في سلسلة مواقع متتالية، وبلغة قطعية غير مسبوقة، أعلنت تركيا وقبرص الشمالية أن الحل الوحيد المطروح لأزمة جزيرة قبرص المنقسمة منذ عقود هو “حل الدولتين”، في حين أكدت اليونان وقبرص الجنوبية أنهما ما زالتا تتمسكان بـ”الفدرالية” لحل الأزمة، وذلك في الوقت الذي عادت فيه حرب التصريحات بقوة بين مسؤولي البلدين.
وعقب 46 عاماً على تقسيم جزيرة قبرص، شهدت فشل عشرات المحاولات والمبادرات الثنائية والإقليمية والأممية لحل الأزمة وإعادة توحيد الجزيرة، وفي ظل تصاعد الخلافات حول الموارد في شرق البحر المتوسط، وإطالة أمد الأزمة وصعود القيادات القومية في شقي الجزيرة، يبدو أن حل الدولة الواحدة بات من الماضي وشبه مستحيل وذلك على حساب تصاعد الدعوات لحل الدولتين الذي باتت تركيا وقبرص الشمالية تتمنياه بشكل علني ومتشدد، وصولاً لاعتباره “الخيار الوحيد المطروح حالياً”.
ويعتبر وصول أرسين تتار إلى الرئاسة في قبرص الشمالية -التركية- نهاية العام الماضي أحد أبرز نقاط التحول في خريطة الصراع في السنوات الأخيرة، حيث يعتبر تتار من الشخصيات القومية المقربة من تركيا بشكل عام والرئيس رجب طيب أردوغان بشكل خاص، ويدعم الوجود التركي بقوة إلى جانب إيمانه المطلق بضرورة حل الصراع على أساس حل الدولتين بعدما اعتبر أن حل الدولة الواحدة لم يعد ممكناً على الإطلاق، وذلك على عكس الرئيس اليساري السابق مصطفى أقنجي الذي كان لا زال يؤمن بحل الدولة الواحدة وإمكانية توحيد الجزيرة.
والأربعاء، تحدث أردوغان أمام الكتلة البرلمانية للحزب الحاكم بشكل قطعي أن ما من حل لأزمة جزيرة قبرص سوى بإقامة دولتين، وقال: “أقول لليونان وقبرص الرومية، لا حل لأزمة الجزيرة سوى بإقامة دولتين مستقلتين شئتم أم أبيتم”، مشدداً على أنه “لا جدوى من الحديث مجددا عن صيغ الحل القديمة للقضية القبرصية، وأنه من الضروري التعامل معها وفقا لروح العصر الجديد”.
وهاجم أردوغان رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتشوتاكيس بقوة، حيث خاطبه بالقول: “الزم حدودك وكف عن تحدينا، وإن لم تفعل فهذا يعني أنك تتهرب من المفاوضات”، مضيفاً: “على العالم أن يدرك بأننا لن نسمح بعد الآن أن يظل القبارصة الأتراك ضحايا الأزمة المستمرة في الجزيرة منذ نصف قرن”، معتبراً أن طرح فكرة تأسيس نظام فيدرالي في الجزيرة لم يعد مجديا.
في السياق ذاته، أكد رئيس “جمهورية شمال قبرص التركية” أرسين تتار، الأربعاء، موقف بلاده القائم على حل الدولتين في الجزيرة على أساس المساواة في السيادة، ودفاعهم عن موقفهم حتى النهاية. وأكد تتار حرص بلاده على التوصل إلى “اتفاقية عادلة ودائمة ومستدامة مع الجانب الرومي، تضمن للدولتين العيش بسلام جنبا إلى جنب”.
ورداً على تصريحات رئيس الوزراء اليوناني التي قال فيها “إن هدف بلاده الاستراتيجي، إنهاء الوجود التركي في جزيرة قبرص”، قال تتار: “تواجد الوحدات العسكرية التركية في قبرص التركية هو الضامن والحامي لعدم تحول الأتراك القبارصة إلى أقلية نتيجة للاستفزازات المتواصلة من الجانب الرومي اليوناني”.
واعتبر تتار أن “عقلية اليونان والشطر الرومي من الجزيرة لن تتغير، وهم يحلمان بقطع صلة أنقرة بجمهورية شمال قبرص التركية.. يسعيان إلى إبقائنا أقلية ضمن جمهورية قبرص المزعومة التي ستتحول إلى دولة تابعة لليونان، ومن ثم تشتيتنا وإحكام سيطرتهم على كامل الجزيرة منذ عام 1974”.
وفيما يبدو أنها رداً على زيارة رئيس الوزراء اليوناني، الاثنين، لقبرص الجنوبية، زار نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي، الأربعاء، قبرص الشمالية، مؤكداً من لفكوشا أن حل الدولتين هو المخرج الوحيد للقضية القبرصية وينبغي التفاوض بشأن ذلك، وقال: “لا ينبغي لأحد أن ينتظر منا أن نترك جمهورية شمال قبرص وحدها، ثمة شعبان مختلفان أثبتا نضجهما في الجزيرة، كما أن الديمقراطية والدولة حاضرتان.. حل الدولتين هو المخرج الوحيد للقضية القبرصية، وينبغي التفاوض بشأن حل الدولتين على أساس المساواة في السيادة”.
والثلاثاء، قال رئيس وزراء قبرص التركية أرسن سانير: “أثينا والشطر الرومي يسعيان لإبقائنا كأقلية ضمن جمهورية قبرص المزعومة التي ستتحول إلى دولة تابعة لليونان، ومن ثم تشتيتنا وإحكام سيطرتهم على كامل الجزيرة”، مضيفاً: “بحث اليونان والقبارصة الروم عن حل فيدرالي ما هو إلّا أداة لتشتيت الانتباه ومراوغة لبلوغ أحلامهم”.
في المقابل، واصلت اليونان وإدارة قبرص الجنوبية، تمسكهما بالحل “الفيدرالي” في حل مشكلة الجزيرة المنقسمة، وذلك خلال لقاء رئيس الوزراء اليوناني، كرياكوس ميكوتاكيس مع زعيم قبرص الجنوبية نيكوس أناستاسياديس الاثنين في الجزيرة، حيث أكد رئيس الوزراء اليوناني رفض بلاده التفاوض حول قبرص على أساس “حل الدولتين”. واعتبر أن إعادة توحيد الجزيرة يجب أن يشمل إنهاء نظام الضمان القديم وانسحاب القوات التركية منها.
وفي الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فتحت قبرص التركية، جزءًا من منطقة “مرعش” بعد إغلاق دام 46 عاما. ومرعش هي منطقة سياحية تقع بمدينة “غازي ماغوصة” في جمهورية شمال قبرص التركية، على الخط الفاصل بين شطري قبرص، وأُغلقت بموجب اتفاقيات عقدت مع الجانب القبرصي الرومي، عقب العملية العسكرية التي نفذتها تركيا في الجزيرة عام 1974.
ويعتبر افتتاح منطقة مرعش خطوة عملية على الأرض تشير إلى توجه جديد لقيادتي تركيا وشمال قبرص لتحقيق مكاسب على الأرض والتصرف من منطلق حل الدولتين وذلك عقب عقود من الجمود الذي تقول القيادتين إنه أدى إلى إلحاق خسائر كبيرة وأضرار واسعة لسكان شمال قبرص.
وفي 2004 رفض القبارصة الروم خطة قدمتها الأمم المتحدة لتوحيد شطري الجزيرة. وتعثرت العملية السياسية بين شطري قبرص، منذ انهيار المحادثات التي دعمتها الأمم المتحدة في منتجع كرانس مونتانا السويسري، في يوليو/ تموز 2017، ومنذ أشهر وصلت الخلافات إلى ذروتها بين الجانبين مع تفجر الخلافات حول عمليات التنقيب وصولاً للحديث عن تقاسم الموارد وترسيم الحدود البحرية بين شقي الجزيرة وهو ما مهد للحديث عن حل الدولتين بشكل غير مسبوق.
