كانت التحويلات من العمالة الأردنية المغتربة، (270,000 عامل مغترب أو عشرة بالمائة من القوة العاملة في الأردن)، مصدرًا رئيسيًا للإيرادات من العملات الأجنبية وخاصة من الدول النفطية في الخليج، كما أنها كانت سببا رئيسيا لتأسيس الصناعة المصرفية في الأردن.
ويحتل الأردن حاليًا المرتبة 36 عالميًا من حيث نسبة صافي التحويلات من الخارج إلى الناتج المحلي الإجمالي. البلدان التي تحتل مرتبة أعلى من الأردن هي تقريبًا جميع البلدان النامية منخفضة الدخل، وبعضها فقير للغاية. ومع ذلك، فقد انخفضت التحويلات كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي على مدى العقدين الماضيين الأمر الذي ينبغي على الأقل بأن يدفع البعض إلى اتخاذ بعض الإجراءات السياسية.
دعونا نلقي نظرة على البيانات والأرقام الرسمية المتوفرة. في العام 1972، أي قبل عام من حرب تشرين الأول (أكتوبر)، كانت نسبة تحويلات المغتربين إلى الناتج المحلي الإجمالي 2.6 في المائة، بعد حرب تشرين الأول (أكتوبر) وتضاعفت أسعار النفط أربع مرات، بدأت نسبة الحوالات في الارتفاع بشكل متسارع، حيث وصلت إلى 21.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 1975 و 24 في المائة في العام 1976.
وبعد العام 1976، بدأت نسبة الحوالات في التراجع بسبب نمو الاقتصاد الأردني (الناتج المحلي الإجمالي) بشكل غير مسبوق لتصل الى 18.4 في المائة في العام 1980، ثم عادت للارتفاع مرة أخرى، لتصل إلى 23.6 في المائة في العام 1982 ثم ارتفعت النسبة 24.9 في المائة في العام 1984. كان سبب هذا الارتفاع عودة الكثير من المغتربين نتيجة حصول هبوط في أسعار النفط لحصول تخمة في عرض النفط عالميا، كما شهدت السنوات الكارثية 1988 و1989 زيادة في النسبة المئوية لانخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة أعلى من نسبة زيادة التحويلات على أساس سنوي.
بعد العام 1989، وكما هو متوقع عندما يكون الناس قلقين بشأن الوجهة التي يرسلون الأموال إليها، بدأت التحويلات في الانخفاض كنسبة مئوية من الناتج واستمرت في الانخفاض حتى عالام 1991. وفي العام 1992، قفزت التحويلات إلى 15.9 مع عودة الأردنيين من دول الخليج بسبب غزو الكويت ثم تحريرها.
استمرت التحويلات في الارتفاع بعد ذلك، حيث استمر الأردنيون العائدون في تلقي تعويضات عن خسائرهم وبدأ البعض بالعودة إلى دول خليجية أخرى رحبت بهم. واستمر هذا الاتجاه حتى العام 1994 عندما انخفضت نسبة الحوالات بشكل طفيف، ثم بلغت ذروتها في العام 1996 عند 22.8 في المائة بعد توقيع اتفاقية السلام.
جاءت الذروة التالية (22.4 في المائة) في العام 2000، وبعد ذلك انخفضت النسبة بشكل مطرد. وبدأت موجة جديدة من التراجع في نسب التحويلات وبشكل مطرد أيضا منذ العام 2014 من 17.3 في المائة إلى 8.9 في المائة في العام 2020.
لماذا سقطت هذه النسبة في السنوات الأخيرة؟ الجواب متعدد الجوانب: فقد سمحت بعض دول الخليج للمغتربين بشراء العقارات هناك بدفعات أولى وأسعار فائدة منخفضة مما أدى إلى انتزاع الأموال من سوق العقارات الأردني. أيضا، أصبحت القوة العاملة الأردنية هناك تجد منافسة جادة من قبل عمالة البلدان الأخرى، مما يعني انحسار الوظائف وتخفيض الأجور؛ كما اتجه المغتربون الأردنيون إلى تملك العقارات في بلدان تمنح الجنسية لمالكي العقارات حيث أصبح الحصول على جنسية ثانية اتجاهاً عالمياً في السنوات الأخيرة. أيضا، ومع تطور الثورة الرابعة (الإنترنت لكل الأشياء) لم تعد العقارات هي الخيار الوحيد (الأسهم والعملات المشفرة أخرى، على سبيل المثال) لاستثمار المدخرات.
ومع ذلك، لا ينبغي للمرء أن يأسف كثيرا لتضاؤل تدفق التحويلات فبعد كل شيء، ومن الناحية التنموية المحضة، تعتبر التحويلات ثمنا تافها لنزيف العقول الذي تسبب فيها. إن مغادرة الأردني للعمل في مكان آخر هو أشبه باقتلاع شجرة من مزرعة وإرسالها إلى أخرى لتنتج هناك، وليفقد المزارع الذي صدرها الجهد الذي بذله في زراعة الشجرة مقابل قروش قليلة يكتسبها من بيعها للمزرعة المجاورة التي تجني ثمار هذا الجهد لتزداد ثراء.
كما أن غالبية الحوالات كانت تذهب إما لسوق العقارات أو للاستهلاك لبضائع وسلع لا ينتجها الأردن مما أدى الى خروج جزء منها من الاقتصاد الأردني لاقتصادات الدول المصدرة لهذه السلع. كما أدى بعضها الى المزيد من البطالة وتشوهات كثيرة في سوق العمل كأن ينتظر المرء الإعالة من قبل قريب مغترب، أو “فيزا” للذهاب خارج البلد فلا يقبل بأي وظيفة موجودة في بلده، أو أن يطالب بأجور تفوق المتاح في سوق العمل الأردني، وغيرها.
لا يمكن إلقاء لوم رحيل العقول على المغتربين، فالسبب الرئيسي للرحيل هو عدم القدرة على العثور على عمل ملائم في وطنها. كما لا يجوز أبدا حظر تصدير الرأسمال البشري. الإجابة الوحيدة الممكنة والمناسبة هي خلق وظائف في الوطن وتطوير طرق ووسائل لتحفيز وتعظيم القيمة المضافة في الأردن. بعبارة أخرى، هناك حاجة ماسة للتنمية، وينبغي أن تكون على رأس جدول الأعمال. حان الوقت للبدء بالتفكير في الحلول وتنفيذها.