا أكثر، وحقَّقت إنجازاتٍ أكثر، وأصبحت حرَّاً أكثر في اتخاذ القرارات السلمية في حياتك.

هل تجلس مع ذاتك؟

  • هل تستطيع مُصارحتنا في الإجابة عن هذا السؤال: هل تربطك مع نفسك علاقةُ ودٍّ ورحمةٍ وتناغم؟ أم علاقة لومٍ وجدالٍ وخصام؟
  • أثبتت دراساتٌ نفسيةٌ أنَّ أكثر من 95% من سكان العالم يهربون من الجلوس مع أنفسهم، ولعلَّ هذا هو السبب الأساسي للكثير من الأمراض النفسية.
  • يشعر أغلب البشر حين جلوسهم مع ذواتهم بمشاعر ألمٍ وضيق، أو مشاعر تأنيبٍ وعارٍ وخوف؛ ممَّا يجعلهم يهربون من هذا اللقاء، معتقدين أنَّهم بذلك يُبعِدون أنفسهم عن المعاناة والحزن، غير واعين للقانون الأساسي في الحياة الذي يقول: “سيزداد الشيء الذي تهرب من مواجهته وتكبته في داخلك، وسيغزو حياتك في وقتٍ من الأوقات، وبقوةٍ أكبر بكثيرٍ من السابق”.
  • تبدأ الحلول لكلِّ شيءٍ من حوارك مع ذاتك؛ لذا يجب أن يتحوَّل هذا الأمر إلى طقس مميزٍ لديك، وبمعدل مرتين إلى ثلاث مراتٍ أسبوعيَّاً كحدٍّ أدنى.
  • حاور ذاتك، وتعامل معها كتعاملك مع الطفل الصغير، فأنتَ تسامح الطفل على هفواته وأخطائه، وتحتويه مهما فعل، وتسعى جاهداً إلى تجاوز عثراته، وتمضي قدماً إلى تعليمه الأشياء الجميلة الإيجابية المفيدة؛ وكذلك عليكَ أن تحاورنفسك بحبٍّ وهدوء، مبتعداً عن التأنيب والجلد والتوبيخ.
  • النفس كالطفل، فإن أُسيء معاملتها؛ نفرت منك، ولن تطيعك في أيِّ أمر؛ لأنَّها تحتاج إلى الحريَّة، فلا تكبتها، بل تعامل معها بمنتهى الرقي والشفافية والاحتواء، وعندها ستصبح في حالة تناغمٍ رائعةٍ معها.
  • تستطيع أن تقول لنفسك خلال حوارك معها: “أنا أحبُّك يا نفسي، وأنا أعتذر منك على ما فعلته في الفترة الماضية، فأنتِ أمانةٌ لدي، وعليَّ أن أصونك، وأُريدك أن تعلمي أنَّ العيب لا يكمن في الخطأ، بل في الاستمرار به دون التعلُّم منه؛ لذلك دعينا ننطلق من جديدٍ وننسى ما سبق، فكلينا يحبُّ بعضه الآخر، وكلينا يملك قلباً صافياً نقياً”.

سُلَّم الوعي الذاتي (اختبار الوعي الذاتي):

قسَّم العالم والباحث النفسي “ديفيد هوكينز” وعي الإنسان إلى أربعة أقسام، بحيث يتضمَّن كلُّ قسمٍ عدة مستويات، وعُدَّ هذا القانون من أهمِّ القوانين التي تفسِّر سلوكات البشر في المراحل العمريَّة كافة.

القسم الأوّل من سلّم الوعي:

يتضمَّن القسم الأول 8 مستويات، وتبدأ من 20 إلى 175 درجة، وهي:

  1. العار (20): يشعر الإنسان في هذا المستوى بمشاعر العدم والرفض لكلِّ شيء، فتجده رافضاً لمنزله وعمله وأهله وذاته؛ وتكون مشاعره في منتهى السلبية.
  2. التأنيب (30): يمارس الشخص في هذا المستوى جلداً مستمراً لذاته، بحيث يشعر بأنَّه دوماً على خطأ، وأنَّه كان عليه أن يتصرَّف بطريقةٍ أخرى.
  3. اللامبالاة (50): يكون الشّخص هنا ضعيفاً، وهشَّاً، وفاقداً لكلِّ أمل.
  4. الشفقة (75): يرتاح الشخص هنا عند أدائه لدور الضحية، وعند الشكوى الدائمة واليأس والحزن.
  5. الخوف (100): لا يثق الشخص القابع في هذا المستوى بالآخر، حيث يتبنَّى مقولة “إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب”، فهو دائم الحذر الشديد والخوف من كلِّ شيء.
  6. الرغبة (125): يعيش الشخص هنا مشاعر التملك، والطمع، والتعلُّق الشديد المرضي.
  7. الغضب (150): يستشيط الشخص هنا غضباً إن لم يحصل على ما يريد.
  8. الكبرياء (175): يشعر الشخص هنا بالتميُّز والأفضليَّة على الآخرين، فيكون الإيجو عالياً هنا.

القسم الثاني من سلّم الوعي:

يتضمَّن القسم الثاني 5 مستويات، ويغلب عليها العقل، وهي:

  1. الشجاعة (200): يَعِي الشّخص هنا أنَّه السبب في كلِّ ما يحدث له في الحياة، فلا يلوم الظروف أو الأحداث الخارجية، ويكون مجتهداً، ويسعى إلى الوصول إلى أهدافه؛ لكنَّه دائم التعب، فهو يرى في كلِّ أمرٍ تحدٍّ.
  2. الحياد (250): وهنا يصبح الشخص أكثر انفتاحاً من المستوى السابق بحيث يرى ألوان الحياة الأخرى، بعد أن كان منحصراً بلوني الأبيض والأسود فقط، ويستشعر الخيارات المتاحة الكثيرة، ويتشبَّع بحالة الرضا عن حياته.
  3. الاستعداد (310): وهي حالةٌ متقدِّمةٌ عن الرضا، بحيث يكون الشخص مستعداً إلى استقبال أيِّ معلومةٍ تقوده إلى التطوير، وتزيد من وعيه في قضيَّةٍ معيَّنة. على سبيل المثال: إن كان لدى الشخص مشكلةٌ مالية، فيكون واعياً لكونه المسؤول عنها، وراضياً بوجودها؛ لكنَّه مستعدٌّ لقبول معلوماتٍ جديدةٍ من شأنها أن تكشف عن وجود أفكار وقناعاتٍ مغلوطةٍ عن المال لديه.
  4. القبول (350): يكون الشخص هنا في حالة قبولٍ لكلِّ ما في حياته، بحلوها ومرِّها، حيث يملك مرونةً عاليةً جداً، وقدرةً كبيرةً على الغفران والمسامحة.
  5. الحكمة (400): يكون الشخص هنا تحليلياً من الطراز الرفيع، بحيث يبدأ باستنباط الرسائل الكامنة وراء وجود أيِّ شخص، أو حدوث أيِّ شيءٍ في حياته؛ ويغلب عليه التفكير المنطقي العقلاني .

القسم الثالث من سلّم الوعي:

يتضمَّن القسم الثالث 3 مستويات، وهي قمَّة الإيجابية:

  1. الحب (500): وهو الحبُّ المطلق غير المشروط، أي حبُّ الإنسان لكلِّ شيءٍ ولأيِّ شيءٍ دون سبب، حتَّى أنَّه يقع في حبِّ أعدائه؛ وإنَّه لمن الصعب جداً الانتقال من الحكمة إلى الحب؛ لأنَّه يمثِّل الانتقال من المنطق والعقل إلى الروحانيات والمشاعر.
  2. البهجة (540): يكون الشخص هنا سعيداً جداً، وقادراً على تحويل أيِّ مشكلةٍ إلى فرصةٍ حقيقية، ولديه القدرة على جذب ما يريد إلى حياته.
  3. السلام (600): يشعر الإنسان هنا بمشاعر السكينة والطمأنينة والهدوء والامتنان، ويكون حاضراً في كلِّ لحظةٍ من لحظات حياته، بحيث يتفنَّن في عيش الحياة ومتعتها.

القسم الرابع من سلّم الوعي:

يتضمَّن القسم الرابع مستوىً واحداً:

  1. التنوير (700-1000): يكون الشخص هنا متصلاً اتصالاً عظيماً مع اللَّه، وقادراً على التأثير الكبير في البشرية.

عليك أن تكون صادقاً مع ذاتك، وتكتشف موقعك في سلم الوعي، وتسعى جاهداً إلى تطوير وعيك. من الضروري أيضاً أن نطمح إلى الوصول إلى مستوى “الحب” على الأقل، ويحتِّم علينا هذا الطموح الكثير من السعي والاجتهاد.

بماذا ينفع الوعي؟ وكيف نطوّر مستوى الوعي لدينا؟

  • يمنحك التدرُّج في مستويات الوعي، والوصول إلى وعيٍ أعلى في كلِّ مرة؛ كما يمنحك مشاعر رائعة، ويزيد من شهيَّتك إلى الحياة والتغيير والتقدُّم، فالوعي فرصةٌ حقيقيةٌ لك لكي تعرف “مَن أنت”، و”لماذا جئت إلى الحياة”، و”ما رسالتك”؛ وهو وسيلةٌ ناجعةٌ لفهم ذاتك أكثر، والتخلُّص من كمِّ المشاعر السلبية التي تعيشها.
  • يجعلك الوعي المتقدِّم إنساناً راقياً وهادئاً وقادراً على احتواء الآخر بكلِّ سلبياته، وقادراً على التركيز على الإيجابيات عوضاً عن السلبيَّات، فتنعم براحة البال والسعادة.
  • عندما تنتقل من مستوى وعيٍ إلى آخر، عليك أن تعيش حالة الحياد، وأن تبقى مركِّزاً على الإيجابيات، حتَّى في حال وجود مشكلات؛ إذ يترافق الانتقال بين مستويات الوعي مع القليل من الضغوطات العابرة، وهذا أمرٌ طبيعيٌّ عليك إدراكه.

تطوير الوعي الذاتي:

1. المراقبة:

عليك أن تراقب المنظومة الرباعية لديك، والمتمثِّلة في: أفكارك، وقيمك، ومعتقداتك، ومشاعرك؛ فالمشاعر السلبية ناقوس الخطر الذي يحذِّرنا من وجود خطأٍ ما في المنظومة، فمثلاً: في حال مراقبتك لمشاعرك، وكتابة المواقف التي تحزنك والتي تسعدك، ثمَّ تحليل الأسباب الكامنة وراء المشاعر التي لها علاقة بأفكارك ومعتقداتك وقيمك؛ ستتمكَّن من تطوير درجة وعيك.

على سبيل المثال: إن أخبرك شخصٌ ما أنَّه التحق بدورةٍ تدريبيةٍ هامَّةٍ في اختصاصٍ معيَّنٍ يتقاطع مع اهتماماتك، وشعرت عند سماعك الخبر بالضيق النفسي؛ فعليك أن تُحلِّل أسباب هذا الشعور، فقد يتَّضح أنَّ قيمة العلم لديك غير مشبعة، وأنَّ معتقداتك مغلوطة، مثل: “يحتاج العلم والالتحاق بالدورات التدريبية إلى المال الكثير، وأنا لا أملكه”؛ حيث سيدفعك هذا التحليل إلى التساؤل عن مدى صحة معتقداتك وأفكارك، ومن ثمَّ يُحفِّزك على التغيير وخلق أفكار ومعتقداتٍ جديدةٍ إيجابية، مثل: “هناك طرائق كثيرةٌ أحصل من خلالها على المعلومة، ولا تتطلَّب المال الكثير، مثل: الكتب، والإنترنت، والدورات التدريبية مُخفَّضة السعر”؛ فعوضاً عن وقوفك في مكانك عاجزاً مكتئباً، فإنَّك تكون قد تحرَّكت خطوةً في الاتجاه الصحيح، وبدأت رحلة وعيك الرائعة”.

2. اعلم أنَّ الوعي لا نهاية له:

لذلك لا تقع في فخ “أنَّك نجحت في الوصول إلى الوعي الكامل”، فنحن بحاجةٍ يومياً إلى تزكية أنفسنا وتطويرها حتَّى الممات.

3. آمن بأنَّك من صنع اللَّه:

حيث يعني هذا أنَّك تستحق الأفضل في كلِّ شيء، وأنَّ لديك كامل الإمكانات لكي تتطوَّر وتُحقِّق أهدافك، واعلم أنَّ كلَّ شيءٍ يبدأ بخطوة؛ لذلك جزِّئ هدفك إلى خطواتٍ صغيرة، واصبر ولا تستعجل الوصول إلى أهدافك.

4. كُن فضولياً في التعمُّق في ذاتك وسبر أغوارها:

وحافظ على دهشتك، فالفضول والدهشة عنصران هامَّان لكي تطوِّر وعيك.

الخلاصة:

تأكَّد أنَّ الحلول لكلِّ المشكلات التي تعاني منها تكمن في داخلك؛ لذلك لا تجلس منتظراً حلولاً من الخارج، بل اسعَ إلى تطوير وعيك، وتزكية نفسك؛ وسترى كيف أنَّ الطريق سيتضح ويُزهِر أكثر فأكثر.

 

المصادر: 1، 2، 3

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!